الخميس، 8 يونيو 2023

بورتريه: الكاتب والمخرج السينمائي التشادي محمد صالح هارون

 


 محمد عبيدو 

 محمد الصالح هارون، مخرج سينمائي من مواليد سنة 1961 في مدينة أبشي بجمهورية تشاد، ويقيم في فرنسا منذ سنة 1982. وقد أصبح ، على مدى 25 سنة ما بين الروائي والوثائقي، الصوت السينمائي الوحيد في تشاد الذي يسمعه الغرب وهو واحد من صناع الأفلام الإفريقيين القلة التي توزع أفلامهم في أوربا. رجع هارون مؤخرًا إلى بلده الأصلي ليصور أفلامه.. البداية كانت في العام 1994 حين أخرج فيلمه Maral Tanie – الزوجة الثانية، ناقش فيه قضية الزواج المبكر، لكن البداية الحقيقية كانت في العام 1999 حين قدمّ فيلمه الطويل “وداعاً  إفريقيا”،  وحاز أفضل عمل أول في مهرجان فينيسيا، و يُعتبر أول فيلم روائي طويل يتم تصويره في التشاد. تدور القصة حول مخرج سينمائي تشادي يعيش ويعمل في فرنسا (هارون) يعود إلى وطنه بعد وفاة والدته. يُصدم من تدهور حالة البلاد والسينما الوطنية. في مواجهة شكوك أفراد عائلته حول مسيرته التي اختارها، يحاول هارون الدفاع عن نفسه باقتباس من جان-لوك غودار: “السينما تخلق الذكريات”. يقرر المخرج أن يصنع فيلمًا مخصصًا لوالدته بعنوان (Bye Bye Africa) ولكنه يواجه على الفور مشاكل كبيرة. تم إغلاق دور السينما وأصبح من المستحيل تأمين التمويل. يلتقي المخرج بصديقته القديمة (يلينا)، التي نبذها التشاديون الذين لم يتمكنوا من التمييز بين الفيلم والواقع بعد ظهوره في أحد أفلامها السابقة كضحية لفيروس العوز المناعي البشري. يتعرف هارون على تدمير السينما الأفريقية من المخرجين في البلدان المجاورة، لكنه يجد أيضًا عيسى سيرج كويلو يصور فيلمه الأول (دار السلام). سارت الأمور على نحو سيئ، واقتناعا منه بأنه من المستحيل صنع أفلام في أفريقيا، يغادر هارون تشاد في حالة من اليأس، تاركًا كاميرا الفيلم لصبي كان يساعده.

وفي ثاني إخراج له، لفيلم طويل بعنوان “أبونا” 2002، فاز بجائزة أفضل صورة في FESPACO

   ” دارات موسم الجفاف “‏ فيلم اخرجه محمد الصالح هارون سنة 2006. فاز دارات بجائزة لجنة التحكيم الخاصة الكبرى في الدورة 63 لمهرجان البندقية السينمائي، بالإضافة إلى ثماني جوائز أخرى في البندقية والمهرجان الأفريقي للسينما والتلفزيون في واغادوغو. يدور الفيلم حول أتيم (علي باشا بركاي)، شاب في السادسة عشر من عمره، يُرسله جده محملاً بسلاح ناري للانتقام من الشخص الذي اغتال أباه خلال الحرب الأهلية التي دمرت تشاد، سريعاً يجد قاتل والده الذي كان مجرم حرب.. لكنه الآن يدير مخبزاً صغيراً. يعمل أتيم في المخبز ويشاهد يوميات الرجل ويشعر تجاهه بمشاعر مختلفة عن تلك التي غادر بها قريته.  الشاب يعدل عن قتله بعد محاولات متعددة، كما أنه يشعر بالحب نحو زوجة القاتل لأنه يتعاطف معها نتيجة ما يسلطه عليها من تعذيب .


  فيلم ” رجل يصرخ” 2010 تدور أحداث الفيلم حول الحرب الأهلية في تشاد، ويحكي قصة رجل يرسل ابنه للحرب ليستعيد مكانته في فندق راقٍ. يتم استكشاف موضوعات الأبوة وثقافة الحرب. تم التصوير الرئيسي بكل من نجامينا وأبشي. حصل الفيلم على جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي 2010.


    وثم قدم فيلمه جريجري 2013 تدور أحداث الفيلم حول (جريجري) البالغ من العمر 25 عاماً، ومدى تحقيق حلمه في أن يصير راقصاً مميزاً، على الرغم من إصابة إحدى ساقيه بالشلل، لكن ذلك الحلم لم ينهر إلا بعد إصابة عمه بمرض في غاية الخطورة؛ الأمر الذي يجبره على العمل مع أحد مهربي الوقود من أجل محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.


في فِلمه “فصل في فرنسا” 2017 نشاهد هارون وهو يعمل أول مرة في مدينته التي اختارها باريس؛ إذ هاجر إليها عام 1982م. وهو فِلم يتناول قضية المهاجرين وأزمتهم ولو أنه ذات مقاربة غريبة مصغرة للمسائل ذات النزعة الوطنية والفردية. عباس (يؤدي دوره أريك أيبوني) معلم سابق، هرب من بلدته بانغوي في جمهورية إفريقيا الوسطى مع طفليه وأخ أصغر له هو أيتين بعد أن قتلت الميليشيات المسلحة زوجته. وبالعلاقة مع كارول (تؤدي الدور ساندرين بونير)، وهي مواطنة فرنسية وابنة مهاجرين بولنديين تتولى العناية بأطفاله بينما ينتظر قرارًا من محكمة اللاجئين لقبول حقه في البقاء. لكن عندما تُرفَض أوراق اعتماد عباس كلاجئ سياسي، يواجهون قراراً مصيريًا.



وافتتحت الدورة الثانية والثلاثين لأيام قرطاج السينمائية 2021، من خلال فيلم محمد الصالح هارون الروائي الطويل ” لينغي، الروابط المقدّسة” في  الفيلم يدخل هارون في حميميات عائلة صغيرة مكونة من أم وابنتها. الأم يُنظر إليها في محيطها على أنها سيدة غير صالحة، لكونها أماً عزباء. يتجاهل الناس من حولها حقيقة أن حبيبها تخلى عنها لتربي ابنتها وحدها. نراها تعمل في استخراج اسلاك الحديد من العجلات، لتصنع منها سلالاً أنيقة تبيعها في السوق الشعبي، لتشتري من ثمنها قوت يومها هي وابنتها.. باختصار، تعيش هي وابنتها في ظروف بدائية. هكذا تعيل نفسها وابنتها بعدما تخلى عنها الجميع حتى عائلتها. حكاية أم عزباء تعيش حصاراً اجتماعياً في بلد تحكمه العقليات القديمة؟ الحكاية لا تقتصر على الأم، بل هي أيضاً حكاية الابنة التي تجد نفسها حاملاً وهي في الخامسة عشرة، بعدما اغتصبها أحد الرجال المسنين. هذا الحمل سيغير حياة الأم وابنتها 180 درجة، لكن هذه المرة لا سكوت عن الظلم، ذلك أن الأم تقرر أخذ حق ابنتها بيدها، ربما كي لا يتكرر ما عاشته من ظلم وإقصاء في حياتها.


محمد عبيدو

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق