الأربعاء، 24 أبريل 2024

موسيقى الافلام حركة ومكان وصمت


 

 محمد عبيدو


موسيقى الأفلام حركة ومكان وصمت *** قبل الحديث عن ارتباط الموسيقى بالفيلم، لا بد من الاشارة الى الدور الهام الذي لعبته الموسيقى وما زالت تلعبه في الفن المسرحي قبل اكتشاف السينما.. فان ارتباط الموسيقى بالقصة بدأ في المسرح، ففي المسرحيات يكون للموسيقى وظائفها الفنية. لكل فن من هذه الفنون (المسرح، الاوبرا، البالية) جانب مسيطر ففي المسرح يعتبر الجانب المسيطر ما يجري على خشبة المسرح، وفي الاوبرا تظهر الموسيقى هي الاقوى من حيث الاهمية، وفي الباليه يلعب الايماء والرقص الدور البارز. اما في الفيلم فيكون الشيء المرئي، اي الصورة هو الاقوى، ودور الموسيقى هنا أقل أهمية، ولكنها تكون مع الصورة وحدة أقوى بكثير من الفنون الاخرى سابقة الذكر. وان علاقة الصورة بالموسيقى علاقة (عضوية)، انها علاقة ذات نمط ديالكتيكي، فهما معا يشكلان الكمال للعمل. فعندما تعطي الصورة مضمونا واحدا معينا ومحددا، تعطي الموسيقى الاساس العام. الصورة تفصل وتحدد والموسيقى تعمم وتعطي نوعيات تعبيرية عامة او ميزات عامة، وبذلك توسع من امكانات تأثير الصورة: وهنا يكمن جوهر التأثير المشترك للصورة والموسيقى حيث تكمل احداهما الأخرى. وفي كتاب »جماليات موسيقى الافلام« الصادر عن وزارة الثقافة بسوريا من تأليف صوفيا ليسا وترجمة غازي منافيخي، في هذا الكتاب دراسة تاريخية وتحليلية عن العلاقة التي تربط بين أهم الفنون القديمة (الموسيقى) وأهم الفنون الجديدة (السينما). الحركة من خلال الموسيقى تبدأ صوفيا ليسا كتابها بلمحة تاريخية عن موسىقى الافلام، فمنذ العروض الاولى للافلام قبل مئة عام أخذت الموسيقى طريقها لمصاحبة العروض السينمائية، غير ان هذه العلاقة لم تأخذ شكلا واضحا الا في العشرينات في نهاية الفترة الصامتة، حيث قام عدد من كبار المؤلفين الموسيقيين بوضع ألحان خاصة بالافلام، بينما كان دور العازفين او الاسطوانات التي ترافق العروض هامشيا، وكان من أهم أهدافه تغطية الضجيج الذي تصدره آلات العرض آنذاك. ومن تأثير الموسيقى في السينما ظهرت وبشكل مبكر أعمال سينمائية حاولت ان تترجم أعمالا موسيقية مميزة الى رؤية سينمائية.. وعند السؤال: ما هو اتجاه تطور الموسيقى في الفيلم؟ تجيب الباحثة بأن الموسيقى في الفيلم الناطق تتناول المهام الدرامية الهامة متوغلة في أعماق العمل. وقد تكون عابرة في بعض التجسيدات العامة والمعقدة لمجالات الفيلم... وعن التطابق بين الفيلم والموسيقى تقول بأن الموسيقى مطابقة او غير مطابقة في ما يخص الجزئيات المرئية بمعنى التواصل بالعمل الى التلقائية في تجسيد الحدث. او أشكال هذه التلقائية عديدة فهي تقدم مسار العمل.. كما وتتطور موسيقى الفيلم بذاتها كأسلوب مؤثر للروابط بين الفيلم والموسيقى، فهي تنمو حيث الكم وتتباين سويتها من حيث الجودة الا انها دائمة الالتصاق والارتباط بدرامية العمل. وبرأي المؤلفة فهنالك اختلافات اساسية بين موسيقى الافلام وموسيقى الاوبرا، ففي الاوبرا يكون »تصنيف الموسيقى حيال باقي العناصر ثابتا ومتساويا، بينما تتطلب في الفيلم تبدلا دائما حيال اللقطات وحيال المضمون والشرح، فمن الواضح أن الموسيقى ضمن الصورة لها تأثيرها المختلف عن الموسيقى خارج إطار الصورة. ففي الحالة الاولى تعمل الموسيقى كدعامة شبيهة بتلك التي تتحقق من خلال الصورة والمؤثرات الصوتية. وفي الحالة الثانية تعمل الموسيقى من أجل مساعدة المشاهد السينمائي على شرح وتوضيح الصورة المقدمة«. وتخلص المؤلفة الى ان توسع المجال المرئي في الفيلم يمهد لاستمرارية موسيقى الافلام، فالتغيير السريع لمضمون المشاهد يتطلب (بل يجبر) على التغيير الموازي لها في الموسيقى سواء في وقع خصائصها او وظيفتها والآلات المستخدمة في العزف او حتى في اسلوبية الموسيقى ذاتها، وفوق كل هذا يشترط في التغيير بأن تكون الموسيقى ذات ظاهرية سماعية تكون بديلا للمؤثرات الطبيعية او الكلام.. بمعنى ان تكون ذات خاصية متعددة. وحول خصوصية المكان السينمائي ومعايشته تذكر المؤلفة ان »الفيلم يوافق رؤيتنا للمكان الذي تقدم فيه الاشياء التي لم نرها بعد او لن نتمكن من رؤيتها بدونه، انه يوافق معارفنا حيث يعرض لنا منظور الاشياء اليومية، انه يوافق احساسنا بالمكان؟ بديناميكية حياتنا اليومية عن طريق إصرار الكاميرا في حقل الرؤية على تأثير معين. ان للحركة من خلال الموسيقى ومن خلال المكان الذي يمنحنا الحس التصويري، اسلوبية مختلفة، انها ذات طبيعة ذاتية وضعية لانه لا وجود لمكان موضوعي تكون فيه الحركة مع الموسيقى، تلك التي يشعر بها المستمع لدى سماعه نغمة لعمل ما. صحيح ان منبع اللحن مقيد بواقعية المكان وان حركة الاجواء السمعية لا علاقة لها بالحركة التي تمنحنا الحس عبر الزمن الذي تستغرقه النغمة.. ان حركة الأجواء السمعية تأتينا باللاشعور، انها تحدد سبب ومنشأ النغمة، ومع ذلك فهنالك بعض الآثار الذاتية للمكان على الظواهر الموسيقية، وهو ما يسمى بجو الاستماع. ان الزمن الخاص بالتجسيد المرئي وكذلك خصوصية التصور التي يتصف بها الفيلم، وبخاصة ما تضمنه إياه الموسيقى وما يخلق هذان العنصران من التأثير انما يتخذ عنصر الزمن دورا فيهما. أزمنة الموسيقى والزمن المعروض للحدث لا يعادل الزمن الذي نعايشه في الفيلم، فالزمن المعروض في الفيلم يمكن القول بأنه مقطع معين عبر الزمن الموضوعي، ويقوم المشاهد بإتمام المقطع الذي لم يعرض له. ان مجريات احداث الفيلم هي بمثابة نثر للزمن من الموضوعي، والزمن المحسوب والذي يختلف حسب موضوع القصة ومفهوم المخرج. وتميز المؤلفة ثلاثة أنواع من الزمن في العمل الموسيقي وفي العمل السينمائي: 1 الزمن الموضوعي الذي تجري فيه احداث العمل. 2 الزمن النفسي الذي تتم فيه مشاهدة ومعايشة العمل. 3 الزمن الخاص الذي يتخذه العمل الموسيقي او السينمائي ضمن إطاره المحدد. ان خصوصية التصور في الفيلم الصامت ذات علاقة بالموسيقى، فهي تلعب دورا تصويريا أهم مما تلعبه في الفيلم الناطق، وترى المؤلفة انه في الفيلم الصامت كان للموسيقى دوران أساسيان: »الاول: كونها عنصر تأثير جمالي ذا نمط خاص، والثاني كونها وسيلة مساعدة ذات ارتباط ظاهري بالصورة، وهو الدور الاكثر أهمية من الدور الاول، ذلك لانه اصبح الاساس في الارتباط بين الموسيقى والفيلم«. كثيرا ما يحدث ان يكون للموسيقى دور اضافي في إضفاء الملامح والصفات العامة للعرض من خلال اسلوبية الموسيقى بحد ذاتها ومن خلال الاغاني التي تتضمنها. والموسيقى »من خلال دورها الطبيعي يمكن استخدامها في مختلف الاحوال الهزلية، كما يمكن للموسيقى، في الصورة ان تمارس مهمة درامية مركزية عندما تكون صلة وثيقة بالصورة والبيئة التي تمثلها، كأن تسمع الموسيقى لدى حدوث امر ما، وتتكرر بعد ذلك لتصبح رمزا ينذر بحدوث ما يشبه ذلك الحدث، وفي نفس الاجواء، مما يسهم الى حد بعيد ايضا في تطوير الحدث بحد ذاته«. والاغنية في الفيلم السينمائي تراها المؤلفة شكلا من اشكال الموسيقى ذات الاستقلالية في التعبير من خلال أجوائها وأشكالها التعبيرية »انها تقرب الاجواء الحميمة المختلفة في الفيلم من خلال اختيار شكل العرض فيها وفق المضمون«. ان السكون من العناصر المكونة للفيلم، والسكون عبارة عن مجال تتحرك فيه الأشياء المصورة، وفي الموسيقى يمكن للسكون ان تكون له وظائف هامة حيث يسهم في شكل البناء الخاص للموسيقى، كما يسهم في تصعيد جو التوتر والحماس والانفعالات النفسية، وكذلك في الحلول الدرامية وللسكون في الفيلم مهام شبيهة بهذا، وانما في مجالات اوسع. موسيقى الصمت شارلي شابلن تحدث عن دور السكون والصمت في الوصول الى أقوى التعابير، كما تحدث العديد من الباحثين والمفكرين السينمائيين عن هذا الدور في الفيلم الناطق، وتذكر المؤلفة قولا للباحث السينمائي (بيلا بالاش) جاء فيه: في الفيلم توجد آلاف النغمات غير انه لا توجد سوى فترة صمت واحدة، فهي الظاهرة السمعية ذات الاهمية القصوى، وكما ان الصمت مرتبط بما قيل قبل، كذلك في الفيلم فهو مرتبط دائما بالصور والظواهر المرئية في المشهد الذي سبق فترة السكون انها الخاصية السينمائية، ان تقدم خاصية التصور من خلال الحركات، وما السكون الا حركة ساكنة لخصائص التصور حيث تتوقف ظاهرة السمع، وبطبيعة الحال يجب ان يكون هذا السكون محسوبا له كي يكون عاملا دراميا مؤثر. كما تؤكد المؤلفة ان الصمت اعتبر من العناصر التي تسهم في بناء الفيلم، فالصمت »يمكن ان يكون وسيلة لتطويل الامزجة والاجواء حيث تقوم الصورة بالتعليق على الصمت، وبذات الوقت يمكن للصمت ان يقدم تعليقا وصفيا للصورة«. الموسيقى كرمز تختلف عن الموسيقى المصورة او المعبرة او التي ترسم أمرا ما. انها تحقق دور الرمز وذلك عندما تلمح من خلال النغمات او الضربات الى أمر ما لا تتمكن الصورة من الاشارة اليه بشكل كامل. وحول ذلك تقول المؤلفة: »ان الموسيقى من خلال دورها كرمز تتشابك مع دراما الفيلم. وهي تعمق المقولة الفنية للمشاهد، كما وتتمم الشكل وتسهم في تمييزه وتوضح الاحوال المعقدة من خلال رمزها لكل ظاهرة«. ان توظيف الموسيقى بشكل عام، يتحدد من خلال مضمون ومواصفات الصورة التي تقوم الموسيقى بتغطيتها او مرافقتها، وبطبيعة الحال فللمؤلف وللمخرج حرية الاختيار. ومؤلفة الكتاب ترى ان البناء الموسيقي لمقطع ما في اي فيلم تؤثر عليه عوامل مختلفة موجودة في الصورة وتقوم الموسيقى بتعميقها وتوسيعها. والاختيار هو عنصر يخضع للاسلوب الشخصي، هذا الاسلوب الذي يميز كل فيلم عن سواه، ففي الفيلم الروائي جرت العادة على توظيف الموسيقى بأسلوب محدد من خلال الموضوع نفسه، وفي أفلام التحليل النفسي تهيمن على التوظيف الموسيقي خلفية المعاناة، وفي أفلام الاوبرا يكون جو الاغنية سائدا، وفي أفلام الرسوم المتحركة هنالك التطابق مع تصوير التفاصيل، وفي الافلام الكوميدية تدخل الموسيقى بدورها الطبيعي في المقدمة، واما في الافلام التجريبية فتسيطر الموسيقى الالكترونية... وأفلام الواقعية الجديدة الايطالية جاءت من غير موسيقى تقريبا، فقد صورت كل الاجزاء فيها من خلال المؤثرات.

محمد عبيدو


 من أرشيف جريدة "السفير"

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق