الخميس، 8 يونيو 2023

سينما جنوب أفريقيا صورة شعب متعدد اللغات والثقافات والأعراق




قد تكون السينما الأفريقية، ومعها السينما القادمة من شرق أسيا ودول أميركا اللاتينية مجهولة بالنسبة للمتفرج العربي، الاطلاع على إحدى هذه السينمات : ” جنوب أفريقيا “، إنما يعكس هذا التواصل الجميل والخاص بهذه السينما الوطنية، التي تأتينا حاملة معها همومها وطموحاتها وثقافتها الجديدة التي تتناول قصة استقلال هذا البلد العظيم في ألوان وأشكال من التعبير السينمائي، يجسده ممثلون وممثلات بلونيهما الأسود والأبيض، جنبا إلى جنب للتأكيد على أن الاستعمار لم يفلح في محو هوية وموروث وثقافة شعب دفع الكثير من أجل كرامته وإرادته ثمنا للحرية.


صناعة السينما في جنوب أفريقيا قديمة العهد، فهي تعود إلى بدايات القرن العشرين، حيث تأسست أول شركات للفن السابع فيها في 1915 مع “إستديوهات كيلارني السينمائية” في جوهانسبورغ.


وخلال العقدين الأول والثاني من القرن الفائت، صُوِّر العديد من الأفلام الصامتة في جنوب أفريقيا في مدينة دوربان أو حولها. هذه الأفلام غالباً ما استفادت من مشهد درامي مُتاح في ريف “كوازولو ناتال”، وبخاصة منطقة دراكينسبرغ. وقد خدم ريف “كوازولو ناتال” أيضاً كموقع مناسب لأفلام تاريخية مثل “دي فورتريكيرز” ((1916، و”رمز التضحية” (1918).


وقد أخرج المخرج الاميركي لوريمر جونستون العديد من الأفلام في المنطقة في أواخر العقد الأول من القرن العشرين، والتي لعبت فيها دور البطولة ممثلات أميركيات مثل إدنا فلوغراث وكارولين فرانسيس كوك. وعلى الرغم من مشاركة جونسون، وفلوغراث، وكوك، فقد كانت هذه الإنتاجات جنوب أفريقية ضمّت فاعلين محليين ورَوَت قصصاً محلية.


وكان أول فيلم أفريقي ناطق هو “سري ماريه”، الذي صدر في العام 1931. أما الإنتاجات الصوتية اللاحقة، مثل “داي ويلدسبودجي” (1948)، وطبعة جديدة من “سري ماريه” (1949)، و”دار دوير إن داي بوزفيلد” (1950) فقد واصلت مسيرتها لتلبية طلبات جمهور البيض الإفريقيين الذين يتكلمون الإفريقية.


وبدأت الحياة تدب في صناعة السينما في جنوب أفريقيا في أعقاب النجاح الذي حققه فيلمان روائيان على المستوى الدولي. حيث حصل فيلم  “يو-كارمن إيخايليتشا ” لجورج بيزيهوهو وهو مقتبس عن الأوبرا الشهيرة على جائزة الدب الذهبي في الدورة الخامسة والخمسين لمهرجان برلين السينمائي 2005.


وجاء الاعلان عن فوز الفيلم بعد أسابيع من الإعلان بأن فيلم “بالامس” من إنتاج المنتج أنانت سينج ترشح لجائزة الأوسكار في فئة أفضل فيلم أجنبي. ويعالج الفيلم قضية الاصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) وهو أول فيلم من جنوب إفريقيا يترشح لنيل جائزة الأوسكار. وكانت الممثلة الأمريكية من أصل جنوب أفريقي تشارليز ثيرون قد حصلت على جائزة أفضل ممثلة في الأوسكار عن دورها في فيلم “مونستر”.


وقدم المخرج الجنوب إفريقي أوليفر شميتس أعمال سينمائية هامة بنزعتها التحريرية ومناهضتها لنظام الفصل العنصري “الأبارتيد” وذلك عبر أفلام مثل “ما بانتسولا” 1989 و”حكاية خطف” عام 2000 .


 ومن الأسماء البارزة نيل بلومكامب  (ولد في 17 سبتمبر 1979) هو مخرج وكاتب ومنتج ورسام إعلاناتٍ وأفلام جنوب أفريقي.  يستعمل بلومكامب في أعماله أسلوب تصويرٍ يشبه تصوير الأفلام الوثائقية يعتمد على الكاميرا المحمولة باليد، ليجمع بين التأثيرات الحاسوبية الطبيعية والفوتوغرافية الواقعية. يشتهر نيل بلومكامب بالدرجة الأولى بصفته كاتب ومخرج فلم المقاطعة 9 الذي تلقَّى نقداً إيجابياً كبيراً عام 2009، وكذلك فلم الخيال العلمي إيليزيم عام 2013، وتشابي (Chappie) عام 2015. وضعت مجلة تايم نيل بلومكامب على قائمتها لأكثر 100 شخصٍ تأثيراً في عام 2009،  وأما مجلة فوربز فقد اعتبرته رقم 21 بين أكثر المشاهير نفوذاً في قارة أفريقيا.


وشارلتو كوبلي  (ولد في 27 نوفمبر 1973 في مدينة بريتوريا، إحدى عواصم جنوب أفريقيا الثلاثة.) هو مخرج وممثل ومنتج. أنتج وشارك بإخراج أفلامٍ قصيرة ظهرت في مهرجان كان السينمائي، إضافةً لبعض الإعلانات التجارية والفيديوهات الموسيقية. قد يكون أفضل ما يشتهر به شارلتو كوبلي تمثيله دور “ويكوس فان در مروي” في فلم الخيال العلمي (المقاطعة 9) عام 2009 الحائز على جائزة الأوسكار، إضافةً إلى دور “هوولنغ ماد مردوك” في فلم (فريق النخبة) عام 2010 والعميل “س. م. كروجر” في فلم (إیلیزیم) عام 2013.


فيلم ” درم ” أي طبل من اخراج زولا ماسيكو من جنوب افريقيا يحكي عن صحفي اسود مناضل يدعي هنري مكسومالو حارب بكتاباته وتحقيقاته من خلال الجريدة اليومية المتعاطفة مع قضايا السود التي كان يعمل بها، وتسمي ” درم ” حارب نظام التمييز العنصري، حني تم اغتياله وإخراسه إلي الأبد، والفيلم يحكي بالفعل عما وقع لهذا الصحفي الأسود من جنوب إفريقيا الذي كان صديقا شخصيا لمانديلا.


 ويقوم أحد الممثلين بأداء دوره، ويظهر مانديلا في ذلك الفيلم الذي نعتبره من أجمل الأفلام الإفريقية القوية المبهرة ، المكتملة شكلا وموضوعا، التي عرضها مهرجان كان 2005 ، وكان انتهي بالوقوف تحية إلي المخرج وفيلمه وتصفيق حاد اهتزت له جدران قاعة ” الميرامار “في كان، المخصصة لعرض أفلام أسبوع النقاد.


وكان مخرجه نبه في الكلمة التي ألقاها قبل العرض، وبحضور المخرج السنغالي الكبير عثمان سمبين، إلي أهمية اعتماد المخرجين الأفارقة علي صنع أبطال من تاريخهم القومي وزمنهم، كما في حكاية البطل الصحفي من جنوب أفريقيا التي يحكيها لنا في فيلمه، بدلا من استيراد أبطال وسو برمانات ومصارعين من الخارج، عبر أفلام السينما الأمريكية التجارية التي تروج لتقاليد وعادات وقيم، جعلتنا من فرط استغراق البعض في تقليدها، نتحول إلي ” مسخ ” بلا هوية في بلادنا، وقد أن الآوان لكي نتعرف أكثر علي أبطال بلادنا ونعرض لحياتهم ونضالاتهم علي الشاشة، لان وظيفة السينما الاسمى هي محاربة الظلم، والوقوف ضد انتهاك حقوق الإنسان في كل مكان..

وربما يكون فيلم “سكيم” من إخراج تيموثي غرين الناطق باللغتين الانجليزية والأفريكانية معبرا حقيقيا عن هذه الصورة، كونه يمزج بين الحس الكوميدي والأجواء البوليسية، ليعكس من خلال أحداثه صورة شعب متعدد اللغات والثقافات والأعراق. فيما يصور فيلم “لاكي” من إخراج “آفي لوثرا ” جنوب أفريقيا ما بعد الاستقلال وانتهاء حقبة التمييز العنصري، بعرض المفارقة والمقارنة بين ثقافتي الريف والمدينة في أجواء مفعمة بالحركة والشاعرية.

يمكن القول، بأن الفيلم الذي كان الأكثر رفعة في المستوى في تصويره جنوب أفريقيا في السنوات الأخيرة كان فيلم “المنطقة التاسعة”. وهذا الفيلم (الخيال علمي) الذي كان من إخراج الجنوب أفريقي نيل بلومكامب، يصوّر فئة فرعية من اللاجئين الغرباء أُجبرت على العيش في الأحياء الفقيرة في جوهانسبورغ، وهو الأمر الذي اعتبره كثيرون بمثابة رمز إبداعي لنظام الفصل العنصري. وكان الفيلم حقق نجاحاً نقدياً وتجارياً في جميع أنحاء العالم، ورُشّح لأفضل فيلم في الدورة 82 لجوائز أكاديمية الأوسكار.


فيلم “تقرير جيد”، موضوعه يدور حول الاعتداءات الجنسية التي تتعرض لها الفتيات من قبل رجال كبار في السن. يقول مخرج الفيلم جميل ايكس تي كيبيكا:”عندما انطلقت في انجاز الفيلم، واجهت تحديا على مستوى السرد وتظاهرت أنني أعمل ضمن اتفاقيات هوليود للعام 1950. يعني أنني استطعت تصوير مشاهد العنف وتقديم المحتوى الجنسي بطريقة مبسطة واعتمدت على الإيحاء لأترك للمشاهد حرية القراءة بين السطور.”


محمد عبيدو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق