الجمعة، 19 أغسطس 2022

فيديريكو غارسيا لوركا. عالميته تولدت من جذوره العميقة التي توحده مع شعبه

 محمد عبيدو

الشاعر والمسرحي والموسيقي الاسباني البارز فيدريكو غارسيا لوركا , الذي اغتالته السلطات الفاشية التي جاءت الى الحكم اثر انقلاب يميني ضد الجمهورية الاسبانية عام 1936 .

ستة وثمانون عاما مضت على استشهاد لوركا ورغم تلك الاعوام فان ذكراه حية , ماثلة لا تزال , وحضوره مستمر ,

ملء الحركة الثقافية والشعرية في العالم .

كتب كثيرة صدرت عنه في السنوات الماضية ولا ريب ان كتبا اخرى جديدة سوف تصدر عنه في السنوات القادمة .. اعماله ترجمت , وتترجم باستمرار الى لغات عدة .
ولدى كل تناول جديد , او اكتشاف احدث لاثر من اثار لوركا تتأكد اهمية الاجبة عن السؤال الذي طرح باستمرار بصيغ , ومن زوايا مستجدة , ما سر عبقرية لوركا ؟ وما السبب الذي يدفع كل من يقرأه – في لغته واللغات التي ترجم اليها – الى الاعجاب بشعره ؟ وما الناظم الذي يجمع قراء من بلاد شتى حول شاعر واحد ؟ ولد فيدريكو غارسيا لوركا في الخامس من حزيران 1898 لوالدين إسبانيين في منطقة فيونيت فاغودس في غرناطة، وبدأ دراسته الجامعية في جامعة غرناطة دون أن يتمها. ثم التحق فيما بعد بجامعة مدريد ولكنه لم ينجز دراسته فيها أيضاً .
طبع أول كتاب نثري له (انطباعات ومناظر) في غرناطة عام 1918 وهو حصيلة رحلات في إسبانيا. ثم طبع أول ديوان شعر له (كتاب الأشعار) عام 1921. وظهر ديوانه (أغان) عام 1927 ، وفي العام 1928 ظهر أكثر دواوين لوركا شعبية (حكايا غجرية) الذي لاقى نجاحاً مباشراً في أسبانيا
ان اعمال لوركا قد منعت في اسبانيا لفترة طويلة اذ لم تظهر الطبعة الاسبانية الاولى من اعماله الا في العام 1969 و كما ان الظروف المحيطة بموته ظلت خفية والناس يخافون من الإشارة الى اسمه . غير ان الشعراء العظام يصعب إلغاؤهم , اذ ان حكومة فرانكو بمنعها لوركا وقصائده ومسرحياته انما حولته الى اسطورة ورمز للقمع السياسي الذي تمارسه السلطات الارهابية وبيعت كتبه خارج اسبانيا وهربت اليها , وحفظ الناس اشعاره عن ظهر قلب .
ان لوركا الذي عرف المجد والشهرة وهو ما يزال حيا , كان انسان الثورة والحرية , في حديثه عن الخطر الزاحف على الجمهورية – قلة من الناس كانت تخمن حدوث ذلك – اعلن لوركا على الملأ انه " في هذه الايام الدرامية بالنسبة للعالم , على الفنان ان يبكي ويضحك مع شعبه " .ان قوى الفاشية الفرانكوية في اسبانيا لم تكن لتسمح بوجود انسان عميق التمرد في الحياة وفي الاعمال الادبية .
ان لدى لوركا عالمية تولدت من جذوره العميقة التي توحده مع شعبه ومن الاستعارات البسيطة المتينة التي يعبر بهما عن المأساة اليومية للحياة والموت .
وقد ظهر لوركا في عصر يبشر بالتحديث في كل شيء و وقد بدأ حياته الادبية شاعر ورساما وموسيقيا قبل ان يتحول الى المسرح , فيسهم فيه بأعمال تجريبية بدأت بمسرحيات ذات نزعة غنائية , وتطورت شيئا فشيئا الى الاكتمال الدرامي البحت , وقد اثر حبه للموسيقى في امتلاء مسرحياته بالعديد من المقطوعات الموسيقية والمغناة وبالاناشيد التي سمعها في صباه , مصاغة في قالب فني جديد .
وقد بلغت حصيلة لوركا من المسرحيات 19 مسرحية . ومن أشهر مسرحياته نذكر : سحر الفراشة اللعين ( 1919 ) وماريانا بينيدا ( 1925 ) الاسكافية المدهشة ( 1930 ) اه لو تمر خمس سنوات ( 1931 ) الجمهو ر ( 1933 )العرس الدموي ( 1933 ) يرما ( 1934 ) روزيتا العانس ( 1935 ) بيت برناردا البا (1936 ) ويقوم المحور الاساسي في معظم اعمل لوركا المسرحية على الواقعية للمرأة الاسبانية في عصره , والصفات الغالية التي تجدد شخصيتها , وهي نزعة الشرف , وعاطفة الحب الجارف , وغريزة الامومة , والتقاليد الاجتماعية والمظاهر و وكل هذه الصفات عوامل تتجمع لتصور لنا المرأة الاسبانية التي تتنازعها جميع هذه العواطف تحيلها الى شخصية درامية من الطراز الاول , ومادة خصبة لمن يلتقطها من الفنانين . وهو في هذا يشبه معاصره الدانمركي " هنريك ابسن " الذي دارت معظم مسرحياته حول موضوع المرأة في بلاده والصراع بينها وبين التقاليد , وجهودها للتحرر من هذه الاغلال لتلعب دورها كشخصية كاملة النمو في المجتمع .
وفي مسألة الشعر , لم يكتف الشاعر بعفويته وحدها , انما كان منفتحا على الشعر الماضي والحاضر , وكان حدسه الشعبي في عفويته ومزاجيته يسير الى جانب اصراره على قراءة اعمال الشعراء الاخرين .
والى جانب كون الشاعر ظاهرة عبقرية فريدة في الادب الاسباني , يتمتع شعره ومسرحه برصيد عظيم من الكثافة والجمال والمعاصرة – رغم السنوات الطويلة التي تفصلنا عنه – وبقيمة نضالية بارزة وان لم تتخذ طابع التحريض المباشر ليس هذا في كل الاحوال وظيفة ضرورية وحتمية للعمل الفني . ان الصراخ المحطم قطبان الزيت والتناغم من اجل الخبز اليومي والزهرة والحنان , من اجل ان تكتمل مشيئة الارض المانحة ثمارها للجميع و يسبغ على شعر لوركا الصافي قيمة سياسية ونضالية عظيمة تضعه في الخندق الواحد مع جميع من استشهدوا في مواجهة الطغيان الفاشي والتسلط بكافة . ان المصير الذي انتظره دائما , والذي كان مفاجأة للكثيرين , وهذا المصير الذي يجمعه اليوم بفيكتور جارا وبنيامين موليزي وباتريس لومومبا وناجي العلي وبوشكين , وهو الذي سيعلن عاليا في يوم ليس بعيدا جدا " سيصبح الناس احرارا "
وفي شهراب 1936 أُعدم لوركا رمياً بالرصاص في الأيام الأولى من الحرب الأهلية الإسبانية، ، على التلال القريبة من غرناطة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق