الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

الشاعر والناقد السينمائي السوري محمد عبيدو لـ وقت الجزائر : أفضل الـعودة لوطني حــتى لـو عشــت الغــربة والقــهر فيــه

حاورته: ساسية مسادي
يعتبر الشاعر والناقد السينمائي السوري، محمد عبيدو، كلماته في ديوانه الأخير رجل مشحون بالندم حالة عصيان شخصية ومجتمعية ليقف عند باب الحيرة وهو يتساءل هل ترثي كلمات قصائدي زمنا مضى أم تحلم بزمن سيأتي أم تلملم جراحنا؟ ، ويؤكد الشاعر في هذا الحوار على أن المبدع فضاء خلاق للثورة، هذه الأخيرة التي يصفها بأنها دنيا مضاءة بالعناق والأغنية. كما يعبر عن كرهه للمنفى ويفضل لو خرج من وطنه سوريا أن يعود إليه حتى لو عاش الغربة والقهر فيه.
وقت الجزائر : تقول في ديوانك رجل مشحون بالندم: (سأقيم في الكلمات حيث الزمن والألم يخلق الأمل) هل يعتبر هذا هربا من واقعك إلى عالم الكلمات؟ وإلى أي مدى يبقى عالم الكلمات محصنا من ضربات الواقع؟
محمد عبيدو: خصت الشاعرة عناية جابر قراءتها لمجموعة رجل مشحون بالندم بعبارة كتابة ظلال الأشياء وهذا تماما ما أرغب به شعريا، هذه العزلة التي ترشح من كلماتي هي حالة عصيان شخصية ومجتمعية، ومحاولة اختراق يائسة ومقاومة لواقع سيطر عليه الرخويات والقهر والقمع، وساد به الابتذال والتصنع.
ما هو الحد الفاصل بين الموت والمنفى في شعرك؟
الموت بالنسبة لي ليست نهاية بل نقطة انطلاق نحو مشاركة أصيلة مع الآخرين، نميل للشعر والصورة للتعبير عن موت معاش، أو مترقب وأوقاتنا في سعيها إلى اكتشاف اللحظات الأجمل في هذه الحياة الواقفة عند الحدّ الفاصل بين الوهم والحقيقة.
في أشعارك بهذا الديوان تكثر من الكلمات: الموت، الذكريات، الجدار، الظلال، لما تسكنك هذه الكلمات وتتردد على حبرك؟
كلمات الشعر لديّ تشق القلب عن لغة الغياب، وتجعل القلب بانتظار المدية، القلب هذا المليء بالطعنات، هذا الربيع الخاسر، في زمن يصبح فيه العدو صديقا والعشق غباء والرياء شطارة والمواطنة تمردا والحلم لعنة، لا أدري هل ترثي كلمات قصائدي زمنا مضى أم تحلم بزمن سيأتي أم تلملم جراحنا.
أنت تذكر ما يحدث في بلدك سوريا فتقول، ويعاد الارتحال من البلاد...، وفي قصيدة أخرى تقول: يطل الموت... في مدن بلا عدالة ولا حرائق... جاءت هذه الأبيات في لغة رمزية كبيرة هل كتبت هذه الأبيات حديثا، أم أنها جراح العالم ككل؟
تتمثل الصورة الشعرية على أنها كشف أو على أنها تجلي لوحدتنا التي تتجاوز كل المتناقضات، فالكشف الحقيقي، التجلي الحقيقي في معنى صامت يكمن فيما وراء الكلمات .. الشعر لدي لا يكون عاريا من اللحم أبدا ، بل يكتسب أحيانا كثيرة نغمات وتشديدات اجتماعية وسياسية وروحية . ربما قصيدة الجمعة كانت أكثر مباشرة حين تصف بعض الأجواء من انقطاع الانترنيت والكهرباء والخوف والحذر ...ولا يمكن أن نفهمها بغير معناها لا يمكن للشاعر أن يكون معزولا عما يحدث بوطنه، عن هذا الألم المتفجر وهذا الدم المتسرب، والقلق الخوف المعشش بدواخلنا، وحالة العجز عن المشاركة بالفعل الجماعي، سورية كوطن ومدن وبشر متورطة داخل اللغة التي أشكلها في قصيدتي.
في حالة الحرب يفضل الكثيرون الشعر العمودي المباشر، بدل الشعر الحر الرمزي، ما رأيك؟
على العكس، هذه الأيام ملّ الناس من المنبرية والخطابة الجوفاء، ومالوا للكلمة التي تخرج من القلب لتدخل إلى القلب بلا ضوضاء أو مبالغة أو افتعال وبعيدا عن تراكمات الكلمات الجاهزة والمستهلكة.
وكيف يرى محمد عبيدو ما يجري في سوريا الآن؟
إنها لوحة أو قصيدة أو فيلما سينمائيا على مستوى بناء الشعوب، وتأسيس القيم، في حجم معركة عظيمة تؤسس لتاريخ عظيم .. إن المبدع فضاء خلاق للثورة بقدر ما هو فضاء خلاق له ..
الثورة هي الدنيا المضاءة بالعناق والأغنية .. التي نثر كل شهيد منها دمه في تفاصيل البلاد من أجل التغيير والحلم القادم .. كيف يتراءى لنا نحن الأحياء، إذا عرفنا أن ثائرا إنسانا بذل دمه مليئا بالضحكات. لاشيء سوى هذه الجملة: يجب أن نضع أقدامنا فوق الأرض، بصلابة هذه الأرض أو نموت، هل الأرض أكبر منا؟
نرى أن الإنتاج السوري الدرامي حافظ على وزنه عربيا، كونك ناقدا سينمائيا أيضا، وبعيدا عن الشعر، كيف هو الإنتاج السينمائي السوري وما هي المواضيع المطروحة حاليا؟
تميزت السينما السورية عبر إنتاج القطاع العام ومنذ بدايته بتطرقها لمواضيع حساسة وجوهرية وناقشت هموم الإنسان، ولا نجد نهوض في إنتاج الأفلام السينمائية وذلك لجبن رأس المال السوري وبحثه عن الربح المضمون، ومع الفورة الإنتاجية للمسلسلات التلفزيونية توجه العديد من المنتجين وشركات الإنتاج السينمائي السورية إليها. أي أن المشكل كان بالأساس عبر الإنتاج وعبر الرؤية الإبداعية. أرى أن السينما السورية في كثير من أفلامها تتنفس الدراما والمأساة والوجع، وتروي من دون خجل جروحاً ملعونة في دواخلنا، لن تشفى ولن تجعلنا نعيش بكرامة وراحة ما لم نخرجها من أعماقنا.
وهل اتضحت بالفعل صورة ما يجري في سوريا، بالنسبة للسينمائيين على الأقل ليتمكنوا من طرح ذلك في أعمالهم؟
عند خوضنا في الميدان الحقيقي للتوثيق في الأعمال السينمائية فإننا نقارن بين نوعين من العمل السينمائي: الأول الذي يهتم بنقل الحدث مباشرة، ويلتقط يومياته وتفاصيله، مثل هذا العمل له أهميته البالغة وهو يتعلق تماما بالحاضر وبعد فترة ينتقل ليصبح جزءا من الأرشيف.
أما الثاني، فهو الذي يتخلص من تصوير اللحظة إلى عمل يقوم بالدرجة الأولى على دراسة وعلى بحث ميداني شامل. أي الفيلم هنا يستطيع أن يحمل وبجدارة مكان البحث في مئات الصفحات، وينفتح بشكل أساسي على عدة أنواع السياسي، الاجتماعي والشاعري.
لكن ما السبب الحقيقي في تخلّف السينما السورية عن مواكبة ما يحدث في الدول العربية؟
تخلف السينمائيين السوريين عن مواكبة الحدث اليومي وتلاحقه السريع في الشارع السوري هنا لابد من الإشارة لغياب المخرج عمر اميرلاي الذي فارق الحياة قبل عامين وهو المبدع والمثقف المهموم بقضايا وطنه عبر مواقفه السياسية وعبر سينماه التسجيلية ذات البعد النقدي الساخر والأليم في التقاطها لتفاصيل الواقع السوري وتعريتها وتوثيقها للبؤس الكامن فيه عبر مقترحات بصرية وجمالية جديدة بالسينما العربية.
هذه الثورات بما تحمله من حلم بالتغيير دفعت العديد من الناشطين والهواة إلى ضخ كم كبير من الصور التوثيقية التي صوروها بكاميراتهم المحمولة، ليشكل العديد منها توثيقا بصريا مدهشا وجارحا بألمه، هدفه إيصال الحقيقة والتعبير عن الحلم بالتغيير، فنتج عدد من الأفلام عرضت على اليوتيوب وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، وليأخذ بعضها الاحترافي طريقه لملتقيات ومهرجانات سينمائية عربية وعالمية.
محمد عبيدو لو أكرهت على المنفى أي دولة عربية تختار ولماذا؟
لا أحب أن أكره على المنفى، رغم عشقي للسفر والتجوال وعيشي بمدن وبلاد عديدة، إلا أنني أفضل العودة لوطني حتى لو عشت الغربة والقهر فيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق