سلمان كاصد
جريدة الاتحاد الظبيانية - الملحق الثقافي
يقول
انتونيو خيل دي كاراسكو في دراسته عن السينما الاسبانية الآن إن السينما
الاسبانية ”عاشت بدون أدنى شك استعادة واسترجاعاً طوال عقدي الثمانينات
والتسعينات من القرن الماضي، سواء فيما يتعلق بالجمهور الذي يصل إلى صالات
العرض أو في انتاج الأفلام الطويلة إذ وصل في عام 1990 انتاجها إلى 42
فيلماً بدون حساب الـ 10 أفلام من الانتاج المشترك بينما كانت في عام 2000
قد ارتفع انتاجها إلى 104 أفلام ورقم الانتاج المشترك وصل الى 31 فيلماً.
كما فرضت سينما بيدرو آلمودوفار تجديداً حقيقياً في اسبانيا اعتباراً من
نصف العقد الثاني من الستينات. فقد كانت لغته السينمائية خاصة.
وتعتبر
السينما الاسبانية متميزة بالقياس إلى غيرها بفضل مخرجين مهمين من قبل
بونويل وكارلوس ساورا وخوان بارديم وبيدرو المودوفار والمخرجة ببلار ميرو
ومن الممثلين انطونيو بانديراس وفرناندو جومير وفيكتوريا أبريل وكارمن
ماورا.
وبالطبع
فإن الحديث عن السينما الاسبانية لا يكتمل إلا بالحديث عن السينما
الأوروبية بشكل عام، فهي جزء من كم كبير طرق عوالم وأساليب تجريبية كبيرة
انعكست على السينما الاسبانية في جميع مراحلها.
تعتبر بدايات السينما الاسبانية مع فيلم مؤرخ في عام 1896 وهو شريط لا
يتجاوز الدقيقة، لتسجيل خروج المصلين من كنيسة في مدينة سرقوسة اثر احتفال
ديني، ثم جاء فيلمان آخران من انتاج نهاية القرن 19 تم انتخابهما أيضاً
لقيمتهما الفنية والتاريخية وهما: مناظر اسبانية بطول 8 دقائق و”مشادة في
مقهى” وهو أول فيلم روائي قصير بتاريخ السينما الاسبانية في عام .1897
بلغ عدد صالات العرض في عام 1914 في المدن الاسبانية حوالى 900 صالة وهو رقم كبير حقاً.
أما
أول فيلم طويل فهو ”حياة كولوميس واكتشافه أميركا” في عام 1916 ويستغرق 110
دقائق وبعد هذا الفيلم تتابعت الأفلام الاسبانية ولكن ظلت في إطار متابعة
موجات السينما في إيطاليا وبخاصة الواقعية الإيطالية وحركات التجديد في
السينما الفرنسية.
ولخصوصية
اسبانيا وتأثير الموروث لديها بشكل فاعل في مختلف الفنون فإن تأثر الفيلم
الاسباني ظل متابعاً للفولكلور بسبب الصورة التقليدية التي ظلت محافظة على
تماسكها هذا مع افتراض أن اسبانيا بلد سياحي من الدرجة الأولى.
غير
أن السينما الاسبانية كان لها الدور المهم في تحويل اسبانيا إلى بلد
ديموقراطي وبخاصة بعد وفاة فرانكو 1975 بل في السنوات السابقة لوفاته.
في
1945 حتى 1957 بدأت التحولات السياسية التي اتسمت بالانغلاق التي أتبعها
فرانكو والتي في أوجها ظهرت الأفلام الاسبانية بما اصطلح عليه بالسينما
الجديدة التي بدأت تحصد الجوائز في المهرجانات الدولية. ومن بينها فيلم
”الطريق” لخوزيه انطونيو كوندي عام 1951 الذي قدم قصة عائلة فلاحية اضطرت
للهجرة للمدينة بسبب الجوع.
ابتدأت
السينما الاسبانية الجديدة مع مؤتمر مدينة ”سالامنكا” عام 1955 حيث أصدروا
بياناً عن قيام السينما الاسبانية التي لا تتصل بأي حال من الأحوال
بالسينما التجارية بل نددوا بها واعتبروها تخريباً لما ينتج من سينما جادة
وقد صاغ هذا البيان ”خوان انطونيو بارديم”.
وبين الواقعية الإيطالية الجديدة والميلودراما الهوليودية أنتجت أفلام اسبانية مثل ”موت راكب الدراما” لباديم.
أما
في الستينات فقد أنجزت أفلام اسبانية مهمة مثل ”الشقة” و”الأولاد”
و”السيارة الصغيرة” بينما حقق كارلوس ساورا عام 1959 عبر فيلمه ”الأشقياء”
انتصاراً كبيراً على الفاشية. كما أن ظهور ما يقرب من 12 مخرجاً جديدا إبان
بداية الستينات بدأت حركة السينما الاسبانية تتقدم بشكل مطّرد.
في
عام 1963 قدمت الأفلام الممتعة وخاصة فيلم ”الجلاد” لبيرلانغا. بينما أنجز
ماريو كاموس فيلمين في هذه الفترة وهما ”الأدعياء” و”سانشيز الشاب” كما قدم
ماغويا سومرز فيلمه الروائي الطويل الأول ”من القرمزي إلى الأصفر” الذي ما
زال حتى الآن واحداً من أفضل أعماله. وهو وقائع تسجيلية عن الشيخوخة
والمراهقة بأسلوب هزلي متفرد استمر سومرز باتباعه في أفلامه اللاحقة.
منذ
عام 1975 تدافع على السينما الاسبانية زخم سينمائي كبير ومهم بظهور مخرجين
جدد حيث برز كارلوس ساورا بوصفه نتاجاً لأستاذه بونويل حيث حقق نجاحاً
عالمياً.
مع
صدور قانون إلغاء الرقابة عام 1977 عرض فيلم ”جريمة كوفيكا” في 1979 حيث
صادره البوليس كسراً للقانون إلا أنه أفرج عنه في 1981 ليصبح حدث ذلك العام
وفي عام 1982 استحدثت مديرية عامة للسينما في العهد الاشتراكي لجونزاليس
حيث بدأت الحريات الإبداعية والفنية بالظهور مع صدور قوانين لحماية السينما
وزيادة دعمها حالياً واعتراف المهرجانات العالمية بقيمة السينما الاسبانية
ليحصل فيلم ”خلية النحل” لماريو كاموس على الجائزة الذهبية لمهرجان برلين
السينمائي. وجائزتين لساورا في مهرجان كان عن فيلمه ”كارمن” ويحصل خوسيه
لويس غارسيا على جائزة الاوسكار عن فيلمه ”لنبدأ ثانية” ويليه في التسعينات
المخرج فرناندو تروبيا ثم بيدرو المودوفار واليخاندرو امينابار.
أنجز
المخرج خوان بارديم فيلم ”لوركا.. موت شاعر” عام 1987 عن فردريك كارسيا
لوركا فأثار الفيلم ضجة كبيرة لحرفيته وقدرة ممثليه وتجليهم في الأداء.
وبدخول
مخرجين جدد في العقد الماضي مثل ميجيل البالديخو في ”الليلة الأولى من
حياتي” و”اشيرو مانياس” في ”الكرة” واوحاستي فلارونجا وليدي زيمرمان واسحاق
راسين الذين أخرجوا ”في عقل قاتل” كان فاتحة أخرى وجديدة للسينما
الاسبانية للدخول في التجريب على الواقعية.
اما
الأخير فاعتبر من الأفلام المذهلة بأدواته الفنية وبمزاوجته الإبداعية بين
الشكل التسجيلي والروائي في القصص، كما يقدم بنيتوثامبرانوا فيلمه ”نساء
وحيدات”.
يحتوي
الكتاب على مسيرة السينما الاسبانية مع قراءات عن لويس بونويل المخرج
السينمائي السريالي 1900 - .1983 والذي يعتبر أب الحداثة في السينما
الاسبانية باخراجه ”العصر الذهبي” 1930 و”كلب اندلسي” الذي لاقى نجاحاً
كبيراً وقد التقى بونويل بسلفادور دالي حيث عرض فيلمه العصر الذهبي في
باريس عام 1930 وجاء ترتيبه الثالث بين الأفلام الفرنسية الناطقة.. وعلى
مدى ستة أيام لقي الفيلم إقبالاً واسعاً وكان السيناريو مشتركاً بينه وبين
دالي.
أما
كارلوس ساورا الذي يسمى ”عاشق الأندلس” فقد حمل عشقاً للروح العربية اذ
يعتبر الوارث الحقيقي لبانويل، وخاصة في فيلمه ”زيت النعناع” .1967
ويعتبر
آلمودوفار علامة في السينما الاسبانية وخاصة في أفلامه ”دهاليز الرغبة”
و”شقيقات الليل” و”ماذا فعلت لأستحق هذا” و”مصارع الثيران” و”نساء على وشك
الانهيار العصبي” و”قيّدني جيداً” و”كعوب عالية” و”كيكا” و”لحم حي” وأخيراً
في فيلمه ”تحدث معها” عام .2003
تلك هي مسيرة السينما الاسبانية كما رصدها الناقد والباحث محمد عبيدو في كتابه ”السينما الاسبانية’
|
محمد عبيدو ”السينما الاسبانية’ |