محمد عبيدو :
رحل رائد السينما الوثائقية النضالية المخرج جان شمعون عن عمر يناهز الرابعة والسبعين عاماً، وهو ينتمي إلى جيل مخرجي الحرب اللبنانية ، الذين بدؤوا عملهم السينمائي في خضم الحرب الاهلية اللبنانية، و التي صبغت بماساويتها، قسوتها ، رعبها ويـأسها أعمالهم السينمائية الأولى .
كون جان شمعون اللبناني و وزوجته مي المصري الفلسطينية .. ثنائيا سينمائيا ناجحا ومتميزا , عبر حوالي ربع قرن من العمل المشترك في ميدان السينما التسجيلية المقاومة و المناضلة ساهما خلاله في بلورة نمط سينمائي عربي متميز . كل فيلم من افلامهما , يتحول الى احتفال بصري جمالي , حين الكاميرا تخترق الذات والمجتمع , وتقرأ الزمان والمكان , وتحول الشخصيات الى مرايا تعكس الواقع والحلم .. وعلاقتهم التسجيلية بالواقع تعني استقراءا حقيقيا وفاعلا في مجمل مكونات هذا الواقع , وفهم تطوره والتعبير عن صيرورته في مختلف الاشكال السينمائية
ويأتي تميز جان شمعون من خلال منهجية دقيقة ورؤية واضحة , وايمانا بدور السينما كحافظة للذاكرة فقبل البدء بالتصوير يحرص على البحث عن الشخصيات ودراستها والتعايش معها , وفهم خصوصية المكان , والاجتهاد بأن تكون النماذج المختارة ممثلة عن شريحة واسعة من المجتمع والعمل على تكثيف الاحساس لدى الشخصيات حتى تقدمه بعفوية وبساطة وصدق وواقعية حتى لايكون الفيلم مجرد تسجيل لحظة زمنية محددة , وانما شحنها بدفق انساني يجعلها قادرة على حفظ تأثيرهاح المستقبلي .
جان شمعون المولود في سرعين ـ البقاع اللبناني سنة 1944 ، انتسب الى "معهد الفنون الجميلة" في الجامعة اللبنانية إثر افتتاحه سنة 1966، ليصبح من الجيل الأول الذي درس في المسرح في لبنان. حصل على إجازة السينما من جامعة باريس الثامنة - فانسان- ابتدأ عمله السينمائي مع فيلم "تل الزعتر" بالاشتراك مع مصطفى أبو علي عام 1976 ، ثم " أنشودة الأحرار" الوثائقي الذي كان تحية لحركات التحرر في القارات الثلاث .
عاش الحرب اللبنانية بجميع فصولها وسنواتها الطويلة،و سعى الى الانخراط في المقاومة على طريقته فكانت كاميراته خير معبّر عن حال أبناء الجنوب اللبناني الذي يصفه "برمز محاربة العدو الإسرائيلي"، ويعتبر شمعون أن المحور "يدور في هذه المنطقة الجغرافية التي تتجاور فيها مشكلتان: مشكلة الجنوبي الذي يهجّر من أرضه، ومشكلة الفلسطيني المهجّر أصلاً. والمشكلتان من فعل عدو واحد، هو إسرائيل".
وحكاية جان شمعون مع السينما النضالية الفلسطينية، حكاية عشق طويلة، لم تتجسد فقط في ارتباطه بالمخرجة الفلسطينية مي المصري، بل في نضالاته المتكررة عبر الكاميرا
بعد زواجه الحياتي والفني مع المخرجة مي المصري كان " تحت الانقاض" 1983 الثمرة الأولى، وهو مواكبة وقراءة في الاجتياح الإسرائيلي ومخلفاته بأسلوب يتجاوز الآنية نحو طريقة فنية راقية من التوثيق.
" زهرة القندول" 1986: يجسد تفاصيل هامة من حياة المرأة في الجنوب اللبناني ضمن خليط من الزوايا التراثية والثقافية المتجذرة في منطقة الجنوب، كما يتطرق الفيلم في خطابه الرئيسي لقضية مقاومة المرأة ودورها في الصراع مع العدو الإسرائيلي.
" بيروت جيل الحرب "1988 :
* قامت الحرب علشان الفقراء .. صارت ضد الفقراء
* عملوا الحرب ليعطونا حقوقنا .. النتيجةاخدوا حقوقنا
* الصدفة تركتنا عايشين .
* الحرب بين ظالم ومظلوم … هي نفسها سواء اكان مسيحيا او مسلما سنيا او مارونيا او شيعيا
* نتيجة الحرب واضحة ..واحد بيعرج .. واحد مات .. واحد تشرد .
كلمات عفوية .. بسيطة .. صادقة .. مؤلمة .. جاءت على لسان اطفالهم الجيل الذي ولد وعاش في حرب لبنان الاهلية .. الجيل الذي ارتكبت بحقه جريمة لاتفتفر .
انهم جيل الحرب يقدمون شهادات حية وصادقة في الفيلم التسجيلي . جان ومي قدما خلال هذا الفيلم عرضا لتطورات الحرب التي مزقت لبنان على مدى ستة عشر عاما من خلال استعراض شخصيات تشكل نقاطا هامة من عمر الحرب.. جيل كبر وجيل ولد في ظل الحرب التي اثرت على الاغنياء والفقراء..
" أحلام معلقة " 1992: اخرج جان ومي الفيلم لحساب محطة( بي بي سي ) البريطانية وقد اتى في اطار تظاهرة موازية لقمة الارض اذ تم انتاج ستة افلام من دول عدة في العالم الثالث , تناقش التأثيرات المدمرة للبيئة. ولمعالجة هذا الموضوع من وجهة نظر لبنانية اختار المخرجان اربع شخصيات من ارض الحرب في لبنان وهي : المقاتلان نبيل ورامبو اللذان كانا يتبادلان اطلاق النار على جبهة الشياح عين الرمانة اصبحا صديقين , فيما نبيل يعمل على ترميم الشقق التي دمرتها الحرب ومنها شقة شقة وداد حلواني التي تتحدث عن زوجها عدنان سنة 1982 اثناء الاجتياح الاسرائيلي وبقاء مصيره مجهولا حتى الان , ومن القاء نظرة شاملة على قضية المخطوفين وعدم الاستقرار الاجتماعي والاعتداءات الاسرائيلية يقترب الممثل رفيق علي احمد من ان يكون لسان حال الفيلم الفكري اذا جاز التعبير, هو يعمل مسرحية حول الحرب والفيلم يحاوره حول اسباب الحرب . كيف نشأت ولماذا توقفت؟ .
رهينة الانتظار 1994: يتناول قصة طبيبة من جنوب لبنان , تعيش مع ابناء منطقتها اخطار الاتلال وهواجس المستقبل .
"طيف المدينة" 2000 : في أول فيلم روائي لجان شمعون تناول فيه مشهديات وخلفيات الحرب اللبنانية(1975 ـ 1990) نتعرف على الرؤية السينمائية التي قدمها جان شمعون وما ارتبط بها من قناعات من خلال طرحه لموضوع الحرب اللبنانية وهي المنطلق الذي يمكن ان يحسم فيه المخرج امره ويقول كلمته بينما تظل هناك اسئلة كثيرة حائرة بلا اجابات وليس بالضرورة ان يجيب الفيلم على كل الأسئلة اذ يكفيه تحمل اعباء طرحها ليترك مساحة للنقاش او يدعو اليه للوصول الى لغة ترفض الحرب او تمنع حدوثها، يقدم لنا درساً من بيروت: الحرب الأهلية بشعة ولا جميل فيها حتى النصر. فالحرب الأهلية أو الطائفية تدمر روح الإنسان، وتفقده إنسانيته. ففيها تضيع البوصلة، ويصبح كل إنسان قادر على القتل، وراغب في ممارسته من أجل أن يبقى حياً.
وللحرب الأهلية قوانينها القذرة التي يمارسها المتحاربون، فيصبح الواحد منهم صورة بشعة عن الآخر. وحتى من كانوا ثوار الأمس تدفعهم قساوة الحرب إلى ممارسة قوانين السوق، سوق الميليشيا، حيث الخطف والقتل والابتزاز وسرقة البشر وممتلكاتهم هو الشأن اليومي للمتحاربين.
تتواصل الحرب الطائفية، وتدخل إسرائيل على الخط، فتشتعل المدينة، ويعم الدمار، ووتسع دائرة الخراب. يلاحق الموت الأبرياء في الشوارع والبيوت. أحياء بكاملها تهدم. ومقهي سلوى الذي كان قبل قليل ملتقى لخليط من مختلف الطوائف يستمعون فيه إلى أغاني الحياة المنبعثة من صوت وأوتار فنان محلي، يتحول إلى مركز لإحدى الميليشيات، فيما صاحبة المقهى تختار الرحيل عن بلد تأكل أبناءها.
وكعادتها دائماً، تتحول الحرب الأهلية إلى حالة من تجارة الدم، فيثرى قادة الميليشيا، ويصبحون أمراء حرب يحكمون وفق مصالحهم وأهوائهم. يضيق الوطن إلى اقصى حدود الميليشيا، ويتحول إلى جحيم يفقد فيه الإنسان الباحث عن الأمان أدنى حدود الأمان.
لكن بيروت، مدينة الحياة لا تترك ابناءها يقتلون بعضهم البعض حد الفناء. تسكت المدافع والرشاشات، حتى لكأن ما كان قبل قليل ليس سوى درس قاس تعلمه المدينة لأبنائها: الطائفية مرض خبيث يفتك بصاحبه. وأن لا رابح من حرب عابثة. درس بيروت في حربها أن الوطن هو العامل المشترك الأعظم لأبناء الوطن على إختلاف معتقداتهم. تعلم بيروت أبناءها أن التنوع هو هوية هذا الوطن الجميل الساكن حد البحر من الازل.
تعود بيروت لتنهض من جديد، وقودها في ذلك صحوة أهلها على حبهم للحياة. أهلها الذين حافظ كثير منهم على إنسانيته حتى في أشد ليال الحرب حلكة ،ومنهم النموذج، بطل الفيلم الذي يغامر بحياته من أجل انقاذ مخطوف من الطرف الآخر كانت المليشيا التي انضم إليها قد اصدرت عليه حكماً بالموت، شأنه في ذلك شأن المخطوفين لدى الجهة الأخرى الذين لاقوا ذات المصير.
فالحرب التي طحنت بيروت لم تتمكن من قتل قيم الحب والطهر في قلوب ابنائها، فهذا رامي يظل حب طفولته لياسمين مشتعلاً حتى لدى انتقالها للطرف الآخر من بيروت التي انقسمت زمن الحرب إلى شرقية وغربية.
يثير المخرج جان شمعون في هذا الفيلم أسئلة الحرب بكل مرارتها وقسوتها، ويثير أيضاً أسئلة ما بعد الحرب بكل خطورتها: فمن يريد أن يطوي صفحة المخطوفين الذين وصل عددهم 17 ألفاً لأجل طي صفحة الحرب قد يبقي النار متحفزة تحت الرماد، ومن يصالح قادة الميليشيا المتحاربة يفتح الطريق أمام مجرمي وتجار وسمسارة الحرب كي يحكمون من موقع آخر، موقع السياسة المال الذي جنوه من خراب الوطن ودماء أبنائه.
الفيلم وثيقة بالغة الدقة عن ما تعرضت له بيروت في زمن الحرب، ولعل أهميته لدى اللبنانين أكثر من غيرهم لأنه أفضل تصوير لبشاعة الطائفية والميليشيا ولغة السلاح في الحوار بين أطياف المجتمع. وأهميته أكبر لمن يبحث في ثنايا التاريخ عن دروس لتحصين نفسه ضد الإنقسام والتشرذم مهما كان اساسه، قبلياً أو طائفيا أو شعوبياً..
لكن بعد تكبد بيروت خسائر كبيرة سواء في الارواح أو البنى التحتية، يغرد صوت السلام وتسكت المدافع والرشاشات ليعلو صوت الوطن الواحد.
يوجه فيلم طيف المدينة رسالة شديدة الوضوح مفادها ان الحرب بين ابناء الشعب الواحد لا يمكن ان تؤدي الا الى ضياع الوطن وخرابه وقتل احلام وامال شعبه وتدمير معامله وايضا قيمه الانسانية والاخلاقية، خصوصا ان هناك عدوا اسرائيليا شرسا يتربص بنا جميعا عند حدود الوطن في انتظار ان تسنح له الفرصة لينقض على الوطن. تماما كما حدث في عام 1982 وكما يحدث الان.. فيلم جان شمعون صرخة وهزة ضمير واحياء لذاكرة جماعية عبر عمل هو اقرب للتوثيق
" أرض النساء " 2004 : يحكي جان شمعون في الفيلم قصة جيلين من نساء فلسطين الرائدات من خلال التجربة القاسية لكفاح عفيفي الاسيرة السابقة داخل معتقل الخيام الذي شيده المحتل الإسرائيلي بجنوب لبنان. تروي كفاح مرحلة طفولتها خلال مجازر صبرا وشاتيلا وتجربتها مع التعذيب في المعتقل والصداقة المتينة التي نُسجت مع رفيقاتها خلف القضبان وتحكي أحلامها وطموحاتها بعد تحريرها وتواصلها مع أجيال فلسطينية سبقتها. نتعرف عبر حكايتها على الشاعرة فدوى طوقان وتجربتها في سجن أسرتها؛ و الرائدة ذات الشخصية المميزة سميحة الخليل التي قاومت طوال حياتها دفاعاً عن العدالة و السلام. ومن خلال هذه الرحلة مع النساء الثلاث، يركز الفيلم على تجربة المرأة التي نجحت في تحطيم الحواجز التي اقامها التاريخ الاجتماعي والسياسي امامها .
نقلا عن ملحق سينما / جريدة الحياة الجزائرية
رحل رائد السينما الوثائقية النضالية المخرج جان شمعون عن عمر يناهز الرابعة والسبعين عاماً، وهو ينتمي إلى جيل مخرجي الحرب اللبنانية ، الذين بدؤوا عملهم السينمائي في خضم الحرب الاهلية اللبنانية، و التي صبغت بماساويتها، قسوتها ، رعبها ويـأسها أعمالهم السينمائية الأولى .
كون جان شمعون اللبناني و وزوجته مي المصري الفلسطينية .. ثنائيا سينمائيا ناجحا ومتميزا , عبر حوالي ربع قرن من العمل المشترك في ميدان السينما التسجيلية المقاومة و المناضلة ساهما خلاله في بلورة نمط سينمائي عربي متميز . كل فيلم من افلامهما , يتحول الى احتفال بصري جمالي , حين الكاميرا تخترق الذات والمجتمع , وتقرأ الزمان والمكان , وتحول الشخصيات الى مرايا تعكس الواقع والحلم .. وعلاقتهم التسجيلية بالواقع تعني استقراءا حقيقيا وفاعلا في مجمل مكونات هذا الواقع , وفهم تطوره والتعبير عن صيرورته في مختلف الاشكال السينمائية
ويأتي تميز جان شمعون من خلال منهجية دقيقة ورؤية واضحة , وايمانا بدور السينما كحافظة للذاكرة فقبل البدء بالتصوير يحرص على البحث عن الشخصيات ودراستها والتعايش معها , وفهم خصوصية المكان , والاجتهاد بأن تكون النماذج المختارة ممثلة عن شريحة واسعة من المجتمع والعمل على تكثيف الاحساس لدى الشخصيات حتى تقدمه بعفوية وبساطة وصدق وواقعية حتى لايكون الفيلم مجرد تسجيل لحظة زمنية محددة , وانما شحنها بدفق انساني يجعلها قادرة على حفظ تأثيرهاح المستقبلي .
جان شمعون المولود في سرعين ـ البقاع اللبناني سنة 1944 ، انتسب الى "معهد الفنون الجميلة" في الجامعة اللبنانية إثر افتتاحه سنة 1966، ليصبح من الجيل الأول الذي درس في المسرح في لبنان. حصل على إجازة السينما من جامعة باريس الثامنة - فانسان- ابتدأ عمله السينمائي مع فيلم "تل الزعتر" بالاشتراك مع مصطفى أبو علي عام 1976 ، ثم " أنشودة الأحرار" الوثائقي الذي كان تحية لحركات التحرر في القارات الثلاث .
عاش الحرب اللبنانية بجميع فصولها وسنواتها الطويلة،و سعى الى الانخراط في المقاومة على طريقته فكانت كاميراته خير معبّر عن حال أبناء الجنوب اللبناني الذي يصفه "برمز محاربة العدو الإسرائيلي"، ويعتبر شمعون أن المحور "يدور في هذه المنطقة الجغرافية التي تتجاور فيها مشكلتان: مشكلة الجنوبي الذي يهجّر من أرضه، ومشكلة الفلسطيني المهجّر أصلاً. والمشكلتان من فعل عدو واحد، هو إسرائيل".
وحكاية جان شمعون مع السينما النضالية الفلسطينية، حكاية عشق طويلة، لم تتجسد فقط في ارتباطه بالمخرجة الفلسطينية مي المصري، بل في نضالاته المتكررة عبر الكاميرا
بعد زواجه الحياتي والفني مع المخرجة مي المصري كان " تحت الانقاض" 1983 الثمرة الأولى، وهو مواكبة وقراءة في الاجتياح الإسرائيلي ومخلفاته بأسلوب يتجاوز الآنية نحو طريقة فنية راقية من التوثيق.
" زهرة القندول" 1986: يجسد تفاصيل هامة من حياة المرأة في الجنوب اللبناني ضمن خليط من الزوايا التراثية والثقافية المتجذرة في منطقة الجنوب، كما يتطرق الفيلم في خطابه الرئيسي لقضية مقاومة المرأة ودورها في الصراع مع العدو الإسرائيلي.
" بيروت جيل الحرب "1988 :
* قامت الحرب علشان الفقراء .. صارت ضد الفقراء
* عملوا الحرب ليعطونا حقوقنا .. النتيجةاخدوا حقوقنا
* الصدفة تركتنا عايشين .
* الحرب بين ظالم ومظلوم … هي نفسها سواء اكان مسيحيا او مسلما سنيا او مارونيا او شيعيا
* نتيجة الحرب واضحة ..واحد بيعرج .. واحد مات .. واحد تشرد .
كلمات عفوية .. بسيطة .. صادقة .. مؤلمة .. جاءت على لسان اطفالهم الجيل الذي ولد وعاش في حرب لبنان الاهلية .. الجيل الذي ارتكبت بحقه جريمة لاتفتفر .
انهم جيل الحرب يقدمون شهادات حية وصادقة في الفيلم التسجيلي . جان ومي قدما خلال هذا الفيلم عرضا لتطورات الحرب التي مزقت لبنان على مدى ستة عشر عاما من خلال استعراض شخصيات تشكل نقاطا هامة من عمر الحرب.. جيل كبر وجيل ولد في ظل الحرب التي اثرت على الاغنياء والفقراء..
" أحلام معلقة " 1992: اخرج جان ومي الفيلم لحساب محطة( بي بي سي ) البريطانية وقد اتى في اطار تظاهرة موازية لقمة الارض اذ تم انتاج ستة افلام من دول عدة في العالم الثالث , تناقش التأثيرات المدمرة للبيئة. ولمعالجة هذا الموضوع من وجهة نظر لبنانية اختار المخرجان اربع شخصيات من ارض الحرب في لبنان وهي : المقاتلان نبيل ورامبو اللذان كانا يتبادلان اطلاق النار على جبهة الشياح عين الرمانة اصبحا صديقين , فيما نبيل يعمل على ترميم الشقق التي دمرتها الحرب ومنها شقة شقة وداد حلواني التي تتحدث عن زوجها عدنان سنة 1982 اثناء الاجتياح الاسرائيلي وبقاء مصيره مجهولا حتى الان , ومن القاء نظرة شاملة على قضية المخطوفين وعدم الاستقرار الاجتماعي والاعتداءات الاسرائيلية يقترب الممثل رفيق علي احمد من ان يكون لسان حال الفيلم الفكري اذا جاز التعبير, هو يعمل مسرحية حول الحرب والفيلم يحاوره حول اسباب الحرب . كيف نشأت ولماذا توقفت؟ .
رهينة الانتظار 1994: يتناول قصة طبيبة من جنوب لبنان , تعيش مع ابناء منطقتها اخطار الاتلال وهواجس المستقبل .
"طيف المدينة" 2000 : في أول فيلم روائي لجان شمعون تناول فيه مشهديات وخلفيات الحرب اللبنانية(1975 ـ 1990) نتعرف على الرؤية السينمائية التي قدمها جان شمعون وما ارتبط بها من قناعات من خلال طرحه لموضوع الحرب اللبنانية وهي المنطلق الذي يمكن ان يحسم فيه المخرج امره ويقول كلمته بينما تظل هناك اسئلة كثيرة حائرة بلا اجابات وليس بالضرورة ان يجيب الفيلم على كل الأسئلة اذ يكفيه تحمل اعباء طرحها ليترك مساحة للنقاش او يدعو اليه للوصول الى لغة ترفض الحرب او تمنع حدوثها، يقدم لنا درساً من بيروت: الحرب الأهلية بشعة ولا جميل فيها حتى النصر. فالحرب الأهلية أو الطائفية تدمر روح الإنسان، وتفقده إنسانيته. ففيها تضيع البوصلة، ويصبح كل إنسان قادر على القتل، وراغب في ممارسته من أجل أن يبقى حياً.
وللحرب الأهلية قوانينها القذرة التي يمارسها المتحاربون، فيصبح الواحد منهم صورة بشعة عن الآخر. وحتى من كانوا ثوار الأمس تدفعهم قساوة الحرب إلى ممارسة قوانين السوق، سوق الميليشيا، حيث الخطف والقتل والابتزاز وسرقة البشر وممتلكاتهم هو الشأن اليومي للمتحاربين.
تتواصل الحرب الطائفية، وتدخل إسرائيل على الخط، فتشتعل المدينة، ويعم الدمار، ووتسع دائرة الخراب. يلاحق الموت الأبرياء في الشوارع والبيوت. أحياء بكاملها تهدم. ومقهي سلوى الذي كان قبل قليل ملتقى لخليط من مختلف الطوائف يستمعون فيه إلى أغاني الحياة المنبعثة من صوت وأوتار فنان محلي، يتحول إلى مركز لإحدى الميليشيات، فيما صاحبة المقهى تختار الرحيل عن بلد تأكل أبناءها.
وكعادتها دائماً، تتحول الحرب الأهلية إلى حالة من تجارة الدم، فيثرى قادة الميليشيا، ويصبحون أمراء حرب يحكمون وفق مصالحهم وأهوائهم. يضيق الوطن إلى اقصى حدود الميليشيا، ويتحول إلى جحيم يفقد فيه الإنسان الباحث عن الأمان أدنى حدود الأمان.
لكن بيروت، مدينة الحياة لا تترك ابناءها يقتلون بعضهم البعض حد الفناء. تسكت المدافع والرشاشات، حتى لكأن ما كان قبل قليل ليس سوى درس قاس تعلمه المدينة لأبنائها: الطائفية مرض خبيث يفتك بصاحبه. وأن لا رابح من حرب عابثة. درس بيروت في حربها أن الوطن هو العامل المشترك الأعظم لأبناء الوطن على إختلاف معتقداتهم. تعلم بيروت أبناءها أن التنوع هو هوية هذا الوطن الجميل الساكن حد البحر من الازل.
تعود بيروت لتنهض من جديد، وقودها في ذلك صحوة أهلها على حبهم للحياة. أهلها الذين حافظ كثير منهم على إنسانيته حتى في أشد ليال الحرب حلكة ،ومنهم النموذج، بطل الفيلم الذي يغامر بحياته من أجل انقاذ مخطوف من الطرف الآخر كانت المليشيا التي انضم إليها قد اصدرت عليه حكماً بالموت، شأنه في ذلك شأن المخطوفين لدى الجهة الأخرى الذين لاقوا ذات المصير.
فالحرب التي طحنت بيروت لم تتمكن من قتل قيم الحب والطهر في قلوب ابنائها، فهذا رامي يظل حب طفولته لياسمين مشتعلاً حتى لدى انتقالها للطرف الآخر من بيروت التي انقسمت زمن الحرب إلى شرقية وغربية.
يثير المخرج جان شمعون في هذا الفيلم أسئلة الحرب بكل مرارتها وقسوتها، ويثير أيضاً أسئلة ما بعد الحرب بكل خطورتها: فمن يريد أن يطوي صفحة المخطوفين الذين وصل عددهم 17 ألفاً لأجل طي صفحة الحرب قد يبقي النار متحفزة تحت الرماد، ومن يصالح قادة الميليشيا المتحاربة يفتح الطريق أمام مجرمي وتجار وسمسارة الحرب كي يحكمون من موقع آخر، موقع السياسة المال الذي جنوه من خراب الوطن ودماء أبنائه.
الفيلم وثيقة بالغة الدقة عن ما تعرضت له بيروت في زمن الحرب، ولعل أهميته لدى اللبنانين أكثر من غيرهم لأنه أفضل تصوير لبشاعة الطائفية والميليشيا ولغة السلاح في الحوار بين أطياف المجتمع. وأهميته أكبر لمن يبحث في ثنايا التاريخ عن دروس لتحصين نفسه ضد الإنقسام والتشرذم مهما كان اساسه، قبلياً أو طائفيا أو شعوبياً..
لكن بعد تكبد بيروت خسائر كبيرة سواء في الارواح أو البنى التحتية، يغرد صوت السلام وتسكت المدافع والرشاشات ليعلو صوت الوطن الواحد.
يوجه فيلم طيف المدينة رسالة شديدة الوضوح مفادها ان الحرب بين ابناء الشعب الواحد لا يمكن ان تؤدي الا الى ضياع الوطن وخرابه وقتل احلام وامال شعبه وتدمير معامله وايضا قيمه الانسانية والاخلاقية، خصوصا ان هناك عدوا اسرائيليا شرسا يتربص بنا جميعا عند حدود الوطن في انتظار ان تسنح له الفرصة لينقض على الوطن. تماما كما حدث في عام 1982 وكما يحدث الان.. فيلم جان شمعون صرخة وهزة ضمير واحياء لذاكرة جماعية عبر عمل هو اقرب للتوثيق
" أرض النساء " 2004 : يحكي جان شمعون في الفيلم قصة جيلين من نساء فلسطين الرائدات من خلال التجربة القاسية لكفاح عفيفي الاسيرة السابقة داخل معتقل الخيام الذي شيده المحتل الإسرائيلي بجنوب لبنان. تروي كفاح مرحلة طفولتها خلال مجازر صبرا وشاتيلا وتجربتها مع التعذيب في المعتقل والصداقة المتينة التي نُسجت مع رفيقاتها خلف القضبان وتحكي أحلامها وطموحاتها بعد تحريرها وتواصلها مع أجيال فلسطينية سبقتها. نتعرف عبر حكايتها على الشاعرة فدوى طوقان وتجربتها في سجن أسرتها؛ و الرائدة ذات الشخصية المميزة سميحة الخليل التي قاومت طوال حياتها دفاعاً عن العدالة و السلام. ومن خلال هذه الرحلة مع النساء الثلاث، يركز الفيلم على تجربة المرأة التي نجحت في تحطيم الحواجز التي اقامها التاريخ الاجتماعي والسياسي امامها .
نقلا عن ملحق سينما / جريدة الحياة الجزائرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق