الاثنين، 10 مارس 2014

ندوة الهدف الشهرية تناقش: واقع السينما العربية، وحال الفلسطينية


حول واقع السينما العربية، والفلسطينية، ودور هذا الفن، عقدت مجلة الهدف ندوتها لشهر تشرين الثاني، لمناقشة هذا العنوان ومحاولة الإجابة عن الأسئلة التي يطرحها، من جوانب عدة: هل هناك سينما، أم مجرد نتاج سينمائي، ما دور السينما في المجتمع، وما حكاية التمويل الأجنبي وكيف ننظر لسينما فلسطين – إن صح التعبير. هل هناك سينما فلسطينية، أم سينما حول القضية الفلسطينية، وأيضا ما علاقة السينما بالمجتمع والواقع، وكيف نتأثر بمختلف المفاهيم الموضوعية من ناحية التقدم والتأخر وغيرها من أسئلة..



المشاركون: محمد عبيدو/ناقد سينمائي- إبراهيم رضوان/ مخرج- سلمان صيموعة/مخرج- إدريس علوش /شاعر وناقد- د.محمد أبوناموس/ صحفي- جواد عقل/ رئيس تحرير الهدف.

المساهمون: قيس الزبيدي « مخرج» – عبد الرحمن أبو القاسم « ممثل»

أدار الندوة وحرر النص: وليد عبد الرحيم



وليد عبد الرحيم :

نشكر المشاركين جميعهم وسندخل مباشرة في صلب موضوعنا

ترى هل هناك سينما عربية أو فلسطينية ، أم أن هناك نتاجات سينمائية متفرقة المعالم والتقنية وغير متواصلة بشكل يعبر عن حالة مستقلة؟

وإذا كانت السينما العربية موجودة فما هي سماتها وملامحها، وهل هذه السمات والملامح ذاهبة في اتجاه تراكمي وتطوري أم أنها مجرد إسهامات متناثرة لا يربط بينها ملامح أو تواصل من حيث التجربة سواء في الموضوع، أو الشكل و الرؤية الإخراجية، أوالتصوير والمونتاج ..

من المفترض أن السينما العربية ذات تجربة طويلة زمنياً، و ما هي إلا سنوات قليلة حتى نحتفل بمئويتها، لكنها وبمراجعة لمسيرتها نرى أن لكل مرحلة ، إن صحت التسمية ، سمات و ملامح مختلفة ، وهذا أمر طبيعي، ما ليس طبيعيا هو أن هذه التجربة أو المرحلة تبدو منفصلة عمّا قبلها، فالسينما العربية تسير حتى تقترب من إيجاد ملامح لنفسها، ثم تنحى باتجاه مختلف ثم تتحول مرة أخرى إلى شكل ومضمون جديدين وهكذا… أي أن التجربة لا تحمل فحوى الاستمرارية مع نفسها بقدر ما تتواصل مع تقنية وتجارب أخرى.

أما السينما الفلسطينية كتعريف فقد تقسم إلى شطرين، أو لنقل أنها تحمل إشكالية التسمية، وهي ظاهرة فريدة في التاريخ نظراً لفرادة هذه القضية، فهل هي السينما المصنوعة بأيد أو تمويل محلي «فلسطيني» أم هي السينما العربية التي تتحدث في الهم و القضية الفلسطينية ، برأينا طبعا أن كليهما سينما فلسطينية بل حتى غير العرب الذين ساهموا أو صنعوا أفلاما فلسطينية يعتبرون من ناحية لا سطحية سينمائيين فلسطينيين مثل كوستاغافراس في (حنا ك)، و عشرات التجارب الأخرى.

هناك جدل ملح هذه الأيام يدفعنا إلى طرح موضوع التمويل الأجنبي ،الذي غالبا ما يقال عنه بأنه غير بريء ونقول دائما كسينمائيين فلسطينيين وعرب بأنه لا مفر لنا من التعاطي معه بسبب شح مصادر التمويل، ويبرز هنا سؤال آخر مفاده لماذا تقاطع بعض المهرجانات أفلاما فلسطينية؟

وفي لب الأمر يبقى السؤال الأهم هل هناك سينما عربية حقا، وبالتالي هل هناك سينما فلسطينية مهما كان تعريفنا لها؟



محمد عبيدو: ناقد سينمائي

كيف ستعرض فيلما ممولا أو منتجا إسرائيليا حتى لو كان موضوعه فلسطينيا ومخرجه.هذا الأمر محكوم بقانون المقاطعة

أنا شخصيا مع عرضها بل حتى مع عرض الأفلام الإسرائيلية الرافضة للكيان الصهيونيلنعرف على الأقل إلى أي درجة هذا الكيان مرفوض من أبنائه, وهناك ظلم عموما للإنتاج الفلسطيني في الداخل.



إبراهيم رضوان: مخرج

شهدت السينما العربية  والسينمائيون ضياعا من البداية و لم يتم استخدام الأدب العربي كسيناريو لأفلامهم، فابتعدوا عن الواقع العربي بشكله الصحيح ….وغاب البعد التاريخي .

كما طغى الخوف السياسي والهروب من الأفلام السياسية, ولم تظهر إلا في مرحلة متأخرة

ثم توجهت السينما إلى التجارية وافتقدت العديد من الأشكال الفيلمية و نحن نتذكر زخم الأفلام الترفيهية التي فقدناها اليوم.



المخرج سلمان صيموعة

إذا نظرنا إلى الأدب هناك مدارس وتيارات، هل وصلنا إلى صيغة مدرسة سينمائية أو تيار عربي.لا.وهذا الأمر يشمل السينما الفلسطينية ,.

السينما هي الأكثر قدرة على تهييج وضع الرأي العام والمضاد للواقع السياسي والثقافي القائم, ولم يكن هناك منذ البداية مشروع حقيقي .

ما قاله إبراهيم صحيح لم يتم النهل من المصادر الأدبية.و المشروع السينمائي العربي هناك قطع في أوصاله وهو محكوم بالتمويل و من حيث التمويل من يمتلك قوة الإنتاج ليس لديه قيود ولديه القدرة على الإنتاج، أما المبدعون فلا يملكون القدرة الإنتاجية.

إذا تابعنا مهرجان دمشق السينمائي ونظرنا مثلا إلى الأفلام السورية, الأسماء نفسها كل مرة وكأنه ليس هناك سواها, هناك كثيرون قادرون على المشاركة, ولكن هناك تغييب للمشروع بشكل كلي، وهناك إشكال كبير يبدأ بالسيناريو وينتهي بتسويق الفيلم.

أصحاب القرار ليس لديهم رؤية تطويرية , عن السينما أو فكرة ممكن تطويرها سينمائيا ,وخاصة الجرح الفلسطيني الذي يحتاج إلى رؤية متجددة وحتى القيادات الفلسطينية لا ترى أهمية هذا ,ومن الممكن دعم الأعمال حتى ولو بطريقة تقشفية …..



إدريس علوش :شاعر وناقد مغربي

السينما لاتنفصل عن الخطاب, وكل خطاب ماكر يهدف إلى خدمة هدف أو إستراتيجية محددة….

اليوم بدأ الوضع يتغير تماما بسبب ثورة التقنية والاتصال ,والأميركان هزموا في فيتنام مثلا لكنهم حولوا الهزيمة إلى الانتصار بقوة الصورة والتقنية مما يجعل المتلقي بما فيه العربي يسقط في الشرك الذي لا ينفصل عن نوايا وسياسة دولة تحتل العالم عسكريا وعبر السينما ….

عربيا  الآن ,على رغم الفترة الزمنية ليس لدينا سينما أو مدرسة عربية ,وهي علاقة معقدة مع الإنتاج الكوني وليست مواكبة فهي تبدو أنها أحيانا تمثل الهم العربي ,ثم تلغي ذالك وتحاول إقناع ذاتها بأنها كونية ومن هنا يسقط بعض المخرجين في التمويل الخارجي وأية مؤسسة  لا تمول دون غايات  هناك بلدان مثل الهند لديها سينما مهمة لكن على مستوى الإحالة على تناقضات المجتمع الهندي ,وقد يصل الأمر إلى الزخم والتنوع المستفاد منه سينمائيا .  نعود للجدل القائم بأنها صناعة ,وهي صناعة  من حيث تأمين منظومة التمويل لدينا مثلا الرسالة وعمر المختار يثبتان انه من الممكن إنتاج سينما عربية حقيقية . وقد يكون هناك نص مهم ولا يمول والعكس صحيح….يحضرني الآن فيلم الخبز الحافي وهو إنتاج ايطالي وإخراج جزائري وتمثيل مغربي واستطاع رصد نص رواية محمد شكري بجدارة.

هل عندنا سينما :من الممكن أن يشخص هذا التراكم الذي أنتجته السينما مثلا, استطاعت في المغرب الجزائر مصر تونس وسورية أحيانا النهوض وحققت دقة فنية عالية .



د.محمد أبو ناموس :

ما استنتجته هو أن المشروع السينمائي العربي والفلسطيني لايمكن عزله عن المشروع العربي العام, والمشروع العربي غير موجود بينما هناك مشروع إيراني وتركي وغيره,وأسأل هل لدينا مؤسسة على المستوى القومي أو القطري ,أنا أقول لدينا مبدعون، ومخرجون، وممثلون، وكتـّاب …..الخ لكن هناك الرقابة التي تعيق وجود وصناعة السينما . وعندنا الصناعة السينمائية أشبه بالصناعة التحويلية كصناعتنا التحويلية الأخرى. تم إنجاز بعض الأفلام والمسلسلات بجهد فردي ولم تكن جزءاً من مشروع عربي .

بالنسبة للفلسطينيين، منظمة التحرير صنعت شبه أفلام وهي مباشرة ومستهلكة كانت هناك بعض التجارب مثل تجربة مؤسسة السينما الفلسطينية للجبهة الشعبية و فيلم قاسم حول عائد إلى حيفا .

بالإضافة إلى ذلك نحن لا نفهم التمويل وحقيقته وقد فشلنا كعرب في التعاطي مع الرأي العام العالمي ولم نخلق رأيا عاما مسانداً لقضيتنا وعملنا مجموعة من الأفلام التسجيلية والوثائقية وكل ذلك تم وأده، وقام صاحب القرار بإيقافها لأنه في معظم الأحيان أمي, وبالتالي هناك مشكلة حقيقية في المشروع الثقافي العربي. حتى المسلسلات تتغنى بالماضي وليس بالتعاطي مع الحاضر أنا أرغب بأن أرى شيئاً جديداً ولا أراه.

مشكلة التمويل الأجنبي, قضية أخرى ، ببساطة فان رأس المال العربي والفلسطيني تحديدا أخلى موقعه طوعيا لصالح رأس المال الأجنبي وهذا جزء من حداثة التخلف في الوطن العربي



محمد عبيدو:

هناك مشكلة في كل شيء الصحافة رديئة، الفكر السياسي متخلف، لماذا لا تكون السينما كذلك أيضا …المبدع هو الطرف الأضعف عموماً، وصاحب القرار هو الأقوى ….



لما كان هناك مشروع ثقافي وعملت الناصرية قطاع إنتاج عام ،قدمت أهم الأفلام في السينما المصرية وقدمت مخرجين مهمين مثل صلاح أبو سيف وبعد نهاية مرحلة عبد الناصر صار الكل يبكي على مرحلته ….ثم جاء منتجون خاصون مثل حسين القلا قدموا دعما كبيراً ولكن المرء يبقى متمسكا بالمؤسسة الرسمية خصوصا مؤسسة السينما في سورية



جواد عقل:

موضوع السينما يأتي ضمن مرحلة غياب الثقافة العربية وغياب المشروع وأصحاب القرار الذين ليس لديهم ثقافة عموما بمن فيهم الفلسطينيون ,وانا اعني السلطة والمعارضة فكلاهما واحد…..

وهذا يشمل واقع التنظيمات الفلسطينية فهي تهب فجأة وتعمل فنا وفجأة ينهار كل شيء لأنه ليس هناك أساس لاحتضان المشروع, ولدينا في الشأن العربي ما يمكن طرحه لكن صاحب القرار العربي معني فقط بحل مشاكله على حساب مصالح الناس وعلى حساب العمل الإبداعي نحن لدينا سيطرة لثقافة الاستهلاك وقد انعكست على مظاهر الحياة والإنسان والفن, وفي الواقع الراهن لم يعد لدينا قيم والسائد الآن هي الثقافة السخيفة وكل ما يعرض تقريباً ليس له علاقة بهموم المواطن العربي ونادرا ما نجد شيئا ثقافيا له اثر يتحدث عن قضايا مهمة ,الحياة العربية منهارة وكل مجالات الحياة فيها انحطاط …

في غياب الجذور الثقافية لا مجال للديمومة والاستمرار من هناك نفتقر لسينما عربية حقيقية وهذا لايعني انه ليس لدينا مبدعون ,نحن ليس لدينا مؤسسات حقيقية بصراحة     



وليد عبد الرحيم

أين موقع السينما الفلسطينية وكيف يمكن تطويرها



إبراهيم رضوان :يجب تشجيع السينما الفلسطينية حتى غير المحترفة منها, لنرى التجربة على الأقل ويتم الاستفادة منها

محمد عبيدو:التجربة الفلسطينية مهمة في السينما العربية وهي مشكلة انتماء حقا أكثر منها مشكلة هوية محلية ….وقد صنع العرب سينما فلسطينية مثل برهان علوية، وتوفيق صالح، ومخرجون سوريون، وعراقيون، ومصريون .وقد بدأت سينما الداخل في السنوات الأخيرة وهي ظاهرة مهمة جدا ,لأن الفلسطيني هو الابن المباشر للجرح والفلسطيني قادر إبداعيا وكان مفاجئا بنوعيته ذلك الإنتاج الفلسطيني في الداخل وهناك مجموعة مهمة درست السينما في أوروبا ولديها رؤية مختلفة وجريئة مثل ميشيل خليفي، وهاني أبو اسعد، وقد صنع هؤلاء ملامح سينما فلسطينية فيها تطور حتى على المستوى الفني والتقني إلى جانب جرأة الطرح مثل موضوع الهوية وموضوع الآخر خارج الشكل المقولب السائد ,السينما الفلسطينية اليوم في الداخل مهمة جدا وتستحق دخول المهرجانات العربية

سلمان صيموعة :

الألم الإنساني, شحنة الألم يتلقاها المشاهد كجرعة. وأتصور أن معايشة الحدث من قبل فلسطينيي الداخل يجعلهم قادرين على التعبير عن هذا الألم وهذا لايعفي العرب الآخرين من مهمات التعبير الفني, لكن هناك عملية عزل وأنت في الخارج محكوم بمفاصل خطيرة حتى بأبسط الأدوات الموجودة ,نحن قادرون عن التعبير عن الألم ورفد الداخل والعربي حتى البسيط منه وأنا أدعو لمهرجان بهذا الاتجاه للأفلام البسيطة، فالقضية لا تحتاج فقط لأفلام كبيرة ، لقد تم عبر شعر درويش انتزاع قوة السم لدى العدو, دائما طزاجة الفكرة مجدية وتكلسها مشكلة وينعكس هذا على حالة الفن. نحن بحاجة للسؤال كيف نكون قادرين كفنانين أن نتناغم لنحقق شيئاً جديداً.



إدريس علوش :

تراجعت السينما الفلسطينية عموماً, ولكن هناك روح مبادرة عالية تشفع لها, وحالة الشرخ والتصدع الفلسطيني للأسف والانجذاب نحو ثقافة الاستسلام والفوضى والانسياق نحو العمل التفاوضي يؤثر على الفكر المبدع شئنا أم أبينا، و برغم الصورة القائمة لايمنع ذلك عملية الانزياح وهي تحدث عند بعض المبدعين الجيدين وأحيانا ليس لديهم ارتباط مع السلطة أو حتى الصف الوطني ,وهذا يحدث عند كل الشعوب.



د.محمد ابوناموس:

الواقع الفلسطيني غني جداً وأنت من الممكن أن تصنع فيلماً من كل حارة فلسطينية, بحكم ظروف القضية, ولكن هناك سؤال يطرح نفسه :الأفلام التي صنعت جميلة, هل تستطيع أن تقول بأن هذا الحالة جزء من سينما فلسطينية ,حتى الآن نقول إنهم فلسطينيو الداخل ولكن من غير المسموح عرض أفلامهم بل يشتمون أحيانا ولا يسمح لهم بعرض أفلامهم وهو شتات سينمائي انعكاس للواقع ولعدم وجود مؤسسة سينمائية فلسطينية، أو مؤسسة عربية حقيقية، فالإمكانيات موجهة الآن للفضائيات وهي تدار من قبل الناس الأقل كفاءة، أما الإمكانيات الفلسطينية فهي مسيرة بشكل خاطئ.



مساهمة الممثل عبد الرحمن أبو القاسم



السؤال الأساسي هو: هل هناك سينما عربية فعلا، حتى نبحث فيما إذا كانت هناك سينما فلسطينية أم لا؟

باعتقادي أن السينما العربية ما زالت تبحث عن موطئ قدم لنفسها أمام التطور الكبير، بل والهائل في السينما العالمية لا سيما الأميركية، أقول هذا بعيدا عن الموقف من السياسة الأميركية المنعكس على السينما بالضرورة، لكنها تبقى السينما الأهم عالميا، من حيث التقنيات، والنص، والتمثيل، والصناعة السينمائية بشكل عام، و السينما الأوروبية تحذو حذوها، خذ مثلا: السينما الايطالية التي بدأت هجوما مقلدا للأميركية وبدأت ترسم ملامح جديدة لها وكذلك الأمر بالنسبة للفرنسية و الألمانية وغيرها

السؤال هو أين السينما العربية من ذلك، أنا شخصياً لا أرى بأن هناك سينما عربية، كنا نتحدث عن سينما في مصر، أو السينما المصرية، لكن ذلك قد تغير،  واليوم هي تنحى باتجاه التجارية، وهي سمة ليست سلبية تماماً  إلا عندما تكون الأساس الوحيد فالسينما صناعة ولكنها إن اكتفت بالنمط التجاري تراجعت حتماً.

هناك بعض النشاطات والملامح السينمائية في سورية، والجزائر، وتونس مثلا لكنها مازالت تسعى لتحقيق هويتها فتتقدم قليلا وتتأخر قليلا. أما السينما الفلسطينية وبحسب معرفتي تتلقى غالبية تمويلها من خلال مؤسسات أوروبية وهؤلاء لا يساهمون في التمويل لوجه الله تعالى، هناك دائما شيء خفي يراد من وراء هذا التمويل ، وفي الوقت نفسه السينما الفلسطينية بحاجة لذلك التمويل، بل لابد لها من استقبال هذا التمويل فهي لن تستمر بدونه، المشكلة الأخرى أن هذه الأفلام تصنع للمهرجانات لا للجمهور، فهو لا يراها، وأنا هنا أطلق نداءً أو رسالة للمعنيين بالسينما وتسويق الأفلام مطالباً بالعمل على تحقيق عرضها جماهيرياً، وفي المخيمات، والمدن الفلسطينية والعربية وهذا أمر يجب تحقيقه

منذ خمسين عاما أعمل كممثل ، وأنا ممثل فلسطيني كما هو معروف أعرف الكثير عن السينما العربية والفلسطينية وشاركت في العديد من الأفلام، سأقولها بصراحة: «إن العديد من هذه الأفلام بل غالبية التي شاركت فيها لم أرها، ألا يعبر ذلك عن خلل كبير؟!»



مساهمة المخرج قيس الزبيدي



 سبق وأن نوّه فيصل دراج في مقدمة كتاب "فلسطين في السينما": "استطاعت الأفلام عن القضية الفلسطينية أن تختزن ذاكرة غنية لا يمكن إغفال أهمية وضرورة الرجوع إليها، ما دامت تنتمي، بحق،إلى تاريخ الناس، وشكلت بالتالي، وفقاً لخصوصية هذا التاريخ، ذاكرة وهوية للشعب في فلسطين وفي الشتات. بهذا المعنى سجلت «الكاميرا»، في أزمنة مختلفة، ذاكرة فلسطينية حقيقية. (…) تصل بين ماضٍ لا يمكن نسيانه، وبين مستقبل يحتاج إلى وعي خبرة الماضي ليستقيم. فقد خلق الموضوع الفلسطيني شكلاً فنياً خاصاً به. أكان القيمون عليه فلسطينيين أو عرباً أو غربيين. فلا يوجد بلد في هذا العالم لم ينجز فنانون منه فيلماً أو أكثر عن الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، «أكان الالتزام فيه بالقضية الفلسطينية التزاماً كبيراً، أم التزاماً موضوعياً، يشجب، في جوهره، دمار الإنسان والتطاول على إنسانيته». لذلك نستطيع القول إن هناك سينما ت ارتبطت وترتبط بـ (كونية القضية الفلسطينية) على المستوى السينمائي. رغم أنه حصل وبدا كما لو أن سينما الموضوع الفلسطيني قد اختفت تماما من خارطة الصراع الدائر إلا إنها عادت إلى الوجود بقوة، ودليلي على ذلك الأفلام  التي شاركت في مهرجان أبو ظبي السينمائي، التي حققها سينمائيون عُرف اهتمامهم بالقضية الفلسطينية مثل فيلم «أطفال الحجارة.. أطفال الجدار» للألماني روبرت كريغ، وفيلم «وطن» للهولندي جورج سلويزر، إلى جانب   فيلم «دموع من غزة»، للنرويجية فيبكي لوكبيرغ، و«ثمن السلام»، للألماني هاري هينكل..

يعود كريغ  إلى موضوعه في «أطفال الحجارة، أطفال الجدار» ليبحث عن خمسة أطفال فلسطينيين التقطت لهم صورة عام 1989، في بيت لحم، وهم من الجيل الذي أطلق عليه «أطفال الحجارة». ومن الصورة ينطلق الفيلم ليرصد التحولات التي طرأت على سكان بيت لحم، وما حل بالفلسطينيين طوال تلك السنوات.

يكشف الفيلم  عن حياة شخصياته ويربط مشاهد عديدة من فيلمه القديم ومن صور أرشيفية مع المشاهد التي يصورها، ويتيح الفرصة لأطفال الأمس ليعبروا عن ذكرياتهم في  انتفاضة الحجارة، ويتناقشون فيما بينهم حول كل ما عرفوا انه قد حصل وكل ما يعرفون أنه يحصل في فلسطين: ماذا صنعت الحجارة في مقاومة الاحتلال وماذا صنع الاحتلال، من تلك الحجارة، في بناء المستوطنات؟

نهاية الفيلم رمزية كبدايته: يضع أطفال الانتفاضة يد كل منهم في يد الآخر، ليجعلوا من أياديهم يدا واحدة قوية، تدل على حبهم لفلسطين. وتدل في الوقت نفسه، على أملهم في وحدة حركة حماس وحركة فتح، حتى يتسنى للحركتين، السير على خطى الانتفاضة الأولى: انتفاضة الحجارة.

يعود جورج سلويزر، المريض وشبه مشلول، في فيلمه «الرابع» «وطن» ليتابع بحثه عن مصير أفراد العائلتين في بيروت والشتات، اللتين سبق وأن صورهما في أفلامه السابقة الثلاثة التي أنجزها ما بين العامين 1974 – 1982، ليرصد "التحولات والتغيرات التي حصلت لمن تبقى على قيد الحياة من أفراد العائلتين وليكشف الكثير من مواقفه، الإنسانية والسياسية العنيفة، ويعلن، رغم مرارته،  موقفه المؤيد للشعب الفلسطيني ونكرانه العنيف ونفيه القاطع لحق الصهاينة في أي شكل من أشكال الاحتلال أو في أي حجة من حجج تشريد الشعب الفلسطيني.

مشكلة السينما الوطنية الفلسطينية الحقيقية كانت بقدر أقل وأصبحت بقدر أكثر، تكمن في عدم وجود أساس مادي إنتاجي مستقل. ويبدو الآن بفضل بعض نجاح بعض الجهود الفردية، أن هناك أمام السينما الوطنية الفلسطينية فرصة للإنتاج، لكنها فرصة ضبابية،  تقوم على إنتاج غير مستقل يخضع لجهات إنتاج عديدة ومختلفة مما يضع أمام المخرجين الفلسطينيين صعوبات ،فنية وفكرية عديدة، فالمهم أن تنصرف الجهود في محاولة لتأسيس سياسة إنتاج أفلام عامة وليست فردية، لأن مثل هذه المحاولة تساعد المخرج الفلسطيني ليستقل وليحقق الإبداع، الذي يلتزم بنوعية جديدة فنية وفكرية، فليس المطلوب فقط، عمل أفلام عن فلسطين، إنما المطلوب عمل أفلام نوعية جديدة، جديرة بكونية الموضوع الفلسطيني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق