دمشق ـ خولة رمضان
"السينما في امريكا اللاتينية" كتاب جديد صدر في دمشق ضمن سلسلة الفن السابع عن مؤسسة السينما السورية للناقد السينمائي محمد عبيدو، ويحاول الكتاب ان يؤرخ للسينما في القارة الاميركية ويرصد التحولات المميزة لصناعة السينما في أميركا اللاتينية حيث عملت على ايجاد موطئ قدم لها اينما واتتها الفرصة، وبدأت ملامحها في التشكل وسط الصراعات والنزاعات فقد كانت ومنذ انطلاقها تقف مع المنددين والناشطين ضد الفقر والعوز والى صف المنادين بالنهوض ضد السياسات القمعية.
ويرصد تجارب مهمة في سينما هذه الدول ومنها الفيلم التسجيلي، مدرسة "سانتا" في الارجنتين وظهور "سينما نوفو" اي السينما الجديدة في البرازيل. وفي كوبا حيث اصبحت السينما جزءا من الثورة الكوبية، وفي شيلي ارتبطت بالحركة الوطنية التي جاءت بسلفادور الليندي الى السلطة، وفي نيكاراغوا والسلفادور مع توهج فكرة السينما المقاتلة او الثورية التي ظهرت في السيتينيات.
اتى الكتاب في 96 صفحة من القطع الكبير. وهو السابع لمحمد عبيدو بعد اربع مجموعات شعرية ـ "وقت يشبه الماء" 1987ـ "الغياب ظلك الآخر" 1992 ـ "تمارين العزلة" 1988 ـ "ارتباكات الغيم" 2004 وكتابي "السينما الصهيونية شاشة للتضليل" 2004 و"السينما الاسبانية" 2006.
ويعود الكاتب الى بدايات السينما البرازيلية حيث "بعد شهرين من التّجربة الأولى للإخوة لوميير في باريس عام 1896، ظهرت ماكينة كاميرة السّينما في ريو دي جانيرو. وتفاخرت العاصمة بعد عشر سنوات بوجود 22 دار عرض سينمائية وبانجاز الفيلم البرازيليّ الأوّل، "الخانقون" من قبل أنتونيو ليل". ويستعرض الافلام البرازيلية المنتجة في عهد السينما الصامته، ومخرجيها المميزين مثل هومبيرتو ماورا وماريو بيكسوتو. ويصل للثلاثينات ومرحلة السينما الجديدة أو السينما الواقعية "كمحاولة من بعض التكتلات السياسية الثائرة في هذه الدول لتوظيف السينما لخلق نوع من الموازنة في تقديم المتعة والترفيه للجمهور إلى جانب خلق روح من الوعي السياسي والاجتماعي والثقافي الثوري بين المشاهدين، فاتجهت مواضيع الأفلام إلى تجسيد العنف العسكري والاضطهاد الخلاسي وتعذيب الثوار". ومن ثم يتحدث عن حركة (سينما نوفو) البرازيليّة. وهو اللفظ البرتغالي للسينما الجديدة وقد ظهرت "هذه الموجة في البرازيل أواخر الخمسينيات واستمرت حتى أوائل الثمانينيات وتميزت بتصويرها حياة فقراء البرازيل وتبنيها ثيمات أفرو ـ برازيلية وشكلت في عالم السينما ليس بديلا للنمط التجاري فقط بل واتجاها مضادا لطروحاته الفكرية وقد تبنى اليسار البرازيلي هذه الموجة" ويتابع المؤلف: ان "سينما نوفو" أتت منذ البداية مرتبطة بالسياسة والمجتمع وحركات الاحتجاج الشعبي ضد الفقر والقهر، وضد "الاحتلال" الأميركي الشمالي للبرازيل ولأميركا اللاتينية عموماً. وأفلام سينما نوفو تعاملت مع الموضوعات المتعلّقة بالمشاكل القوميّة والوطنية، من النّزاعات في المناطق الرّيفيّة إلى المشاكل الإنسانيّة في المدن الكبيرة، بالإضافة إلى نسخ الافلام لروايات برازيليّة مهمّة. ويحلل تجارب مخرجي هذه الموجة مثل غلوبير روشا ودو سانتوس. وصولا للانتاجات الحديثة في العقد الاخير.
وفي الفصل الثاني يتناول سينما مهمة ايضا هي السينما المكسيكية التي تعود بدايتها الى نهاية القرن التاسع عشر، عندما تحمس العديد من الشبان لهذه الوسيلة الجديدة للتوثيق الاحداث التاريخية ـ وعلى وجه الخصوص الثورة المكسيكية ـ وانتجوا بعض الافلام التي اعيد اكتشافها منذ عهد قريب. ويتابع الكتاب مراحل تطورها وفتراتها الذهبية مثل فترة الاربعينات، حيث قدمت الصناعة المكسيكية عام 1943 وحده سبعين فيلمًا. ووصل في عام 1953 معدل الانتاج الى مئة فيلم سنويا. لتتراجع في الستينات نتيجة ظهور التلفزيون مما تطلب ضهور دماء جديدة في فضاء السينما المكسيكية لتعيد تألقها ويتابع المؤلف رصده التاريخي للانتاج السينمائي المكسيكي حتى فيلم "قوات النخبة" الفائز بدب برلين الذهبي عام 2008.
وفي فصل عن السينما الكوبية يقول عبيدو "وصلت السّينما الى كوبا اثناء نهاية حرب الاستقلال.. أبطال هذه المغامرة السّينمائيّة رأوا أنفسهم أكثر كفنّيّين من كونهم فنّانين. كانوا يتعلّمون حرفة بدت أنها تبدأ وتنتهي بكلّ مبادرة جديدة. تركت هذه التّجارب علامتها، فيما بعد، الكوبيّون بدأوا في البحث عن أنفسهم في السّينما، كما في الأنواع الفنّيّة الأخرى، لكنهم واجهوا حقيقة ان الإنتاج والتّوزيع يعتمد على الاستثمارات الماليّة الكبيرة ويستلزم الاهتمامات. الأسماء المتبقية المنتجة من قبل الروّاد تشهد بحقيقة أن الفيلم الكوبيّ المبكّر حاول في الأغلب أن يسجّل الأحداث". ويرى المؤلف ان للسينما الكوبية نكهتها الخاصة. ومن يكتب عن السينما الكوبية لايمكن ان يغفل اموراً اساسية : حياتيتها وحداثتها، اصالة اسلوبها الفني ولغتها. ثم لونها القومي المميز.
ويخصص محمد عبيدو الفصول الاخرى من الكتاب للسينمات الفنزويلية والارجنتينية والتشيلية. راصدا تحولاتها وتطورها من بدياياتها حتى الان.
عن جريدة المستقبل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق