السبت، 24 ديسمبر 2016

" القمر الأخير" لميغيل ليتين: نوستالوجيا الى الجذور في فلسطين

محمد عبيدو 
في فيلم (القمر الاخير)  المخرج التشيلي ميغيل ليتين  يسرد ليتين موضوعا يتعلق  بجذوره التي تمتد الى فلسطين حيث  نرى قصة ابان بدايات القرن الفائت يناقش فيه ببراعة سينمائية احاسيس ومشاعر مفعمة بالاشارات والدلالات العميقة التي تعنى بالهوية والمكان والانتماء.
يرويالفيلم قصة صداقة تجمع بين الفلسطيني سليمان واليهودي جاكوب في مطلع القرن. أن قصة الفيلم هي من نسج  حكايا جدة ليتين عن فلسطين ،  لتولد من رحم عائلة ليتين، التي وصلت إلى تشيلي في بداية القرن التاسع عشر من فلسطين التي كانت أوضاعها متأزمة.
وتمتد احداثها  من سنة 1914 (قبل 3 سنوات من وعد بلفور) وحتى 1948 (قيام اسرائيل). و ليتين حاضرا بقوة فيها من خلال الراوي  الذي هو جده الذي هاجر طفلا الى تشيلي  , واسم الفيلم مأخوذ من اغنية قديمة لطفل فلسطيني يخاطب جده قائلا: لا تدع التنين يأكل قمرنا، تقول كلماتها كما ترجمها بطل الفيلم ايمن ابو الزلف:
في ليلة خسوف
تنين افترس القمر
واذا ما قتلنا الوحش
حيكون آخر قمر
تلتقي رغبات مهاجر يهودي من أميركا اللاتينية  اسمه يعقوب , يأتي لشراء ارض في فلسطين.   يلتقي بسليمان الفلسطيني  و تنمو بينهما علاقة صداقة،  ويحميه سليمان من محاولة اعتقال اثناء  مداهمات جنود " العثمانيين في الليل ويدخله لبيته و يصبح صديق العائلة. في القرية، يبدأ الناس بلوم سليمان على علاقته باليهودي وعلى نيته ان يبيع ارضا له، ولكن سليمان لا يهتم.. فجأة  يرى احد الرعاة فتاة يهودية شقراء مصابة بطلق ناري  ويهتم سليمان مع باقي  اهل القرية بها حتى تشفى من جراحها. 
ومع احتدام الاحداث التي تسبق النكبة يوافق سليمان على هجرة ابنه    الذي يبلغ من العمر 14 عاما وهو هنا الراوي للاحداث , الى تشيلي - التي يوجد بها حوالي نصف مليون فلسطينيى  - بعد زواجه من ابنة عمه الصغيرة ..
وتصبح الفتاة اليهودية القادمة الى فلسطين بعد ان   تغادر  القرية  عضوا في العصابات الصهيونية.  لتعود الى القرية  وتأخذ  يعقوب معها. العصابة اليهودية بمن فيهم اليهودية و يعقوب تعود مسلحة الى القرية الفلسطينية وتستولي على أراضيها  وتسورها بالاسلاك  الشائكة. المشهد الاخير في الفيلم هو بين سليمان و يعقوب. سليمان يقف الآن محاطا بأسلاك شائكة وينظر في عيني يعقوب في الجهة الأخرى . الفيلم ينتهي بعبارة مكتوبة عن ان اسرائيل بدأت في تشييد جدار الفصل العنصري .. طغى صوت الراوي على سرد احداث الفيلم حتى احسسنا كأنه يوجه الاحداث و الممثلين   بلغته المليئة ب الشوق والحنين ...
لمخرج السينمائي الشيلي ميغيل ليتين هو واحد من أكبر السينمائيين ليس فقط لقيمته الفنية في الوقت الحالي ولكن أيضا لما يعنيه بالنسبة للوعي الاجتماعي لكل القارة، فهو جزء من سينما أمريكا اللاتينية على مدار العقود الأربعة الأخيرة.
ولد في بلدة بالميا الشيلية في عام 1942، أجداده من ناحية الأب هاجروا من فلسطين الى الشيلي في أوائل القرن الماضي، بعد تخرّجه من أكاديمية الفنون الدرامية والسينوغرافية في جامعة الشيلي في عام 1968 تدرّب كمساعد مخرج على يد رائد السينما الوثائقية العالمية جوريس إيفانس وعمل منتجاً في التلفزيون الشيلي، في 1965 أنجز عمله الروائي القصير الأول بعنوان «من أجل أرض الآخرين»، أبرز من خلاله توجّهه في تفضيل التوثيق والاهتمام بالقضايا المجتمعية.
أفلامه السينمائية شاركت في العديد من المهرجانات وفازت بالعديد

من الجوائز وتعد علامات بارزة في السينما التشيلية بشكل خاص وسينما أمريكا اللاتينية بشكل عام، وتشمل «أرض النار» (2000) من بطولة النجمة الإيطالية أورنيلا موتي، و»ساندينو» (1990) و»السينو والنسر» (1982) و»الأرض الموعودة» (1973) و»حكاية مذبحة» (1971) الذي أدى بطولته النجم الإيطالي الراحل جان ماريّا فولونتيه.
ويعرف ليتين السينما بأنها « كاميرا باليد وفكرة في الرأس « وأنها « تنبثق كما القصيدة «، وهي بالضرورة، كما يرى « ترتكز على الإحساس « وعندما سنحت فرصة لـه عندما دعي في أواسط تسعينيات القرن الماضي ليترأس لجنة التحكيم في احدى دورات مهرجان دمشق الدولي، لبى الدعوة فوراً يحمل على كتفيه حكايات الجد والجدة وأيضا صوراً قديمة لهما ولأقربائهما في الوطن.
وضع الكاتب العالمي الحائز على جائزة «نوبل» غابريل غارسيا ماركيز كتاباً عنه، يتحدث فيه عن تجربة ليتين مع حكم بينوشت العسكري في الشيلي ونجاته من الموت بأعجوبة في المجازر التي ارتكبها نظام بينوشت بعد الانقلاب على حكم الرئيس الليندي.
وفوجيء ليتين عندما كان عدد من أبناء بلدته بيت ساحور في دمشق ينتظرونه، فلم يكن يتوقع ان يجد آخرين مهتمين بأصله العربي الفلسطيني، وتحدث ميغيل مع الذين إلتقاهم من العائلة في بيت ساحور وسأل كثيراً عن بلدة جده، ولم يكن أحد يقدر مدى حماس ميغيل لأرض الأجداد، فبعد انتهاء مهرجان دمشق الدولي، قصد فلسطين وتحديداً مدينة بيت ساحور وحل ضيفاً على ابن عمه الياس اليتيم، وطلب من مضيفه ان ينادونه باسمه الجديد ميخائيل اليتيم.
اعتبر ليتين فيلمه «القمر الأخير» فيلمه الفلسطيني الأول، مؤكداً أنه لو لم يكن مقتنعا بعدالة القضية الفلسطينية لما صنع هذا الفيلم، وموضوع الفيلم الذي شارك فيه العشرات من الفنيين والممثلين والكومبارس الفلسطينيين يجمع بين الوثائقية والخيال والروائية، ويحمل رسالة الى العالم بأن الحياة في فلسطين ليست فقط عنفاً وحرباً ولكن ايضاً تحفل بالأمل والإبداع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق