أعيد ترميم عدد من الأفلام التسجيلية للمخرجة اللبنانية جوسلين صعب (1948-2019)، صورّتها بين منتصف سبعينات القرن العشرين ومطلع ثمانيناته، توثّق مراحل من تاريخ لبنان والشرق الأوسط، وتُعرض ثلاثة منها هذا الأسبوع في بيروت ضمن أنشطة لاستذكار السينمائية التي توفيت قبل خمسة أعوام.
وتطلق “جمعية جوسلين صعب” بالتعاون مع “نادي لكل الناس” في المعهد الفرنسي في لبنان الخميس والجمعة، كتاباً بالفرنسية عن الراحلة أشرفت على إعداده الباحثة المتخصصة بالسينما العربية ماتيلد روكسيل.
كذلك توفّر الجمعية التي شاركت روكسيل في تأسيسها مع ابن المخرجة نسيم ريكاردو - صعب، مجموعة أقراص “دي في دي” تضم 15 فيلماً وثائقياً مستقلاً صوّرتها المخرجة في بداياتها بين عامَي 1974 و1982، وتولت ترميمها بالتعاون مع جهات مختلفة.
وقالت روكسيل إن العمل على الترميم استغرق ثلاث سنوات بين 2019 و2022 في لبنان، واستعانت الجمعية لهذا الغرض بفنيين لبنانيين.
وأضافت المتخصصة في سينما العالم العربي أن هذه الأفلام التي بقيت طويلاً غير متاحة للجمهور "تروي الكثير عن تاريخ لبنان وتاريخ تضامن اليسار اللبناني مع الفلسطينيين". وشددت على أن "إعادة اكتشاف كل هذه الأعمال من خلال مجموعة أقراص "دي في دي" وعلى الشاشة الكبيرة، ومن خلال مساحة للتحدث عنها يتيح الإجابة عن مخاوف وجوانب تتعلق بالوضع الراهن".
وتقام عروض لثلاثة من هذه الأشرطة الوثائقية صُوّرت خارج لبنان إبان الحرب التي عرفها بين العامين 1975 و1990، هي "الصحراء ليست للبيع" في 1977 عن حرب الصحراء المغربية بين جبهة بوليساريو والمغرب، و"مصر، مدينة الأموات" في العام نفسه والذي صورت فيه ثورة الخبز محاولة أن تتقفى أثر الجوع في مدينة الموتى (القاهرة) حيث تدمرت أساليب الحياة إثر موجات العولمة. وكذلك يعرض فيلم "إيران: يوتوبيا قيد التنفيذ" 1981 والذي يُعدّ وثيقة مهمة عن الثورة الإيرانية عام 1979 ضد الشاه وإقامة الجمهورية الإسلامية.
وتخصص الجمعية التي تعنى بحفظ أفلام جوسلين صعب وترميمها وتوزيعها يومين دراسيين يقامان في جامعتين عن أعمال مخرجة "بيروت ألف صورة وصورة". وفي تصريحات سابقة لها قالت روكسيل، إن قرار الترميم أدى إلى إعادة ولادة أفلام جوسلين صعب على حقيقتها، دون خضوعها لأي عملية مونتاج قامت بها بعض محطات التلفزيون.
وشارك في هذه الورشة فريق كامل من بيروت ومن بعض الشركاء الأوروبيين. وتولى كل من نديم كامل، ومنير المحمود، ومنال زكريا، وفانيسا حلو، وغيرهم، عملية ترميم الصورة، أما عملية تصحيح الصوت فعمل عليها فريق آخر تألّف من: منذر الهاشم، وكريستيل إلياس، وجان فيليب بيساس.
وقالت روكسيل التي كانت مساعدة صعب منذ 2013، إن عملها معها مكّنها من “فهم القضايا السياسية في المنطقة كلها”، و”ما لم توضحه” لها الدراسات التي أجرتها. ولاحظت أن أعمالها “كانت تحمل رسالة مختلفة بلغة سينمائية توفر أدوات للمناقشة لفهم التاريخ”، مؤكدة أنها “تريد الاستمرار في الدفاع عن هذه الذاكرة”.
وجوسلين صعب مخرجة وكاتبة سيناريو لبنانية، ولدت في بيروت في العام 1948، وتوجهت إلى فرنسا لدراسة العلوم الاقتصادية، ثم عملت في مجال الصحافة بعد التخرج، وأخرجت العديد من الأفلام التسجيلية التي تجاوزت 30 فيلما، ومن أفلامها الروائية “غزل البنات”، “سيدة سيجون” و“دنيا”. وارتبط اسم صعب بأفلام الحروب والوثائقيات المصوّرة التي عكست شخصيتها كصحافية وكاتبة سيناريو ومصورة فوتوغرافية. وتنتمي مثل برهان علوية ومارون بغدادي ورندا الشهال، إلى جيل سينمائي ولد من رحم الحرب الأهليّة اللبنانيّة.
عملت صعب مراسلة لمحطات تلفزيونية أوروبية وقامت بتغطية حرب أكتوبر 1973، كما أنجزت العديد من الأفلام الوثائقية عن هذه الحرب وعن كردستان وحرب العراق وإيران والجولان ولبنان. وبعد الاجتياح (1982) أنجزت مع الفنان اللبناني روجيه عساف "بيروت مدينتي". وتمتد مرحلة السينما الروائيّة في تجربة المخرجة الراحلة من فيلم "عزل البنات" (1985) إلى "دنيا" (2005) الذي صوّرته في مصر مع حنان ترك ومحمد منير.
وفي العام 2008 خاضت تجربة فوتوغرافيّة تجمع بين البوب آرت والسريالية. ثم أطلقت مهرجان "الثقافة تقاوم" الذي جاء امتداداً لخياراتها الابداعيّة الملتزمة. وسبق أن كانت أفلامها المتمحورة حول الحرب والذاكرة والمقاومة والثورة والجسد والرهان التنويري، هي مادة كتاب لماتيلد روكسيل بعنوان "جوسلين صعب، الذاكرة الجامحة" (2015).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق