الجمعة، 1 ديسمبر 2017

شادية دلوعة الشاشة المصرية

برحيل النجمة القديرة شادية، تطوى صفحة طويلة ومتألقة من كتاب السينما والغناء والمسرح المصري الذي برعت وتألقت فيه. معبودة الجماهير، استطاعت أن تقلب موازين الفن المصري بأدائها وخفت ظلها وروحها الكوميدية، بجانب صوتها القوي، على الرغم من مرور 31 عامًا على اعتزالها الفنانة "شادية" الفن، إلا انها برزت في العديد من الافلام الكوميدية والغنائية ، التي علقت بأذهان جمهورها، وخاصة في فترة الستينات، فقد كان لها إبدعات خاصة ووضعت خطوات ثابتة في عالم الابداع السينمائي قدمت خلالها حوالي 112 فيلماً و170   اغنية و10 مسلسلات إذاعية ،ومسرحية واحدة "ريا وسكينة" مع سهير البابلي وعبد المنعم مدبولي وحسين كمال وبهجت قمر لاقت نجاحًا كبيرًا لمدة 3 سنوات في مصر والدول العربية، واختتمت مسيرتها الفنية بفيلم "لا تسألني من أنا"عام 1984.
ولدت في الثامن من فبراير في الحي القاهري العريق والشهير، لكن أصولها تعود إلى محافظة الشرقية وهي ابنة المهندس الزراعي (أحمد كمال). بدأت حياتها الفنية صدفة عندما وقع تحت يد والدها إعلان عن مسابقة تنظمها شركة اتحاد الفنانين التي كونها حلمي رفلة والمصور عبد الحليم نصر في عام(1947) وذلك لاختيار عدد من الوجوه الجديدة للقيام ببطولة الأفلام السينمائية التي ستقوم بإنتاجها الشركة، فاصطحبها والدها ولم يكن يتعدى عمرها حينذاك 16 عاماً لتقديمها إلى لجنة المسابقة، وتحمس لها المخرج أحمد بدرخان، كما قام حلمي رفلة بتبنيها فنيًا وأطلق عليها الاسم الفني (شادية). بدأت شادية مسيرتها الفنية بدأتها في عمر 15 عاماً، وقدمت أول أعمالها عام 1947 من خلال فيلم "العقل في إجازة" وهو أول تجربة لها وفي نفس الوقت أول تجربة إخراجية لحلمي رفلة، وأول إنتاج لمحمد فوزي، لذا كان لهذا العمل بشكل خاص نكهة خاصة لهم جميعاً. ثم فيلم (أزهار وأشواك) وكان لها في ذلك الوقت خطها الواضح من خلال تأدية أدوار البنت الدلوعة خفيفة الظل ولذلك أطلقوا عليها في ذلك الوقت (دلوعة الشاشة). خلال فترة الخمسينيات تعاونت شادية عدة مرات مع الفنانة فاتن حمامة من خلال أفلام (موعد مع الحياة، أشكي لمين). وبدأت بالتدريج في التغلب على نوعية الأدوار التي تقدمها في السابق لتقدم أدوار مختلفة كليا عما سبق من خلال عدة أفلام مثل: (بائعة الخبز، ليلة من عمري، دليلة، المرأة المجهولة). وفي الستينيات كونت شادية ثنائيًا ناجحًا للغاية مع الفنان صلاح ذو الفقار من خلال مجموعة من الأفلام التي اخرجت طاقاتها الكوميدية في فيلم مراتي مدير عام بعام 1966 و كرامة زوجتي بعام 1967 وفي فيلم عفريت مراتي بعام 1968 وقدما أيضًا فيلم أغلى من حياتي في عام 1965، وهو أحد روائع الفنان محمود ذو الفقار الرومانسية وقدما من خلاله شخصيتي  أحمد ومنى  كأشهر عاشقين في السينما المصرية . "شادية" صاحبة الوجه "البشوش والضحكة الصافية" قدمت أكثر من "دويتو" فني ناجح مع عمالقة السينما المصرية، ووصل الأمر بنجم لامع مثل كمال الشناوي أن قدم معها أكثر من 30 فيلماً . 
العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ قال عنها  في مذكراته إن "شادية هي أحب الأصوات على قلبه، ولهذا السبب اختارها للغناء معه في ديواته"، لا سيما بعد مشاركتهما في "معبودة الجماهير"، "دليلة"، لحن الوفاء" ومنها خرجت أشهر الثنائيات "حاجة غريبة"، لحن الوفاء"، تعالي أقولك".
ولا يعرف كثير من جمهور شادية عن مشاركتها في بطولة فيلم مصري ياباني تم تصوير أغلب أحداثه في القاهرة، وعرض لأول مرة مطلع سنة 1963، وهو فيلم "على ضفاف النيل"، للمخرج الياباني كونا كاهيرا.
دخلت "شادية" مدرسة "محفوظ" الإبداعية في ستينات القرن الماضي، فالأولى هي حميدة في «زقاق المدق» لحسن الإمام 1963 وكريمة في «الطريق» لحسام الدين مصطفي 1964 وزهرة في «ميرامار» لكمال الشيخ 1969 واختلفت العظيمة شادية في كل شخصية ونهلت من تصوير محفوظ للشخصية وأضافت عليها ففي «زقاق المدق» كانت الدلوعة التي تمضغ اللادن وتتمايل في مشيتها وتخرج الكلمات من فمها بميوعة مصطنعة وتغني في الكباريه أيام الاحتلال أغنيات تسخر من الإنجليز، وحققت شادية نجاحها حين قدمت «كريمة» في «الطريق» ولم تلجأ للإغراء السهل ... توقفت شادية عن الغناء لحوالى أربع سنوات وركزت على التمثيل فقط وذلك لعدم رغبتها في الغناء بكلمات متكررة استهلاكية، حتى جاء لها الموسيقار بليغ حمدي بلحن أغنية "يا أسمر اللون" ووافقت على غنائها وكانت عودتها للغناء من خلالها.وفي السبعينيات تناقص عدد الأفلام التي شاركت بها، وكان أخر أفلامها هو (لا تسألني من أنا)، ثم اعتزلت شادية الفن وارتدت الحجاب في منتصف الثمانينات. تزوجت شادية ثلاث مرات أولهم من المهندس (عزيز فتحي)، وثانيهم من الفنان (عماد حمدي) لمدة ثلاث سنوات، ثم من الفنان صلاح ذو الفقار وانفصلت عنه عام 1969.
*أول قصة حب في حياتها
الحب الأول في حياة شادية ، عندما كانت في الـ 17 من عمرها، يبقى في ذاكرتها خالدا فوق كل المشاعر لأن شريكها فيه ضابط استشهد في في حرب فلسطين عام 1948. تقول عنه "كان على حبيبي التوجه للميدان. جاء ليودعني وكنت أشعر بأنه آخر يوم ألتقيه فيه وحبست دموعي في عيني حتى غاب عني. وكانت هذه آخر مرة أراه فيها"
*مسرحية "ريا وسكينة"…
شهدت أول عشرة أيام من عرض مسرحية "ريا وسكينة"، انصراف الجمهور عنها، لأنهم لم يصدقوا أن شادية تشارك فيها، خصوصا وأنها المسرحية الوحيدة التي قدمتها في مشوارها.
ولكن بعد أن عرض المنتج سمير خفاجى إعلانا تليفزيونيا عن المسرحية، امتلأ المسرح بالجمهور وأصبح كامل العدد. العمل المسرحي الوحيد، الذي زين مسيرة "شادية" الفنية لم يخل من الألم، فـ"ريا"، التي عرفها الجميع قاتلة باغية، ظهرت على المسرح ضحية رجل اعتدى عليها وحرمها من وليدها، ثم تدخل في بحر من الدماء تنتقم به يديها، قبل أن يأتي الدور على ابنتها التي تمنت رؤيتها لحظة من عمرها، فإذا بيديها تقتل تلك الفتاة بدلا من أن تضمها إلى صدرها قبل ساعات من عرسها، لتتحدث مسرحية "ريا وسكينة" بلسان "الكوميديا الباكية".
تربعت المصرية على عرش السينما المصرية قرابة ربع قرن رفضت فيهما الاعتزال إلا بعد بلوغها حلم القمة، حتى فاجأت الجميع بارتدائها الحجاب واعتزلها الفن في ثمانينات القرن الماضي تاركة صورة ابتسامها الصافية في أذهان محبيها.
قالت حين قررت الاعتزال “لأنني في عز مجدي أفكر في الاعتزال. لا أريد أن أنتظر حتى تهجرني الأضواء بعد أن تنحسر عني رويدًا رويدًا. لا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز في الأفلام في المستقبل بعد أن تعوّد الناس أن يروني في دور البطلة الشابة. لا أحب أن يرى الناس التجاعيد في وجهي ويقارنوا بين صورة الشابة التي عرفوها والعجوز التي سوف يشاهدونها. أريد أن يظل الناس محتفظين بأجمل صورة لي عندهم ولهذا فلن أنتظر حتى تعتزلني الأضواء وإنما سوف أهجرها في الوقت المناسب قبل أن تهتزّ صورتي في خيال الناس”.

إن «زمن شادية» الذي ينساب عبر أغانيها وأفلامها على الشاشة مازال يشدنا بالحنين كعطر الأحباب ورائحة باقية ونفاذة في القلب تستدعي قصص حب وعالما بأكمله من وجوه تشكل كل منها قصة أقوى من الزمن والنسيان.
محمد عبيدو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق