اشتركت عديد المؤسسات للطبع والنشر في كل من موسكو، لندن، نيويورك، على طبع الأعمال الكاملة لـ ماركس-انجلز، للمرة الأولى، باللغة الانكليزية.
يشتمل المجلد الأول على أعمال ماركس الأولى: قصائده، ورسائل والده، وصديقته جيني، وبعض الأوراق المدرسية التي كتبها أثناء فترة دراسته في الجامعة ما بين آب ( 1835)- آذار (1843).
بتضمن الجزء الأساسي من هذا المجلد الأعمال الأدبية لـ ماركس، وقد جمعها بنفسه لتكون «بمثابة جزء ضئيل من حب دائم، مهدى إلى والدي العزيز بمناسبة عيد ميلاده» حسب تعبير ماركس.
تحتوي الأعمال الأدبية هذه على: أغان، رومانسيات، سوناتات، قصائد إنسانية، ومشاهد من التراجيديا الشعرية (Oulanem) غير الكاملة، وملحق بهذا الكتاب الشعري عدة فصول من روايته "Scorpionandfelix". القصائد، خاصة، كتبت في الفترة التي سبقت نيسان 1837. وطبعت المجموعة كلها تحت اسم "أغانٍ وحشية" في مجلة "Athenaum" الألمانية الصادرة في عام 1841.
كان ماركس يجد في أعماله الأدبية، وخاصة قصائد شبابه، الحرارة والصدق في المشاعر. لكن القيمة الرئيسية لهذه الكتابات الشابة تكمن في أنها تعكس وجهة نظر ماركس الشاب في مجالات معينة من العالم، موقفه من الحياة اليومية الدائرة من حوله، وبعض الأسس التي تكون شخصيته. إنها تقدم لنا كشفاً مهماً لذهن ماركس الشاب.
قراءة جمالية مع الشاعر كارل ماركس :
ترجمة: صلاح فائق
الرجل المائي العجوز، القزم
-1-
تندفعُ المياهُ بصورة مخيفة،
تدورُ الأمواجُ وتدورُ حول المكان
تبدو كما لو أنها لا تشعرُ بأي ألمٍ على الإطلاق،
حين تسقطُ وتتكسر،
برودة القلب،
برودة الذهن،
تندفعُ، تندفعُ طوال الوقت.
-2-
لكن ثمة في الأعماق حيث تحتدمُ المياه
يجلسُ قزمٌ، اِبيضَّ بتأثير الزمن.
يرقصُ حول المكان حينَ يظهر القمر،
حينَ تلوحُ نجمةٌ صغيرة خلال غيمة صغيرة
قافزاً بشكل غريب وواثباً بمرح،، محاولاً
أن يشربَ ماء الجدول الصغير حتى يجفَّ.
-3-
الأمواج هي قاتلتهُ، كل واحدة تنخرُ هيكلهُ القديم،
تمرُّ خلال نخاعهِ وأطرافه مثل الثلج
ولأنهُ يراها تثبُ بهذا الشكل
يصبح وجههُ تكشيرةَ حزنٍ وكآبة
حتى توقف أشعة الشمس رقصة القمر
ثم تندفعُ المياه بصوت مخيف
تدورُ الأمواج وتدور حول المكان
تبدو كما لو أنها لا تشعر بأي ألمٍ على الإطلاق
حينَ تسقطُ وتتكسر،
برودة القلب،
برودة الذهن،
تندفعُ، تندفع طوال الوقت.
***
نفسية طالب الطب
من يأكلُ عشاءً من الكآبة والمعكرونة،
سيعاني - كوابيس ليلية، بكميات كبيرة.
***
بصدد فارس - بطل معين
اسخرْ منهُ هنا، اسخرْ منهُ هناك، ودائماً
ستجد الفارس والبطل يندمجان معاً.
نعم إن كلامهُ أثناء الرقص حديثٌ جداً،
لكن قملات مكتهلة تأكلهُ في الليل
***
الاستيقاظ
-1-
حين تنفتحُ عيناك المشرقتان
مبتهجةً ومرتعشة،
مثل وترٍ موسيقي شارد
تلك الكآبة،
ذلك النوم الخفيف،
المربوطانِ بالقيثارة،
في الأعلى خلال حجاب الليل المقدس،
ثم من الومضة العليا
تدخلُ بحب
نجومٌ أبدية.
-2-
مرتعشاً تغرقُ
بصدرٍ لاهث،
ترى العوالم الأبدية
فوقك، تحتك،
لا يمكن الوصول إليها، بلا نهاية،
طافية في قطاراتٍ راقصة
من أبديةٍ قلقة
تسقطُ أنت مثل ذرةٍ
خلال الكون.
-3-
يقظتكَ
هي نهوضٌ بلا نهاية
نهوضكَ
هو سقوطٌ بلا نهاية.
-4-
حينَ تنطلقُ الشعلة المتموجة لروحك
في أعماقها،
من داخل صدرك
هناك تبرزُ
أنغامٌ سحرية
مرفوعة بواسطة أرواح.
محمولةً بغرورٍ جميل،
سر الروح
ينطلقُ من الأرواح
كشيطانٍ جهنمي.
-5-
هبوطك
هو ارتفاعٌ لانهائي
ارتفاعك اللا نهائي
هو بشفاه مرتجفة –
الاحمرار الأثيري
توهج،
أبديةُ
قبلة حبٍ لجبهة الإله.
***
موضة رومانسية
الطفلة التي كتبت، كما تعلمون، إلى "غوته" ذات مرة
راغبةً إِيهامهُ بأنه أحبَّها
ذهبت إلى المسرح في يومٍ جميل
اعترض طريقها زيٌ نظامي
وتقدم باتجاهها بابتسامةٍ صديقة.
«أيها السيد العطوف، ترغب "بتينا"، للحظة،
وهي المبتلاة برغبة حلوة، أن تُريح
رأسها ذا الشعر المجعد على صدرك».
حينئذ أجابها الزيُّ بطريقة جافة،
«"بتينا"، هذا أمرٌ يعود لك تماماً!»
«يا حبيبي» أجابت بلهفة،
«إنك متأكدٌ بالطبع أنه لا يوجد فيَّ أي قمل!».
***
تساؤلات لامبالية
«لا أعرفُ كيف يتشاجرون مع أنفسهم بالطريقة التي يفعلونها بها»
«زررْ معطفك فقط، أيها السيد الغريب، ولن يسرقوا منك شيئاً»
***
ثلاثة أضواء صغيرة
ثلاثة اضواء بعيدة تومضُ بسكون،
إنها حين تنظرُ تتألقُ مثل عيون نجمية.
قد تهذي العاطفة، قد تصرخ الريح،
لكن الأضواء الصغيرة لا تنطفئ.
أحد الأضواء يكافحُ بشكلٍ رائع ليصعدَ الى أعلى
متضرعاً للسماء أن يرتفعَ
إنهُ يطرفُ بعينيه بثقةٍ كبيرة،
كما لو أن باستطاعة الإله أن يراه.
ينظرُ الآخر إلى الصالات الأرضية
ويصغي الصدى نداءات النصر،
مستديراً لإخوته في السماء
شاهقاً بنبوءةٍ صامتة.
يشتعلُ الأخير بنار ذهبية
الشُعلُ تدفعُ بلهيبها إلى أعلى،
إنها تخترقُ الكل،
تنغمرُ الأمواجُ في قلبها و- انظر! –
وتتحولُ إلى شجرةٍ مزهرة.
حينئذ ثلاثة أضواء صغيرة تومضُ بسكون
بدورها، تتألقُ حين تنظرُ مثل عيون نجمية.
فد تهذي العاصفة، قد تنفخ الريح،
روحين في روح واحدة
روحين سعيدتين الآن!
***
القيثارة السحرية
أغنية
لغنائها وقعٌ غريب في الأذن،
مثل قيثارة تهتزُ، مثل أوتار مرتجفة،
توقظ المغني النائم.
«لماذا يدقُ القلبُ بمثل هذا الخوف،
ما هذه الأصوات، الشبيهة بهارمونيا
نجومٍ وأرواحٍ تبكي؟»
ينهضُ، يقفزُ من فراشه،
يديرُ رأسهُ باتجاه الظلال
ويرى أوتار الذهب.
«تعال، أيها المغني، إنها ترفعك إلى الأعلى والأسفل،
عالياً في الهواء، عميقاً في الأرض،
هذه الأوتار التي لا يستطيع إمساكها».
إنه يراها وهي تنمو، تتفرع كثيراً،
روحهُ، في الداخل، قلقة بعمق.
يرتفعُ الصوتُ في الهواء.
إنهُ يتبعهُ، وهو يغويه
بسلالم لا مرئية في الأعلى والأسفل،
هنا، هناك، وفي كل مكان.
إنهُ يقفُ، ينفتحُ بابٌ ويهتزُ على مداه.
انفجارٌ موسيقي من الداخل
سيحملهُ يعيداً.
قيثارة ذات تألقٍ ذهبي رائع
تتصاعدُ الأصواتُ بأغنيةٍ طوال الليل والنهار،
لكن ليسَ ثمة من يعزف.
أنها تتشبثُ به مثل الرغبة، مثل الألم
يهتز صدرهُ، قلبهُ يدقُ بإيقاع أعلى من أن يسيطر عليه.
«تعزف القيثارة من قلبي،
إنها نفسي، وخزانتها - الفن
الذي يتدفقُ من روحي».
بطريقةٍ جميلةٍ يصنع الأوتار،
يهتز الصوتُ عالياً مثل ينابيع جبل،
ينتفضُ بدويّ يشبهُ الجحيم
يتدفق دمهُ وحشياً، يعيداً تتحركُ أغنيتهُ،
لم يكن يتوق للألم بمثل هذه القوة،
إنه لم يعد يرى العالم.
***
رجلٌ وطبل
ليس الطبل رجلاً، وليس الرجل طبلاً،
الطبلُ ذكيٌ جداً، والرجل أصمُّ تماماً.
الطبلُ مربوطٌ بأشرطة، لكن الرجل مربوطٌ بما هو من صنعهِ،
ويبقى الطبلُ ثابتاً حين يسقطُ الرجل
يقرعهُ الرجلُ الغاضب، والطبل يستمرُ
نعم، الطبل السعيد يدوي، والرجلُ يصبحُ مكتئباً
ثم يسحبُ الرجلُ وجوههُ، ويضحكُ الطبل منه،
ويصرخُ الرجل في أرجاء البيت محدثاً ضجة بشعة.
«هي، أيها الطبل، هو، أيها الطبل، لماذا تضحكُ بخبث؟
إنك تجعلني أرتكبُ الحماقة ثم تخرجُ لسانك لي!
«اللعنة عليك، أيها الطبل، إنك تخجلني، إنك لتسخرُ
وتهزأ بي!
لماذا تدوي حين أقرعُ، لماذا أنت معلقٌ حيث رُبطتَ؟
«عليك أن ترقص حين أقرعُ، عليك أن تقرع حين أغني،
عليك أن تضحك حين أبكي، عليك أن تضحك حين أقفز»
«عبسَ الرجل للطبل بنوبة غضب مفاجئة،
إنه يضربهُ يضربهُ يضربهُ حتى ينبثق دمهُ».
هكذا لم يعد للطبلِ رجلٌ، والرجلُ لم يعد يملكُ طبلاً
بعدئذ يذهبُ الرجلُ ليُصبحَ كاهناً.
***
رؤى حلم
من أحلامي سأداعبُ
بنعومةٍ مشهداً نسيجياً
سأنسجُ حلقات جميلة
من خصلات شعري
إنجازُ ليلي، سأملأه بدم القلب
لأن من موجات الحلم، تنبثقُ
صورة النار، الخيال، المد والجزر
الجمال في الحب، وأنين الرياح
إنها ستسمو، كل التألق الذهبي،
وسيرتفعُ البيتُ الصغير عالياً
وستتجولُ خُصل شعري، مجعدة،
فتاة رائعة في ظلمةٍ ملتفة،
سيجري دمي إلى الأمام بأغان لؤلؤية،
تنحدرُ حول تألق الكتف الرخامي،
والمصباح يعكسُ الشموس،
سيغمرُ قلبي قبة السماء.
سيهزُ، في الأسفل، كل الغرف المحيطة
لكن بالنسبة لي، سأتحولُ إلى بطلٍ عملاق،
في تحديقه الرائع نار مهرجانٍ عالية،.
العالم العظيم سيكونُ قيثارة عاصفة،
سينبضُ قلبي بأغنية رعد
ستكون الشموسُ حبها وصخرة ألمها
بتواضع متكبر، سأغرقُ
بتواضعٍ جريء، أندفعُ حتى الصدر
***
مقطع من قصيدة (حكمة رياضية)
لو أن (أ) هو المحبوب و(ب) هو المحب،
سأراهنُ بقميصي عشر مرات لأؤكد
أن (أ) و(ب) حين يجمعان
فإنهما يكونان زوجاً واحداً من المحبين
***
المجنونة
"أغنية"
هناك، تحت ضوء القمر، ترقص امرأة،
إنها تشعُ في الليل،
ثوبها يرفرفُ بشدة، عينان تتألقان بصفاء،
مثل لآلئ في وجهٍ صخري شفاف.
تعال إلى هنا، أيها البحر الأزرق،
سأقبلك بشوق.
اضفرْ لي تاجاً من الصفصاف،
حِكْ لي عباءةً خضراء مزرقة.
«أجلبُ ذهباً بديعاً وزمرداً أحمر
حيث يخفقُ هناك دم قلبي.
كانت على صدر دافئ لعاشق متعب،
غرق في المحيط.
«لك، سأغني أغنياتي،
يجب أن تنبثق تلك الريح والموجة
سأقفزُ عالياً في الرقصة
وعلى الريح والموجة أن تبكيا!»
أن تمسكُ صفصافاً بيدها
وتربطهُ بشريط أخضر
إنها تنظرُ إليه بطريقة غريبة
وتأمرهُ أن يتقدم بخفة.
«الآن أقرِضني أجنحتك
ليكون لصوتي صدى أسفل البحر:
أيتها الأم، ألم تعرفي
كيف طوقت بحبٍ ابنك؟»
كم هي مظلمةٌ الأماكن هنا وهناك حيث مضتْ
مكدسةً كل الصفصاف إلى جانب البحر
رقصت بفخرٍ هناك في الأعلى والأسفل
حتى يكتمل سحرها.