البندقية (إيطاليا) - يشهد الفيلم الوثائقي "بابا والقذافي" للمخرجة جيهان منصور الكيخيا عرضه العالمي الأول بالدورة الثانية والثمانين من مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي التي ستنعقد من السابع والعشرين من أغسطس المقبل وحتى السادس من سبتمبر، ليكون الفيلم الليبي الأول الذي يعرض في مهرجان فينيسيا منذ 13 عاما، وتتولى شركة “ماد ديسبربيوشن" مهام توزيع الفيلم في العالم العربي، بينما تتولى شركة "ماد وورلد" مبيعاته في باقي أنحاء العالم.
يتتبع الفيلم الأول لجيهان، وهو من كتابتها وإخراجها، رحلتها في كشف غموض اختفاء والدها، منصور رشيد الكيخيا – وزير خارجية ليبيا السابق، وسفيرها لدى الأمم المتحدة، وزعيم المعارضة السلمية للرئيس الليبي السابق معمر القذافي. وتجمع جيهان خيوط رحلة والدتها التي استمرت 19 عاما للعثور على زوجها. وفي غياب أي ذكرى عن والدها، تحاول استعادة التواصل معه والتصالح مع هويتها الليبية.
فيلم “بابا والقذافي” إنتاج أميركي – ليبي مشترك، فهو من إنتاج جيهان، وإنتاج منفذ لكل من ديف جينيت ومحمد سويد وسول جاي، وإنتاج مشترك لأندرياس روكسين وويليام جوهانسون كالين من شركة لايكا فيلم، بالإضافة إلى جايسون جاكسون ومحمد صيام كمنتجين استشاريين. وقام بالتصوير السينمائي كل من جيهان وميكا ووكر ومايك ماكلولين، بينما أشرف على المونتاج أليساندرو دوردوني وكلوي لامبورن ونيكول هالوفا، والموسيقى لتياغو كوريا باولو.
حصل الفيلم على تمويل من جهات دولية مختلفة، منها كوايت، ومعهد الدوحة السينمائي، والصندوق العربي للفنون والثقافة، والرابطة الدولية للأفلام الوثائقية، وصندوق سين جونة، ودعم الإعلام الدولي، وصندوق هوت دوكس – بلو آيس دوكس، ومهرجان مالمو للأفلام العربية، والمعهد السويدي للأفلام. كما شارك الفيلم في العديد من المختبرات، منها مختبر كلوز أب، ومنتدى قمرة السينمائي التابع لمؤسسة الدوحة للأفلام، وديربان فيلم مارت، وقافلة صانعات الأفلام الاستشارية بين النساء، وسوق ميديميد الأورومتوسطي للأفلام الوثائقية ومنتدى العروض التقديمية، ومختبر فيرست كات.
تقول جيهان عن والدها والفيلم “لا أريد أن يختفي والدي مرة أخرى. أشعر بإلحاح داخلي لسد هذا الفراغ الذي أحمله وسط فوضى ليبيا المستمرة وعدم استقرارها، وهي الفوضى التي أخشى أن تدفن هويتي الليبية في نهاية المطاف”. وتوضح “في فيلمي الوثائقي أفتش في ذاكرة الآخرين في محاولة لرسم صورة أوضح لوالدي الذي لا أتذكره. صناعة هذا الفيلم ساعدتني على فهم أهمية وجود الأب، وتأثير غيابه ليس فقط على العائلة، بل على المجتمع، بل وربما على الوطن بأسره”.
وتشرح “وأنا أعيد رسم صورة والدي، أزرع بذرة تواصل أعمق وأكثر صدقا، وأحرّر صوتي الخفي. بدلا من أن أبقي والدي حبيس صورة البطل الأسطوري من الماضي، أبحث عن الإنسان خلف الأسطورة، وأحاول أن أعيده إلى حياتي الحالية كأب محب. تبدأ جراح اختفائه في التحول إلى إمكانيات جديدة”.
وتوضح “رغم ما أحمله من ذكريات متكسرة، ومخاوفي، والقيود الثقافية المفروضة عليّ في المجتمع الليبي، أحاول أن أعيد التواصل مع والدي ومع ليبيا، بطريقتي الخاصة، كامرأة ذات قلب مفتوح. هذه إحدى الطرق التي آمل من خلالها أن أحتضن والدي قبل أن يختفي نهائيا من ذاكرتي، أو حتى من ذاكرة ليبيا”.
يذكر أن جيهان منصور الكيخيا حاصلة على درجة البكالوريوس في السياسة الدولية والمقارنة، بتخصص حقوق الإنسان والفلسفة والقانون الدولي، من الجامعة الأميركية في باريس. وحصلت على درجة الماجستير من كلية غالاتين للدراسات الفردية بجامعة نيويورك، بتخصص في التربية الفنية ورواية القصص. في عام 2012، نُشر مقالها “ليبيا، أبي، وأنا” في مجلة كلمات: الفكر والثقافة العربية. تلتزم جيهان باستكشاف كيف يمكن لحرية التعبير أن تكون وسيلة للتمكين والفهم.
ومنصور الكيخيا الذي ولد في العام 1931 وتوفي في 1993، لا تزال حادثة وفاته غامضة، حيث اتهم النظام الليبي السابق بتصفيته. فقد وصل الكيخيا في الحادي عشر من ديسمبر 1993 إلى فندق السفير بالقاهرة، ، لحضور مؤتمر المنظمة العربية لحقوق الإنسان، إلا أنه التقى بشخصيات عديدة من المعارضة الليبية، وكان يخطط للقاء أخيه، لأول مرة بعد أربع سنوات، وقرر تمديد إقامته في مصر.
وأثار غياب منصور الكيخيا المفاجئ عن موعده مع أخيه الشكوك، فحضرت الشرطة المصرية وفرق أمن الدولة وبدأت التحقيقات بحثا عنه، وأثار غيابه جدلا عربيا واسعا.
وفي الفيلم، تبحث جيهان عن منصور الأب والسياسي، فعند غياب والدها المفاجئ لم يكن عمرها قد تجاوز ست سنوات، وقد شهدت الطفلة في سنوات عمرها الأولى بحث أمها، الفنانة السورية – الأميركية بهاء العمري الكيخيا، عن أبيها، خلال انتقال العائلة بين فرنسا والولايات المتحدة دون أن تهمل الأم واجباتها في توفير طفولة صحية لأبنائها.
ويجمع هذا الفيلم الوثائقي بين عدد من الروايات الشخصية من أم جيهان وأفراد عائلتها وأصدقائها والشخصيات الرئيسية التي لها علاقة بهذه القضية. فبإطلاع المشاهدين على مشاهد أرشيفية وفيديوهات عائلية وتسجيلات فضلا عن توظيف المخرجة موهبتها في فن الأنيميشن، تدعو المخرجة المشاهدين إلى مرافقتها في هذه الرحلة العميقة وهي تحاول تركيب قطع أحجية أبٍّ لم تعرفه يوما حاكية معها البعض من قصص ليبيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق