الخميس، 1 يونيو 2023

الطفل في السينما الجزائرية



 محمد عبيدو 

قدمت السينما الجزائرية عددا من الأفلام الوثائقية والروائية الطويلة التي تناولت الطفولة إما بطريقة جزئية عابرة وإما بطريقة كلية أي ببطولة أطفال او بقصصهم، بمناسبة الاحتفال بيوم الطفل العالمي ، هنا وقفة مع المقاربات المختلفة في معالجة ثيمة الطفولة وواقعها الاجتماعي عبر افلام جزائرية متنوعة .


يتناول الفيلم الوثائقي “ثوار القصبة”، انتاج عام 2017، ظروف مقتل أربعة ثوار جزائريين داخل منزل بحي القصبة بالعاصمة الجزائر، إبّان الثورة التحريرية ضد المستعمر الفرنسي (1954-1962). ويرصد العمل الذي أخرجه مراد أوزناجي، (52 دقيقة) ظروف مقتل أربعة ثوار بعد تفجير الجيش الفرنسي لمنزلهم وهم: علي لابوانت (ولد في 14 مايو 1930)، محمود بوحاميدي، وعمر ياسف، المدعو عمر الصغير (ولد بالقصبة بالعاصمة الجزائر عام 1945)، وحسيبة بن بوعلي (ولدت في 18 جانفي بولاية الشلف غرب البلاد). وفجر الجيش الفرنسي منزل الفدائيين الأربعة في 8 أكتوبر عام 1957، بالمنزل رقم 5 شارع كانون بالقصبة. واستغرق إنجاز الفيلم سنتين ونصف السنة، جرى خلالها تسجيل 18 شهادة مع أفراد من عائلات الشهداء الضحايا، ومتخصصين ومؤرخين وإعلاميين. وانطلق تصوير الفيلم من الطفل عمر الصغير، لإبراز العلاقة بين الطفل والثورة، لكن صعوبات واجهت المخرج في تسجيل الشهادات المتعلقة به اضطرته لتحويل الموضوع من الحديث عن شهيد إلى الحديث عن الشهداء الأربعة. ويسلط المخرج كاميراته على كل واحد من الأبطال الأربعة بداية من بوحاميدي الذي احتضن منزله الأبطال الأربعة لمدة ستة أشهر دون أن يصل إليهم الفرنسيون، وحسيبة بن بوعلي رمز لنضال المرأة الجزائرية، وعلي لابوانت، الشاب الذي قاوم الاستعمار بشدّة، حيث رفض تسليم نفسه للمستعمر، وكذلك عمر الصغير (عمره 13 سنة وقتها) صاحب الدور الكبير في نقل المعلومات إلى الثوار.


وحضرت الطفولة الجزائرية بفيلم المخرج الجزائري موسى حداد، «أبناء نوفمبر»، والذي يحكى عن العمليات البطولية التي قام بها المجاهدون الجزائريون، والتي أثمرت عن ثورة التحرير الوطني الجزائري التي اندلعت في الفاتح نوفمبر 1954، وحاولت حكومة “منداز فرانس” سجن كثير من أبطالها في محاولة فاشلة لإحباطها. ولعل ما يُميز هذا الفيلم عن غيره من الأفلام التي وثقت للثورة الجزائرية، أن بطله المجاهد الذي وقف صلبًا أمام جنود الاحتلال كان طفلًا لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره إلا أنه ضرب مثلا يحتذى به في التضحية للدفاع عن بلاده، ومحاولة تطهيرها من عُهر الاحتلال، وهو عن قصة حقيقية للمجاهد «مراد بن صافي»، والذي كان واحدًا من فتيان الجزائر الذين انضموا لصفوف المقاومة وهم في سن صغيرة، وجسد دوره الفنان الراحل “عبد القادر حمدي”.


تدور أحداث الفيلم منذ البداية حول الفتى الصغير “مراد” الذي يعاني من مرض بالصدر، إلا أنه ورغم مرضه يعمل بائعًا للجرائد في شوارع وطرقات القصبة العتيقة بالجزائر العاصمة، ليعيل والده المريض وأمه المتقدمة بالعمر، فتى مغمور كتب له أن يُسطر اسمه بين العظماء بحروف من ذهب، وأن يُصبح حديث العاصمة في طرفة عين، بسبب حصوله على أوراق مهمة تخص المجاهدين، ومطلوبة لدى البوليس السري الفرنسي. فيتحول مراد من مجرد طفل صغير يبيع الجرائد، لمجرم مطلوب لدى البوليس السري، ولفدائي وبطل كبير لدى أبناء الجزائر، فبينما يطوف مراد شوارع العاصمة بحثًا عما يعيل به أسرته جراء بيعه للجرائد، يُكسر نعل حذائه البالي فيذهب إلى «عم العربي» الإسكافي لإصلاحه، وبينما يجلس مع العربي يدور بينهما حديث مقتضب عن أسرة «مراد» ومرض والده ومن ثم يتطرق الحوار للسياسة فيقول له مراد: «هذه الجرائد لا تخصنا، ولا تخض أحوالنا وأحوال بلادنا، وإنما هي للفرنسيين يكتبونها لأنفسهم، ويكتبون بها ما يحلو لهم “ماهياش مخدومة لينا”، وكأن الطفل الصغير كان يعلم أنه على موعد مع القدر ليكون واحدًا من أبطال المقاومة. يشكر “مراد” عمه “العربي” لإصلاح حذائه.


قبل أن ينطلق ليواصل سعيه في شوارع القصبة العتيقة يقول له “العربي”: “مراد يا وليدى كون راجل”، وفى هذه الأثناء وبينما يجتمع رجال المقاومة ليتحدثوا عن الأوراق التي بحوزة زميلهم المجاهد “العربي” وما لها من أهمية، والتي سيسلمها إلى “الطباخ”، ومن ثم سيذهب له أحد رجال المقاومة ليستلمها منه؛ يغلق العربي محله من الداخل ويستخرج الأوراق المهمة ويخفيها بين طيات ملابسه، ويختبر سلاحه قبل أن يخرج من المحل متجهًا إلى “الطباخ”، إلا أن أحد الخونة والذى يُدعى “مروان” ويعمل بأحد الحانات كان قد وردت إليه معلومات بخصوص الأوراق المهمة وقام بإبلاغ البوليس السرى الذى داهم “العربي” لحظة خروجه من محله، ولتبدأ المطاردة المسلحة في شوارع وطرقات القصبة العتيقة، فيصاب العربي بطلقة نارية في قدمه. يسمع “مراد” صوت الرصاص فيتوقف وهو في حالة خوف، إلا أن فضوله يدفعه ليعرف من المُطارد، وفجأة يكتشف أنه “العربي”، فيقترب منه وهو يصيح بصوت خافت “عمى العربي”، ويساعده على الحركة تحت أمطار الرصاص الفرنسي، وبعدما يتأكد “العربي” أنه غير قادر على الحركة تمامًا يستخرج الأوراق ويوصى “مراد” أن يصل بها إلى “الطباخ” ويسلمها له يدًا بيد، ثم يُسلم نفسه للبوليس السري الفرنسي بعد أن آمن هروب المجاهد الصغير الذي تحول في لحظة من مجرد طفل إلى بطل في صفوف المقاومة.


المخرج الجزائري إبراهيم تساكي (مواليد سيدي بلعباس، 1946)، يحكي فيلمه القصير “محطة الفرز” (1975) قصّة طفل صغير يدرس في بلجيكا، تنهار أحلامه بسبب توجيهه إلى التكوين المهني، فيخطف المسؤول الأول عن الشرطة في المدينة.


أما “أطفال الريح”، فيتضمّن 3 قصص: “علبة في الصحراء”، عن أطفال سيدي يعقوب الذين يجمعون النفايات القصديرية لصنع آلات مجهرية، و”جمال في بلاد الصور”، عن مغامرات طفل مطرود من المدرسة، يبيع ورد الرمال، ويواجه عالمين، عالم الصُور، من خلال التلفزيون الذي يقدّم له وعوداً ومغامرات، وعالم الواقع الذي يعيشه يومياً، في مقابل تطوّر مجتمع يحاصره بين هذين العالمين، و”بيض مسلوق”، عن طفل يبيع بيضاً مسلوقاً في الحانات، متناولاً خيبة أمله إزاء أبيه، بائع الألعاب، والممثل الذي أصبح نجمه المفضّل وبطل أحلامه، فيُصدَم به عندما يقابله في حانة، فيراه عربيداً غارقاً في طوفان الحياة. تتحطّم الصورة الجميلة باكتشافه وجهه الحقيقي، وما يعانيه من تمزّق وتشتّت.


نظرة قاسية لواقع الصبي في مواجهة الناس والأحداث في الحياة، تنتهي بانهياره عند رؤيته أبيه وهو يلهو بطريقة طفولية بالدمى التي لها شكل الفئران.


“قصّة لقاء” (1983) عن طفل أبكم وأصم، ابن فلاح جزائري، وطفلة بكماء وصماء، ابنة مهندس أميركي، يلتقيان قرب قاعدة بترول، فتنشأ بينهما صداقة وثيقة.

فيلم “الحمل الساحر” للصادق الكبير تم إنجازه في عام 2019 ضمن إنتاج مشترك لوكالة “لالا مولاتي” والمركز الجزائري لتطوير السينما، ويروي قصة رحلة مدرسية لمجموعة من التلاميذ إلى حديقة الحيوانات رفقة معلمتين ودليل الرحلة، الذي يتطرق في حواراته مع التلاميذ لأهمية محبة الحيوانات وحمايتها.

والفيلم من بطولة المخرج الذي يؤدي دور دليل الحديقة ومديرها الأسبق، حيث يتحول أحيانا وأمام المرآة إلى “كبش” ولا تكتشف ذلك إلا الطفلة كرومي أمينة التي تؤدي دور التلميذة المجتهدة “خولة” والتي تتحول بدورها إلى “خنفوسة” وتثير بذكائها الكبير اهتمام هذا الدليل، فتنشأ بينهما علاقة حوارية سحرية.


ويشارك في هذا العمل حوالي عشرين طفلا وممثلين معروفين في الوسط الفني مثل مصطفى لعريبي وريم تاكوشت.


محمد عبيدو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق