الاثنين، 10 مارس 2014

مهرجانات 3 : الافلام القصيرة في الدورة الثالثةلمهرجان الدولي للفيلم العربي بوهران

وهران – محمد عبيدو
كان المهرجان الدولي للفيلم العربي بوهران "الباهية" عرسا سينمائيا عربيا حقيقيا…. نجوم ومخرجون ونقاد واعلاميون.. والمتعة الأكبر كانت مع الحوار السينمائي و الصورة السينمائية.. حيث أبرز أفلام السينما العربية الروائية الطويلة والقصيرة المنتجة حديثا ..
اشتملت المنافسة الرسمية للفيلم القصير للمهرجان على عرض 14 فيلما قصيرا بالمسرح الجهوي عبدالقادر علولة . وترأس لجنة تحكيم الأفلام القصيرة المخرج التونسي عبد اللطيف بن عمار، وضمّت كلا من فاطمة الزهراء زعموم من الجزائر، فجر يعقوب من فلسطين ، طارق الشناوي من مصر ، وجورج نصر من لبنان . ومنحت لجنة التحكيم الفيلم المصري أيادي نظيفة للمخرج ادم مراد جائزة الاهقار الذهبي للافلام القصيرة فيما منحت اللجنة جائزة التنويه الخاص الأولى إلى الفيلم المغربي لحن جنائزي الذي أخرجه محمد مفتكر لتعود الجائزة الثانية إلى الفيلم التونسي يموت الحوت للمخرج مليك عمارة .
"أيادي نظيفة" للمخرج المصري كريم فانوس وسيناريو لآدم مراد وبطولة كل من شريف فرحات و فرح يوسف، يحكي عبر 25 دقيقة قصة "هادي" الشاب الذي يعمل كمنظف بتواليت لاحد الملاهي الليلية.. إلى أن تثيره حياة الليالي الساهرة وتجذبه نحوها للخروج من أحلامه البسيطة فيمضي في احد الايام الى الملهى الليلي حيث تلفت اهتمامه راقصة اسمها نور تعاني من غربتها بهذا المكان يحاول التحدث اليها وسرعان ما يعيش ارتباك الواقع والحلم ليصطدم أخيراً بالواقع السلبي لهذا العالم ويقرر الرجوع إلى محيطه الهادئ . جماليات الفيلم عادية ولا تصل الى مستوى الشغل السينمائي البارع في فيلمي " الحوت يموت " التونسي و "لحن جنائزي " المغربي، واغلب الظن ان منحه الجائزة جاء كنوع من الترضية للحضور المصري بالمهرجان خصوصا بعد الضجة التي حصلت اثر تسريب الهام شاهين عضو لجنة تحكيم الافلام الطويلة النتائج للصحافة المصرية قبل يومين من اعلانها، وتهجمها الشديد على باقي اعضاء اللجنة لرفضهم منح الجائزة الذهبية مناصفة بين الفيلم السوري "خارج التغطية " والمصري " الجزيرة " الذي هو فيلم "اكشن " مقلد لعشرات افلام " الاكشن " الامريكية .
المخرج التونسي مليك عمارة في فيلمه"يموت الحوت" يقارب بسخرية عالية صدمة الموت وصدمة الحياة حيث ينسج في 19 دقيقة قصة حوات بخيل يضطهد زوجته وابنته ويزعج جيرانه والمحيطين به بتصرفاته ، ولا ينتهي فيلم "يموت الحوت" مع نهاية البطل بموته التراجيدي، إذ تحدث المفاجأة ويعود الحوات الميت الى الحياة أمام صدمة تربك الجميع . الأموات لا يعودون الى الحياة فعلا، لكن الفيلم يريد أن يقول إن وقت الشر عادة ما يكون أطول من وقت الخير لاسيما وأن نتائجه تستمر طويلا .. ولئن ينفتح هذا الفيلم وينغلق بمشهد موت الحوات فإن المخرج استطاع ان يتجاوز البعد التراجيدي من خلال توخي نظرة مازحة في مواجهة الموت فمثلما يعود الحوات من الموت يرجع بنا المخرج الى الواقع في شكل طريف من خلال متابعة سلوكيات الحوات . ثمة في شريط عمارة براعة اخراجية وسيناريو محكم البناء وصياغة سينمائية ذات جودة عالية، وقد أحسن مليك عمارة توظيف الخرافة واللعب بالخيال خاصة في ما يتعلق بالرواية التي يقدمها الحوات حول لقائه بملك الموت إضافة الى تحكمه في استغلال التقنيات السينمائية خاصة الأضواء والألوان والظلال . أدى أدوار الفيلم كل من دليندا بن كيلاني، عماد العوني، فاطمة بن سعيدان سندس بن حسين وفتحي عقاري، ورياض حمدي .
من قلب الواقع المغربي، يستمد المخرج محمّد مفتكر ، سينماه الجميلة والواعدة . وفي فيلمه " لحن جنائزي " ، الذي يأخذنا الى عوالم السينما المبدعة . فيلم وجودي قاس وداكن، يستخدم قصة واقعية تتسلق عليها تأملات عميقة متنوعة في قالب محكم.في قصة الفيلم يغادر الزوج السجن بعد قضاء تسع سنوات بداخله و برجوعه إلى بيت الزوجية تتملكه الشكوك والغيرة من زوجته التي كانت تخونه أثناء فترة اعتقاله وأن ابنهما ابن غير شرعي وزوجته زانية وخائنة. الزوجة القادمة للمنزل يتخلف طفلها عنها بالطريق ليلاعب يعسوبا فوق تراب البرية . بينما تسير هي الى حتفها لتموت خنقا على يد الزوج . فيما ترتسم المشنقة في تقطيعات الفيلم.
الفيلم الجزائري "ختي" الذي أخرجه وكتب له السيناريو يانيس كوسيم وشارك في أداء أدواره الممثلون سامية انيا لوناشي وياسمين كوسيم و خالد بن عيسى. وتحكي أحداث الفيلم في 18 دقيقة قصة فتاة تتواجد بمستشفى الأمراض العقلية تربط صداقة متينة مع المختصة النفسانية ومن خلال هذه الصداقة تكتشف الطبيبة التباين بين عالمين مختلفين وتتعاطف مع الفتاة وتقوم بإخراجها بسرية لتتنزه معها في أرجاء العاصمة ليلا.
فيلم "مونولوج" 13 دقيقة وهو من انتاج المؤسسة العامة للسينما بدمشق واخرج جود سعيد. عبارة عن مونولوج داخلي لهواجس شاب في إحدى الغرف بدمشق القديمة، يدرس المسرح يعيش أسير عُزلته وأحلام يقظته يتدرب على مونولوج من مسرحية ريتشارد الثالث لوليم شكسبير ويكرر عبارة قالها ريتشارد الثالث "انا ريتشارد.. اليوم يكلل غار النصر جبهتي وغدا أثب خفيفا الى غرفة محبوبتي" يظهر من خلالها رغبته في تحقيق ما فعله ريتشارد المشوه نفسيا وجسديا، فهو يتفوق عليه من هذا المنظور ولكنه غير قادر على تحقيق ما حققه، وحبيبته امام عينيه لكنه غير قادر على التعبير لها عما في داخله من حب وغضب. في حين ان جارتيه مازالتا تكشفان عوالمه تلك عبر انعكاسات الشبابيك المتلاصقة في البيوت الدمشقية القديمة.
كما قدم فيلم لبناني "سوس و نقطة" للمخرجة رين رزوق يعالج بجرأة اشكاليات العلاقة الاولى للمرأة مع الرجل . في عرض مدته 7 دقائق من تمثيل راشيل سماحة وايزابيل هندي ونتالي ضو وجيسيكا بوناصيف. يروي الفيلم شبه الصامت حياة فتاة غريبة الأطوار وساذجة الطباع التي تصطدم بواقع الحياة عند اكتشافها حقيقة كونها أنثى وسط مجتمع يجمعها بالرجال.
وشهد المهرجان مشاركة دولة جزر القمر لأول مرة في تاريخها بفيلم عنوانه إقامة يلانغ يلانغ للمخرجة هاشمية احمادة وهو أول فيلم يدخل مسابقة في تاريخ جزر القمر‏. ‏ الفيلم تمثيل : عابدين سيد محمد، استادنا مسى صوالحي، فهماوي ابوروا، ماما حيرية . تدور احداث الفيلم في قرية صغيرة من قرى جزر القمر يوزع جبريل وقت فراغه في العناية بفيلا مهجورة، وبينما هو يعمل يقضي حريق مهول على منزله البسيط، جبريل يضطر للبحث عن مأوى له ولعائلته.. لتراوده فكرة الاستقرار النهائي في الفيلا المهجورة مع ما ينتظره من مفاجآت .
ويعالج الفيلم الكويتي"مهملات" من إخراج عبد الله بوشهري قضية إهمال الزوجات في المجتمع العربي المحافظ والأحلام المحطمة لسيدات البيوت.
و في فيلمه "العشاء" يتناول المخرج البحريني حسين الرفاعي، في عشرين دقيقة، موضوع العلاقات غير الشرعية، من خلال قصة امراة شابة تقيم علاقة غير شرعية مع شاب، تصل إلى الحمل، فتقرر الهروب من بيت العائلة والإقامة عند صديقتها، حيث تجهض حملها، بعد تنصّل عشيقها ورفضه تحمل المسؤولية، لكن الفيلم ينتهي بعودة الفتاة إلى أهلها وطلبها السماح والحماية بعد شعورها بالخوف والقسوة في العالم الخارجي، لكنهم يقومون بقتلها عبر وضع السم لها في طعام العشاء . الفيلم الذي كتب نصه أمين صالح، يجسّد أدواره كل من هيفاء حسين، أحلام محمد، إبراهيم خلفان، حسن الماجد، شيخة مهنا، وعبد الله مهنا .
الخدمة العسكرية بلمسة كوميدية يتناولها الفيلم الأردني القصير "أنا جاهز" للمخرج عمر صالح ، حيث يتطرق لموضوع يهم كثيرا من الشباب، وهو موضوع الخدمة الوطنية وكيفية تعامل الشباب مع نداء الواجب الوطني وجاهزيتهم لأدائها، ورغم طول انتظارهم، يمضي الوقت دون أن يأتي أحد للأخذ بيدهم، أدى أدوار الفيلم كل من أحمد عودة، يوسف قبعة، سهيل غزاوي وأحمد سليمان .
توقع المخرجة العمانية الشابة رقية الوضاحي تجربة سينمائية بفيلمها القصير "ذاكرة لا تصدأ" في بلد تعتبر فيه السينما، أيضا، عالما خصبا لم يشهد الكثير من الإنتاجات . ويحكي الفيلم قصة شخص في صراع مع الذات، بين عالمين متناقضين: عالم مليء بالجمال والحياة والتفاؤل والخضرة، وعالم مليء بالقبح . لكن المآل كان إلى العالم الثاني، وفي غمرة ذلك تعود به الذكريات إلى أيام الطفولة . يجسد أدوار الفيلم الذي كتبت له السيناريو المخرجة ذاتها، أسامة أنس، اريج، بلسم، أحمد وبشار .
ويمثل فيلم " شمعة لمقهى الشهبندر" للمخرج عماد علي، سجلاً ذاتيا لبقايا التاريخ الثقافي والأدبي العراقي في ظل موجة الهجمات . عماد علي كاد يفقد حياته مرتين في حادثتين مروعتين حدثتا له اثناء تصويره فيلمه في بغداد في السنتين الماضيتين، وهما زمن إنجاز الفيلم الذي تعطل كثيرا، بسبب الاصابات الجسيمة التي اصابت المخرج والتي لازال يعانيها الى اليوم .
بعد اشهر من التصوير في المقهى الذي يقع في وسط بغداد،والتي تصنف من المناطق الخطرة كثيرا، تعرض بيت المخرج الى اطلاقات لقذائف الهاون، الحريق الذي سببته القذائف ادى الى مقتل والد وزوجة المخرج و اتلف كل الموجودات في البيت بما فيها بعض المواد الخام من فيلم المخرج العراقي.بعد فترة من التوقف، عاد المخرج الى العمل، رغم الاصابات التي لحقت به ورغم حزنه على الخسارة العائلية بفقدان والده وزوجته.
بعد الانفجار الإرهابي الذي اصاب شارع المتنبي الشهير في بغداد ومقتل وجرح المئات من رواد الشارع من المثقفين وباعة الكتب، رغب عماد علي في توثيق الدمار الذي حدث للمقهى القريب من الشارع، كذلك تسجيل بعض الشهادات لعدد من المثقفين العراقيين مفجوعين بخراب الشارع وعما يعنيه لهم ولمدينتهم. بعد اسابيع من حادث شارع المتنبي تعرض المخرج الى الحادث الثاني، ففي احد ايام تصويره هناك، أوقفته مجموعة من مسلحي الميليشيات الطائفية ، وعندما رغب في الفرار منها تعرض الى اطلاقات نارية اصابته .
بعد اشهر من المكوث في المستشفيات في بغداد، عاد عماد الى فيلمه، الذي انجزه بالنهاية. في الفيلم يقدم عماد بورتريهاً مؤثراً عن المقهى التاريخي الشهير، الذي شهد بعضا من اهم احداث مدينة بغداد والعراق خلال التسعين سنة الماضية من عمر المقهى.
الفيلم الاماراتي " مرايا الصمت " للمخرج نواف الجناحي عن المدينة.. عن التطور العمراني القاسي الذي يتطاول ويتطاول مخلفاً وجع المشاعر الإنسانية يقدم لنا الفيلم صورة الإمارات العربية في السنوات الأخيرة وكيف انكسرت المرايا وأصابت شظاياها قلوب الناس في صمت حزين.. وكيف التهم الإسمنت مشاعر الإنسان وسحقت المدينة أحاسيس الصدق والطيبة.
فالفيلم يفتتح مشاهده على شاب في بيته يبدو ساهما بلا عمل، يبدد ملله ويخرج من بيته ليسير في طرق المدينة ويجلس في أحد مقاهيها وحيدا، ثم يذهب ليؤدي عمله كممثل بارع في أحد المسارح يتلقى تصفيق الحضور وإعجابهم، قبل أن نشاهده أخيرا خارج المسرح مستندا إلى أحد الجدران وهو يشرب من قارورة مياه بتبلد غريب يعطيك مدى الوحدة البائسة والانعزال الشعوري الذي يعيشه هذا الفنان أو حتى الإنسان ذاته وسط هذا الصخب الحديث في أنحاء المدينة.
ولكي يوصل المخرج هذا الإحساس كان قد برع في رسم جميع المشاهد من ناحية التصوير وخلق أجواء من العتمة معتمدا على اللونين الأبيض والأسود، مصاحبا هذا الفيلم الصامت بموسيقى رائعة ومؤثرة ومتناغمة مع المشهد.
يذكر ان المهرجان الذي يترأسه حمراوي حبيب شوقي قد شهدت فعالياته حضوراً كثيفاً لسينمائيين عرب قادمين من ارجاء الوطن العربي من بينهم منى واصف و دريد لحام وحاتم علي وصباح الجزائري وغسان شميط وعبد اللطيف عبد الحميد وقيس الشيخ نجيب من سورية , ومحمد مفتاح و داوود ولاد السيد واحمد المعنوني من المغرب. وجورج نصر و ناتاشا اشقر وندا ابو فرحات من لبنان. و محمود ياسين و علي ابو شادي و مجدي احمد علي من مصر. وسيد علي كويرات وبهية الراشدي واحمد راشدي وابراهيم تساكي من الجزائر وسواهم كثير. "كنا نحبكم كثيرا واليوم نحبكم اكثر" قالها رئيس لجنة التحكيم دريد لحام في حفل الختام قبل ان يبدأ اعلان النتائج . وهذا ما أكده غالبية المشاركين في المهرجان الذي تمكن ان يشغل مكانه في صدارة مهرجانات السينما العربية في دورته الثانية، فكان الثناء هو عنوان كل الكلمات المسموعة والمرئية والمقروءة .


ورغم غياب وزيرة الثقافة خليدة تومي، التي تواجدت في تلك الاثناء في سورية لافتتاح الاسبوع الثقافي الجزائري بدمشق، فإن حضور وزير الاتصال عبد الرشيد بوكرزارة كان داعما للمهرجان حيث كان حريصا على التقاء الاعلاميين والحوار معهم ، كما افتتح ندوة التحديات التي تواجه السينما العربية وألقى كلمة أكد فيها أن السلطات في الجزائر تعمل على مضاعفة الجهود من أجل اعادة بعث السينما في الجزائر وقيامها بترميم دور العرض والتي تبلغ أكثر من‏500‏ دار عرض.‏

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق