الجمعة، 15 مايو 2015

( عسل ) للمخرج التركي سميح كابلان أوغلو السينما الشعرية الخالصة


محمد عبيدو
هناك افلام سينمائية تشاهدها بالصالة وتخرج لتتركها هناك . وهناك أفلام تشاهدها لتخرج معك بعد انتهاء عرضها . فيلم ( عسل ) هو من النوع الثاني يخرج مع المشاهد من الصالة ليبقى القه وجماله ومتعته بالذاكرة . فيلم (عسل) الحائز على جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي 2010، ، للمخرج سميح كابلان أوغلو، يروي حكاية صبي في السادسة من عمره توقف عن الكلام بعد وفاة والده ، ويعد “عسل” أخر جزء من ثلاثية سينمائية أخرجها سميح كابلان أوغلو، وتشمل ” البيض , 2007 ” عرض بمهرجان كان السينمائي و ” الحليب, 2008 ” عرض بمهرجان البندقية و حملت عنوان (يوسف) نسبة إلى اسم بطل هذه السلسلة وقد تم تصوير هذه الثلاثية وعرضها بترتيب زمني معكوس، وجرى عرضها في مهرجان كان السينمائي الستين. في ( بيض )يصل إلى الشاعر يوسف نبأ وفاة والدته زهرة، فيعود إلى مسقط رأسه في بلدة صور التي لم يزرها منذ سنوات عديدة ليجد في منزل والدته الراحلة ابنة عمه آيلا بانتظاره لتخبره بضرورة تنفيذ رغبة أمه التي أوصت بذبح شاة كأضحية بعد موتها. ثم لا يلبث يوسف أن يغرق في ذكرياته حول المنزل والحياة في البلدة وأهلها والأماكن المسكونة بالأشباح. يذهب يوسف وآيلا إلى ضريح أحد الأولياء الذي يبعد مسافة ساعتين بالسيارة عن البلدة لشراء شاة وذبحها وتقديمها كأضحية تنفيذاً لوصية أمه زهرة. لكن يوسف وآيلا يصلان إلى المكان بعد مغادرة قطيع الغنم إلى الجبل لرعي العشب، فيضطر إلى قضاء الليلة مع آيلا في فندق قريب حيث تقام حفلة زفاف، وهذا ما يزيد من التقارب بين يوسف وآيلا. وعندما تغطي الثلوج الذنوب، لا يعود العاشقان إلى البلدة القديمة. ويسلط (عسل ) الضوء فيه على العلاقة بين رجل وابنه يوسف في منطقة نائية وغير مهتم بها شرق البحر الأسود . ويستكشف فيه مرحلة الطفولة المبكرة ليوسف ، يتجول عبر الغابات بحثا عن فقدان والده ، في محاولة لمعنى حياته وهو الذي لايجد ببيئته ما يحفزه على التواصل مع الآخرين. يصبح طفل صغير انعزالياً في الحياة حين يتعامل مع أزماته الشخصية والعائلية . والده النحال يعمل بجمع العسل من خلايا وضعها في اعلي الشجر اختفى النحل بشكل غير متوقع ، مما يهدد مصدر رزقه فيقرر الذهاب إلى منطقة ابعد . حادث غريب يقتل الأب ببداية الفيلم وهو يصعد إلى أعلى إحدى الشجرات كي يصل للخلية فينكسر غصن الشجرة ويسقط من هذا الارتفاع الشاهق . ويعود الفيلم في فلاش باك الى ما قبل الحادثة . ، ويتابع الفيلم ما تمر به العائلة الصغيرة. يشعر يوسف بالخجل من زملائه في الصف بسبب الفأفأة التي يعاني منها أثناء النطق ولأن بعض التلاميذ يسخرون منه عندما يجد صعوبة في القراءة أمام الجميع. اليوم الذي يقرر فيه الأستاذ منح الصبي وسام تقدير لا يستحقه تشجيعا له على تجاوز عثرات نطقه وقراءته الناتجة عن شعوره الدائم بالعزلة الداخلية، هو اليوم الذي يعود فيه إلى البيت ليسمع من الشرطي فشل البوليس في العثور على أبيه. تضطر والدة يوسف، أن تعمل في إحدى مزارع الشاي كي تعيل أسرتها من جهة، وتستمر في مساعدة ابنها كي يستعيد الرغبة في الكلام من جهة أخرى، ولا تقطع الأمل بعودة زوجها سالماً من كل مكروه. و ينطلق الصبي إلى الغابات الكثيفة يهديه إلى الطريق صقر كان أبوه قد رباه. لكن اللقطة الأخيرة له وهو جالس يستند إلى جذع شجرة وقد هبط الليل وساد الصمت وانتشر الظلام الداكن لا توحي بأنه وجد والده. هناك القليل الحوار أو الموسيقى في الفيلم. والشخصيات الثلاث الرئيسية (يوسف والديه) كلها تميل للصمت قليلة الكلام الى حد ما ، والموسيقى التصويرية اتية مع أصوات من الغابات والمخلوقات التي تعيش هناك.. و قد احتفي بالفيلم كتحفة فنية لبساطته الأخاذة والأداء المؤثر والمفعم بالصدق والجاذبية فيه . هو سرد وجودي بلغة الكاميرا الشاعرية والساحرة عبر نظرة طفل الى العالم . وحديث جميل عن الخسارة والحزن , انها لغة الشعر بالسينما الصورة تنطق بمكنونات النفس الداخلية لا حاجة للكلام لمناشدة حواسنا . ولا توجد موسيقى مرافقة الطبيعة تخلق الموسيقى الخاصة بها مع اختيار هادئ لتصوير البيئة المعاشة , حتى يمكن للمشاهد الحالم ان يشعر عبره بحركة الرياح وبالأوكسجين الذي نرغب بالبقاء معه و فيه يشعر بالشمس المشرقة و برائحة المطر الخفيف النازل على الصبي وهو في طريقه للمدرسة . سميح اوغلو يخلق جوا يشبه الاحلام في فيلمه , وهناك إشارات لفظية للأحلام وعندما يذكر الفيلم بإشارة لفظية يحافظ المخرج عليها سليمة من خلال الصور والألوان والتشكيل عندما يريد يوسف ان ينقل لواله حلم رآه ببداية الفيلم يهمس والده في إذنه ان لا يقولها بصوت عال لان الأحلام تختفي عندما نتحدث عنها . ان فيلم عسل هو نموذج للسينما الخالصة . وبطئه المقصود بالسرد يمثل تحديا لسينما شباك التذاكر الشعبية التي تمثل الوجبات السريعة وتحديا للجمهور بحثا عن ذائقة جمالية جديدة . انه عمل باهر في تلقائيته، وايقاعيته , و مميزا بتصويره يخلو من التكلف يميل الى البساطة المتناهية عبر احتراف سينمائي عالي المستوى، وكتابة مشهدية رشيقة . عسل : عام الإنتاج: 2010 مدة العرض: 104 دقيقة إخراج وسيناريو وإنتاج ومونتاج: سميح كابلانوغلو سيناريو: أورسون كوكسال تصوير: باريس أوزبيسر مونتاج: أيهان إرغورسيل – سوزان هند غونيري الممثلون: بورا ألتاس: يوسف - إردال بيسيكيولغو: يعقوب - تولين أوزين: زهرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق