لعب تزامن بداية الإنتاج السينمائي الجزائري مع ثورة شعبها على الاحتلال الفرنسي (1954 - 1962) دوراً كبيراً في صياغة توجهه نحو تصدير حقائق الواقع المعيش وتسجيل الأحداث التاريخية، خاصة المتصلة منها بالثورة الجزائرية، حيث تشكلت النواة الأولى لمدرسة سينمائية لجيش جبهة التحرير الوطني من خلال لجنة السينما التي أنشأتها الحكومة الجزائرية المؤقتة، وتم إنتاج العديد من الأعمال الوثائقية خلال الفترة بين 1956- 1961 من بينها: (جزائرنا) إخراج جمال سندرلي ولخضر حامينا. وفيلم (ياسمينة) أول عمل للمخرج السينمائي لمحمد خضر حامينا، والذي هو أيضا ممثل وكاتب سيناريو ولد في 26 فبراير 1934 في مدينة المسيلة في الجزائر، تابع دراسته في فرنسا، ثم غادرها إلى تونس أثناء الثورة الجزائرية، حيث كان يعمل لصالح الحكومة الجزائرية المؤقتة.
فيلمه (ريح الأوراس) 1966، أحد أهم أفلام تلك الفترة وأقواها تعبيراً عن الإنسان العربي بالجزائر. عبر لغته السينمائية الشفافة والشاعرية، يحكي الفيلم عن أم فلاحة اعتقل الفرنسيون ابنها فراحت تبحث عنه يبن معسكرات الاعتقال حتى تجده في أحدها فتكتفي بمتابعته بنظراتها كل يوم من خلف الأسلاك الشائكة، ولكنه عندما يختفي مرة أخرى تفقد وعيها وتلقي بنفسها على الأسلاك الشائكة التي تصقعها. الفيلم حائز: جائزة العمل الأول من مهرجان كان لعام 1966 - جائزة أفضل سيناريو وجائزة الكتاب السوفيت الكبرى للسيناريو في موسكو 1967 - جائزة الغزال الذهبي من مهرجان طنجة.
إن العمل الدرامي المؤثر والشاعري الذي قدمه حامينا في أول أفلامه الروائية لم يمنعه عام 1968 من أن يقدم فيلما كوميديا بارزا بعنوان “حسن الطيرو” وفيه يقدم حامينا صورة مؤثرة وبإطار كوميدي عن كيف تؤدي ظروف الوطن الصعبة إبان الاستعمار بموظف بسيط إلى أن يصبح ثائرا على الاستعمار ودون أن يدري.
ولقي فيلم محمد لخضر حامينا (وقائع سنوات الجمر) 1974 صدى كبيراً، إضافة إلى أنه نال عام 1975، أكبر جائزة ينالها فيلم عربي حتى اليوم: (السعفة الذهبية) لمهرجان كان، في هذا الفيلم كان الواضح من جواب حامينا أن الثورة إنما كان لها هذا المصير لأن الخلل يكمن في جذورها الاجتماعية. وهذا الكلام أثار الحفائظ، ولكن اليوم، ألا يمكننا أن نرى في ما حصل في الجزائر تحققاً لـ (نبوءة) حامينا، تدور أحداث هذا الفيلم حول وقائع تاريخ الجزائر النضالي، والذي غطته مساحات الدماء الحمراء، من أجل نيل الاستقلال والحرية، والنظم التي تمارس القمع وتجهض حقوق الإنسان أينما كان. كما صور الفيلم الحياة القبلية في جبال الجزائر، والتي كانت تعيش على حياة التنقل في الصحراء والرعي، ثم لم تلبث أن تحولت الصحراء إلى ساحة للقتال والجهاد المستميت من أجل نيل الحرية المضرجة بالدماء، ويغلب على الفيلم روح التراجيديا، حيث سادت فيه مناظر البؤس والألم والمجازر الدموية لمئات من المواطنين.
فيلمه “العاصفة” المنتج عام 1982 متميز في مادته وموضوعه وبقوته الإخراجية. أحداث الفيلم تجري وسط قبيلة تعيش في واحة وسط الصحراء محاطة بالرمال وتهب عليها باستمرار العواصف الرملية التي تغطي البيوت والخيام وتدخل مسام الجسد وتكتم الأنفاس. وفي كل مرة تهب فيها العاصفة يندفع أهالي القبيلة في صراع محموم لدرء أخطار الرمال. ويعطي المخرج للرمال رمزاً واضحاً يجسده من خلال شيخ ضرير يعيش منعزلاً عن القبيلة ويغرق أهاليها بلعناته، والتي على إثرها تهب عواصف الرمال وكأنها التجسيد المباشر والحي للعنات الشيخ. وهكذا فالصراع بين أفراد القبلية والرمال يتحول إلى صراع كابوسي يمتد من اللقطة الأولى في الفيلم حتى نهايته، غير أن الهم الرئيسي للفيلم ليس الحديث عن قسوة الطبيعة بل عن قسوة الناس والعادات في مجتمع متخلف، ولهذا يختار المخرج عائلة واحدة ليركز عليها، وعلى حياة أفرادها المليئة بالقسوة والظلم والحدة المستندة إلى عادات وتقاليد متخلفة ترسخت منذ قرون.
وقدم حامينا عام 1986 فيلمه (الصورة الأخيرة)، ويعمل الآن على فيلم ‘’ظل الغروب’’ التاريخي ويتطرق في قصة مشوّقة لكيفية التقاء شاب فرنسي تم تجنيده رفقة شاب جزائري من الصحراء ونشأت بينهما صداقة.
محمد عبيدو
نشرت في جريدة الجزائر نيوز
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق