الخميس، 8 يونيو 2023

افلام سينما المؤلف في الجزائر



سينما المؤلف في السينما العربيّة هي تعبير النخبة ثقافي سينمائي في محاولة التغيّر من خلال سينما المؤلف مع مساءلة الشكل والجوانب الفنية والجمالية. وإذا كانت السينما الجماهيرية الشعبية سينما واقعية قائمة على المحاكاة والالتزام، فإن سينما المؤلف هي سينما الرؤيا والتفكير والبحث والتجريب والتحديث وطرح الأسئلة المغايرة حيث شهدنا عبرها إنجاز أفلام ذات قيمة جمالية واجتماعية تعكس التحولات الجديدة كما تعكس الطبيعة الأسئلة الجديدة المطروحة في المجتمع وعلى صعيد الموضوع والتقنية والجمالية في هذا الحقل المتفتح على التغيرات السريعة التي يشهدها العالم. إن المخرج المؤلف هنا صار يوازي في إبداعه الكاتب ، أي يعبّر عن رؤيته الخاصة من خلال أفلامه. وأصبح يسمى الفيلم باسم مخرجه .

هنا مقاربة لأفلام سينمائية جزائرية أنجزها مخرجوها انطلاقا من كتابتهم الخاصة لها :


كان فيلم “نوبة نساء جبل شنوة” 1977 للروائية والمخرجة آسيا جبار، الذي يشكل انفراداً متميزاً في العلاقة بين الروائي والسينمائي في الجزائر، كون أن آسيا جبار هي في الأساس كاتبة وجامعية خاضت هذه التجربة الوثائقية والتسجيلية انطلاقاً من المعايشة الشخصية للكاتبة – المخرجة والرصيد الشعري الكامن لدى نساء الجزائر، وبالخصوص في جبل شنوة (قرب ولاية تيبازة مسقط رأس المخرجة) وهنا نشأت علاقة حميمة بين نساء جبل شنوة، ورؤية مخرجة تحمل في داخلها حسا نسائياً متقدماً أرادت أن تكثفه في عمل قريب وواقعي. الوثائقية والتسجيلية وسيلة لسرد البعد الشاعري لهؤلاء النسوة في محيطهن الطبيعي وهن يعبرن بالكلام او بالرقص على أنغام النوبة الممتزجة بالغناء والبندير. كان عملها مقاربة شاعرية للموروث الثقافي لمنطقة شنوة الأمازيغية بولاية تيبازة (الجزائر)، وهي تعمل على فيلم “نوبة نساء جبل شنوه” تقول: “بهذا الفيلم أيضا أقوم بالأدب، أمر من الأدب المكتوب إلى الأدب الشفوي. أؤكد دورا للتوصيل. في بداية هذا المشروع بدأت بالاستماع لحكايات النساء. قمت بهذا العمل في منطقتي الأصلية (جبل شنوه).لقد قُـبلت من طرفهن، ليس لأني كاتبة، ولكن لا، لي روابط بوسطهن. وأنا أستمع، كانت هناك صور تتشكل في خيالي شيئا فشيئا والفيلم يتشكل أيضا”.


مرزاق علواش من المخرجين الذين حرصوا على كتابة افلامه ، ونرى في فيلمه الرائع (عمر قتلته الرجولة) الحديث عن الواقع اليومي: الحياة الصعبة، البطالة، أزمة السكن، العلاقة بين الجنسين، أحداث الفيلم في العاصمة الجزائرية وسط السبعينات في أوج الانفجار السكاني الذي عرفته البلاد بعد الاستقلال، يصور الحياة اليومية للشاب “عمر” موظف في إدارة مكافحة الغش الذي يعيش وسط عائلته التي تسكن منزلاً ضيقاً مزدحماً بأخوته أو الشارع الذي يسكن فيه، وعالمه الخاص المحصور بينهما، يفتقد عمر إلى شريط ويعاني الوحدة، يحاول أن يقيم علاقة مع فتاة سمع صوتها ذات مرة مليء بالشجن،  ولكنه لا يدري كيف يتم التواصل معها. يعمل موظفاً في مكتب صغير، يقضي أوقاته في الشوارع لاهياً، يراقب النساء، أو في مشاهدة الأفلام، تعترضه عصابة وتسرق نقوده، وتترك جرحاً في وجهه، يلجأ إلى صديق مهرب لشراء مسجل ، فجأة تقع أذنه على تسجيل صوتي لبنت مجهولة (سلمى) في شريط كان من المفترض أن يكون فارغًا، بعدها سيكتشف أن سلمى تسكن على بعد شارع من بيته وسيسعى بكل الطرق للظفر بلقاء معها يصير مغرمًا بهذا الصوت الغامض ، إنها ضائعة مثله، لكنه لا يستطيع التواصل معها، ويعود إلى سابق عهده. فيلم مرزاق علواش غاص في العمق تتنبأ بأيام قادمة يعيشها هؤلاء الشباب الموضوعين على الهامش في الجزائر.


وتابع مرزاق علواش مسيرته، في أفلام كتبها تصور مختلف مراحل تطور الذهنية الاجتماعية الجزائرية. فيقدم (مغامرات بطل) 1978 وعبر هذه المغامرات والمشاهد الفانتازية. يطرح المخرج تأملاته في قضايا العصر ومشاكل المجتمع الجزائري. ثم يقدم عواش فيلمه (رجل ونوافذ) عام 1982 .  ليهاجر علواش بعد الفيلم إلى باريس ويعمل هناك فيقدم (حب في باريس) 1987، و (باب الواد الحومة) 1994، و (الجزائر بيروت للذاكرة) 1998، و (سلاما ابن العم) 1996 الذي يتعرض لوضع الجزائريين في الجزائر وفرنسا. و تابع نفس الكتابة السينمائية في أفلام أخرى لاحقة مثل ” التائب “


اما فاروق بلوفة، ففي فيلمه الوحيد الكبير الذي كتبه وأخرجه (نهلة) 1979 اختار أن يقول أزمة الهوية والمجتمع الجزائريين ولكن من خلال الحرب اللبنانية. وتحديداً من خلال صحافي جزائري يجد نفسه أمام أسئلته الخاصة أمام هذه الحرب التي وجد نفسه يتورط فيها.


وفي عام 1989 محمد شويخ كتب واخرج فيلم (القلعة) الجميل المشغول بعناية فائقة يتمتع بقوة شاعرية وشجاعة في طرح موضوعات الساعة في الوطن العربي تدور أحداثه في قرية صحراوية جزائرية في إطار متحرر من قوالب صناعة السينما ذات الهدف التجاري . كما خاض محمد شويخ غمار الفانتازيا في فيلمه المميز “يوسف، أسطورة النائم السابع” 1993والذي يدل عنوانه على توجهه الأسلوبي واعتماده على الأساطير والخيال ليناقش من خلال ذلك المآل الذي آلت إليه الجزائر بعد الاستقلال وانحرافا ت رجالات ثورة الاستقلال عن أهدافها.  وانجز محمد شويخ عام 2005 فيلمه ” دوّار النساء” الذي صُوّر في الجزائر خلال وقت عصيب كان يمر به البلد. ويحكي قصة نساء عاديات إنبرين للدفاع عن أنفسهنَّ في ظروف غير إعتيادية. ويركز الفيلم على قرية صغيرة معزولة غالباً ما يهاجمها الإرهابيون الذين ينحدرون من الجبال المحيطة بها. بعدما غاب الرجال في المدينة بحثا عن لقمة الخبز، تاركين سلاحهم في أيدي النساء.


واتخذت يمينة شويخ من عنف الارهاب في بلادها موضوعا، يتناوله فيلم “رشيدة” 2002 حيث تقدم شهادة متميزة على طريقتها الخاصة عن المأساة التي عرفتها الجزائر لأكثر من عشرية من الزمن.


ايضا في فيلمها “مال وطني ” اتخذت فاطمة بلحاج من عنف الإرهاب في بلادها موضوعاً تتناوله ووجها لوجه مع الإرهاب وأسئلته ينبني الفيلم حيث تقدم شهادة متميزة على طريقتها الخاصة عن المأساة التي عرفتها الجزائر لأكثر من عشرية من الزمن .  يروي المأساة التي أدخلت الجزائر في دوامة من الرعب الدموي بأسلوب يجمع بين الطرح الجارح والقاسي للأحداث والنظرة الإنسانية للتطورات والغليان الذي عاش فيه أفراد المجتمع مما جعل بعضهم يتحول الى حالة من التشيؤ والعزلة والخوف قوى مجهولة.


“خرطوش غولواز”  لكاتبه ومخرجه الجزائري المغترب مهدي شارف، الذي شارك في مهرجان كان الدولي 2007 ، يرصد يوميات آخر صيف فرنسي بالجزائر، من خلال الأبطال الرئيسيين للفيلم، وهم أربعة أطفال.. الفتى علي وأصدقاؤه المستوطنون الثلاثة، وبعيون هؤلاء الأطفال الذين تختلف دياناتهم وأصولهم وتجمعهم الأرض والصداقة، يروي المخرج جانبا من الحياة اليومية بالجزائر قبيل إعلان الاستقلال ورحيل المستوطنين عنها. ينتمي الفيلم إلى السينما الذاتية، وتناول فيه المخرج سيرته الذاتية الحميمية، لكن بخلفية تاريخية


فيلم “مسخرة ” انتاج 2008 للمخرج الياس سالم , استطاع أن يحقق نجاحا دوليا كبيرا منذ أول عرض له، وعلى رغم أنه فيلم خفيف في ظاهره ، إلا أنه يحمل كل ملامح أفلام الكوميديا الاجتماعية السوداء ، التي تجعل المتفرج يخرج بالقصة من حدود المواقف المضحكة والساخرة إلى نظرة اجتماعية متسعة الأفق ، لا تخص المجتمع الجزائري فقط ، ولكن تخص أغلب المجتمعات العربية إن لم تمس المجتمعات البشرية بأكملها ، حيث نتابع من خلال الأحداث كيف أن غريزة المال يمكن أن تقلب حال البشر ، وتعيد صياغة وضعهم الاجتماعي والإنساني بمجرد أن تنطلق شائعة بسيطة، لتجوب بلدة نائية من أدناها لأقصاها إن منير بطل الفيلم -وهو نفسه المخرج والمؤلف والمنتج لياس سالم- يعاني اجتماعيا مع أخته الصغرى ريم، المريضة بمرض طريف جدا ومأساوي جدا في الوقت نفسه , وهو مرض النوم ، ذلك المرض الذي تسببه ذبابة التسي تسي المنتشرة في إفريقيا , وفي مجتمع جاهل يشيع هذا المرض عن الفتاة الجميلة بالبلدة أن أحدا لا يمكن ان يتزوجها ، وبالتالي يعلن منير –في لحظة فوران مخمورة- أن أخته تقدم لخطبتها عريس ذو ثروة ومكانة اجتماعية مرموقة..  لكنه يستيقظ في اليوم التالي وقد نسي كل شيء، ويفاجأ أن البلدة لا حديث لها سوى هذا العريس الثري الذي سيتزوج ريم ، على رغم مرضها .


 “لوبيا حمرا” 2013 ، هو أول فيلم طويل لناريمان ماري بن عامر. أثار أكثر من إشكالية، الأولى تتعلق بالطرح الفني للفيلم والحدود الفاصلة بين الوثائقي والروائي، حتى أن الأمر قد يختلط على المتلقي فيتساءل هل ينتمي “لوبيا حمرا” للوثائقي أم للروائي؟ هل الاستناد على واقعة حقيقية يجعل الفيلم وثائقي؟ وهل الاستعانة بشخصيات حقيقية يكفي لوصف الفيلم بأنه وثائقي؟


وكشف كريم طرايدية مؤلف ومخرج فيلم “حكايات قريتي” 2016 أن شخصية الطفل “بشير” في الفيلم، هي شخصيته الحقيقية، وأن قصة الفيلم تتحدث عنه وعن كل الأطفال الجزائريين الذين عاشوا هذا الوقت قبل الاستقلال.


وقال كريم: “كنتُ في الثالثة عشر من عمري عندما تحقق الاستقلال، وأصبحت الجزائر حرة، لذا فأنا أحتفظ في مخيلتي بالعديد من المواقف والحكايات عن هذه الفترة، لذا قررت تقديم فيلم أحكي من خلاله عن الإحباطات التي كانت تراودنا قبل الحصول على الاستقلال”. وأن فيلمه يناقش التحرر والخروج من حالة الإحباط التى كانت تراود الشعب الجزائري قبل الاستقلال، وأن “حكايات قريتى” تجربة شخصية مليئة بالإحباطات، وأن المشهد الأخير من الفيلم ليس من خيالى، بل واقعى، وأن اسم “أبو مدين” جاء مع الأحداث، لأنه كان في ذلك الوقت شخصية غير معروفة، أما الطفل الذي ظهر في الفيلم يمثل ويعبر عن جميع الأطفال فقدم دور البطولة «بشير» وعائلته المكونة من هلال تفاصيل هذه العائلة الصغيرة التي تمثل الوطنية والثورة الجزائرية، وقال طريدية إن شخصية السيدة التي تطعم الطفل في الفيلم العسل بيدها موجودة بالفعل، وتفعل هذا بعد قداس الأحد وتطعم الصبية بأيديها.


الجرأة السينمائية من التجديد الإبداع ميز فيلم” طبيعة الحال ” او”عودة السنونوات” تأليف وإخراج كريم موساوي  الذي تألق في أول عروضه في قسم ” نظرة ما ” بمهرجان كان السينمائي بدورته السبعين . ويستعرض معاناة تلك السنوات من التاريخ المعاصر للجزائر .. حيث عشرية الإرهاب بعنفها وقسوتها .. من خلال ثلاث شخصيات تعيش في الوقت الراهن، لكن الزمن توقف عندها في الماضي، وما زالت أسيرة له رغم محاولات طرده أو تناسيه .

محمد عبيدو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق