الجمعة، 10 مارس 2017

سليمان سيسي: صوت إفريقيا السينمائي

محمد عبيدو





المخرج القدير من مالي، «سليمان سيسي»، والذي فاز بجائزة لجنة التحكيم خلال مهرجان كان السينمائي، وقدم الكثير من الحكايات الشخصية التي تعكس روح القارة الإفريقية والتنوع الذي تتميز به تأثيراً بالغاً على مجريات السينما في إفريقيا. ونال تكريمات عدة منها "عربيا - جائزة مهرجان دبي السينمائي 2010 ، والإحتفال بمسيرته بحضوره، وتكريمه بأيام قرطاج السينمائية 2012". 
تلقى سليمان سيسي، المولود في مدينة باماكو عام 1940م، تعليمه السينمائي عام 1969م، درس في معهد السينما السوفيتي وأخرج في المعهد ثلاثة أفلام قصيرة، ولدى عودته إلى الوطن أخرج عدداً من الأفلام الوثائقية من بينها « خمسة أيّام حياة» سنة 1972 تحصّل على التانيت البرونزي بمهرجان أيامقرطاج السينمائية.
وتجمع أفلام سيسي، الذي شب على السينما والأفلام منذ نعومة أظفاره، بين القصص الفردية والنصوص الضمنية التي تصور الجانب الإجتماعي والثقافي للحياة في القارة السمراء، وفي عام 1974 أخرج (الفتاة الشابة) أول أفلامه الروائية. ومنذ خطواته الأولى في عالم الإخراج، أظهر سيسي حساسية عالية للمقاربة المجازية والشاعرة للواقع بمحاولته التعبير الإبداعي عن التدفق المعقد للأحداث والوقائع.
إن اختياره لشخصية فتاة خرساء، يرمز إلى حقيقة إن هذه المرأة في المجتمع الإفريقي لا يسمح لها بالتعبير عن آرائها وأفكارها المستقلة. وتميز سيسي بمحاربته للإستبداد، فقد تم منع عرض فيلمه (الفتاة الشابة)، من قبل وزير الثقافة في مالي عام 1974، وتم اعتقال سيسي، وسجنه على إثر ذلك.. وجاء فيلمه الثاني (بعرا.العمل) عام 1978م أكثر رمزية وشاعرية. في هذا الفيلم، يقوم المخرج بأمانة وحذر بالغين بتحليل الحياة كما هي، فيستبعد الخيال جانباً، ليعرض بعمق أحوال الطبقة العاملة التي كانت هي في طورها الجنيني في القارة الإفريقية النامية، يعمل شابّ ماليّ من الريف "بعرا"، أي حمّال أمتعة في باماكو.. وفي أحد الأيّام تعرّف إلى مهندس شاب توطّدت بينهما العلاقة وتعهّد برعايته، فسوّى أوضاعه مع الشرطة وانتشله من عالم المهمّشين، ليضمن له عملا بالمصنع، وقد دخل هذا المهندس الذي درس بأوروبا، في صراع مع نقابة العمّال بالمصنع لأنّها باعت حقوق العمّال للعَرْفِ..
فيلم سيسي الثاني هو (الريح) عام 1982، يتكون إسم الفيلم من صور ورموز بلغة البمبارا، وفي هذا إشارة إلى ضرورة حفظ التراث أو إعادة اكتشافه. رياح العقل، رياح التاريخ ورياح التغيير التي تمحو أخطاء الماضي، كل هذه التأويلات المجازية نجدها متجذرة في سياق الفيلم والقصة التي تحكي عن روميو وجولييت إفريقيين تكشف التناقضات التي تكتنف المجتمع الإفريقي الحديث، أثناء إحتجاجات اعتقل «باهو» و«باترو» طالبان يعارضان النظام القائم، وقد اكتشفا السجن والتعذيب الجسديّ والإهانة، وهي تجربة لم تنل من عزميهما وإنّما جعلتهما يتقاربان ويصمدان.. إن قصة فيلم الريح مخلصة وحميمة تحكي عن زمن التحولات، والتناقضات التي تنشأ في المجتمع حين يحاول الناس التوفيق بين التقاليد وبين أساليب الحياة المعاصرة، في سعيهم للبحث عن رؤية ناضجة وذات معنى هي في الحقيقة نتيجة الجمع بين التصورات القديمة والمفاهيم الحديثة.
كما ظهرت مجهودات سيسي الإبداعية في فيلم (النور)، وعلى خلاف أفلامه السابقة: الحدث في هذا الفيلم غير محدد بزمن معين، كما اتخذ الفيلم شكل الأسطورة أو الحكاية الشعبية، وللوهلة الأولى تبدو القصة كما لو أنها تدور عن الصراع بين الخير والشر وانتصار الخير على الشر في نهاية الأمر.. في إفريقيا حيث تطغى الأسطورة عمل «نيانانكورو» الشابّ المنتمي إلى عائلة بمبارا بنصيحة أمّه، وفرّ من مواجهة أبيه «سوما» الراغب في قتله لأسباب يجهلها، فأقدم نيانانكورو على مسيرة طويلة ستمنحه سلطات سحريّة يحاول والده أن يعيقها بسبب الغيرة.. ثم يقدم سيسي الفيلم الكلاسيكي (الزمن) 1995 الذي يروي قصة فتاة صغيرة تمتلك قوة خارقة في التعامل مع الحيوانات، تسافر حول القارة هرباً من نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، قبل أن تعود إلى موطنها مجدداً.
وفيلم " من قال لي" (2009) الذي تدور أحداثه في مالي، ويروي قصة عائلة يسود حياتها التوتر والضجر واختلال العلاقات الزوجية، وأخيرا الوثائقيّ "أو سمبان" (2012)، عن أب السينما الإفريقية، في بداية الفلم، نشاهد سمبان عصمان مع أصدقائه، وهو بصدد اختيار غليون في محل بلندن سنة 2005، هذا الفلم لسليمان سيسي يعد القبر الحقيقي لسمبان عصمان، هذا القبر الرمزي، مكان ذاكرته، سنزوره لنعرف من هو هذا السينمائي العظيم ،الحالم والإنساني، رجل عظيم ولد على أرض إفريقيا.. فيلم سمبان يمثل ضريح للعين.

يرأس سيسي "إتحاد المبدعين والناشطين في قطاع السينما والفنون السمعية البصرية بغرب إفريقيا"، الذي يهدف إلى تشجيع ودعم أبناء هذه المنطقة من السينمائيين الناشئين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق