تكتب
مارغريت كولر في مقالتها “المهاجرون في السينما الألمانية.. من ضحايا إلى
رعايا” لقد أضحت ألمانيا بلداً للهجرة، وهذا أحد أسباب كون التعددية
الثقافية عنصراً من عناصر السينما الألمانية.
ويروج لهذا العنصر مخرجون من أصل تركي، مثل فاتح آكين ويلماز أرسلان وسينان
أكوس. حتى بعض المخرجين الألمان وآخرين من “أصول مهاجرة” غير تركية بدأوا
يناقشون هذا الموضوع. وفي يومنا هذا فقد تغيرت موضوعات الأفلام من الشعور
بالغربة أو المعاملة كأجنبي في سبعينيات وثمانينيات وتسعينيات القرن
الماضي، إلى التركيز على “تصادم الثقافات” الصراع الذي يواجهه الشباب،
المحصور بين تراث البلد القديم وقوانينه، وبين التسامح والحرية في البلد
الجديد.
تعتبر
التجربة السينمائية للمخرج الألماني تركي الأصل فاتح آكين من أهم التجارب
السينمائية في أوروبا، حيث تستمد خصوصيتها من خلال طرح إشكالية العلاقة بين
الشرق والغرب، ومقاربة هذه العلاقة فنياً وإنسانياً، من خلال معالجة
الموضوعات التي تتقاطع فيها مصائر الشخصيات وأحلامهم وحياتهم مع بعضها
البعض.
وحسب
تعبير عماد مصطفى في مقالته “فاتح آكين يفتح سؤالاً مكرراً حول إشكـالية
العـلاقة بيـن الشـرق والغرب” المنشورة بمجلة الرافد، يمزج آكين من خلال
أفلامه أصالة الشرق بموضوعاته وسيره وعاداته ورؤاه مع المعاصرة الغربية
وتقنياتها وشخصياتها، ويركز على الموضوعات التي تجتاز الجغرافية والتاريخ،
وخلق رؤية تتناغم مع تعدد الانتماءات الثقافية والاجتماعية، فهو يعالج في
أفلامه الحياة اليومية في شرق ألمانيا بأدوات سينمائية كالكاميرا اليدوية
المتحركة. لقد خفف الاهتمام بالتغيرات الاجتماعية في ذات الوقت تصلب النظرة
المعقدة للجوانب الحزينة في التاريخ الذاتي. وهو من مواليد مدينة هامبورغ
الألمانية عام 1973، وينتمي إلى عائلة تركية قدمت من منطقة البحر الأسود ..
انتسب إلى كلية الفنون الجميلة بهامبورغ في سن 21 عاماً حيث درس السينما
وفنونها وشارك أثناء الدراسة بدور متواضع في مسلسل تلفزيوني. ما لبث أن قام
عام 1995 بإخراج أول أفلامه القصيرة بعنوان “أهوانت”.
«موجز
وبدون ألم” 1997، أول أفلامه الروائية الطويلة التي عززت من مكانته كمخرج
جديد على الساحة الأوروبية، أوجز أكين في هذا الفيلم سيرة حياة ثلاثة
أصدقاء في مدينة هامبورغ بألمانيا، التركي غابريل والصربي بوبي واليوناني
كوستا، ثلاثة مهاجرين يحترفون السرقات الصغيرة، ربما كرد فعل لإثبات الهوية
المضطربة والمهاجرة بأسلوب تدميري يوازي قسوة الحياة الحديثة وظلمها
وسحقها للمهمشين.
تابع
أكين مسرته الفنية والإخراجية بمزيد من الأفلام مثل فيلم (في تموز) (2000)
و(غفلنا عن العودة) (2001) و(سولينو) (2002) الذي صور فيه سيرة عائلة
إيطالية هاجرت إلى ألمانيا الاتحادية حاملة معها البيتزا والباستا، وهو
فيلم عن الحنين والنجاح المهني متعدد الجوانب ذي فكرة جديدة، وفي فيلمه
الحائز على الدب الذهبي في مهرجان برلين “ضد الجدار” (2004)، يناقش موضوعاً
جديداً ويتعرض ببساطة إلى المشاكل التي تواجه الجيل الثاني من المهاجرين
الأتراك في ألمانيا. وقد حصل هذا الفلم المتميز بأداء تمثيلي مبدع على
جائزة الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي..
ويسرد
الفيلم قصة فتاة تركية تربت في بيت تحكمه عادات وتقاليد مسلمة. ومع مرور
الوقت قررت زيبيل (زيبيل كيكيلي) التمرد على عائلتها والخروج من محيطها.
ولكنها تعرف تماما أن الطريقة الوحيدة لنجاح خطتها هي الزواج وذلك من تركي
مسلم. وبعد قيامها عدة مرات بمحاولة انتحار نقلت إلى مصحة نفسية وتعرفت
هناك على شاب تركي يكبرها سنا ومدمن على المخدرات والكحول. في المصحة
النفسية عرضت زيبيل على الشاب التركي (جاهد) أن يتزوجها بشكل صوري. وبعد
عقد القران بدأت بممارسة الحياة التي حلمت بها وباشرت بتجريب أشياء حرمت
منها في بيت أبيها كالرقص وتعاطي الكحول والمخدرات وممارسة الجنس.
في
عام 2005 أخرج آكين فيلمه الوثائقي عن مدينة اسطنبول “عبور الجسر”، وفيه
يقدم صورة للحياة الموسيقية في مدينة يندمج فيها الشرق مع الغرب هي
اسطنبول، قام بوضع الموسيقى التصويرية للفيلم أشهر فرقة روك في ألمانيا “einsturzend neubanten”.. وحصل
على جائزة أفضل سيناريو في مهرجان كان عن فيلمه (على الجانب الآخر) عام
2006 الذي يتناول قضية المهاجرين المحاصرين بين ثقافتين مختلفتين. حيث ينسج
أكين في فيلمه علائق معينة بين قصص ستة أشخاص يعيشون في تركيا وفي ألمانيا
لا تجمعهم روابط خاصة فيما بينهم ويرسم صورا لهذه الشخصيات الألمانية
والتركية المعاصرة التي يتقاطع مصيرها من خلال التعرف إلى ناشطة تركية شابة
تفر من تركيا إلى بريمن (شمال ألمانيا) بعد أن شاركت في تركيا بنشاطات
للمطالبة بالمزيد من الحقوق السياسية والاجتماعية. وأعلن آكين أن فيلمه هو
“الفيلم الثاني من ثلاثية” يريد تحقيقها في عمل طويل يجسد” الحب والموت
والشيطان” والتي بدأها بفيلمه المشهور”ضد الجدار”.
بين
ألمانيا وتركيا، تدور أحداث فيلم، فاتح اكين”حافة الجنة” 2007، حيث يتناول
موضوع الموت وتأثيره على حياة مجموعة من الأشخاص تربطهم عدة روابط تمتد ما
بين العائلة والسياسة والحب والصدفة. يبدو أن فاتح اكين يهدف في تناوله
عدة قضايا متشابكة التركيز على الشخصيات المختلفة في تفاعلها مع الموت، وإن
كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، حيث نرى التطور النفسي البشري بشكل بطيء
وكيفية تفاعله مع الموت المباشر.
«مطبخ
الروح”، أحدث أفلام فاتح اكين يتحدث الفيلم عن أخوين يونانيين يملك أحدهما
زينوس كازانزاكيس (آدم بوسدوكوس) مطعما شعبيا يعتبره مشروع حياته، أما
الآخر إلياس (موريس بليبتريو) فهو مجرم يقضي حياته متنقلا بين السجون
الألمانية، زينوس يسعى جاهدا لجلب الزبائن إلى مطعمه وتفشل كل محاولاته،
إلى أن يستقدم طباخا حاد الطباع لتقديم الأكلات المبتكرة، في هذه الأثناء
يضطر زينوس للاستعانة بشقيقه لإدارة المطعم ليتسنى له اللّحاق بحبيبته
نادين (فيلني روغان ). يحمل الفيلم الكثير من الأبعاد الإنسانية والتفاصيل
الحياتية الصغيرة والمفارقات الدرامية التي تحيط بالشخصيات الرئيسة، ونجح
في الكشف عن حالات شخصياته الوجدانية وقوة بنائه الدرامي والتفصيلات
المرئية والتقنية للتصوير والمونتاج والموسيقى. حاز الفيلم على إحدى جوائز
مهرجان فينيسيا السينمائي.
محمد عبيدو
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق