الجمعة، 24 مارس 2017

"الصبية: الحياة بلونها الوردي " سيرة إديث بياف سينمائيا

محمد عبيدو :
تعتبر 2007 و2008 سنتي السعد على ماريون كوتيار التي حصلت على جائزة أفضل ممثلة في العديد من المهرجات الدولية أبرزها كان (الفرنسي، وبافتا البريطاني، وغولدن غلوب الأميركي) وسيزار الفرنسي وآخرها الأوسكار).‏ عن دورها في الفيلم الفرنسي "الصبية: الحياة بلونها الوردي" La Mome: La Vie En Rose, واقتنصت الجوائز من طابور من الممثلات الكبريات الموهوبات.
عندما تشاهد ماريون كوتيار تؤدي دور إديث بياف ـ هو بحدّ ذاته تجربة درامية تتطلّب منك كمشاهد أكثر من التعاطف أو التفاعل مع بطلة الفيلم، وقد تخرج من الصالة مصاباً بشيءٍ من الإرهاق، وبالكثير من الألم والحسرة، على تلك القامة الهزيلة التي وسع صوتها الدنيا، ذلك العصفور الصغير الذي غنّى للجميع، إلا لنفسه.لا تدري أهي كوتيار أم بياف، تلك المتألمة المسحوقة، تلك المتمردة التي تعبّ لحظات حياتها القصيرة عباً، وتسكر بعبادة الجمهور لها، وتظلّ تغنّي حتى تسقط، ثم تقف لتغنّي من جديد. ماريون كوتيار تعلمت الغناء والتحكم في النفس الطويل وتشبعت تماماً بشخصية بياف . وقالت كوتيار«لم أكن مطلعة جيداً على حياة المغنية إديث بياف وبدأت اكتشفها وانغمس فيها. شاهدت الأفلام كلها شاركت فيها بياف كممثلة واستمعت كثيراً إلى أغنياتها. ومن ثم كان ينبغي على أن أجد المساحة داخلي للتعايش بين شخصين انا وهي». وقد تقمصت ماريون كوتيار عملياً دور بياف الذي شمل مراحل حياة المغنية كلها، وتمكنت من تقليد حركاتها بشكل ملفت. وشددت كوتيار على أنها احتاجت إلى «أسابيع عدة» للعودة إلى طبيعتها بعد انتهاء تصوير "الصبية "، وأوضحت قائلة: «لقد احتجت إلى بعض الوقت، فالشخصية معقدة ومركبة، وخلال أربعة أشهر لم يكن الصوت صوتي، ولا التصرف تصرفي».‏ 
وتبدأ أحداث الفيلم, الذي أخرجه "أوليفيه دهان" , في فترة الأربعينات وسيعرض قصة حياتها في مراحلها العمرية المختلفة حتى وفاتها في عام 1963 عن عمر 47 عاماً إثر اصابتها بالسرطان، التي بدأتها مع الغناء في شوارع باريس وهي صغيرة وكان عمرها 15 عاماً .. "الحياة الوردية" يبدو عنوانه وكأنه يسخر من تلك الحياة لبطلته التي بدأت أمامنا وعمرها سنوات خمس تعيش في بار تخفيها أمها مغنية الحانات عن الزبائن حتى تنهي عملها لكن الأب ينتزعها ليسلمها لأمه صاحبة منزل الرذيلة حيث عاشت سنوات أخرى في رعاية فتيات المنزل ووجدت من بينهن من أحبتها كالأم وأكثر لدرجة أرادت فيها أن تترك المهنة لرعايتها لكن الجدة رفضت بعنف بالطبع ثم عاد الأب من الحرب العالمية الاولى التي التحق بها , ليأخذها وكانت قد أصبحت مراهقة لتصحبه في عمله كبهلوان في سيرك متجول بين الحواري والأحياء وبدأ الأب يطالبها بالمشاركة حتى تحصل على لقمتها وبعد فترة بسيطة اكتشف صوتها الذهبي بدون قصد منه فصار يدفع بها لتغني مقاطع من أي أغنية أو نشيد حتى يجمع النقود من الفقراء المتحلقين حوله في الشوارع.. بعدها استغلت إديث قدراتها في الغناء على النواصي بطريقة عشوائية بمصاحبة واحدة من صديقات الشوارع وكانت قد تركت الأب ورفضت العودة للأم أو مساعدتها وبدأت تعمل لحسابها.. وفي المساء.. حين تجمع نقود النواصي تذهب مع صديقها لتنفقها في الطعام والشراب حتى الثمالة ومن هذا الموقع البائس رآها واكتشفها "لويس ليبلييه"، جيرارد ديباردو مثل شخصية مدير الملهي الليلي الذي التقط بياف من الشارع لتقديمها لجمهور مسرحه و ليضعها على طريق الشهرة ، والذي اتُهمت لاحقاً، وخطأً، بالمشاركة في اغتياله. المخرج أوليفييه دهان اهتم في فيلمه بـ(إديث بياف) الإنسانة التي عرفت المعاناة أكثر من الفنانة التي بهرت العالم..... ولدت في بيلفيل الفقيرة، شرق باريس، حيث صبّت، وما تزال، قوافل المهاجرين البائسين الآتين من مستعمرات فرنسا. ويتابع الفيلم مسيرتها الفنية وحياتها الخاصة والمواقف المؤثرة التي تعرضت لها في الحياة . الكحول والحزن هما الشريكان الأهم لحياة بياف المأسوية؛ طفلها الذي تفقده إثر إصابته بالتهاب السحايا؛ علاقاتها الفاشلة مع الرجال؛ شخصيتها المضطربة؛ وعصبيتها ومزاجيتها؛ نجاحاتها الفنية؛ و لعل خير مثال على ذلك، هو علاقتها الغرامية مع الملاكم مارسيل سردان، (الجزائري الأصل)، الذي تلتقيه في أميركا، وموته الدرامي بعد ذلك في حادث تحطم طائرته القادمة من باريس عندما كان قادماً لرؤيتها؛ وتحت تأثير هذا الحادث الأليم تخرج بياف أغنية (نشيد للحب) إلى الوجود والتي تقول كلماتها: إذا خطفتكَ الحياة مني * أو إذا متَّ أو كنت بعيداً عني * لا يهم، إذا كنت تحبني * لأنني،أنا بدوري سأموت يوماً ما.‏ 
ونرى في الفيلم هذيانها؛ ذاك أن بياف فقدت، كذلك، طفلتها الوحيدة التي أنجبها حبّها الأوّل. وتعرّضها لحادث سير أدى إلى كسور في جسدها جعل منها مدمنة على المورفين الذين كان يستخدمه أطباؤها لتسكين أوجاعها... ، فحين رأيناها في المصحّ، وهي في الرابعة والأربعين، بدت كأنها الموت مشخّصاً. وأخيراً إصابتها بتشمع الكبد وشللها الجسدي والنفسي والعقلي ووفاتها ولم تكن قد بلغت الثامنة والأربعين..وخلال هذه الهزات التي عصفت بحياتها،ستلتقي بياف بالعديد من الفنانين الكبار أمثال شارل ازنافور وكذلك بكاتب يدعى بيلس،هذا الأخير سيكون زوجها، إلا أن زواجهما لن يستمر أكثر من أربع سنوات،وكأن لعنة الانفصال ترافق بياف طيلة حياتها.‏ 
قال دهان: إن السبب الأول الذي دعاه إلى إخراج فيلمه عن إديث بياف هو أن يعرض بأمانة الإجابة على تساؤل: ما هو السبب الحقيقي الذي يقود حياة الفنان، والجواب قد يكون ببساطة أن الألم هو الذي يصنع الفنان الحقيقي وهو الرباط الحقيقي بين العبقري وفنه، حيث يقدم لنا ـ في بعض لقطات فيلمه ـ إديث بياف في قمة ألمها مجروحة المشاعر ضائعة، وهي تزحف زحفا عائدة إلى المسرح لتعطي كل ما عندها وتحول ألمها إلى عطاء لجمهورها.‏ 
على هامش "الصبية: الحياة بلونها الوردي"نقول: إنه من البديهي أن يتحمس السينمائيون والمسرحيون لتقديم أفلام ومسرحيات عن المغنية الراحلة فحياتها الصاخبة أشبه بسيناريو خيإلى حقّاً ألهم العديد من المخرجين. لعل أبرز الأفلام عن حياتها فيلم «إديث ومارسيل» لمخرجه كلود لولوش الذي أنجزه في 1983 وركّز فيه على علاقة الحبّ العاصفة التي جمعت بياف ونجم الملاكمة مارسيل سيردان في أوج تألقهما عهد ذاك. ولا يقتصر الأمر على السينما ففي المسرح قدمت الكاتبة الريطانية بام جيمس(واحدة من أبرز الكاتبات في ميدان الدراما البريطانية المعاصرة) مسرحية « بياف» عبر قصة رومنطقية حزينة عن حياة هذه الفنانة. نالت جان لابويتر في ذاك العام جائزة أفضل ممثلة ومغنية بريطانية. أما العرض الذي أخرجه بيتر هول فأدت دور بياف فيه الممثلة البريطانية إيلين بيج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق