محمد عبيدو: شانتال أكرمان (1950 – 2015 م ) مخرجة سينمائية، وممثلة، وكاتبة سيناريو، ومنتجة أفلام، وأستاذة جامعية، وفنانة تشكيلية وُلدت في مدينة بروكسل / بلجيكا . دخلت عالم السينما مبكّراً - وعمرها لم يتجاوز 17 عاماً - بفيلم قصير أثار ضجّة كبرى آنذاك، بعنوان "أفجّر مدينتي" (1968). وعبر مسيرة إبداعية "طليعية" أخرجت 47 فيلما تسجيليا وقصيرا وروائيا طويلا طبعت المشهد السينمائي في بلجيكا وفرنسا وامريكا. من عناوينها : "أنا، أنتَ، هو وهي" (1974) و"1080، بروكسيل" (1975) والذي يعتبر واحداً من أهم وأجمل الأعمال في التاريخ النسوي للسينما والذي تحكي من خلاله ثلاثة أيام في حياة الأم العازبة (جين ديلمان) والتي تقسم أيامها بشكل روتيني ما بين أعمالها المنزلية كالطبخ والغسيل والكوي وكذلك ممارسة الدعارة التي تمارسها بشكل يومي روتيني لتقوم بإعالة نفسها وابنها، قامت الممثلة الفرنسية (ديلفين سيرج) بدور (جين ديلمان). «أخبار من الوطن» (1977) و«لقاء آنا» (1978) و«كل الليل» (1982) و«أمضت ساعات طويلة تحت أضواء الشمس» (1985) و" الثمانينيات الذهبية" (1986) و«ليلة ويوم» (1991).و فيلمها الوثائقي «هذا ليس فيلما بيتيًا» (No Home Movie) الذي أنجزته سنة 2015 هو نوع من التامل ومحاسبة الذات، هو حديث عن الخسارة والحزن بقدر ما هو بحث عن الهوية والهدوء، التركيز على المحادثات بين صانعة الفيلم ووالدتها قبل أشهر فقط من وفاة والدتها. آخر لقطة من الفيلم بمثابة تذكار موري من شقة الأم. اعترفت اكرمان بأن والدتها كانت في قلب عملها واعترفت بعدم الشعور بالتوجه بعد وفاتها. يمكن العثور على صور الأمهات في جميع أفلام أكيرمان، كإشادة ومحاولة لإعادة تشكيل صورة وصوت الأم. هذا العمل اليومي ليس لمجرد الخلاص من المجتمع وخطى الموت الذي لا مفر منه، ولكن أيضا من مهمة شانتال المتواصلة بلا هوادة في تعلقها بماضي والدتها، حيث تواظب على استرداد الذكريات مهما كانت مؤلمة أو تافهة في تفاصيلها عندما تصغي للأم تتحدث وتروي قصتها، قصتهم. تكشف عن جوهر عملها وجراحها بأكثر الطرق وضوحا: من خلال تركيزها بشكل متكرر على الحبس، والمواجهة و شوقها لان تكون في أي مكان آخر. فعدم استقرارها يثير للدوار، يرافقه شعور الخوف من الأماكن المغلقة الحاد. .
فيلمها "كنبة في نيويورك "كوميديا رومانسيّة بحافّة تحليليّة من مخرجة بلجيكيّة مشهورة. هناك فكرةً جذّابةً جدًّا ولحظات ممتعة بالتّأكيد في فيلم شانتال أكيرمان: عندما الدّكتور هنري هاريستون ( ويليام هيرت ) النّاجح مهنيا الّذي يقترب من انهيار عصبيّ يتخذ القرار التّلقائيّ لمبادلة شّقته مع شخص ما بدون تميّز في باريس ، يفتح حياته إلى احتمال الأشياء الجديدة . المرأة الّتي تجيب على إعلانه المنشور في صحيفة باريسة لتبادل الشّقق ، هي بياتريس سولنير ( جوليت بينوتشى )، راقصة متحررة تبحث عن استراحة من هجمة معجبين ملتاعين . ولا واحد منهما يعرف الآخر لكنّ يجدا نفسيهما متورّطان بشدّة في أماكن نظيرهم الاجتماعيّة، في نيويورك، بياتريس عن غير قصد تجد نفسها تحلّل مرضى هنري خلال سلسلة من سوء الفهم من جانبهم أنها بديلته أثناء إجازته . بالمساعدة من صديقتها ( ستيفاني بتل )، تواصل ممارسة عمل هنري و تجلب الضّوء و السّعادة إلى مرضاه، تحوّل جناحه المنظّف إلى منطقة راحة، بالملابس المتناثرة، ا كتساح اصص نباتات والرورد ، و كلبه الكبير تسمح له باللّهو بحرّيّة .هنري يبدأ تنظيف شقّتها المليئة بالفوضى بباريس، ويحاول اكتشافها . لكنّه يقتحم بسرعة من محبيها الملتاعين . الكلّ يبحث عن رائحة عطر بياتريس المختفى . هذا الأمريكيّ في باريس يعود سرًّا إلى نيويورك، و سرًّا للتّجسّس على بياتريس . من هي ؟
هو يَندْهَش كثيرا من هذه المرأة الغامضة ، يلاحظ المرضى يجيئون الى بيته و يبدون على غير العادة سعداء و متكيّفون . حتّى كلبه يبدو أسعد . لمعرفة السر يقرّر ان يكون أحد مرضاها بدون ان يفصح عن هويته الحقيقية. يتظاهر فعلا انه مريض . وعلى كنبة المرضى يعترف عن قلقه . و تحبّ بياتريس الرّجل على كنبتها، وتأمل أن مشاعره الواضحة لها هي أكثر من حب المريض التعويضي لطبيبته .
بينوتشى زهرة حسّيّة جذّابة بشكل مدهش ، تنتمي للقلوب الرّخيمة بأمانتها و هشاشتها . كالعادة، جرح يتألّم، لتحترق دواخلها بمعنى خفيّ .
أكيرمان تقدم كوميديا رومانسيّة عاطفيّة عن شخصين ومدينتين باريس ونيويورك،عن اختلاط الهويّات و سخريات القدر الخافتة ؟
وكان تعاونها الأهم مع المصورة السينمائية الأمريكية الفرنسية (بابيت مانجلوت) خلال فترة السبعينات والتي قدمت فيها آكرمان أشهر أعمالها. لأنها رفضت الاندماج في السينما المهيمنة. إن لغة أكرمان المرئية تقاوم التصنيف والتلخيص بسهولة: حيث خلقت المخرجة، السرد من خلال بناء الجملة السينمائية. واستخدمت الفيلم التجريبي الشكلي لاقتراح علاقة متبادلة بين الصورة والمشاهد. مع الاهتمام بتشكيل بنية فقيرة، ذائبة، وتقليل المفردات في خدمة كثافة جديدة. أكرمان تتحدث عن المتلصص الذي هو دائما موجود داخل الخطاب السينمائي من خلال اللعب في كثير من الأحيان شخصية داخل أفلامها، مما يضعها على جانبي الكاميرا في وقت واحد.
ويعتمد أسلوب تصوير أكرمان على التقاط الحياة العادية. من خلال تشجيع المشاهدين على الصبر لبطء وتيرة الزمن السينمائي، أفلامها تؤكد الإنسانية من كل يوم. أن المخرجة تخلق سينما للانتظار، والمقاطع، من القرارات المؤجلة. العديد من أفلام أكرمان تصور حركة الناس عبر المسافات أو امتصاصها مع الفضاء الخانق. أن الداخلية في أعمال أكرمان تخفي العمل والعنف الجنسي والسرية والخزي، حيث تتكشف الصدمات الكبيرة والصغيرة مع عدد قليل من الشهود، إن وجدوا. وقد أشار العديد من المخرجين إلى أفلام أكيرمان كأثر على عملهم. وقد لاحظ كيلي رايشاردت، غوس فان سانت، وصوفيا كوبولا استكشافهم للتصوير في الوقت الحقيقي تكريما لأكرمان.
من اقوالها: " صوّرت تبعًا لأنفاسي. حين اكتشفت أنني توقفت عن التنفس أدركت أن علي أن أغير المشهد. ". توفيت شانتال أكرمان منتحرة يوم 5 أكتوبر 2015 في باريس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق