الأربعاء، 31 أغسطس 2016

رندة الشهّال صباغ في ذكرى وفاتها


أفلامها نبضت بأوجاع الانسان العربي

محمد عبيدو

مرت هذا الاسبوع ذكرى غياب المخرجة اللبنانية رندة الشهّال صباغ- الفائزة عام 2003 بجائزة الأسد الفضي في" مهرجان البندقية السينمائي" عن فيلم  "طيارة من ورق"-   وكان الموت قد غيبها يوم 25 اوت 2008 عن عمر ناهز 55 عاماً. 
 

المخرجة التي نبضت أفلامها ومواقفها بأوجاع الانسان العربي ، هي واحدة من بين مجموعة من المخرجين اللبنانيين الذين سعوا لإعادة خلق سينما لبنانية، ما بعد الحرب الأهلية اللبنانية لتأتي أفلامهم القليلة انعكاساً لتجربتهم الخاصة مع هذه الحرب.
تميزت الشهال بجرأة نادرة في معالجة على الشاشة لمواضيع سياسية تحكي الحب والحرب والوطن والمنفى وتنبع من هم ثقافي يدور في فلك القضايا التي تشغل الإنسان العربي، وطبعت أعمالها جرأة كبيرة وخصوصا في التعبير الكلامي الذي استند إلى عبارات قاسية من الحياة اليومية..
ولدت رندة الشهال صباغ في طرابلس –لبنان واختارت الكاميرا السينمائية للتعبير عن محيطها الانساني والاجتماعي والسياسي  حيث درست السينما في جامعة فينسان وبعدها في مدرسة لوي لوميير الوطنية العليا بباريس التي جاءتها عام 1973 مع فنون النضال السياسي اليساري، وتميزت مسيرتها بالتوازن بين النجاح والإخفاق، لكنها، ظلت وفية لبداياتها المشاكسة،  ولطموحها الابداعي الكبير .

حققت أول أفلامها " خطوة خطوة" عام 1979 وهو فيلم متقن يقدم تحليلاً سياسياً للحرب اللبنانية , ومستمد عنوانه من تلك السياسة التي اختطها وزير الخارجية الاميركية الاسبق هنري كيسنجر وروت فيه تناقض العمل السياسي الذي يحكم رجالات الزعامة اللبنانية الامر الذي قاد لإشعال شرارة الحرب الاهلية وتداعيتها ليس على الناس في لبنان فحسب وانما على مجمل الحياة السياسية العربية وقد نال جائزة النقاد في مهرجان الدول الناطقة بالفرنسية، ثم فيلم : لبنان أيام زمان" عام 1980 ثم فيلمين تسجيليين (التاسعة و النصف) سنة 1982 و (سهرة مع الشيخ إمام في باريس) سنة 1984 عن الشيخ امام تحول اليوم الى وثيقة حول المغني الراحل.. وقدمت أول افلامها الروائية عام 1991 " شاشات الرمال" الذي شارك في مهرجان البندقية يصور حياة البذخ والغنى في مدينة ببلد صحراوي عبر قصة صداقة حميمة بين امرأتين وتوق سارة بطلة الفيلم للحرية،  ثم عادت الى الوثائقي لتقدم عن الحرب اللبنانية فيلم   "حروبنا الطائشة" ونال هذا الفيلم الذي يعتبر من اهم أعمالها الوثائقية والذي أنجز عام 1995 جائزة الفيلم الوثائقي في بينالي السينما العربية في باريس. و صورت فيه الحرب الاهلية اللبنانية من خلال أفراد عائلتها ومسؤوليتهم وعلاقتهم بهذه الحرب في مزيج غير معهود بين العام والخاص ، وفيلم "الكافرون" ويدور حول التطرف  والعلاقات العربية الغربية الذي تدور أحداثه في القاهرة، وكانت الرقابة في لبنان منعت فيلمها الروائي الثاني "متحضرات" عام 1998 والا كان على المخرجة ان تحذف منه 47 دقيقة وهو ما رفضته رندة الشهال. ويعود الفيلم في كتابة درامية لا تخلو من سخرية مريرة (تمثيل جليلة بكّار، كارمن لبّس، مريم معكرون، رينيه ديك، تميم الشهّال، سوتيغي كوياتي...)، إلى الحرب الأهليّة بعد «نهايتها» المفترضة، وذلك من خلال أهل الحضيض، من خدم وفقراء اضطروا إلى البقاء في أسرى المدينة وأتونها المشتعل. جنس وعلاقات مثليّة وبؤس وعنف وفقر وقنّاصة، وخادمات يختزنّ على طريقتهنّ ذاكرة الحرب. عام 2000 صورت رندة الشهال بورتريه لسهى بشارة المحررة من معتقل الخيام ايام الاحتلال الإسرائيلي للبنان في خطة أخرى تبين مدى التزامها القضايا الوطنية ومناهضتها للاحتلال عبر اعمالها. وهي في رحلتها الفنية لم تتردد حتى في تصوير الفيديو كليب حيث وقعت كليب لطيفة "معلومات مش أكيدة" التي كتب كلماتها ووضع موسيقاها الفنان زياد الرحباني الذي تعاونت الشهال معه لوضع الموسيقى التصويرية لفيلمها "طائرة من ورق" وهو يظهر أيضا ممثلا فيه.

 و فيلمها الروائي الأخير "طائرة من ورق" الذي نال جائزة الدب الفضي في مهرجان البندقية عام 2003 يجسد انشغال الشهال بموضوعات السياسة والحرب والمنفى والهوية في قالب روائي متخيل بنفس سياسي تؤكد المخرجة عليه وعلى تأثيره في إيصال الصوت الى الخارج وتثبيت الوجود.‏ هو في العمق فيلم سياسي يتناول موضوع الاحتلال الاسرائيلي لأرض عربية والتأثير الذي يتركه الاحتلال في السكان على جانبي الحدود. وبقدر ما أن الفيلم سياسي في إطاره العام بقدر ما هو إنساني في تناوله للعلاقات القائمة بين الناس .

تجري حوادثه على الحدود بين قريتين، الاولى ضمن الأراضي اللبنانية والأخرى ضمن الاراضي العربية التي ضمّت الى اسرائيل ويفصل بين القريتين برج مراقبة وطريق قصير يمكن عبوره للعرسان والتوابيت فقط! (هذا في الفيلم، لكن في الواقع فيمنع على الموتى العبور!) لمياء هي شابة في السادسة عشرة من العمر تعيش في الجهة اللبنانية، قررت عائلتها ان الوقت قد حان لكي تتزوج من ابن عمها سامي ومع هذا القرار ستنتقل لمياء مرتدية فستان زفافها الى الجهة المقابلة للعيش مع زوجها. من ناحية اخرى، لمياء تعشق الحرية وتفضّل البقاء مع اخيها في الحقل واللعب بطيارة من ورق تحت مراقبة يوسف جندي عربي الاصل منخرط في صفوف العدو وما يجمعه بها هو المنظار الذي يتجسس عليها من خلاله. فوقع في حبها... الفيلم يضم نخبة من الممثلين اللبنانيين: فلافيا بشارة (الناجحة في دورها)، رندة اسمر (بدور ام لمياء)، جوليا قصار (بدور جميلة)، ليليان نمري (بدور خالة جميلة) اضافة الى رينه ديك، نايف خوري، ماهر بصيبص، تميم الشهال، والممثلة القديرة علياء نمري وطبعا الفنان زياد الرحباني بدور الجندي الفيلسوف الذي يعاني مشكلة يوسف نفسها بعدما ضمّت قريته الى الجانب الاسرائيلي وبقي حبه لجميلة خالة لمياء بالجهة المقابلة... وجود زياد في الفيلم كان مميزا واضفى عليه نكهة خاصة. الفيلم الذي يسير على ايقاع يحمل الكثير من الشاعرية ومن التغلغل الى شغاف القلب، يتناول من دون شعارات موضوع الاحتلال ومساوئه ويضع الأصبع على جرح الحدود التي تجرح الأرض والبشر أسلاكها الشائكة.

انه فيلم مميز وعميق يحمل نضجاً سينمائياً بإيقاعه وتصويره ومونتاجه و يجمع بين الدراما والكوميديا معالج بطريقة ذكية وادارة ممثلين موفقة واختيار موسيقي ناجح  .

كانت مخرجة جريئة استفزازية في طباعها مشاكسة متعنتة في قناعاتها عنيدة وطموحة' انجزت افلاما حميمية ملتزمة وبرعت في الوثائقي كما في الروائي وظلت يسارية بعد ان ارتد الكثيرون عن قناعاتهم في لبنان وظلت طموحة متمردة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق