السبت، 18 فبراير 2017

بورتريه : المخرج التاهيتي راؤول بيك يعرض في برلين فيلمه الجديد(ماركس شابا)

محمد عبيدو:


ولد راوول بيك في هايتي في عام 1953،وعاش ما بين الكونغو وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة،وبعد حصوله على شهادة في العلوم الاقتصادية من ألمانيا، التحق بأكاديمية الأفلام والتليفزيون في برلين (DFFB)، وشارك في العديد من الأفلام الوثائقية والقصيرة ثم تدرج في عدة وظائف كان منها وزير الثقافة الأسبق في هايتي بين عامي 1996 و 1997 وفي عام 2010 ترأس مجلس إدارة مدرسة السينما La Fémis. وكان عضوا في لجنة التحكيم الدولية لمهرجان برلين السينمائي في عام 2002 ولجنة التحكيم في مهرجان كان في عام 2012.
قدم فيلماً وثائقياً "باتريس لومبومبا موت بني" سنة 1993 ويعتبر من أهم الأفلام والوثائقية وأندرها عن هذا الزعيم الكونغولي الذي قتل واختفت جثته بعد أن ترأس لفترة لم تتجاوز الثلاثة أشهر أول حكومة للكونغو المنبثقة عن أول انتخابات في البلاد إثر استقلالها عن بلجيكا... في عام 1993 كان فيلمه (رَجل على الشاطئ ) أول فيلم من الكاريبي يشارك في منافسة مهرجان كان ، وتدور قصته حول حياة أسرة أثناء اضطراب الأوضاع في هايتي، وانتشار العنف، وعدم الاستقرار في بداية عام 1960، بعد وصول فرانسوا الفاسد بجيشه الخاص إلى السلطة في هايتي، وبدأ تنفيذ الأوامر بقبضة من حديد.
وتلعب الطفلة سارة، وهي فتاة تبلغ من العمر ثماني سنوات، دوراً محورياً في الفيلم، فقد اكتسب والدها عداوة المسؤول المحلي الاستبدادي، في أحلك أيام هايتي، الذي مارس طويلاً التعذيب والعنف لكل من يخالفه الرأي، وأصبح يسيطر على هايتي، ويلحق العقاب بكل معارضيه، فتقرر عائلة سارة الفرار من البلاد خوفاً على حياتهم، وتترك وراءها سارة وشقيقتها مع جدتهما، وهي امرأة شجاعة ترفض الاستجابة لضغوط المسؤول الظالم. وفلم (احيانا في نيسان) وهو عن الإبادة الجماعية التي حدثت في رواندا عام 1994 وقد قام المخرج بتأليفه واخراجه ثم يقدم بعده : (حوار مع الموت) وثائقي و(هايتي، كلاب الصمت)؛ وثائقي 2000 .
وفي عام 2001 انجز فيلمه الروائي ‏(‏ الحياة مع لومومبا‏)عن شهيد الكونغو باتريس لومومبا والمخرج راؤول بيك بتناوله لهذه الشخصية التي تحولت إلى أسطورة بطولية وشكل اغتيالها خسارة كبيرة لبلد في بداية استقلاله، ولقارة في مرحلة من أهم مراحل تحررها، يقدم سيرة سياسية وتاريخية لباتريس لومومبا تحمل في طياتها الكثير من العناصر الذاتية في قراءة الأحداث، في البداية نقابل لومومبا (قام بدوره إيريك إيبوناي) في نهاية الخمسينات من القرن العشرين حين كانت حركته الكونغولية الوطنية تكسب دعماً شعبياً واسعاً، رغم معارضة القادة السياسيين للبلاد. ولتجنب التمرد العنيف، فإن الحكومة البلجيكية تبدأ بمفاوضات مع الحركة الكونغولية الوطنية لتسلم حكم الكونغو إلى المدنيين، وينجح لومومبا وحزبه السياسي في الانتخابات نجاحاً كاسحاً..
المخرج راؤول بيك تناول موضوعاً حساساً ودقيقاً، وهو موضوع الاغتيال الذي لا يزال حياً حتى اليوم من خلال المعلومات الجديدة والمستجدة في غير دولة في العالم، والمخرج لم يترك موضوع الاغتيال غامضاً وغير واضح إذ أبرز بشكل جلي أن بلجيكا وبالتنسيق مع الولايات المتحدة قامتا من خلال التعاون بين تشومبي وموبوتو بالقضاء على هذا الرمز الإفريقي المناضل.
برغم من دقة هذه الأحداث إلا أن الفيلم نجح في عرضها بشكل روائي وسردي أبقى على تشوق المشاهد لمتابعة المواقف السياسية لكل طرف وإدخالها في سياق العمل الفني فتداخلت الحالة الدرامية للأحداث الحقيقية مع الحالة الدرامية للسرد الفني في الفيلم. كما استطاع المخرج أن يوظف استخدامه للتقطيع السريع أحياناً لكي يعبر عن تطور الأحداث من دون السقوط في فخ التطويل. ونجح كذلك في خلق الأجواء والمؤثرة من خلال تصويره للمشاهد الليلية والإضاءة الخافتة ولم يقع في مأزق الشعارات السياسية أو الثورية. قبل فيلمه هذا، سبق للمخرج راؤول بيك أن قدم الكثير من الأفلام الوثائقية ذات الطابعين السياسي والثقافي.. وثائقي 2005 (أحيانًا في إبريل) يدور الفيلم عن قصة شقيقين (أونوريه) الذي يعمل في الإذاعة، و(أوغستين) والذي يعمل في الجيش الرواندي، الذي كان متزوجا من امراة من التوتسي ولديه ثلاثة أطفال يكونون بدورهم شاهدين على المذبحة الرهيبة التي ذهب قوامها 800 ألف، ويلقي الفيلم الضوء على الأسباب التي أدت إلى اندلاع تلك المذبحة الرهيبة والأحداث العنيفة.. ويقدم عام 2009 (مولوخ الاستوائية) وفيلم (المساعدة القاتلة) 2012 ؛ ثم فيلم (جريمة قتل في باكوت) 2014 ؛ تدور أحداثه على أرض (هايتي) عقب الزلزال المدمر الذي عصف بها عام 2010.. الشوارع، الكباري، والمنازل مُنهارة تماماً، رجال الإنقاذ في ملابسهم الواقية البيضاء يحاولون استخراج آلاف الجثث.. بينما في مدينة (بورت) يتحطم منزل زوجين ميسوري الحال، فيتعرضون لتهديد من البلدية بضرورة إصلاح المنزل وإلا سيُهدَم.. في سبيل توفير نقود الإصلاح، ينتقل الزوجان لمنزل فقير ويؤجران الغرفة الوحيدة الصالحة لمدير في منظمة المساعدات الدولية، والذي لا يأتي وحده، حيث يصطحب معه فتاة من (هايتي) في السابعة عشر من عمرها. (أنا لستُ الزنجي خاصتك) 2016 ﻓﻴﻠﻢ وثائقي/تسجيلي الولايات المتحدة 95 دقيقة الكاتب (جيمس بالدوين) يروي قصة الاختلافات العرقية في (أمريكا) الحديثة من خلال روايته التي لم تنتهي (Remember This House).
فيلم راؤول بيك الجديد(ماركس شابا) 2017 الذي يعرض بمسابقة مهرجان برلين السينمائي . تدور احداثه بين عامي 1844وعام 1848حيث كانت اوروبا تموج بالأحداث الثورية فالمظاهرات والاحتجاجات في كل مكان،و يتناول الفلم علاقة الصداقة المتقلبة بين الفيلسوف الالماني كارل ماركس ورفيقه فريدريك انجلز حين كانا يقومان بتأليف (البيان الشيوعي) الذي اصبح من اكثر الكتب السياسية تأثيرا في العالم؟
تبدأ احداث الفلم حين يصل كارل ماركس(يقوم بأداء دوره الممثل الالماني اوغوست ديهل )وهو في السادسة والعشرين من عمره الى المنفى في باريس مصطحبا معه زوجته جيني، وهو غارق في الديون ويعاني من القلق الوجودي.وهناك يلتقي مع رفيق حياته فريدريك انجلز (الممثل الالماني ستيفان كونارسكي)وهو ابن لرجل صناعي كبير بدأ منذ فترة طويلة ينأى بنفسه عن طبقته . و كان مشغولاً بدراسة احوال الطبقة العاملة البائسة في انكلترا، و نشر للتو دراسة عنها ،. هذان المفكران العظيمان يلهمان بعضهما ويسعان لتوفير الأساس النظري للثورة التي يجب أن تأتي. وينجحان في وضع الاسس النظرية اللازمة لكتابة النصوص التي هدفها هو لم يعد مجرد تفسير العالم، ولكن تغييره. يصف راؤول بيك أصول الحركة الاشتراكية الدولية، وظهور البيان الشيوعي وعصبة الشيوعيين . وفي الوقت نفسه، فإن الفيلم يرسم صورة لشابين متهورين يعتقدان بحماس في رؤية مجتمع إنساني والقوة الثورية للمظلومين.
يقول المخرج عن فيلمه: "لقد ابتعدت في فيلمي هذا عن الصورة النمطية التي عرف بها المفكران العظيمان حيث الرجلين الملتحيين الكبيرين في السن ،فيصورهما الفلم كمفكرين شابين جريئين يغدوان فيما بعد صاحبي اعظم تأثير على مجريات الاحداث العالمية في القرن العشرين وما تلاه."
نقلا عن " الحياة " الجزائرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق