محمد عبيدو
حضرت موضوعات حرب التحرير الوطنية في السينما الجزائرية منذ الاستقلال بأعمالها الروائية والوثائقية، كاشفة احداث التاريخ وتضحيات الشعب الجزائري في سبيل الحرية والاستقلال، ومن بين هذه الاحداث مجازر 8 ماي 1945 التي ارتكبتها قوات الاحتلال الفرنسي ضد الشعب الجزائري، وشملت معظم أرجاء الجزائر ومن أهم المناطق هي سطيف والمسيلة وقالمة وخراطة وسوق أهراس، ونتج عن هذه المجازر قتل أكثر من 45,000 جزائري، وهزت بعنفها ودمويتها وقسوتها العالم .
من بين هذه الاعمال المنتجة نذكر ملحمة “وقائع سنوات الجمر” لمحمد لخضر حمينة سنة 1975 (الفائز بالسعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي) الذي تدور أحداثه حول وقائع تاريخ الجزائر النضالي، والذي غطته مساحات الدماء الحمراء، من أجل نيل الاستقلال والحرية، والنظم التي تمارس القمع وتجهض حقوق الإنسان أينما كان. كما صور الفيلم الحياة القبلية في جبال الجزائر، والتي كانت تعيش على حياة التنقل في الصحراء والرعي، ثم لم تلبث أن تحولت الصحراء إلى ساحة للقتال والجهاد المستميت من أجل نيل الحرية المضرجة بالدماء، ويغلب على الفيلم روح التراجيديا، حيث سادت فيه مناظر البؤس والألم والمجازر الدموية لمئات من المواطنين. وحضرت أيضا في أفلام أخرى مثل فيلم “زهرة اللوتس” للمخرج الراحل عمار العسكري 1999.
تطرق المخرج رشيد بوشارب لموضوع مجازر8 ماي 1945 في فيلمه “أنديجان” (2008) كما حضرت بقوة في فيلمه التالي “خارجون عن القانون” (2010) الذي تدور أحداث قصته بين 1945 و1962 حيث تبرز قصة ثلاثة إخوة جزائريين تعرضت أسرتهم إلى الإبادة الجماعية خلال مجازر 8 ماي 1945، فقرروا التنقل إلى فرنسا للدفاع عن القضية الوطنية وكشف الجريمة أمام العالم. وخصص المخرج مساحة كبيرة من زمن الفيلم لمجازر 8 ماي الأسود. تعرض الفيلم لدى نزوله لحملة واسعة من طرف اليمين الفرنسي خاصة، الذي شن حملة اضطهادية واسعة عليه في بعض الصحف الفرنسية، ونزلت بعض القوى اليمينية إلى الشارع في مظاهرات ضد عرض الفيلم أمام صالة عرض مهرجان كان، رفضا لمحتواه التاريخي، وأعتبروه “مهينا لفرنسا”.
واختار المخرج جعفر قاسم الذي اشتهر بأعماله التلفزيونية الكوميدية دخول السينما من خلال موضوع تاريخي عن مجازر 8 ماي 1945 الدامية التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق الشعب الجزائري وهي المرة الأولى التي تعالج فيها هذه المرحلة دراميا.
واعتمد المخرج في فيلم “هليوبوليس”، وهو الاسم القديم لمدينة قالمة مقاربة جديدة في تناول الموضوع بطريقة انسانية تعطي نظرة مغايرة لبعض الأمور منها الصورة المعروفة عن القياد والاعيان لدى الجزائريين وتدور إحداث الفيلم حول عائلة زناتي احد اعيان وأغنياء المنطقة.
وتناولت السينما التسجيلية الحدث في عدد من الأفلام حيث تناول المخرج مهدي العلوي هذه الواقعة في فيلم وثائقي بعنوان “مجازر سطيف ، ذات 8 ماي 1945” اضافة الى وثائقي المخرج الفرنسي الملتزم بالثورة الجزائرية رونيه فوتيه “دم شهر ماي يزرع نوفمبر” (1982 )
وأيضا، يقدم الفيلم التسجيلي “8 مايو 1945 الآخر- أصول حرب الجزائر” للمخرجة ياسمينة عدي مجموعة من الشهادات الحية ممن عاشوا أحداث ومجازر الثامن من مايو 1945 في كل من قسنطينة، سطيف وقالمة. وعمدت المخرجة ياسمينة عدي في فلمها المنتج عام 2008 لتحقيق عملها الوثائقي النادر إلى تقديم شهادات من الطرفين الجزائري والفرنسي على حد سواء لأنها كما أشارت “لا تريد أن تضع القضية في بعدها ندا للند بين الطرفين وإنما الكشف بموضوعية عن حقيقة ما حدث”.
ومن بين الشهادات واحدة للمؤرخ الفرنسي باسكال بلانشار الذي قدم في شهادته الظروف الدولية لمجازر الـ8 من مايو 1945 وأهم محطاتها ومعداتها العسكرية والجيواستراتيجية.
وتطرح شهادات حية لمجموعة من المناضلين الجزائريين المنخرطين في صفوف الحركة الوطنية وأحزابها، كحزب الشعب الجزائري وحركة أحباب البيان والحرية وجمعية العلماء المسلمين، حقائق حول الأجواء التي سبقت اندلاع شرارة الـ8 من مايو 1945 في سطيف.
وكشفت شهادات مصطفاي (عضو اللجنة المركزية لحزب الشعب الجزائري) أنه وفي غمار التحضير لاحتفالات انتصار الحلفاء على النازية في 8 مايو 1945 بسطيف اقترح عليه المناضل سعيد عمراني نموذجا أوليا للعلم الوطني الذي اعتمد رمزا للجزائر خلال الاحتفالات إلى جانب الشعارات المرتفعة المنادية بالحرية.
وأكد مصطفاي على أن الشرارة الأولى للمواجهات بين الجزائريين والجيش والمستعمرين الفرنسيين كانت أمام مقهى “باريس” وسط مدينة سطيف حيث تم إطلاق النار على الطفل سعال بوزيد الذي خطف العلم الوطني ليطوف به ويسقط شهيدا.
ومن هنا بدأت المواجهات، كما يوقف المشاهد بعد إنصاته العميق لشهادات كل من المناضلين محمد شريف، حميد عصيد، عيسى شراقة، لحسن بخوش، العياشي خرباش، ساسي بن حملة، سعيد عليق مسعود هرفم، يلس عبد الله، عبد المجيد شهاب، محمد فنيدس، عمار يدهوش، زهرة أمقراني، حميد بلزازن على حقائق مرعبة حول الجريمة التي ذهب ضحيتها أبرياء جزائريون عزل منها إطلاق النار العشوائي على المتظاهرين والسكان (الأهالي) دون تمييز.
كما أشارت الشهادات الفرنسية ومنها لروجيه دويني وهنرييت بيتون إلى تجاوزات القضاء والشرطة الفرنسيين ضد الجزائريين رغم أن مواجهات 8 مايو 1945 أدت إلى سقوط 28 فرنسيا، وكيف حاول الجيش الفرنسي في حركة تمويه وبأمر من الجنرال هنري مارتن استدراج كل سكان مناطق سطيف وقالمة وخراطة الذين يفوق عددهم 15 ألفا إلى منطقة ميلبو البحرية وايهامهم بأن حركة الانتفاضة والمظاهرات توقفت وبأن الجزائريين لا يشكلون خطرا على المستعمرين ولتطمين الدوائر الفرنسية بالسيطرة على الوضع.
وهو ما تبرزه الصور النادرة للاحتفال حيث يبدو الجزائريون رافعين أيديهم ورافعين السلاح بدون ذخيرة ومحاطين بقوافل من الجنود السينغاليين.
كما أثار الفيلم الوثائقي حقيقة التعتيم الإعلامي على هذه المجازر وانعكاساتها، اذ كشف المراسل الأمريكي لندروم بولينغ شهادته الحية أنه تلقى صعوبات للحصول على معلومات من الجانب الفرنسي حول حقيقة ما حدث في ذلك اليوم الدموي بسطيف حيث شوهدت القرى تحترق والمنازل تدمر.
تطرق الفيلم، لإضراب الطلبة في 19 ماي 1956 وتضحيات النخبة الجزائرية المثقفة والمتعلمة. لم يكن إضراب ال 19 ماي البداية، كما أنه لم يكن النهاية، لكنه كان محطة قوية ورسالة بالغة لكل العالم أن الجزائر لم ولن تكون فرنسية، سارعت الطبقة المتعلمة والمثقفة من طلاب الجامعات والثانويات الى هجر مقاعد الدراسة بشكل جماعي وفردي والتحقت بجيش وجبهة التحرير الوطني في الميدان .
محمد عبيدو