الخميس، 14 يناير 2016

كتابة الذات والاخر في الشعر النسوي بالجزائر




الجزائر : محمد عبيدو
شهد عقدا الثمانينات والتسعينات ، بروز عدد من الأصوات النسائية الشعرية في الساحة الثقافية والأدبية في الجزائر ، تضمنت الكثير من الدلالات الألسنية واللغوية وحولت الخطاب النسوي إلى فعل يتجاوز الأزمنة والأمكنة. وطرحت أسئلة جديدة مهدت بشكل كبير لتصدع سينشأ من داخل النص بشكل متفاوت. ويبدو أنه انزياح يفتح أمام القصيدة الشعرية الجديدة، إمكانات لغوية لم تكن متوفرة قبل ذلك. و تميّزت بجرأة وكفاءة وحيوية كسر آفاق التوقع التقليدية النمطية الرتيبة، التي تغذت من ثقافة الخطاب الشعري أو النقدي أو الأيديولوجي الوصّي .
كيف يتشكل العالم الدلالي للنصوص وكيف تحضر النصوص كذاكرة إبداع آكاديمية وإنسانية، وكيف تشتغل اللغة ويتشكل العالم الدلالي عبر الشاعرة التي هي كائن لغوي يحاول أن يتشكل لحضور الذات وغيابها. و كيف تشكل الذات داخل النص وما هي مواقف الذات تجاه الآخر وتجاه الوطن والانتماء، حيث تخرج الذات من الذات الحميمية إلى الذات الشاملة، وإلى مسكن اللغة والكتابة المبدعة ضد الموت. و من زاوية الآخر المذكر وكيف يتشكل إبداعيا ويتشكل كينونة مستمرة في بحث عن الإنسان. من خلالها هموم الشعر وبخاصة عندما يكون هذا الشعر بوعي امرأة حيث هموم الذات والأمة مشتركة وتنبع من وجود الإنسان على هذه الأرض .
 والمتابع لطبعات المهرجان الثقافي الوطني للشعر النسوي على مدار سبعة  اعوام متتالية  في قسنطينة ، يكتشف أن هذا النشاط الإبداعي بلغ حاليا درجة من النضج وبذهابه بعيدا من أجل الاحتفاء بما تنتجه المرأة الشاعرة وأحاسيسها المصاغة من خلال اللغة التي أتت لتخلخل الثوابت السائدة وتتمرد على سلطة النموذج التقليدي عبر القراءات المميزة لشاعرات حاولن ابتكار لغة شعرية خاصة، واختراق النص الشعري الجزائري الجديد، وفي صياغة الأبنية وتجديد المعاني لتشكل نصوصهن مشاريع مفتوحة تتولد داخلها الكثير من المعاني الجديدة .
 بداية قالت الشاعرة غنية سيد عثمان : " لا بد ان نقول اولا ان الشعر هو شعر لا جنس له حالة وجدانية يشترك فيها الرجل والمرأة .... فنحن لا نقول ابدا الشعر الرجالي .. أما عن موضوع شعر المرأة وهل فيه خصوصية تجعله دونا عن الشعر يتفرد بهذه التسمية "الشعر النسوي" فأعتقد ان الخصوصية جاءت من كون  الادب الذي تكتبه المرأة قليل قياسا بما يكتبه الرجل لأسباب تاريخية تعود للذهنيات والممارسات الاجتماعية والسياسية التي كبلت وجود المرأة العربية عموما والجزائرية خاصة ...وشعر المرأة في الجزائر تأخر ظهوره للأسباب التي ذكرتها وللوضع العام المتمثل في الاستعمار الفرنسي ...الذي حاول طمس معالم الثقافة الجزائرية وهذا الوضع يشترك فيه الرجل والمرأة اذ قياسا بالوطن العربي فالادب الجزائري شعرا ونثرا تأخر في الظهور والبروز ...هناك بعض أسماء نسائية كتبت وخاصة بالفرنسية الا انها قليلة وبعد الاستقلال وفسح المجال امام المرأة للدراسة والتعلُّم بدأت بعض الاصوات الشعرية النسائية تظهر خاصة في السبعينيات والثمانينيات كأحلام مستغانمي وربيعة جلطي وزينب الاعوج ونوارة سعدي ومبروكة بوساحة بعضها استمر والبعض الأخر ختفى ..وتميزت هذه القصيدة بالحماسة لأنها واكبت التغيير الذي حدث بعد الاستقلال وثورة البناء والتشييد  . كما حدث تطورا في الشكل الذي كان سائدا في الوطن العربي بكامله الشعر الحر وشعر التفعيلة ..وشهدت نهاية الثمانينات وبداية التسعينات ظهور مجموعة من الشاعرات خيرة حمر العين  فاطمة بن شعلال الخ...وكان شعر التسعينات والذي واكب فترة صعبة بالجزائر وهي فترة الارهاب ،..كان شعرا ذاتيا يتسم بجرأة الطرح والبوح المتوغل في الذات وانعتاق الجسد , وبرزت كل من نصيرة محمدي ورشيدة خوارزم وسليمى رحال وغنية سيدعثمان وكثيرات لا يسعني ذكرهن جميعا ...
وتشهد الساحة الان اسماء شعرية محترمة تشارك حتى في المهرجانات الشعرية العربية وتحصد جوائز ..وتتسم هذه التجربة الشعرية بالتجريب وتنويع الادوات الشعرية ...ويبقى ان هذه التجربة ليس بمعزل عن التجربة الشعرية الجزائرية ككل والتي تخطت الان حدود الوطن وتنتظر أن يلتفت إليها المهتمون بالثقافة بالجزائر والسلطات ودور النشر التي تستثمر في الرواية وقليلا ما تنظر الى الشعر بدعوة ان الزمن اليوم زمن الرواية وليس زمن الشعر . "
اما الشاعرة نصيرة محمدي  فتجيب عن سؤالنا : الصوت النسائي في التجربة الشعرية الجزائرية الذي فرض نفسه بقوة مع تجربتكم الحديثة ما الذي ميزه عن سياق الكتابات في الأزمنة السابقة؟ بقولها  : " الصوت النسائي الشعري في الجزائر جريء وظامئ لنص الحرية والجمال..أحدث قطيعة جمالية ومعرفية وانتصر لذاته، يكابد أسئلته الحارقة ويعي أن عالمه حكيم ومجنون في آن واحد، من يغامر في هذه الأرض مجبر على السير على حواف مجرحة والارتماء في أتون التجربة وعذابات العالم، هذا الصوت مرغم على الإنصات لدبيب الرؤى وتقلبات الكون وصهيل الذات في نزوعها نحو المتعالي والسامي في أعماقنا.. مجبول على الانتباه لما يولد ويتحرك ويسقط منا خلسة ويتوارى خلف الصمت والرعب والهاوية.. لحظة رعب كاملة أن نمضي بلا حرقة أو أثر أو عشق كبير.
. "
ونسأل الشاعرة صورية اينال : ما هي الإضافات التي حفرتها الكتابة النسائية الجديدة في الجزائر في الفضاء الإبداعي الجزائري؟ لتقول : الكتابة هي تطور وتدفق جميل مع أجيال بدأت تتوالى في التفرد والعبور إلى الكثير من الضفاف الحداثية، والتي بدأت تخلص عقل الإنسان الحضاري من مترسخات كثيرة وفكر تراثي ممل متكرر. لقد بدأت الكتابة النسائية الجديدة في الجزائر تؤسس لفكر أكثر تحررا، إذ كانت الكاتبات قليلات وأسماء مستعارة لبعضهن، ولكن هي ليست إضافات بقدر ما هي فتح من فتوحات العقل البشري، عندما تقرأ لهذا الجيل تجد الغزارة والبحث الدائم عن تحقيق الذات الناحتة في التاريخ الأدبي، فهناك التنوع بين الشاعرات الروائيات اللواتي أصبح يطول ويصعب تصنيفهن وعدد أسمائهن، وهذا في حد ذاته تحد أدبي كاف للإضافة. "
وعن  تمايزات النص النسوي  في الكتابة الشعرية بالجزائر  تقول الشاعرة لميس سعيدي : " بالنسبة للحضور يبقى قليلا لان الادب في الجزائر من حيث الاصدارات قليل . مثلا من 20 رواية تصدر بالعام 4 روايات تكتبها روائيات , ومن 10 مجموعات ية تجد ديوانين لشاعرتين . عموما الكتابة النسوية تبقى قليلة مقارنة بالنسبة للحضور الذكوري في الكتابة . وهذا يعني ان الحديث عن مشهد شعري  تكتبه النساء وتقييمه صعب لان حتى عملية النشر لا تعكس ايضا المواهب الموجودة فعليا على الساحة , لانه توجد مواهب تحاول تقديم نص مختلف ولكنها غير موجودة على السطح . وهذا يجعل عملية التقييم صعبة . لكن على مستوى التجارب الشعرية اظن ان الكتابة في الجزائر وحتى عربيا لا تزال متعثرة في فستان طويل وكعب عال , بمعنى تحس ان الشاعرات يأتين دائما الى الشعر من مفهوم انثوي مبسط وسطحي عوض ان يانين بمفهوم انثوي عميق على مستوى الوجدان وعلى مستوى التجربة الانسانية ... مع انني اظن ان المراة قادرة ان تعطي نفسا مختلفا للكتابة و للغة الشعرية تحديدا اذا عرفت كيف تستثمر في تجربتها في الحياة كامرأة . وهذا الاستثمار يكون على مستوى التامل العميق  والمختلف لهذه التجربة , والقادر بالضرورة على خلق لغة جديدة . "
قدمت الشاعرة راوية يحياوي دراسات اكاديمية و نقدية عديدة عن الشعر النسوي ومن هنا كان سؤالنا لها  عن  الأسماء الشعرية النسوية في الجزائر التي أغرتها بمقاربتها نقديا؟ لتجيب : " التجربة الشعرية النسوية الجزائرية وليدة السبعينات من القرن الماضي، ونشطت قليلا في الثمانينات، وليزدهر نشاطها في التسعينات، ولكن لو نفكر في عمر هذه التجربة مقارنة بالتجارب العالمية وحتى التجارب العربية، كتجربة نازك الملائكة والعديد من الشاعرات اللواتي غيرن مسار النص الشعري العربي، نرى أنها متأخرة بحضورها كتجارب مكتملة.
وقد أشتغلت كباحثة وأكاديمية على نصوص نسوية لشاعرات ، وقدمت مدونات نقدية عديدة شاركت فيها بملتقيات أدبية كان آخرها بملتقى في واد سوف حيث ناقشت فيه صورة المدينة كيف تتجلى في الشعر الجزائري النسوي المعاصر، قرأت فيه نقديا نصوصا لشاعرات جزائريات.. وأيضا في مهرجان الشعر النسوي بقسنطينة الذي شاركت عبر طبعاته بأبحاث  نقدية منها «غواية السرد وحكائية في المنجز الشعري النسوي»، لا أريد الآن أن أُقَسّمْ وليس هذا الذي أقصده، ولكن من باب التصنيف الأكاديمي فقط وطبيعة الموضوعات فقط، هو ما جرني لأضع هذه التقسيمات، أما مسألة النص، فهو نص حاضر كوجود لغوي وكوجود تصويري وكوجود إيقاعي ولكن التجربة الشعرية الجزائرية النسائية نقاربها نقديا من باب أن نأخذ هذه التجربة إلى يوم تفرض فيه نفسها ويصبح النص مكتفيا بذاته."

 وفي الختام نتساءل مع الشاعر ادريس بوديبة , الذي ألف كتاب “انطلوجيا الشعر النسوي العربي القديم” , لماذا كانت المرأة الشاعرة غائبة في التدوين للإبداع العربي؟ ليجيب : أعتقد أن هناك تغييب من طرف المدونين الذين كانوا رجالا والشعر كان مرتبطا بمفهوم الفحولة والرجولة والقبيلة ومن هنا نجد أن الرواد قد أغفلوا تدوين الشعر النسوي رغم أننا نعثر على الكثير من المقطوعات والأبيات الشعرية لشاعرات في منتهى النضج وقد كن في المجالس يهزمن الشعراء بسرعة البديهة الشعرية التي كثيرا ما هزت عروشهم الشعرية، ولا داعي لذكر الأمثلة فالمجال لا يتسع هنا. وإن إعادة الاعتبار للإنسان العربي الذي كان ينظر باستمرار إلى نصفه على أنه عورة والمرأة كانت دوما تصنف ضمن خانات أقل أهمية من الرجل.
نقلا عن " الامارات الثقافية "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق