الخميس، 27 نوفمبر 2014

“أبوكاليبتو” ميل غيبسون يحكي قصة انهيار حضارة قبائل المايا القديمة بلغتهم المندثرة

محمد عبيدو
يفتتن الممثل والمخرج الأسترالي ميل غيبسون بالتاريخ القديم وأحداثه، في سبيل إعادة إنتاجه بحيثيات تحمل حرفية ما ، ثم يسقطها إيحائياً ورمزياً على الزمن الحالي، بما يشي برحلة طويلة يقطعها هذا السينمائي لينفذ إلى انتاج المعنى عبر اعماله السينمائية .
وتبرز مهنية غيبسون وكمخرج جيد يتمتع بحرفية في الأفلام الثلاثة التي أخرجها على التوالي: " قلب شجاع" 1995، "آلام المسيح"2004، و"ابوكاليبتو" 2006، مع العلم ان غيبسون قام بإخراج أول أفلامه في العام1993 تحت عنوان "رجل بلا وجه".
ويعد "أبوكاليبتو" Apocalypto ثاني فيلم يخرجه ولا يظهر فيه كممثل بعد فيل آلام المسيح، وتدور أحداثه في القرن الخامس عشر الميلادي في شبه جزيرة يوكاتلن قبل وصول الأسبان وتتعلق بمرحلة تدهور مملكة "المايا" القديمة، ويعتقد حكامها أن الآلهة لن تكون راضية ولن تعيد التقدم والازدهار إليها إلا ببناء المزيد من المعابد وتقديم المزيد من التضحيات البشرية، وإذا لم يتحقق ذلك فسوف تغضب الآلهة وتقضي على المحاصيل.
و"المايا" هم سكان المكسيك الأصليون، على غرار الهنود الحمر في بقية أرجاء أميركا الشمالية، وقدم الفيلم باللغة المايانية اليوكاتيكية. مع ترجمة إنجليزية على الشريط السينمائي. واستخدام ثقافة مايا القديمة لميل جبسون تحدّيات عالم كاستعارة لحلمه لعالم اليوم .
صوّر ميل غبسون أبوكاليبتو بشكل رئيسيّ في كاتيماكو و باسو دي أوفيجاس في الولاية المكسيكيّة فيراكروز . يستخدم غبسون لغة يوكاتيك مايا في أبوكاليبتو، بنفس الطّريقة الّتي بها استخدم الآراميّة و اللاتينية بفيلمه السابق "الام المسيح" . يبرز أبوكاليبتو ممثّلين مجهولين من مكسيكو سيتي، يوكاتلن، بعض الأمريكيّين الأصليّين من الولايات المتّحدة و كندا، و مقيمون من لوس تكستلاس و فيراكروز .
اختار غيبسون أن يصور الأيام الأخيرة من حضارة المايا في قالب من التوظيف للواقع الذي تعيشه الحضارة الإنسانية المعاصرة وما تتعرض له من تحديات وأحداث جسيمة..
يبدأ الفيلم بعد التيترات بتعبير لويل ديورانت / إن عوامل انهيار الأمم تعود إلى الصراعات فيما بينها أن لم يكن هناك غزو خارجي / .. ومن ثم يستعرض حياة قبيلة صغيرة من المايا تعيش صفاء داخليا وعلاقات بدائية بالتعامل مع الطبيعة القاسية المشاهد المبكّرة ببداية الفيلم الدعابات اللطيفة جدًّا بين اهل القرية تساعدنا في تأمل الشّخصيّات و أخذ رّاحة لّطيفة من العنف الشّديد الّذي يتبع , حيث تُهَاجَم القبيلة المقيمة بالغابة بمجموعة رجال أشداء والذين بدورهم يبيعونهم إلى قبيلة أخرى بغية تقديمهم قرابين للآلهة لحظة كسوف الشمس
اثناء الهجوم على قبيلته مخلب الفهد ( رادي يونجبلود ) يخفي زوجته الحامل و طفله في كهف تحت الارض لحمايتهم، و يُؤْخَذ النّاجون من قبيلته ليُضَحَّوْا إلى الآلهة . تُنْهَب القرية، الرّجال قُتِلُوا، النّساء اُغْتُصِبْنَ، و الأطفال الأيتام تُرِكُوا وحيدًا للعويل . مخلب الفهد و النّاجون يُرْبَطُونَ معًا و قِيدُوا في رحلة مجهدة عبر الأميال إلى مدينة مسكونة بهرم مؤثّر حيث يُضَحَّى ناس إلى الآلهة من اجل حماية القبيلة من الامراض والطاعون المنتشر وللمساعدة بوفرة محاصيل الزراعية . نصل إلى مشهد القربان الذي سيبقى في البال طويلاً. الأسرى جُلِبُوا وقد قد دهنوا باللون الأزرق ومع ساعات الصباح الأولى اجتمع حشد هائل من الناس حول المعبد ، وعلى سفح المعبد (الهرم) فوق منصة حجرية بارزة، تمدد شاب جميل الصورة، قوي البنيان، قد أمسك به أربعة من الكهنة، وأوثقوا أطرافه الأربعة بالحبال، ثم عبق البخور، وتصاعدت الترانيم الدينية، وتقدم رئيس الكهنة بلباس فاخر، بألوان زاهية، وبيده خنجر صقيل مرهف النصل؛ فقرأ بعض الأدعية، لم يلبث بعدها أن أدخل نهاية السيف القصير الحادة في صدر ذلك الشاب البئيس؛ ليصرخ صرخة الموت من الرعب، والألم، ولتسرع يد الكاهن إلى داخل جوف الصدر، فيحرر القلب بسرعة؛ بقطع العروق الدموية المتصلة به، ثم لا يلبث الكاهن أن يخرج القلب، وهو يخفق بين أصابعه، أمام الجمهور المنتشي بهذا المنظر، ويغيب الشاب في سكرات الموت، وعيناه تجحظان هو يرى قلبه بأم عينيه قبل حشرجة الروح في يد الكاهن، تحت هتاف الجمهور وهيجانه، وبعد قطع الرأس يسقط البدن، على درج المعبد، وقد اغتسلت الجنبات بالدم الأحمر الزاهي، في الوقت الذي ترتسم فيه على وجوه الكهنة ابتسامات الارتياح بتنفيذ المهمة‍
تتدحرج الرّءوس أسفل قضيّة السلالم الطّويلة المتبوعة قليلاً بعد بأجسامهم . القلب يُوضَع على الصّخور السّاخنة و الآلاف أعلى هتاف النّاس . هناك المئات من الرّءوس على شرائح اللّحم في كلّ الأنحاء …….
معرفة أن زوجته فقط يمكن أن تنجو عبر زّمن محدود، تحث " مخلب الفهد" أن يجد طريقةً للهروب و الرّجوع إلى حيث تركها . وتاتي لحظة كسوف الشمس وهو على حد السيف . فيصرخ الكاهن بالجماهير المحتشدة المرعوبة : " لقد روينا ظمأ الاله "ويدفع الكاهن لاعتبار أن الآلهة استجابت ولم يعدّ من الضروري الذبح. فيتوقفوا عن ذبح القرابين . لكن عوض أن يتم إطلاق سراح جاغوار ومن بقي من رفاقه يمارس الصيّادون عليهم لعبة المطاردة. على كل منهم أن يطلق ساقيه للريح بينما يطلق المسلّحون عليهم السهام والرماح. وإذا ما نجا أحدهم، فإن مسلحاً يقف في نهاية الحقل يحمل فأساً كبيراً وعليه أن يجهز على الطرائد البشرية. (مخلب الفهد) ينفذ من الشرك. يقتل المسلّح في نهاية الحقل ويطلق ساقيه للريح. والد المسّلح يطارده ونحو ثمانية من رجاله. ويتمكن " مخلب الفهد" من الهرب من الرجال الاشداء ويمضي برحلة مطاردات طويلة لاهثة ومثيرة ينجو فيها من الحيوانات الكاسرة في الغابة من مطارديه .المطاردة الطويلة مصنوعة بمهارة سينمائية عالية وبتصوير فذ من (دين سملر) الذي وزّع عدداً من كاميرات الدجيتال لكي تلتقط المشاهد من كل زاوية تؤمّن الاختيارات الأفضل على طاولة المونتاج. قام مغيران باقيان بمطاردته في إتجاه الشاطئ، حيث وجدا نفسيهما في مواجهة حملةكريستوفر كولومبس الرابعة وهي تشق طريقها إلى الشاطئ في قوارب. سمحت صدمتهما بفرار جاغوار باو الذي عاد إلى الغابة في الوقت المناسب لسحب زوجته وابنه من الحفرة التي كانت قد غمرتها المياه،
ليصل لانقاذ زوجته وقد وضعت طفلاً وابنه في اللحظات الاخيرة بينما الامطار تكاد تملأ الحفرة .
ويتامل " مخلب الفهد" في مشهد بالغ الدلالة في نهاية الفيلم نزول سفن الرجل الأبيض إلى سواحل أميركا اللاتينية .
لا أحد يتوقّع الدّراما التّاريخيّة أن تكون دقيقة فعلاً، لذا أنا لم اكن مهتمّ كثيرا سواء أو اكان الفيلم سيمثّل بدقّة ما نعرف فترة تاريخ المايا النّموذجيةّ ام لا بل هل انجز ميل جبسون الرّسالة المطلوب تقديمها خلال الفيلم . لاستخدام ما يسمّى بحضارة المايا التي تنهار كاستعارة للفظائع البيئيّة و السّياسيّة لمجتمع غربيّ . استبعاد حقيقة أن المايا عاش لمدّة أكثر من ألف سنة في بيئة استوائيّة هشّة قبل أن تكون مدنهم مهجورةً، بينما في الغرب والعالم الحديث، قد لوّثنا بيئاتنا المدنيّة في أقلّ من 200، يضيء الفيلم قصّة أخلاقيّة المغزى قاسيةً .
أبوكاليبتو ميل غبسون سيُتَذَكَّر كفيلم عظيم . و إنجاز رائع في صناعة الأفلام، رؤية حقيقيّة بكلّ معاني الكلمة، صيغت بكمال رائع للمؤثرات البصرية و العنف المتواصل الذي لا ينسى
في الفيلم جماليات واضحة . التّمثيل مميز لدى الجميع، ويسيطر فيه غبسون بقوة هائلة على الممثلين الذين يقفون لاول مرة امام الكاميرا وعلى الحشود الهائلة، كما يسيطر على الإيقاع والحركة والانتقال بين المشاهد.
اهتم المخرج بالشّخصيّة الرّئيسيّة مخلب الفهد و عائلته في القبيلة . النّبوءة من قبل البنت مشهد مؤلّف ماهر , بالإضافة إلى حلم مخلب الفهد. إمبراطوريّة القبيلة الرّئيسيّة رائعة تمامًا و ستبهر في كلا رعبها و جمالها . يبدو الفيلم رائعًا،عبر. الموسيقا المرافقة المستمدة من بيئة وإيقاع الحياة التي عاشت فيها قبائل المايا .
بطاقة :
اخراج ميل جيبسون
الكاتب Mel Gibson - Farhad Safinia
بطولة Rudy Youngblood - aoul Trujillo - Mayra Sérbulo- Dalia Hernández - Gerardo Taracena - odolfo Palacios - Bernardo Ruiz Juarez
إنتاج Mel Gibson- rhad Safinia- ruce Davey - Ned Dowd
مونتاج John Wright

موسيقى James Horner & Rahat Nusrat Fateh Ali Khan
توزيع Icon Entertainment- nited States - Touchstone Pictures
تاريخ الإصدار December 8, 2006 - مدة العرض 140 min - الميزانية $40 million -

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق