الاثنين، 22 مايو 2017

سينما افريقية: السنغالي جبريل ديوب مامبيتاي سينما طليعية عن الافريقي الاسود


محمد عبيدو : 
   المخرج السنغالي جبريل ديوب مامبيتاي , سينمائي طليعي ومحدث , شعريته السينمائية غير التقليدية اضافة الى الصيغة السردية الفريدة التي يقدمها , جعلت منه مرجعا في الفن السابع . مسلحاً بخيال عريض، وبحس لا يعرف الخوف من "الممكن"، ومتمرداً مستخفاً بالعرف، هو الأكثر أسلوبية وخروجاً على السائد والذي قطعت أفلامه خطوات كبيرة في تطوير السينما الإفريقية، وهو يعتبر نتاجاً للإيمان والكبرياء العميقين في الثقافة والحضارة السوداء المعروفة باسم "حركة الزنوجة" والتي وصلت إلى تأثيرها الأقصى أثناء التسعينيات… ولد جبريل ديوب مامبيتي، وهو ابن رجل دين مسلم وعضو في قبيلة ليبو ، عام 1945 بالقرب من العاصمة السنغالية داكار في كولوبان، وهي مدينة بارزة في بعض أفلامه. بدأ اهتمام مامبيتي بالسينما مع المسرح. بعد تخرجه من المدرسة التمثيلية في السنغال، عمل مامبيتي كممثل لمرحلة في مسرح دانيال سورانو الوطني في داكار حتى طرد لأسباب تأديبية. في عام 1969، في سن ال 24، دون أي تدريب رسمي في صناعة الأفلام، إخراج مامبيتي وأنتج أول فيلم قصير له، (مدينة التباين). وفي العام التالي، قام مامبيتي بتصوير قصير آخر، وهو بادو بوي ، الذي مدينة فاز بجائزة تانيت الفضية في مهرجان قرطاج السينمائي عام 1970 في تونس. وقد قام مهرجان قرطاج بتكريم مامبيتي بدورته للعام الماضي . 
وكان فيلمه "توكي-بوكي" مثالاً لاتجاه "حركة الزنوجة" لأننا سندرك فجأة أننا نشاهد الحلم الإفريقي بصوت عال. لقد بدا كالوحي الصارم، إن هناك فيلماً إفريقياً لا يحتاج إلى التناغم مع مشاكل الفقر الاجتماعي-الاقتصادي، بل على العكس يشير إلى نوع من الجروح الشبابية التي أصبحت كالصدمة في معالجة السينمات في كل أنحاء العالم. فوجود سينما إفريقية تعزف على مثل هذا النوع من أزمة الحياة المبكرة بطرق جانبية لما يفترض أن تكون عليه السينما الإفريقية التي تعلّم شخصاً ما كيف نعيش وكيف نموت-أن تعبر بطريقة مستقيمة: عن هذا الشاب وفتاته اللذين يرغبان في الرحيل من إفريقيا.. راعي غنم سابق الآن يقيم في داكار، هناك يقابل طالبة جامعة صغيرة تتقاسم معه حلم الذّهاب إلى فرنسا قريبا . يفكران بابتكار سلسلة أنظمة غير شرعيّة لتأمين المال من اجل الرّحلة . لكنّ في الدّقيقة الأخيرة، موري يقرّر البقاء على الشّاطئ و صديقته تنكسر، وتمضي وحيدة لتحقيق حلمهما المشترك . بالرّغم من أنه لا يتابع التقدّم الخطّيّ الواضح الّذي يميّز جزءاً كبيراً من القصّ الإفريقيّ، "توكي بوكي" يضمّن العناصر الموضوعيّة الموجودة عادةً في الحكايات الإفريقيّة، موري هو نوع المخادع الموصوف كثيراً في التّقليد الشّفهيّ الّذي عادةً أيضًا يصوّر عدد من الأنصار الّذين يتركون قريتهم للمجازفة إلى أرض مجهولة، مثل بطل شعبيّ، يجب على موري أن يتغلّب على العقبات و ينتصر على المحنة، ومن اجل هذا العمل، يؤدّي رحلة من التّقليد إلى العصريّة و من المراهقة إلى البلوغ، رحلته كانت مفتاحاً ليكتشف المعرفة الجديدة عن نفسه و الآخرين، بالطّبع بحث موري عن حلم , وكان البحث رحلة ذاتيّة .
النّبض النّشيط لتوكي بوكي يعتمد على الحركة المتواصلة بين الأقطاب المعاكسة ( مشاهد واقعيّة وسلسلات مخيفة )، والمونتاج ( تجزيء الزمن، النّزعات البصريّة، المقابلات الاستعاريّة )، و الاستخدام الإبداعيّ الصحيح للقص . عمل المخرج مامبيتاي يتطلّب مشاركة المشاهد المتواصلة في إعادة بنائه التسجيلية للواقع ، نرى فيه ايضا المسرح الطّليعيّ و سينما المبتكرين، خصوصاً في أفلام جان- لوك غودار ،" توكي بوكي" قد قاوم الزمن و حُيِّيَ الآن كثيرا كفيلم إفريقيّ كلاسيكيّ.
فيلم مامبيتاي " هديّة للّه " ( 1982 ) يحدث في العصور ما قبل الاستعماريّة لما هو الآن بوركينا فاسو… يصف عصراً كانت فيه إمبراطوريّة موسي في ذروة قوّتها و روعتها . في يوم من الأيّام يجد بائع متجوّل طفلا ممددا فاقد الوعي أسفل شجرة، يتّضح أن الولد أخرس و لا يمكن أن يكشف ماضيه، بعد ذلك بقليل، يُتَبَنَّى من قبل نسّاج و عائلته الّتي تسمّيه كني الوندي، ومعناه "هديّة للّه".
"هديّة للّه " يُحاط بحبّ من قبل من يربونه و يطوّر صداقةً مؤثّرةً مع بوجنير، أخته الصّغيرة بالتّبنّي ، القادرة أن تتعلّق به بالرّغم من خرسه يشارك كني الوندي في الحياة القرويّة و يصبح راعي غنم .
الصّفاء البسيط لمجتمع الولد الجديد يُعَطَّل فجأة من قبل امرأة تتّهم بصخب زوجها المسنّ بالعجز، غير قادر أن يتحمّل هذا الخجل العامّ، يشنق الزّوج نفسه . بالصّدمة الانفعاليّة لاكتشاف جسم الرّجل الميّت، "هديّة للّه" يستردّ قدرته على التّعبير، ويقدر أخيراً أن يخبر قصّته، فيشرح ان خرسه هو بسبب صّدمة رؤية أمّه تموت تحت شجرة . هي قد حُظِرَتْ من قريتها كساحرة لأنّها بعد أن اختفى زوجها أثناء الاصطياد، رفضت الزواج مجدّداً، كما هو مطلوب بالتّقليد، و استمرّت في الأمل بعودته .
"هديّة للّه " صُوِّرَ بشكل جميل، و لغته السّينمائيّة المعبّرة تقارب الشّعر وضوح القصّ الإفريقيّ التّقليديّ . الفيلم أيضاً يبدو كمثل دائم لما قد يكون من عواقب للزمن الحاليّ عندما تعيق الاستفادة الاستعماريّة تقدّم الدّول الإفريقيّة النّامية . في سياق القرن العشرين حيث الصراعات و جرائم القتل العرقيّة، "هديّة للّه" يتذكّر فضائل القبول القديمة و التّضامن الّذي سمح لطفل أخرس مجهول أن يُدْرَج بهدوء في العائلة و البنية الاجتماعيّة الاقتصاديّة لمجتمع ريفيّ . لكنّ العمل لا يحسب جنّةً مفقودةً ، لديه تلميحات حديثة في وصفه للإجراءات الواضحة من قبل تجاهل النّساء في النّظام البطريركيّ .
فيلم مامبيتاي "منافسة بتوقيت شرق أمريكا" ( 1987 )، إحدى الكوميديات الموسيقيّة النّادرة في السّينما الإفريقيّة . يُبْنَى الفيلم حول الشّهرة و الشّعبيّة و الجاذّبية الشّخصيّة للأب ويمبا ، وهو مطرب زائيريّ مشهور… يلعب ويمبا دور كورو، موسيقار يذهب من قرية إلى العاصمة، كينشاسا، بعد سلسلة من المحن، ينتهي بالشّهرة و البريق و يفوز بقلب و يد المرأة الّتي يحبّها . مثال واضح من السينما الإفريقيّة الشعبيّة، هذه القصّة الخياليّة الحديثة السّعيدة تحتوي على لمسات النّقد الاجتماعيّ المفكّر عبر الرّسم السّاخر للحياة المدنيّة هزليًّا . الهدف الّذي يحقّقه الفيلم بنجاح هو استخراج ضحك متواصل من كلا الجماهير الغربيّة و الإفريقيّة الّتي تسرّ وتتمتّع باكتشاف المواهب التمثيلية و الموسيقيّة لويمبا .
يقول جبريل ديوب مامبيتي في حوار معه: "يدور عملي الحالي في السينما حول ثلاثية تعالج موضوع السلطة والجنون بداية من فيلمي توكي-بوكي (عام 1973) وهينيز (1992) إلى فيلم الملائكة.
في فيلم توكي-بوكي ستجد هزيمة السلطة ويتضمن أحلام الفرار إلى أوروبا.. الخ، في فيلم الضباع تعاود شخصيات من فيلم توكي-بوكي الظهور: الفتاة التي رحلت عابرة الأطلنطي، والشاب الذي مكث بالقارة كما لو كان قد خانها، تعود هذه الفتاة كامرأة في "الضباع" بعد خمسين عاماً أكثر ثراء من البنك كي تطالب القصاص من حبيبها بمئة مليون دولار.
في فيلم الملائكة يعود الرجل، الشخصية الرئيسية، في عصر آخر، القرن الخامس عشر، يعود كـ "خاسر شرير"، كشخص مسموح له ضمن تركيبة المملكة، أن يقتل دون قصاص أي منافس في لعبة الإنهاك. يرحل إلى غرب إفريقيا، وفي النهاية يستقر به المقام في مونهموتابه بمملكة زيمبابوي حيث يموت. وهو يحمل في أي مكان يذهب إليه منطق أنه يستطيع قتل أي شخص يريد منازلته. إنه كاريكاتير عن عالم الطغاة. ونستطيع أن نلاحظ-وجود-هذه الشخصية التي تحمل الموت في حقائبها مرة في رواندا وأخرى في البوسنة.
وتدور قصة فيلمه " الفرنك " (1994) حول موسيقي فقير يشتري تذكرة اليانصيب يلصقها على السريع على خلفية بابه ، على أمل استرجاع صك ملكية أرضه. يفوز التذكرة، ولكن يلاقي صعوبة بنيل المكافأة . وبطلنا هنا يبدأ رحلة أوديسية مروعة في جميع أنحاء بلده شانتي، حامل الباب على كتفه في كل الوقت.
ولما كانت الدفعة الثانية في ثلاثية مامبيتي تعبر عن الأرواح والوعد التي تم العثور عليها بين السنغاليين العاديين، وهو الفيلم الذي يدوم 45 دقيقة، يصور فيلم ( الفتاة الصغيرة التي باعت الشمس ) (1999) فتاة شابة متسولة، سيلي، على عكازات، تمضي وسط العقبات بثقة في طريقها من خلال مدينة ، وتتهرب من مجموعة من المتسللين، وتبيع الصحف لكسب المال لنفسها وجدتها العمياء. مامبيتي يكرس فيلمه الأخير إلى "شجاعة أطفال الشوارع ". إن شخصيته الرئيسية المضيئة، سيلي، تمكنت من جعل هذا نظرة متعاطفة ومتفائلة في نضال وإمكانات أفقر الشباب، والنساء، والفقراء، والمعوقين في أفريقيا. ويرافق الفيلم درجة من شقيق مامبيتي، واسيس ديوب. تم اختيار هذا الفيلم كأحد أفضل عشرة أفلام لعام 2000 .
في 23 يوليو 1998 , خبر مؤلم سيضج في ارجاء باريس : " السينما الافرقية فقدت احد اهم سينمائييها , راوي الحكايات جبريل ديوب مامبيتي , اصداء الخبر ستصدح مثل ضربات تام تام اتية من عمق اعماق غابة السحرة . ستضج من الشمال الى الجنوب , من الشرق الى الغرب , في الوقت الذي سترتفع فيه هتافات الحزن في بلده الام " كوبان " لتعلن مقاطع اسمه اجراس الحداد . رحل الى الضفة الاخرى من العالم . ولكن ستائر الصالة المظلمة لن تسدل على هذا السينمائي . مبدع التراث المعاصر الذي يصح تشبيهه بكبار شعراء افريقيا .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق