الاثنين، 8 أغسطس 2022

ميريام ماكيبا صوت افريقيا التحرري


 



لطالما أردت مغادرة الوطن. لم أكن أعلم أبدًا أنهم سيمنعونني من العودة. ربما ، لو علمت ، لم أغادر أبدًا. من المؤلم أن تبتعد عن كل ما عرفته على الإطلاق. لن يعرف أحد ألم المنفى حتى يكون في المنفى. بغض النظر عن المكان الذي تذهب إليه ، هناك أوقات يُظهر فيها الناس اللطف والحب، وهناك أوقات يُعلمونك فيها أنك معهم ولكنك لست معهم. هذا يؤلم.

– ميريام ماكيبا

مثّلت المغنية الجنوب أفريقية الراحلة ميريام ماكيبا (1932 – 2008) القارة السمراء وحركاتها التحرّرية ضد الاستعمار والدكتاتوريات، بما فيها الجزائر التي نالت جنسيتها عام 1972 مثلما نالت جنسيات بلدان أفريقية أخرى وتكريمها، وآخر ذلك إعلان وزارة الثقافة الجزائريةتأسيس جائزة تحمل اسمها لأفضل الأعمال الموسيقية والسينماتوغرافية والأدبية.

“ماما أفريقيا”، كما يلقبّونها، زارت الجزائر عام 1969 لتشارك في أول مهرجان أقيم بعد الاستقلال وتقدّم فيه أغنيتها “أنا حرّة في الجزائر”، لتعود اليوم إليها عبر “جائزة ميريام ماكيبا للإبداع الفني” التي ستُمنح للمبدعين الأفارقة في مختلف المجالات الفنية من قبل الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة (أوندا).

يوم الرابع من مارس من عام 1932، في جوهانسبورغ، وُلدت ميريام ماكيبا. وسرعان ما، حتى زُج بها في السجن ستة أشهر مع والدتها الساحرة الطبيبة. خرجت بعدها تحمل اسم “زينزيل ماكيبا”، الذي لم يعدها إلا بمزيد من المعاناة؛ فمعناه في لغة الزولو “لا تلومن غير نفسك”. وبالفعل، قضت طفولة قاسية بسبب هجران الأب وعمل الأم، واضطرت الصغيرة هي الأخرى إلى العمل.

ومن المعروف أن صاحبة أغنية “باتا باتا” بدأت مشوارها وهي في الثامنة من عمرها، حين التحقت بجوقة إحدى الكنائس، وقبل أن تصل العشرين أصبحت نجمة فريق “Manhattan Brothers” الشهيرة، لتنطلق في تقديم أغانيها تعبيراً عن مواطنيها المضطهدين بسبب نظام الفصل العنصري “الأبارتايد” التي كانت تمارسه سلطة بلادها آنذاك.

راجت أغانيها حول العالم، حيث كان يُهتف بكلماتها أثناء مظاهراته الطلبة في أوروبا والولايات المتحدة عام 1968، واحتفت بجميع حركات الاستقلال في قارتها، وكذلك ضد العنصرية في أميركا، من خلال موسيقاها التي تمزج الجاز والبلوز مع الألحان الأفريقية الشعبية.

شاركت كممثلّة في الفيلم التسجيلي “عودي إلينا يا أفريقيا” (1959) للمخرج الأميركي ليونيل روغوزين، والذي تناول القمع والظلم الذي مارسه النظام في بلادها، يمزج الفيلم بين عناصر وثائقية وروائية وكان لا بد من تصويره سراً حيث كان من المتوقع أن تكون الحكومة معادية له. ظهرت ماكيبا على خشبة المسرح ، وغنت أغنيتين: استمر ظهورها أربع دقائق. ترك هذا الفيلم انطباعًا هائلاً لدى المشاهدين ، ونظم روغوزين تأشيرة دخول لها لحضور العرض الأول للفيلم في مهرجان البندقية السينمائي الرابع والعشرين في إيطاليا ، حيث فاز الفيلم بجائزة اختيار النقاد المرموقة. تم وصف حضور ماكيبا بأنه حاسم للفيلم ، كرمز للهوية السوداء العالمية التي ارتبطت أيضًا بالسود من الطبقة العاملة بسبب الحوار الجاري في الزولو. ، ليثير الفيلم غضب مسؤولي بلدها، ويتم تبليغها أنه لا داعي لمحاولة العودة إلى جنوب أفريقيا. حرّض نفي المغنية الشابة على التعاطف معها. فتعددت حفلاتها وتنقلت ميريام (أمسى اسماً فنياً للمطربة الأفريقية) بين نيويورك والبندقية ولندن. هناك، تعرفت إلى المغني الأميركي، هاري بيلافونتي، الذي رعاها فنياً، لتستقر في نيويورك مطلقة أول ألبوم منفرد لها في عام 1960.

وفي الولايات المتحدة الأميركية كانت ماكيبا قريبة من نينا سيمون وديزي غيليبسي، وعاشت مع عازف البوق الجنوب أفريقي هيوغ ماسيكيلا، ثم مع ستوكلي كارمايكل، زعيم حركة القوة السوداء، غير أن واشنطن اعتبرت أن ماكيبا وكارمايكل غير مرغوب فيهما، فلجآ إلى غينيا في عام 1973، ثم انفصلا هناك. وفي غينيا أيضاً توفيت ابنتها الوحيدة بونجي، التي أنجبتها من زواج سابق في سن السابعة عشرة.

بمزيج من موسيقى الجاز والبوب، والألحان الأفريقية التقليدية، لفتت مريم مسامع العالم، وتوالت ألبوماتها؛ أشهرها كان “باتا باتا” (1967). قبلها، حصلت على جائزة غرامي كأول أفريقية تفوز بها، عن ألبومها “في الليل” (1965). بدأت في كتابة وأداء الموسيقى التي تنتقد الفصل العنصري بشكل أكثر صراحة. كانت أغنية ” سويتو بلوز ” عام 1977 ، التي كتبها زوجها السابق هيو ماسيكيلا ، تدور حول انتفاضة سويتو .

وظّلت منذ ذلك العام تنتقل من منفى إلى آخر بعد تجريدها من الجنسية لتعود إلى جنوب أفريقيا عام 1990 حين استلم نيلسون مانديلا السلطة، بعد تفكيك نظام الفصل العنصري وقد قدّمت في حياتها أكثر من 30 أسطوانة طوال أكثر من نصف قرن من العمل أسّست خلاله عدة فرق قبل أن تعتزل الغناء عام 2005.

تقول المغنية:

(إنني أغني حول الأشياء التي تحيط بي، ومحيطنا كان على الدوام مليئاً بالمعاناة، لذلك تأثرت موسيقانا بكل ذلك). وذكرت في سيرتها الذاتية: (حافظت على ثقافتي من خلال المحافظة على جذور موسيقانا، التي تحولت إلى صوت أفريقيا وصورتها).

وفى السادسة والسبعين من عمرها توفيت أسطورة الغناء المناضلة “ميريام ماكيبا” في التاسع من نوفمبر 2008 اثر إصابتها بنوبة قلبية بعد ساعات قليلة من انتهاء حفلة موسيقية في مدينة نابولى الإيطالية و بعد لحظات من غنائها في حفل للتضامن مع الكاتب والمخرج الإيطالي “روبيرتو سافيانو ” الذي يطلب زعماء المافيا رأسه،

عند وفاتها ، قال رئيس جنوب إفريقيا السابق نيلسون مانديلا إن “اغانيها حملت ألم المنفى والبعد الذي شعرت به طوال 31 عاما، وموسيقاها أعطتنا شعورا عميقا بالأمل”.

محمد عبيدو

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق