محمد عبيدو
شهدت فعاليات
مهرجان بجاية للسينما عرض فيلم "بين أو بين" للمخرج الجزائري محمد لخضر
تاتي، وهو عمل درامي جريء يطرح معضلة بطله "سعد"، الممزق بين حبٍّ ضائع،
والتزام سياسي، والبقاء في عالمٍ قاسٍ من الاتجار غير المشروع على الحدود
الجزائرية التونسية.
ينسج الفيلم
حبكته حول شخصية سعد زنير، الحالم بإخراج فيلم، لكنه يجد نفسه عالقًا في شبكة
معقّدة من التهريب والبارونات الذين يتحكمون في مصائر الناس. تاتي ينجح في تصوير
هذا العالم السفلي دون مبالغة أو تجميل، مبرزًا هشاشة الأبطال وحياتهم على حافة
الخطر. وعلى الرغم من تصوير العمل في منطقة الأوراس بين باتنة وبسكرة، فإن هوية
المكان تكاد تضيع لولا الموسيقى المحلية التي تعيد المشاهد إلى الجزائر.
عنوان الفيلم
مستوحى من أغنية للمغني الشعبي عمر الزاهي، في إشارة رمزية إلى حالة التردد
والانقسام التي يعيشها البطل. أما المخرج، فاستلهم القصة من احتكاكه المباشر بعالم
المهربين، ليحوّل ما رآه إلى مادة فنية تتأرجح بين السرد الاجتماعي والأسطورة
الرمزية.
من الناحية
التمثيلية، يشكّل أداء سليم كشيوش في دور سعد نقطة قوة أساسية للفيلم، إذ يضفي على
الشخصية كثافة مأساوية تجنّب العمل السقوط في الميلودراما. سليمان دازي يقدّم
نقيضًا قويًا لشخصية سعد، بينما تضفي هناء منصور رصانة لافتة على حضورها. حتى
الأدوار الثانوية التي أداها إيدير بن عيبوش –الحائز على جائزة سبتيموس لأفضل ممثل
أفريقي لعام 2025– وعلى جبارة ومبروك فروجي، منحت الفيلم لمسات إنسانية عميقة.
النهاية
المأساوية للعمل، حيث يجرّ سوء حظ البطل الخراب على أصدقائه بعد تورطه في تجارة
الأسلحة، تؤكد انحياز المخرج إلى الواقعية القاسية. في النقاش الذي أعقب العرض،
أوضح محمد لخضر تاتي أن اختياره للخيال الروائي جاء بعد تردّد بين الوثائقي
والروائي، ليقول: "أردتُ أن أُظهر ليس فقط واقعهم، بل أيضًا الخيال الجماعي
الذي يحيط بهم."
بهذه الرؤية،
يرسّخ تاتي موقعه كصوت سينمائي جزائري يحاول استكشاف الهوامش الاجتماعية
والسياسية، وإعطائها بعدًا شعريًا وإنسانيًا، جامعًا بين صرامة الوثائقي وحرية
الخيال السينمائي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق