وهران ( الجزائر ) – محمد عبيدو
توج فيلم "النخيل الجريح" للمخرج التونسي، عبد اللطيف بن عمار، وهو انتاج تونسي- جزائري مشترك، بالجائزة الكبرى لـ "الأهقار الذهبي" في الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم العربي الذي اختتمت فعالياته بقاعة سينما المغرب بوهران . وقدمت الجائزة وزيرة الثقافة الجزائرية السيدة خليدة تومي . يعود الفيلم الى الحرب التي عاشتها مدينة بنزرت التونسية"،بين الاستعمار الفرنسي والالاف من المتطوعين التونسيين عام 1961 م، وان كانت أحداثه تدور في مدينة بنزرت شتاء سنة 1991، مع اقتراب أحداث حرب الخليج الأولى ، حيث يعهد كاتب معروف اسمه "الهاشمي عباس" بمخطوط كتابه عن حرب بنزرت إلى "شامة" لكتابته على الآلة الكاتبة ، فتاة يتيمة الأب منذ كانت رضيعة، متخرجة حديثا في الجامعة التونسية بإجازة في علم الاجتماع لم تضمن لها العثور على وظيفة. تحس "شامة" وهي تكتب المخطوط برغبة جامحة في الغوص أكثر فأكثر في أحداث حرب بنزرت التي فقدت فيها والدها العامل النقابي البسيط بالسكك الحديدية وأحد آلاف المتطوعين الذين ماتوا في الحرب ممن نسيهم المؤرخون و كتب التاريخ وكيف سرق البعض هذا النصر ونسبوا لأنفسهم شرف نصر لا يستحقونه… وخلال مراحل بحثها تكتشف "شامة" مدينة بنزرت، وتعيش حالة عشق مع شاب هو ابن صديق لوالدها الشهيد … كما تلتقي "شامة" بصديقتها الجزائرية "نبيلة" وزوجها "نورالدين" ، الموسيقي الذي وجد في بنزرت الملاذ الآمن من حالة الإرهاب والعنف التي كانت الجزائر تعيشها بالعشرية السوداء وبدلا من طموحه الموسيقي الاوبرالي اكتفى بتعليم الصغار الموسيقى … إننا أمام شريط إنساني مرهف، مملوء حزناً وندماً و ألما ومرارة. حيث يلعب المخرج في تصويره للمآسي في مساحة العلاقات الإنسانية التي تتشكل على خلفية ذاكرة منكوبة .
في حين فاز حسن بنجلون مخرج الفيلم المغربي " المنسيون في التاريخ" بجائزة أحسن سيناريو وتدور أحداث الفيلم حول غياب الامل لدى الشباب العالم الثالث . والاستغلال الجنسي للنساء عبر العالم من خلال ثلاث مغربيات وهن يامنة، آمال ونوال اللائي يقرّرن الهروب من بلدهن للإتجاه نحو أوروبا حيث يطمحن لتحقيق مشاريعهن وإيجاد حياة أفضل في حين يقرر بطل الفيلم "سعيد" هو الآخر أن يهاجر إلى أوروبا ويترك صديقته "يامنة" بحثا عن العمل وحياة أفضل لكنه سرعان ما بالواقع القاسي في المهجر، في حين تضطر يامنة للزواج من شخص آخر نتيجة التقاليد الخاصة بأسرتهم لان حبيبها ظل فترة طويلة خارج المغرب بدون اي اخبار ,لتقرر بعدها هذه الشابة أن تهرب إلى مدينة "فاس" خوفا من أهل القرية ومن الفضيحة.
وسرعان ما تتحول هذه أحلام الفتيات إلى مأساة حقيقية وتصبح حياتهن كابوسا مرعبا بعد أن يقعن في أيدي شبكة عنيفة لتجارة الرقيق الابيض فيجدن أنفسهن بعدها أسيرات في يد مافيا خطيرة تنشط في بلجيكا ويتعرضن لأبشع أنواع الإستغلال الجسدي من مافيا الجنس التي تستغل الحالة الاقتصادية والاجتماعية لمجتمعات معينة وتغرر بالكثير من الفتيات فيها بحجة العمل في بلدان غنية، قبل ان تنتهي هؤلاء الفتيات في اماكن تجارة الجنس وفي ظروف معيشية صعبة للغاية...فيلم جريء و مؤلم وقاس عن قضية حساسة ضحاياها بمئات الآلف من النساء اللواتي يجبرن على دخول مجال الدعارة وتجارة الجنس في اماكن متفرقة من العالم الغني والفقير. وكانت المشاركة الجزائرية بفيلمين طويلين وهما فيلم " طاكسيفون " للمخرج محمد سويداني وفيلم "الساحة " لدحمان أوزيد الذي حاز على جائزتين وهما جائزة أحسن دور نسائي وجائزة أحسن دور رجالي،وهو اول فيلم ميوزيكال جزائري عبر صياغات جمالية ممتعة وحمولات سياسية ناقدة . وشاركت سورية بفلمين طويلين طويلين هما " حراس الصمت " لسمير ذكرى , و " مرة اخرى " لجود سعيد . وشاركت لبنان بفيلم " شتي ياديني " للمخرج بهيج حجيج الذي تحصل جائزة افضل مخرج , ويعود به الى الذاكرة المتألفة عبر ملف مفقودي الحرب الاهلية اللبنانية , رامز في أواسط الثمانينيات ويطلق سراحه بعد عشرين سنة فيما كانت عائلته تجهل مصيره لحد أنها اعتبرته في عداد الموتى. وتهز عودة رامز المفاجئة الذي يبدو منهارا جدا معنويا وجسديا العائلة حيث لا يتعرف عليه أولاده فيما تحاول زوجته ماريا المرأة الحيوية والبراغماتية إعادة بناء وحدة العائلة من جديد. ويلتقي رامز في ظروف درامية بزينب التي اختطف زوجها في نفس الفترة فتنمو علاقة تواطؤ بين الشخصين التائهين ويعيشان لحظات عاطفية مثيرة . إضافة إلى أفلام أخرى كالفيلم القطري "عقارب الساعة " لخليفة المريخي، وفيلم »نهاية ديسمبر« للمخرج التونسي معز كمّون، في حين أن المخرج العراقي محمد الدراجي قد كان حاضرا في المنافسة بفيلمه "ابن بابل" إلى جانب المخرج عدي رشيد عثمان الذي جاء من العراق هو الآخر ليشارك بفيلم " كارانتينا " وحصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، أما مصر فشاركت بفيلم "ميكروفون " تأليف وإخراج: أحمد عبد الله السيد . بعد عودة بطل الفيلم " خالد ابو النجا " إلى مسقط رأسه الأسكندرية، حيثّ يعيش خلافات مع أبيه وتتركه خطيبته ، يلتقي صدفة بمطربي الهيب هوب على الأرصفة، وبفتيات يعزفن موسيقي الروك فوق أسطح العمارات القديمة،وهنا حياة خالد تعرف منعرجا مغايرا تماما ،ويندمج في هذه العوالم الغريبة عنه …
أما عن فئة الأفلام القصيرة فقد كانت العروض مميزة , و شاركت الجزائر بثلاث أفلام قصيرة وهي »الڤراڤوز« لعبد النور زحزاح و»خويا« ليانيس كوسيم و»المسافر الأخير« لمؤنس خمّار ليفوز بذلك المخرج زحزاح مناصفة مع المخرج التونسي مالك عمارة عن فيلمه »صابون نظيف« بجائزة الأهڤار الذهبي في حين فاز الفيلم السعودي »إسكافي« بجائزة لجنة التحكيم الخاصة.. ومنحت جائزة التنويه الخاصة لفيلم "هوس" للمخرج التونسي أمين شيبوب، و"السيدة المجهولة" للمخرج الفلسطيني فجر يعقوب و"الروح التائهة" للمخرج المغربي جيهان البحار
يشار إلى أن مهرجان وهران سلط الضوء على السينما الخليجية، عبر الفيلم الكويتي "بس يا بحر" لمخرجه "خالد الصديق"، والفيلم البحريني "حكاية بحرينية" لمخرجه "بسام الذوّادي"، والفيلم الإماراتي "دار الحيّ" لمخرجه "علي مصطفى".
كما كانت تظاهرة"نظرة على السينما الخليجية"، فرصة لمشاهدة تسعة أفلام قصيرة لمخرجين شباب من دول الخليج العربي ومن بينها ستة أفلام إماراتية هي: "تنباك" لعبد الله حسن، "جنة مريم" لمحمد الحمادي، "غيمة شروق" لأحمد زين، "حبل الغسيل" لعيسى الجناحي، "أششش" للثنائي "شمة أبو نواس" و"حفصة المطوع"، وفيلم "لال" لكل من "ياسر النيادي" و"هناء الشاطري"، إضافة إلى الفيلم السعودي "دمية" لريم البيات، وآخر بحريني "مريمي" لعلي العلي، والفيلم القطري "أحبك يا "
عرف المهرجان تنظيم ندوتين على هامش هذه التظاهرة السينمائية الاولى ندوة النقد السينمائي "سبل النهوض بالنقد السينمائي العربي" ، أما الندوة الأخرى فجاءت تحت عنوان "سينما وموسيقى " حول "الموسيقى في السينما العربية"
وشهد افتتاح المهرجان عرض الفيلم المميّز “الخارجون عن القانون” لمخرجه الجزائري “رشيد بوشارب” الذي حاز ذهبيتي مهرجان دمشق السينمائي الاخير . وكرّم مهرجان وهران الفنان الجزائري الراحل “العربي زكال” وزميلته الفنانة المخضرمة “شافية بوذراع”، إضافة إلى الفنانة الكويتية “حياة الفهد” التي تأخرت عن الموعد بسبب مرض شقيقتها، وبعثت برسالة هاتفية إلى رواد العرس السينمائي الجزائري.
تم عرض الافلام بكل من قاعة سينما المغرب وقاعة السينماتيك حيث عرفت هذه العروض إقبالا كبيرا من قبل الجمهور الوهراني الذي استمتع بالأفلام العربية الجديدة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق