محمد عبيدو : الفنان القدير كمال الشناوي ابرز الفنانين العرب الذين تركوا بصمة متميزة بتاريخ الفن المصري والعربي بعامة عبر عقود ممتدة من العطاء الاصيل والبارع في السينما والتلفزيون والمسرح , غادرنا يوم 22 أغسطس 2011، عن عمر ناهز 89 عاما، بعد معاناة طويلة انتصر فيها المرض . ُولد كمال الشناوي يوم 26 \ 12\ 1921 في شارع خيرت القريب من حي السيدة زينب , الذي كان يعتبر شارع الفن في العشرين سنة الاولى من القرن الماضي , وعاش طفولته في مدينة المنصورة،وتفتحت لديه هواية الغناء فكان يمضي اجازته الدراسية في الاستماع لاغاني عبد الوهاب وأم كلتوم .شارك في عام 1963 في مظاهرات طلبة المدارس الثانوية ضد الاحتلال الانكليزي . وعمل مدرسا لمادة التربية الفنية بالمدارس الثانوية، كما مارس الفن التشكيلي، ثم تفرّغ للتمثيل؛ حيث كانت بدايته السينمائية عام 1947 في فيلم "غني حرب" للمخرج نيازي مصطفى (1911 - 1986)، أما آخر أفلامه فهو فيلم "ظاظا.. رئيس جمهورية ". أخرج فيلما واحدا عام 1963 عنوانه "تنابلة السلطان " حصل على 50 جائزة وشهادة تقدير , اضافة الى وسام الجمهورية الذي منح مرتين من قبل الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس انور السادات .وفي الاحتفال بمئوية السينما العالمية عام 1996، اختار سينمائيون خمسة أفلام شارك فيها، ضمن قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية، وهي "أمير الانتقام"، و"اللص والكلاب"، و"المستحيل"، و"الرجل الذي فقد ظله"، و"الكرنك " . ويبلغ رصيده الفني 300 فيلم سينمائي و20 مسلسلا و3 مسرحيات . مع غياب كمال الشناوي , اعود هنا
لحوار كنت أجريته معه اثناء حضوره ضيفا على احدى دورات مهرجان دمشق السينمائي كان فيه اضاءة حول تجربته ومواضيع فنية عديدة .
هذا المشوار الطويل مع الفن كيف ينظر له كمال الشناوي ؟ اجابني : " عشقي للفن ليس له حدود .هذا العشق لازمني منذ كنت طالبا صغيرا , كنت احب التمثيل , والخطابة والالقاء , والغناء , وفي كل سنوات الدراسة كنت رئيس فريق التمثيل , ورغم تخرجي من كلية التربية الفنية وعملي في التدريس , الا انني لم استمر سوى عامين فقط وبسبب حبي للسينما امتهنت التمثيل , فانا لا أطيق العيش بعيدا عن ( الكاميرا ) . وانا هنا دائم التجدد .. انا أحب هذه المهنة .. اعشقها .. وليس فقط كممثل .. بل قمت بالانتاج , وحبي للسينما جعلني اتجه للإخراج أيضا .. طالما عندي قدرات فنية ولدي احساس دائم التجدد فلن اقدم للجمهور مادة اي هزيلة او بعيدة عن الشكل الفني المطلوب . ولو وجدت انني ليس لدي قدرة او ابداع او تطور فسأتوقف فورا .. اكتفي بما حدث في الماضي وبأعمالي التي أنجزتها وابحث عن عمل اخر . "
والشناوي فنان تشكيلي , كيف أغنى الفن التشكيلي تجربته في مجال التمثيل ؟ عن ذالك قال : " الفن التشكيلي زاد من قدراتي في الأداء السينمائي لان الفن التشكيلي صورة لها ايقاع . ولها مفردات وعناصر تكون هذه الصورة من الخطوط والأشكال والألوان . عندما عملت في التمثيل كان ذلك الجزء من الفن التشكيلي متواجدا معي , باختياري للموضوع او بتعبيري واستعانتي بالمفردات التشكيلية في أدائي فالأداء مثل الصورة ضمن تشكيل فني جميل , وبالنسبة لي يدخل كل شيء , حركاتي , اشاراتي, جلوسي ,مشيتي ,ولباسي كل ذلك يجب ان يكون له دلالة فنية ."
هو واحد من الفنانين الرواد الذين استمروا في الصفوف الاولى عبر جميع الاعمال التي قدمها منذ بداياته حتى الان , والملاحظ ان الفنانين أبناء جيله انهم كلما تقدموا في السن كلما تدحرجت أسماؤهم الى اسفل وهربت منهم السيناريوهات وقلت أجورهم .. كيف ينظر لهذه المسألة ؟ : " اعتبر الفنان مشوارا تاريخيا طويلا وعرقا ودموعا , لابد من احترام كل هذا وتقديره من جانب المخرجين والمنتجين . ومن ثم يجب ان يكون هناك تقدير من الفنانين لأنفسهم أولا .. لقد احترمت فني وتاريخي اولا فاحترمني الاخرون ثانيا . . وقد ابتعدت عن السينما فترة طويلة من الزمن حين رأيت انها لا تحترمني انا فقط ولكنها لا تحترم نفسها ايضا . فذهبت الى التلفزيون , وتمكنت من تحويل الشاشة الصغيرة الى شاشة كبيرة .. وعدت الى السينما مجددا وبشروطي .. وانا أنال حقي كاملا , وبالأجر الذي احدده .. وهذا الشيء , ليس بالامر السهل على الاطلاق .. فلكي تطلب الاجر الذي تريد , لابد من ان تطور نفسك انت الاخر وتتجدد في ادوارك ولا تقف لدى اداء نمطي واحد , ربما في بداياتي عملت بافلام عديدة متشابهة , لكن كانت هذه الادوار محببة لي في البداية لان طاقتي الفنية كانت مختزنة بينما الان هناك تجديد في الادوار وفي اشكال الاداء وفي الشخصيات المختارة ."
وكيف يرى كمال الشناوي دوره كممثل في العمل الفني ؟ : " على الاغلب اقرا السيناريوهات واعطي اراء حول الاضافات لها .. وقد تعود المنتجون والمخرجون والكتاب علي من هذه الناحية , وما اضافاتي هذه الا من اجل تكامل العمل , وانا اعتبر ان التمثيل وحده لا يكفي , فالفيلم يجب ان يتكامل بكل عناصره و حتى يكون متميزا من الناحية الجمالية ويصل للجمهور ."
برز في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي في مصر مخرجون سينمائيون لهم تميزهم وخطابهم السينمائي الخاص .. كيف يراهم الشناوي : " ارى انك تقصد بكلامك داوود عبد السيد وخيري بشارة وعاطف الطيب ومحمد خان وعلي عبد الخالق وغيرهم .. هؤلاء المخرجون كونوا مدرسة وكادرا فنيا في اختيار الموضوع الذي يتماشى مع امكانياتهم في عرض الموضوع واختيار الصورة المعبرة , واجد نفسي قريبا جدا من رؤيتهم السينمائية , لانهم فعلا يقدمون سينما حقيقية لها علاقة بهموم الناس ومشاكلهم وازماتهم ."
ويلخص كمال الشناوي ازمات السينما الحالية : " منذ سنوات نتكلم عن ازمة السينما .. وتتراكم اشياء توقف حركة الانتاج وتجعل السينما بأزمة دائمة .. السينما كانت في الماضي شيئا جديدا وكانت صناعة مربحة جدا . وفي بداية ظهور السينما كانت هناك افلام اجتماعية تناقش قضايا المجتمع وتدعو للفضيلة والمحبة والواجب والتضحية والمثل العليا والتقاليد الشرقية الأصيلة التي توارثناها . وتتعرض لموضوعات انسانية وعاطفية بأشكال تراجيدية وكوميدية واستعراضية وغنائية .ز كانت النوعيات مختلفة .. والمشاهد كان يرى كل الأفلام المعروضة .. كانت وسيلة المواصلات أسهل وكانت السينما فسحة للمشاهد .. الأسرة كلها كانت تذهب للسينما .. والسينمات كانت جديدة والكراسي كانت نظيفة والشاشات جيدة والصوت ايضا .. السينما كانت بازدهارها في الخمسينات والستينات . مشاكل السينما قديمة وليس لها حلول الا بدعم الدولة للسينما .. مثل انشاء سينمات عديدة , ورفع الجمارك عن الخامات التي تتعامل بها السينما , وتخفيف الضرائب عن السينما لوقف الارتفاع الشديد لسعر التذاكر .ز حيث يستعيض المتفرج عن الذهاب للسينما بانتظار كي ينزل في الفيديو او يراه على الساتلايت . "