الأحد، 7 أغسطس 2016

المخرج شيام بينغال والواقع في سينما جديدة

محمد عبيدو:
مع أول الأفلام الروائية صنع المخرج وكاتب السيناريو الهندي شيام بينغال نوعاً جديداً من السينما الجديدة أو البديلة في الهند.
تم منحه في 8 آب 2007، أعلى جائزة في السينما الهندية عن مجمل أعماله، كما حصل على جائزة الفيلم الوطني لأفضل فيلم روائي طويل هندي سبع مرات.
ولد شيام بينغال في 14 كانون الأول 1934 في حيدر أباد، ابن مصور فوتوغرافي لأسرة مكونة من 10 أطفال، وبدأت علاقة حبه مع الصور المتحركة عندما سمح له والده باستخدام كاميرا في سن الثانية عشرة. وكان ابن شقيق الممثل الهندي الشهير غورو دوت.
حصل على شهادة الماجستير في علم الاقتصاد من جامعة أوسمانيا، حيدر أباد. وهناك قام بتشكيل جمعية حيدر أباد للفيلم. بعد تخرجه، وعد بينغال بوظيفة مجزية في بومباي. وصل إلى المدينة مع روبيات قليلة فقط في جيبه وبحث عن عمل. وجد في نهاية المطاف في عام 1959 وظيفة مؤلف إعلانات في وكالة إعلان كبيرة. ثم تمت ترقيته إلى كتابة النصوص وتوجيه شورت الدعاية والإعلانات التجارية. بقي هناك لأكثر من عقد.
أنجز بينغال فيلمه الوثائقي الأول «في عتبات الغانج» في عام 1962. وكان عليه انتظار عشر سنوات أخرى ليقدم سيناريو أول فيلم روائي طويل. ومنذ ذلك الحين صار المخرج الأكثر شعبية في الهند، الذي يعمل على صنع أفلام حساسة لدور المرأة في المجتمعات الهندية. تكتسب أفلامه أيضاً الاعتراف الدولي.
بين عامي 1966 و 1973، درس شيام في معهد السينما والتلفزيون من الهند «FTII»، وعمل مرتين كرئيس للمعهد: 1980-1983 و 1989-1992. وفي تلك الأثناء بدأ بالفعل صنع أفلام وثائقية، واحد منها «طفل من الشوارع ««1967» حمل له في وقت مبكر شهرة واسعة. استمرت بعدها مع أكثر من 70 فيلم وثائقي وقصير.
في عام 1969 حصل على زمالة خاصة لدراسة عمليات ورشة تلفزيون الأطفال في نيويورك. في وقت لاحق أمضى فترة قصيرة كمنتج تلفزيون في بوسطن.
بعد عودته إلى بومباي، حصل على تمويل مستقل، لينجز «الشتلات» في عام 1973. وهو قصة عن الاستغلال الاقتصادي والجنسي في ولايته، ولاية اندرا براديش، وحمل العرض الأول على الفور بينغال إلى الشهرة مع النجمين شبانة عزمي و ناجح أنانت. وفاز بينغال عام 1975 بالجائزة الثانية لأفضل فيلم روائي طويل لتصويره تفاصيل من الحياة الريفية وتعرضه للنظام الإقطاعي الوحشي. وفازت شبانة عزمي على جائزة الفيلم الوطني لأفضل ممثلة.
نجاحه الجديد في السينما الهندية بين 1970 و 1980 في وقت مبكر يمكن أن يعزى إلى رباعيته السينمائية: الشتلات «1973»، نهاية ليلة «1975»، الخضخضة «1976» وبوميكا «1977». ويستخدم بينغال فيها مجموعة متنوعة من الوجوه الجديدة مثل سميتا باتيل، شبانة عزمي، نصر لدين شاه، أوم بوري، خاربندا كولب هوشان وامريش بوري.
فيلم بينغال «نهاية ليلة» «1975»، عن خطف زوجة المعلم واغتصاب جماعي لها من قبل أربعة أشخاص مع إغلاق الجهات الرسمية أذنيها لتوسلات الزوج لمساعدته. و»الخضخضة» «1976» الفيلم عرض في المناطق الريفية من ولاية غوجارات الصناعة بدعم شركات منتجات الألبان الوليدة. وجاءت شاحنات مليئة بالمزارعين لرؤية واقعهم في الفيلم، ما أكسبه نجاحاً في شباك التذاكر. وبعد هذه الثلاثية عن القمع في المناطق الريفية، قدم بوميكا «1977»، بناء على فترة طويلة من حياة الممثلة المسرحيه والسينمائية المعروفة هانزا وادكار الذي تجسده سميتا باتيل في 1940، والتي كانت تعيش حياة لامعة وغير تقليدية في عملية بحثها عن الهوية الفردية وتحقيق الذات، في الوقت نفسه اصطدامها مع الاستغلال الرجولي.
وأيضاً، في بداية السبعينيات، عمل شيام 21 حلقة سينمائية تجريبية للتلفزيون التعليمي الفضائي، برعاية اليونيسيف. وهذا ما سمح له بالتفاعل بين الأطفال والفنانين الأكثر شعبية. تستخدم في نهاية المطاف أنه حكايات شعبية كلاسيكية. وأسس جمعية الأفلام السينمائية للطفولة بالهند. ونستعير هنا تعبير الناقد السينمائي ديريك مالكولم: «..ما قام به هو بينغال لرسم الترفيه البصري الرائع في تلك الأيام غير عادي، هو أحد الذين عبروا بحساسية حول عذابات ومأزق النساء الموهوبات الذين هن بحاجة إلى الأمان مع إصرارهن في الوقت نفسه على الحرية».
وخلافاً لمعظم سينما المخرجين الجدد، تلقى بينغال الدعم للعديد من أفلامه  دعم مؤسساتي، كما في: الخضخضة «مجلس التنمية الوطني الألبان»، سوسمان «1987» «تعاونيات النول اليدوي» وياترا «1986» «السكك الحديدية الهندية». وهذا أعطاه ميزة إضافية، كما أنه تمكن من البقاء على قيد الحياة مع انهيار حركة السينما الجديدة في أواخر الثمانينات بسبب قلة التمويل، والتي فقدت الكثير من صناع السينما الواقعية الجديدة.
واصل بينغال صنع الأفلام طوال العقدين القادمين. كما شغل منصب مدير مؤسسة السينما الوطنية للتنمية «NFDC» من 1980 إلى 1986.
بعد نجاح هذه الأفلام الأربعة، حصل بينغال على دعم النجم شاشي كابور الذي عمل معه جنون «1978» وكاليوج «1981». الأول عبارة عن قصة حب جرت بين أعراق مختلفة وسط هذه الفترة المضطربة من التمرد الهندي عام 1857. واستند كاليوج على الماهاباراتا ولم ينل نجاحاً كبيراً على الرغم من أن كلاهما فازا بجوائز أفضل فيلم في 1980 و 1982 على التوالي.
فيلم بينغال المقبل، مندي وكان «1983» هو كوميديا ساخرة عن السياسة والدعارة، بطولة شبانة عزمي وسميتا باتيل. مع انهيار حركة السينما الجديدة في 1980، التفت بينيجال إلى التلفزيون حيث قام بصنع مسلسلات مثل ياترا «1986» للسكك الحديد الهندية، وهو واحد من أكبر المشاريع التي أنجزها التلفزيون الهندي، ومسلسل تلفزيوني «نهرو» من 53 حلقة 1988 منطلقاً من كتاب الصورة، ديسكفري من الهند لجواهر لال نهرو. وثائقي نهرو: ينقسم إلى ثلاثة أجزاء، التنوير، ومحاربة الحرية، والفيلم يتتبع سيرة غنية لجواهر لال نهرو، رئيس وزراء الهند المستقلة حديثاً. إنه يجسد تطور حياته والتزامه. تم التعاون مع غاندي، ومشاركته في عملية الاستقلال وإقامة الأسس لديمقراطية الهند والحديثة، وحرصه على الحرية. بالاستناد إلى نصوص من جواهر لال نهرو وخطاباته، شيام بينغال،، يعيد شخصية مذهلة ومحببة.
بعدها، مضى شيام بينغال وراء أفلام السرد التقليدي وأخذته مادة السيرة الذاتية إلى تحقيق قدر أكبر من حرية التعبير. أول مشروع في هذا النوع كان مع فيلم وثائقي انطلاقاً من حياة ساتياجيت راي، في عام 1985. وأعقب ذلك أعمال سيرة ذاتية مماثلة مثل البيجوم سرداري «1996» وزبيدة الذي كتبه المخرج والناقد خالد محمد.
في عام 1992، قدم «الحصان السابع من الشمس» استناداً إلى رواية كتبها دهارمافير بهاراتي، فازت عام 1993 بجائزة أفضل فيلم روائي طويل في مهرجان الفيلم الوطني الهندي. في عام 1996 صور بينغال فيلم «تكوين المهاتما» ويصور غاندي في سنوات شبابه الأولى. ركز بينغال عبر روي سينمائي شيق على سنوات غاندي المبكرة في جنوب أفريقيا، في الفترة ما بين 1893 – 1914 حيث انتقل غاندي للعمل في مكتب للمحاماة فسافر إلى هناك عام 1893، وكان في نيته البقاء مدة عام واحد فقط لكن أوضاع الجالية الهندية هناك جعلته يعدل عن ذلك واستمرت مدة بقائه في تلك الدولة الأفريقية 22 عاماً.
يصوغ الفيلم قصة محاولات غاندي إحضار العدالة للهنود في جنوب أفريقيا والأحداث الحاسمة جداً. في تلك الأيام، كانت جنوب أفريقيا مستعمرة بريطانية مثل الهند وكان فيها العديد من العمال الهنود. وتعتبر الفترة التي قضاها في جنوب أفريقيا من أهم مراحل تطوره الفكري والسياسي؛ حيث أتاحت له فرصة لتعميق معارفه وثقافاته والاطلاع على ديانات وعقائد. اكتسب غاندي خلال الفترة التي قضاها هناك العديد الخبرات كما مارس نضاله هناك أيضاً، فكان يرى التمييز العنصري الذي يتبعه البريطانيين ضد الأفارقة والهنود العاملين هناك. فقام بالدفاع عن الجالية الهندية، واختبر أسلوباً في العمل السياسي أثبت فعاليته ضد الاستعمار البريطاني، كما عمل على إنشاء صحيفة «الراي الهندي» والتي دعا من خلالها من أجل سياسة المقاومة السلمية، وعمل على تأسيس حزب «المؤتمر الهندي» والذي جعله مركزاً للدفاع عن حقوق الهنود في جنوب أفريقيا، كما نادى بأحقية الهنود بالإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، وعمل على تغيير «المرسوم الآسيوي» والذي كان ينص على أن الهنود يجب أن يقوموا بتسجيل أنفسهم في سجلات خاصة. ليس فقط عمل غاندي السياسي، بل شخصيته اتخذت شكلها في جنوب أفريقيا، معظم السنوات التأسيسية بحياته قضاها هناك، اهتمامه بالمسائل الأخلاقية والفكرية والسياسية رجع إلى شبابه المبكر، لكنه فقط في جنوب أفريقيا كان له فرصة امتحانها بانتظام.
الفيلم مشغول بدراية سينمائية عالية، بدلاً من التعظيم المحبب لغاندي في فيلم اتنبورغ، يظهر غاندي هنا كانسان، ويظهر كيف أن رجلاً عادياً أتى ليصبح بطلاً لشعبه، الفيلم يظهر أيضاً كيف ضحى غاندي بعائلته ليكون زعيم شعبه. يتبع الفيلم الحوادث الملخصة في السيرة الذاتية لغاندي بإخلاص، ويعمل على صياغة سينمائية جيدة لإظهار الخوف والظلم الذي انتظر الهنود في جنوب أفريقيا في شروط قاسية، وعمل بشكل جيد لإظهار كيفية خلق الحركة الاجتماعية، الأمكنة والناس يبدون أكثر حقيقية. غاندي وزوجته يصوران كبشر بدلاً من تقديمهما كقديسين، كما هو واضح بخاصة في المشاهد التي تعرض النزاع الزوجي.
يقدم راجي كابور أداء صادقاً جداً في دور البطولة ويتقمص الشخصية بهدوء وثقة تستحق المديح، وتعطي بالافي جوشي أيضاً وجوداً قوياً جديراً بالإعجاب. ويجهد بينغال لتجنب النماذج الهندية التقليدية ويقدم توازناً جيداً في تمييز الجيد من الشيء بدون الاستسلام لنمذجة الشخصيات.. بإيجاز «تكوين المهاتما» يقدم القصة الشيقة لرحلة غاندي من محامي صغير إلى رمز دولة.. الرحلة التي كانت تحتاج تكاليفها وتضحياتها.
أدى هذا التحول إلى مادة السيرة الذاتية في فيلم «بوس، بطل منسي»، عام 2005 : تم العثور على نيتاجي سوبهاس تشاندرا بوس، وقد ألقي القبض عليه من قبل البريطانيين أثناء محاولته الهروب، من كلكتا عبر أفغانستان، ثم في غواصة ألمانية في طريقها إلى اليابان. اختلف بوس مع غاندي على طرق محاربة البريطانيين، واختار مثيراً للجدل التحالف مع ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية. وجد نفسه على رأس جيش الوطني الهندي «واع» المؤلف من 000 80 رجل. هنا جولة في لاداخ، ألمانيا، أوزبكستان، بورما، وماليزيا، ويكشف عن وجوه كثير من الأبطال الوطنيين الذين اختفوا في حادث تحطم طائرة غامض.
في عام 2008 قدم فيلمه «مرحبا بكم في ساجانبور»، بطولة شرياس تالباد وأمريتا راو. لقي الفيلم استجابة جيدة من النقاد والجمهور. ثم قام شيام بينغال بإخراج «تشاميكي» وهي ملحمة موسيقية من وحي الأوبرا الإسبانية الكلاسيكية كارمن لجورج بيزيه. القصة تدور حول تشاميكي وهي فتاة غجرية جميلة صاحبة مزاج ناري.
في آذار 2010، أصدر بينغال في هجاء سياسي فيلم «أحسنت يا أبا» وتدور أحداثه في الريف الهندي حول الفساد البيروقراطي وكيف استطاعت مجموعة من البسطاء مواجهته، بزعامة سائق ناقم على الأوضاع «والذي يؤدى دوره الممثل بومان إيراني» وابنته الشابة المثالية. وفي حبكة الفيلم هناك أخوان أحدهما صادق والآخر محتال ولكنه يتميز بالجاذبية، وفتاة يتيمة الأم تقع في حب شخص آخر يتيم أيضاً، ومجموعة من رجال الشرطة غير الأكفاء، الخ. ويعرض الفيلم الذي يتميز بحنكة الإخراج وروعة التمثيل قصة سياسية ساخرة تم تقديمها بشكل متميز ويعد أحد أفضل الأفلام الكوميدية الهندية خلال السنوات الماضية. وحاز على الجائزة القومية لأفضل فيلم اجتماعي في الهند.
شيام بينغال  رأس اتحاد الجمعيات السينمائية في الهند، ويملك شركة إنتاج أفلام خاصة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق