الاثنين، 10 مارس 2014

اسئلة السينما العربية

محمد عبيدو 

  
كيف تصاغ سينمائيا هذه المشاهد العربية الحزينة ؟ وهل يستوي الشاعر والرسام والمسرحي والسينمائي في معاناتهم عند إعادة تشكيل هذه المشاهد إبداعيا ؟ وكيف ينبثق الإبداع من صلب هذا الألم العربي العام ؟ أية ثقافة ستنهض من هذا الخراب ؟ ..
من المعروف إن السينما , بوصفها ظاهرة ثقافية وتجارية دخلت إلى بعض أقطار الوطن العربي منذ بداية القرن العشرين واخترقت المخيلة العربية حيث وجدت لنفسها قواعد للاستقرار في بعض مناطق الجغرافيا العربية ولكن بشكل غير متكافئ , لأننا نجد بلدانا عربية استطاعت إنتاج أفلام منذ العشرينات من القرن الماضي بينما هناك بلدان أخرى لم تنجز إلا أفلاما تعد على الأصابع .

فالسينما العربية مشروطة بمجمل الحركة الثقافية العربية, تتحكم فيها صيرورة الواقع السينمائي في الوطن العربي بكل ما يحمل معه من تحولات هيكلية وتقنية , واقتصادية مرتبطة أساسا بما جرى على الساحة العربية منذ أكثر من تسعين عاما على المستوى السياسي والاجتماعي , على طول الخارطة العربية .
لا نريد أن ندخل كثيرا في تفاصيل وتطورات السينما العربية لأنها متشعبة ولكن ما نقصده هو الإشارة إلى تحولات السينما العربية وإثارة بعض الأسئلة حول السينما باعتبارها مشروعا ثقافيا عاما يحتضن مجالات تعبير أخرى ويختصر نقاشات إبداعية واجتماعية وحضارية , مطروحة بحدة على بساط البحث ..
يكاد يجمع الدارسون والمهتمون بالسينما على تقسيم السينما العربية إلى قسمين كبيرين : السينما السائدة والسينما الجديدة .ويرون إن السينما المصرية كمصطلح وكمفهوم هي السينما السائدة في الوطن العربي , وهي السينما التي تقوم على مجموعة من الثوابت يسهل على أي مشاهد ضبطها, بل تحقق هذه الثوابت الإشباع المتوخى سلفا من الفيلم وهو محاولة إيجاد واقع مقولب بعيد عن مناقشة المشاكل والإشكالات التي يعيشها الإنسان العربي ووضعه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي , بعيد عن ذاكرته و أحلامه وآلامه ونزيف روحه وانكساراته , وهذا المفهوم للسينما لم يكن فقط في مصر ومقتصرا عليها بل نراه موجودا في تجارب السينما العربية الأخرى " سورية , لبنان , المغرب .. الخ " التي لم تكن أفلام القطاع الخاص فيها سوى تقليد مبتذل للنموذج السينمائي الاستهلاكي في مصر..
وعلى الرغم من كل النتائج السيئة لنكسة حزيران 1967 فإنها كانت العامل الذي دفع جيلا من السينمائيين إلى الوعي والإنتاج , إلى صياغة الحلم والتطلع إلى مستقبل نهوضي من خلال محاكمة العقل العربي والمؤسسات السائدة .. هذا ما وفر بروز ما سمي وقتها بتيار السينما الشابة الجديدة.. والسينما الجديدة وان تعددت أسماؤها , تطرح إشكالية سياسية بالقدر الذي تطرح فيه إشكالية فنية , لاتصالها عمقا بالقضايا الملحة في واقعها العربي , ومن ثم لاتصالها بالهاجس البحثي الإبداعي التجديدي .. لتكوين لغةً سينمائيةً …تستند إلى الأنساق المعرفية والجمالية للثقافة العربية جريئة في لغتها السينمائية وخطابه السياسي والاجتماعي ورصدها للواقع, والسينما الجديدة هي تلك السينما المنتشرة هنا وهناك في أرجاء الوطن العربي , والتي تنتج خطابها السينمائي في مواجهة السينما السائدة , وقد سماها بعضهم السينما البديلة , وسماها البعض السينما الهامشية والبعض الآخر سموها السينما الجادة ..
والسينما الجديدة – سواء تلك التي تواجدت داخل مصر أو في الدول العربية الأخرى – لها طموح في أن تقدم صورة متميزة عما هو سائد في السينما في السينما التجارية للواقع العربي , هذا الواقع الذي لم يعد مجرد ديكور فج تمرر من خلاله الصور نفسها بأشكال مختلفة , وإنما هو واقع مترجم فابل للتحليل .. الواقع بحلوه ومره , بمشاكله الحقيقية المتجسدة في الشارع , وبتناقضاته وخلله المتمثل بالغنى المستورد والفقر المتجذر في الأعماق , وما نتج عن تجاوزهما من تخريب للروح وتشويه للقيم وهدم للحياة .
هذه السينما حملت بذور وعي جمالي وسياسي جديد يحاول القطع مع الشروط العربية العامة التي أدت إلى الهزيمة العربية .. وعي يستنهض المسؤولية الوطنية لقراءة الواقع العربي قراءة نقدية جدلية متغلغلة في كل تفاصيله وتناقضاته
وفي هذا الإطار كانت طروحات السينمائيين العرب الذين اجتمعوا في مهرجان دمشق الدولي الأول لسينما الشباب عام 1972 .. وطروحات " جماعة السينما الجديدة في مصر" الذين برزوا في أواسط السبعينات .. كما تبلورت في الثمانينات والتسعينات التجارب السينمائية ذات المشروع الواقعي الجديد , بمعنى العمل على تأسيس خطاب سينمائي واقعي جديد , يتبدى فيه الواقع المعاد إنتاجه في شكل كتابة واسعة , حافلة بالتفاصيل , مليئة بالجدل, مثيرة للأسئلة . 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق