بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 24 أغسطس 2025

من الأرشيف: يرى ان النقد السينمائي يقف عند الستينات القليوبي: الجماهيرية ليست شباك التذاكر

  



  محمد عبيدو

جريدة "السفير"

التاريخ: 1998-07-28

رقم العدد:8056

د. محمد كامل القليوبي، القادم من خلفية طويلة بالبحث والنقد السينمائي، مخرج سينمائي عمل على خلق رؤية سينمائية خاصة منذ فيلمه التسجيلي الطويل عن رائد السينما المصرية »محمد بيومي« مرورا بفيلميه الروائيين »ثلاثة على الطريق« و»البحر بيضحك ليه«. فلن تخطئ عينك أمام اللقطة الاولى من فيلم »ثلاثة على الطريق« وحتى قبل نزول العناوين، انك أمام فيلم »مثقف« يحمل من صانعه محمد القليوبي مؤلفا ومخرجا الكثير من ثقافته وخبرته، التي تمتد الى ربع قرن او يزيد من التعامل مع السينما كتابة وعملا.. لكن الاهم ان الفيلم مثله في ذلك مثل أغلب أفلام السينما المصرية الجديدة يحمل ايضا الكثير من هموم صانعه واهتمامه بقضايا الوطن الذي يعني امتزاجا حميما بين الجغرافيا والتاريخ. وكأنما اراد محمد القليوبي منذ اللحظة التي التحقت في ذهنه فكرة الفيلم الروائي الأول له، ان يضع يده على خريطة »مصر«، محاولا ان يمسك بجوهر حقيقتها على أرض الواقع الحي، عبر المكان والزمان، وان يسجل على شريط السليولويد بعضا من أزمتها الراهنة، لعله بذلك يمهد خطوة على طريق الحلم الذي راودنا بسينما جادة تسعى الى المساهمة في صنع وطن اكثر جمالا وعدلا. بين الجغرافيا والتاريخ، او بين المكان والزمان، بحث القليوبي عن شكل ملائم لهذا المضمون، فوجد ضالته في قالب »الرحلة« التي يخوض فيها مع شخصيات الفيلم وسط عالم لا بد انهم قد اجتازوه من قبل مرارا، لكن تجربة عنيفة تجعلهم يرونه وكأنهم يرونه لأول مرة. لم يكن غائبا عن وعي محمد القليوبي وهو يصنع فيلمه ذلك السحر الذي يحققه قالب الرحلة، ففيلمه يجوب في أنحاء الوطن ويغوص في أعماقه، يرى الوحدة في التنوع، والتناغم في الصراع.. فالفيلم يطرح أسئلة عميقة تتعلق بمعنى بناء الوطن وهي فكرة تنويرية قالها رفاعة الطهطاوي منذ زمن، ومن خلال شخصيات هامشية أوصلها الى المتن والأساس، عبر ملامسة شفافة دون ان يقدم حلولا جاهزة.. هذه المعالجة الجريئة بغوصه الى أعماق أبطاله الهامشيين يتابعها محمد القليوبي في فيلمه الثاني »البحر بيضحك ليه« والذي يغلفه بسخرية مريرة من الواقع الأليم من خلال الشخصية الرئيسية الذي يعمل محاسبا في احدى الشركات.. ويعيش مستسلما لحصار الضغوط العنيفة على مستوى الاسرة والعمل والشارع.. ان فيلم »البحر بيضحك ليه« يدافع عن حرية الانسان.. ويجسد القيود التي تحاصره في كل مكان.. وتصور تمرده على تلك القيود موضحا التباين بين عالمين عالم مزيف منافق.. والعالم السفلي الذي يبرز فيه النقاء النفسي. عالم القيود وعالم التحرر. وقد اتخذ من البحر خلفية لكل تلك الاحداث. وقد نجح القليوبي في استغلال الاحلام لتجسيد أفكاره عن الحرية المفقودة والتي استطاعت الكاميرا التعبير عنها.. في فيلميه الاثنين جمع القليوبي بين الشرط الجماهيري والمتعة الفنية العالية.. التقيناه في حوار حول رؤاه الفنية والسينمائية. 

{ في فيلميك »ثلاثة على الطريق« و»البحر بيضحك ليه« انحياز فني وإنساني للبسطاء والفقراء. ماذا عن هذا العالم وقربه من تعبيرك الغني؟ 

انحيازي للبؤساء ابداعيا وإنسانيا هو حالة من الاحتفاء بالحياة وقيمها النبيلة. فالابداع بطبيعته يعبر عن القيم النبيلة، ولذلك من الطبيعي ان يهتم بالفقراء والمهمشين، ولذلك لا يوجد فن ينتصر للاغنياء، لأن الثروة لا تعني مالا كثيرا، ولكنها سلوك وقيم تعمل لمصلحة الثورة ولذلك تفسد الى حد كبير العلاقات الانسانية والقيم النبيلة التي يهدف الفن الى ترسيخها. وإصرار الكثير من السينمائيين على الاحتفاء بالفقراء ومناصرتهم مثل داوود عبد السيد ورضوان الكاشف وغيرهم، اعتبره نوعا من الرهان على تقدم البشرية الى الأمام. فالسينمائيون يؤكدون للفقراء انهم أحرار وقادرون على تغيير حياتهم. ولذلك فبطل فيلم »البحر بيضحك ليه« يبحث عن حريته الداخلية والتي يهدرها المجتمع الذي يسعى لتعليب افراده وكأنهم كائنات سابقة التجهيز، وذلك بوسائل كثيرة ابتداء من المدرسة والتربية الطبقية وغيرها. فالبطل يعذبه السؤال المأساوي: لماذا يحتمل كل هذا القمع والقهر؟! ولذلك لا يهمه ان يعيش في أسوأ الظروف الاقتصادية ويعمل حاويا طالما انه يمتلك حريته بيده ويستطيع ان يرى جوهر الاشياء ويعامل الانسان كإنسان. 

{ ما الذي يدعوك لإنجاز فيلم سينمائي؟ 

عوامل عديدة.. أولها ان مهنتي أساسا هي صناعة الافلام وكل انسان يعبر عن نفسه بالأداة التي يملكها، فهذا هو حقي بالتعبير بالسينما، وهو حق طبيعي مكتسب أنا أقوم به من خلال صنع الأفلام. لو كان عندي مهنة ثانية لعبّرت من خلالها. أنا أصنع الافلام لأعبر عن نفسي.. وعندما تجذبني شخصية أصنع أفلاما تسجيلية، مثل فيلمي الاخير الذي صنعته عن الموسيقي »جمال عبد الرحيم«.. الشخصية هي التي تجذبني لنوع الفيلم الذي أنجزه. 

{ في أفلامك اعتماد على نجم بارز هو محمود عبد العزيز.. كيف تتعامل مع تركيبة النجم والممثلين في عملك؟ 

كلامي هذا في إطار وجود صناعة سينما.. أنا أفلامي كلها مكلفة جدا. فلا يمكن اذاً انجاز هذه الأفلام الكثيرة التكاليف بدون وجود نجم سينمائي. فوجود النجم هنا ضروري لعوائد الفيلم او تدبير النقود اللازمة لإنتاجه. وهنا النجم لي هو ممثل. من ناحية ثانية انا عندما أتعامل مع ممثل مثل محمود عبد العزيز أرى انه ممثل جيد، أحتاجه لتجسيد الشخصيات التي لدي. وان لم يكن محمود عبد العزيز نجما لكان ايضا سيمثل فلميّ الاثنين. هناك جزء من نجوميته يساعدني كثيرا لكن حتى لو لم يكن نجما فهذه أدواره. كيف أتعامل معه؟ أنا أتعامل كصانع أفلام مع ممثل ويحدث التلاقي الطبيعي بيننا الذي يؤدي لتفاهم متزايد، وهذا ما أعمله مع كل الممثلين الذين يعملون معي.. نتفاهم بشكل جيد على الأدوار ونحضّر بشكل جيد، ونتحاور حول الشخصيات وملامحها وحركتها وبالتالي نستطيع اخراج أقصى امكانيات الممثلين الذين يجب ان يكونوا موهوبين. تخلف النقد العربي 

{ بعض القراءات النقدية لأفلامك رأت تناقضا بين الحلم بسينما جادة والوقوع في فخ التوابل التجارية التي تقود الى شباك التذاكر. الى أي درجة ترى مثل هذه الملاحظات دقيقة؟

 هذا نتيجة للجهل السائد.. لأن هذه الافلام أدعو لرؤيتها في تقييمها الدولي.. أفلامي كلها نالت جوائز دولية هامة وعرضت في أماكن كثيرة في العالم. وهي مدرجة في »الانترناشيونال فيلم رايت«، وكتب عنها مجموعة من أهم نقاد العالم في صحف ومجلات مرموقة مثل »اللوموند«. أنا لست مسؤولا عن ان النقد في العالم العربي يقف عند أواخر الستينات، ولا زال يحتفي بالرموز وبجماليات القمع وبالهشاشة ولا يرى السينما في علاقة بمتفرج. وأنا لم أتنازل أبدا كناقد، ولو تابعت كتاباتي تجدني أتكلم بنفس الطريقة. وأعتقد انني كنت متجاوزا لكثير من النقاد الذين لا يزالون جالسين على أواخر الستينيات يحفظون كليشيهاتهم. لا أعتقد ان أي مخرج يحاول عمل فيلم غير جماهيري، لكن للأسف هناك فهما خاطئا للجماهيري بأنه شباك التذاكر.. هذا أحد جوانبه لكن الجانب الأساسي في الجماهيرية هي ان تسعى كي يفهمك الآخرون، باعتبار السينما احدى وسائل الاتصال وهي وظيفة اساسية فيها، كما هو الحال في الكتابة او الرواية التي تسعى دائما لكي تجد قارئا.. او شخصا تتحدث معه..، كلما ازدادت هذه القاعدة من الناس الذين تتحدث معهم كلما كان جماهيريا اكثر.. وهذا يُعبّر عن نفسه انتاجيا بتمويل العمل سواء أكان كتابا او فيلما او حتى جريدة او مجلة، لأنه في العادة تقاس أهمية اية جريدة في العالم بعدد قرائها، وتأخذ من هنا أهميتها ومدى تأثيرها على الرأي العام، فلو ان الفيلم حقق نفس الشيء يتم احتكاره، ويقولون هذا فيلم تجاري.. التجارية أتت من فيلم جماهيري كما هو الحال بالنسبة للجريدة او للكتاب. السينما علاقة بين طرفين: مبدع ومتلق، كل منهما يطور الآخر.. يوجد علاقة متبادلة غير أحادية.. العلاقة ترتبط بالظرف السياسي والثقافي والاجتماعي والمرحلة التي نعيشها وتطور العالم..

 { ماذا عن علاقتك كناقد وسينمائي مع زملائك السينمائيين في مشرق ومغرب الوطن العربي؟ 

حاليا، أنا أتعامل مع سينما مشرق ومغرب الوطن العربي باعتباري صانع أفلام وليس باعتباري ناقدا. لا أكتب عنها. ولكنني في حوار مستمر مع أصدقائي السينمائيين في المشرق والمغرب لأنني أعتقد ان هناك كثيرا من الهموم القومية والوطنية والاجتماعية التي تجمعنا، بالاضافة الى ان عددا كبيرا منا كان زملاء دراسة. درسنا معا، عشنا وحلمنا معا بالسينما. وجاء الوقت الذي نحقق فيه أحلامنا والتي هي أحلام مشتركة. حاوره: محمد عبيدو


 

الأربعاء، 20 أغسطس 2025

مهرجان الجونة يفتح ستار دورته الثامنة بإعلان 12 فيلمًا دوليًا



يعلن مهرجان الجونة السينمائي عن أولى ملامح برنامجه في دورته الثامنة، التي من المخطط عقدها في الفترة من 16 إلى 24 أكتوبر/ تشرين الأول، كاشفًا عن دفعة أولى من الأفلام التي اختيرت بعناية لتكون بمثابة وعدٍ بجولة بصرية وإنسانية استثنائية. 12 فيلماً من مختلف أنحاء العالم، تعكس تنوع التجارب الإنسانية وغنى المخيلة السينمائية.

صرحت ماريان خوري، المديرة الفنية لمهرجان الجونة السينمائي: "نحن فخورون للغاية بالبرنامج المُختار بعناية، حيث يُسهم كل فيلم في النسيج الكبير من القصص والحكايات التي يقدمها المهرجان من مختلف دول العالم. يُمثل مهرجان الجونة منصةً للحوار والاستكشاف، ونحن على ثقة بأن هذا الاختيار الأول سيُلقي صدىً عميقًا لدى جمهورنا".

الأفلام المعلنة هي:

حادث بسيط (It Was Just an Accident) - إخراج جعفر بناهي | إيران، فرنسا، لوكسمبورج | الفارسية

الفيلم الحائز على جائزة السعفة الذهبية للمخرج جعفر بناهي، يعرض حادثًا بسيطًا يؤدي إلى سلسلة من العواقب المتصاعدة.


قيمة عاطفية (Sentimental Value) – إخراج يواكيم ترير | النرويج، ألمانيا، السويد، الدنمارك، فرنسا | الدنماركية، الإنجليزية


يستكشف الفيلم الحياة المتشابكة لشقيقتين: ممثلة مرموقة وشقيقتها الصغرى التي اختارت الحياة الأسرية، حيث تواجهان ماضيهما عند عودة والدهما المخرج المنفصل عنهما من عدة سنوات. حاز الفيلم على الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي. يُذكر أن الفيلم السابق للمخرج يواكيم ترير "أسوأ شخص في العالم" عُرض في مهرجان الجونة السينمائي عام 2021.


أحلام - جنس حب (Dreams-Sex Love) – إخراج داغ يوهان هو غيرود | النرويج | النرويجية


قصة فتاة تقع في الحب لأول مرة وتوثق تجربتها من خلال الكتابة. فاز الفيلم بجائزة الدب الذهبي، وجائزة النقاد (فيبريسي) في مهرجان برلين السينمائي (برليناله).


القمر الأزرق (Blue Moon) – إخراج ريتشارد لينكليتر | الولايات المتحدة، أيرلندا | الإنجليزية


يرصد ليلة واحدة عام 1943 في حياة الكاتب الغنائي "لورينز هارت". عُرض في مهرجان برلين السينمائي وحصد الدب الفضي لأفضل أداء مساعد للممثل أندرو سكوت.


أُفضّل أن أفقد صوابي في البرية (Better Go Mad in the Wild) – إخراج ميرو ريمو | التشيك، سلوفاكيا | التشيكية | وثائقي


يتابع الفيلم توأمين يعيشان في قلب الطبيعة حيث تتوتر علاقتهما في رحلة تحمل أبعاد الانفصال والمصالحة. فاز الفيلم بالجائزة الكبرى في مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي.


 البعث (Resurrection) – إخراج بي غان | الصين، فرنسا | الماندرين الصينية


في عالمٍ فقدت فيه البشرية القدرة على الحلم، يتمسك وحشٌ بأوهام عالم الأحلام الآخذة في التلاشي، حتى تظهر امرأةٌ تتمتع بقدرةٍ نادرةٍ على إدراك هذه الأوهام على حقيقتها. حاز الفيلم على جائزة خاصة في مهرجان كان السينمائي.


صوت السقوط (Sound of Falling) – إخراج ماشا شيلينسكي | ألمانيا | الألمانية

أربع فتيات، يفصل بينهن قرن من الزمان، يقضين شبابهن في نفس المزرعة، ومع تطور المنزل، يظهر نمط من التشابه بين حياتهن. حاز هذا الفيلم على جائزة لجنة التحكيم مناصفًة في مهرجان كان السينمائي.


 الشيطان يدخن: ويخزن أعواد الثقاب المحترقة في العلبة ذاتها (The Devil Smokes: and Saves the Burnt Matches in the Same Box) – إخراج إرنيستو مارتينيز بوشيو | المكسيك | الإسبانية

يروي قصة خمسة أشقاء يعيشون مع جدتهم المريضة في أجواء تمزج الواقع بالخيال. فاز بجائزة أفضل عمل أول في مسابقة مواجهات في مهرجان برلين السينمائي.


دائمًا (Always) – إخراج ديمينغ تشين | الولايات المتحدة، فرنسا، الصين | الصينية ولهجات محلية | وثائقي

عمل شعري يعكس فقدان البراءة، يتتبع رحلة الشاب "غونغ يوبين" في مسار وجداني عاطفي عبر الشعر. هو العمل الأول لمخرجه، وحاز جائزة DOX:AWARD في مهرجان كوبنهاغن للأفلام الوثائقية.


أورويل:2+2=5  (Orwell: 2+2=5) – إخراج راؤول بيك | الولايات المتحدة، فرنسا | الإنجليزية| وثائقي


الفيلم من إخراج راؤول بيك، الذي عُرض فيلمه الوثائقي الشهير "أنا لستُ زنجيًك" في مهرجان الجونة السينمائي عام 2017، يتعمق هذا الفيلم الوثائقي العاجل في الأشهر الأخيرة من حياة جورج أورويل. يستكشف الفيلم أهمية روايته الرائعة "1984".


شاعر (A Poet) – إخراج سيمون ميسا سوتو | كولومبيا، ألمانيا، السويد | الإسبانية

حكاية شاعر يتقدم في العمر ويعاني من اضطراب نفسي، يجد معنى جديداً في حياته عندما يساعد فتاة مراهقة على اكتشاف موهبتها. حاز جائزة لجنة التحكيم في مسابقة نظرة ما، في مهرجان كان السينمائي.


لأجل آدم (Adam's Sake) – إخراج لورا واندل | بلجيكا، فرنسا | الفرنسية

قصة ممرضة أطفال تواجه رفض أم ترك ابنها ذي الأربع سنوات في المستشفى، فتبذل قصارى جهدها لمساعدة الأم في محنتها. عُرض الفيلم في افتتاح أسبوع النقاد في مهرجان كان السينمائي. وهو من إخراج لورا واندل، الذي عُرض فيلمه "ملعب" في مهرجان الجونة السينمائي 2021.


من جانبه، قال أندرو محسن، رئيس البرمجة في مهرجان الجونة السينمائي: "يسعدنا أن نقدم هذه المجموعة التي تحمل تنوعاً عالمياً في أساليب السرد، ما بين أعمال روائية مؤثرة وأفلام وثائقية عميقة، وقد حظي العديد منها بتكريمات بارزة في مهرجانات دولية مرموقة. وما هذا الإعلان سوى بداية الرحلة السينمائية التي نعد بها جمهورنا هذا العام".


 


EL GOUNA FILM FESTIVAL UNVEILS FIRST 12 TITLES FOR ITS HIGHLY ANTICIPATED 8TH EDITION


El Gouna Film Festival (GFF) is thrilled to announce the first 13 films selected to be screened at its 8th edition (October 16 - 24, 2025), offering an exclusive look at a program filled with critically acclaimed works from both established and emerging filmmakers. 


“We are incredibly proud of the carefully curated program that will be presented, with each film contributing to a rich tapestry of stories from around the world. The festival is a platform for dialogue and discovery, and we are confident that this initial selection will resonate deeply with our audience.” said Marianne Khoury, Artistic Director, GFF.


The first 12 titles announced are:


1. IT WAS JUST AN ACCIDENT

Jafar Panahi | Iran, France, Luxembourg  | Persian

This Palme d'or-winning film by the maestro Jafar Panahi chronicles a minor accident that sets in motion a series of escalating consequences.


2. SENTIMENTAL VALUE

Joachim Trier | Norway, Germany, Sweden, Denmark, France | Danish, English

This film explores the deeply intertwined lives of two sisters, an established actress and her younger sister who has chosen family life, as they confront their past when their estranged filmmaker father returns. It received the Grand Prix at the Cannes Film Festival. The film is directed by Joachim Trier, whose acclaimed film, THE WORST PERSON IN THE WORLD, was also screened at the 2021 GFF.


3. DREAMS (SEX LOVE)

Dag Johan Haugerud | Norway | Norwegian

This film follows Johanne, who falls in love for the first time with her teacher and documents her experiences in writing. It won the Golden Bear and FIPRESCI Prize at the Berlinale.


4. BLUE MOON

Richard Linklater | United States, Ireland | English

This film unfolds in real-time on the evening of March 31, 1943, telling the story of legendary lyricist Lorenz Hart bravely facing the future as his professional and private life unravel. It was a Berlinale selection and won a Silver Bear for Best Supporting Performance for actor Andrew Scott.


5. BETTER GO MAD IN THE WILD (Documentary)

Miro Remo | Czech Republic, Slovakia | Czech

This film chronicles the unraveling bond between wilderness twins, exploring themes of separation and reconciliation. It received the Grand Prix at the Karlovy Vary IFF.


6. RESURRECTION

Bi Gan | China, France | Chinese, Mandarin

In a world where humanity has lost the ability to dream, a monster clings to the fading illusions of the dreamworld until a woman appears with the rare power to perceive these  illusions for what they truly are. The film won the Special Prize at the Cannes Film Festival.


7. SOUND OF FALLING

Mascha Schilnski | Germany | German

Four girls, separated by a century, each spend their youth on the same farm, and as the home evolves, their lives begin to mirror each other. This film was a joint winner of the Jury Prize at the Cannes Film Festival.


8. THE DEVIL SMOKES (AND SAVES THE BURNT MATCHES IN THE SAME BOX) 

Ernesto Martínez Bucio | Mexico | Spanish 

The fears of five stoic young siblings, abandoned by their parents, mix with those of their schizophrenic grandmother, blurring and gradually dissolving the boundary between reality and imagination. This first feature won the Best First Feature Award  Berlinale. Perspectives.


9. ALWAYS (Documentary)

Deming Chen | United States, France, China | Chinese, Chinese Regional Dialects

An allegory for the loss of innocence, this film follows Gong Youbin, a young Chinese man who embarks on an emotional journey through poetry. It was a First Feature that won the DOX:AWARD at CPH:DOX.


10. ORWELL: 2+2=5 (Documentary)

Raoul Peck | United States, France | English

Directed by Raoul Peck, whose acclaimed documentary I AM NOT YOUR NEGRO was screened at the 2017 GFF, this urgent documentary delves into the final months of George Orwell's life. It explores the relevance of his masterpiece 1984, and disturbing sociopolitical truths such as Doublethink and Newspeak which resonate ever-more powerfully today.


11. A POET

Simón Mesa Soto| Colombia, Germany, Sweden | Spanish 

This film tells the story of an aging, erratic poet who finds new light in his life by helping a teenage girl from humble roots cultivate her own talent. This second feature received the Jury Prize of Un Certain Regard  at the Cannes Film Festival.


12. ADAM'S SAKE

Laura Wandel | Belgium, France | French 

A story of a pediatric nurse who confronts a mother’s refusal to leave her four-year-old son's side in the hospital, and will do everything in her power to help the mother in distress. The film opened the Critics’ Week at Cannes and is directed by Wandel, whose film PLAYGROUND was screened at the 2021 GFF.


“We are delighted to present this selection, which embodies the spirit of our festival ,” said Andrew Mohsen, Head of Programming. “These films represent a global array of storytelling, from powerful narratives to thought-provoking documentaries, many of which have already been recognized on the international festival circuit. This is just a glimpse of the cinematic journey that awaits our audience.”


The festival will announce the remaining films in the coming weeks.

 

الثلاثاء، 19 أغسطس 2025

فيلم "فلسطين 36" يمثل فلسطين في أوسكار 2026

 


أعلنت وزارة الثقافة الفلسطينية ترشيح فيلم "فلسطين 36"، من إخراج وكتابة آن ماري جاسر، لتمثيل دولة فلسطين رسمياً عن فئة الفيلم الدولي الطويل في جوائز الأوسكار في دورتها الـ98 التي تقام في 15 مارس/ آذار 2026، في لوس أنجليس. وكانت شركة ميتافورا من بين المشاركين في إنتاج الفيلم، الذي يُعدّ دراما تاريخية تتناول واحدة من أكثر الفترات حساسية في التاريخ الفلسطيني الحديث. وتدور أحداث الفيلم في زمن الانتداب البريطاني على فلسطين، حيث تنتفض القرى في جميع أنحاء البلاد على الحكم الاستعماري.

يتنقل يوسف، الشخصية الرئيسية في الفيلم، بين قريته الريفية ومدينة القدس المشحونة بالتوترات السياسية، حالماً بمستقبل يتجاوز الاضطرابات المتصاعدة. لكن التاريخ لا يرحم. فمع تزايد أعداد المهاجرين اليهود القادمين من أوروبا، وتوحد الشعب الفلسطيني في أكبر وأطول انتفاضة ضد الاحتلال البريطاني، تتّجه جميع الأطراف نحو صدام حتمي وسط لحظة فاصلة في حياة الإمبراطورية البريطانية، ولمستقبل المنطقة بأسرها.

وشارك في بطولة "فلسطين 36" عدد من الممثلين الفلسطينيين والعرب والأجانب البارزين، من بينهم جريمي أيرونز، وصالح بكري، وليام كانينغهام، وياسمين المصري، وبيلي هاول، وهيام عباس، وروبرتو أرامايو، وكريم داود، وظافر العابدين، وكامل الباشا.

ومن المقرّر أن يعرض الفيلم الذي يمتد على ساعتين تقريباً لأوّل مرة ضمن فعاليات مهرجان تورونتو السينمائي في كندا، خلال شهر سبتمبر/ أيلول المقبل. وقدّمت آن ماري جاسر عدداً من الأفلام التي حقّقت نجاحاً نقدياً بارزاً، وأهمها "ملح هذا البحر" (2008) و"لما شفتك" (2012) و"واجب" (2017).

الجمعة، 15 أغسطس 2025

صنع الله إبراهيم في مذكرات محمد ملص : يوميات «موسكو»



في عام 1971 ترك صنع الله إبراهيم برلين حيث كان يعمل صحفيا إلى موسكو في منحة لدراسة السينما. وسجل صنع الله تفاصيل هذه السنوات في روايته «الجليد».


في موسكو تزامل صنع الله مع المخرج السوري محمد ملص، حيث سكنا سويا في العرفة 403 في بيت طلبة معهد السينما بموسكو، وقد كتب صنع الله أول أفلام ملص عن تجربة السجن، وشارك في التمثيل أيضا، وهو الفيلم الذي كان مشروع تخرج كليهما.


سجل ملص يومياته في موسكو، ونشرها في كتاب «مذاق البلح» ليقدم فيها بورتريها عذبا لصاحب «تلك الرائحة»، بوتريه لروائى خاص، حيث جاء صنع الله إلى موسكو ليكتب، يكتب فقط كان هذه مشروعه. يكتب ملص في مقدمة يومياته: ومن مصادفات صداقتنا، أن طلبه هذا أوصله إلى معلمي المخرج “تالانكين”. بعد أن التقى “تالانكين” بصنع الله، أدرك كما قال لي: يجب أن تكون مهمتنا مع صنع الله، ليس تحويل هذا الكاتب إلى سينمائي، بل أن تكون السينما في نسيج تجربته الأدبية”. نختار هنا – بإذن خاص من ناشر الكتاب الروائي السوري خليل صويلح- مقاطع من يوميات ملص عن علاقته بصنع الله.


-1-

روايتاه اللتان قدمهما لي لأقرأهما، كانتا مخطوط رواية “67” التي لم تنشر، وروايته الجميلة “تلك الرائحة”، وقد شعرت وأنا أقرؤهما، أنه هو نفسه بلحمه ودمه يقفز من بين سطور روايتيه وينظر إلى القارئ بشماتة. بعد أيام روى لنا صنع الله حكاية الاعتقال والسجن.


كانت ليلة رأس السنة. وكان عام ١٩٥٩ يهل علينا بيومه الأول. كنت قد عدت إلى البيت بعد سهرة رأس السنة، وبدأت أستعد للنوم، فجاءوا وأخذوني. أتذكر كيف وقفنا واحدنا إلى جانب الآخر، في سيارة “اللوري” صامتين. وكل يزال بملابس النوم. منا غارق في أحواله وعالمه الخاص. كان المنظر مضحكاً لأن الكثير منا، كان لا يزال بملابس النوم.


هذه السيارة الداكنة كانت تزحف في شوارع القاهرة التي كانت تلك الليلة نائمة، وهي التي لا تنام عادة يداي مقيدتان بسلسلة واحدة مع شهدي عطية الشافعي، وننتقل من “القلعة”، إلى “الواحات” إلى “أبي زعبل”. بعد مراسم الاستقبال في “الواحات” في ذلك النهار اللاهب، أخذوا شهدي، ولم تعرف بعدها ماذا فعلوا به.


في اليوم التالي سرت شائعات، بأنهم قتلوه! كان حديث صنع الله هذا، يرن بإيقاع شخصي وخاص. وقد حملت رغبته بالتعبير مذاقاً فصلنا عن كل شيء آخر. حتى صديقتي العزيزة “فيرا” التي لا تفقه اللغة العربية، كانت تصغي باهتمام وتأثر كانت فيرا قد لجأت إلينا هربا من صبايا الطابق الخامس الغارقات في خلط الطحين بالملح، وانتظار منتصف الليل، ليرمين بفردة من أحذيتهن من النوافذ، وليهرعن بعدها إلى الشارع لتستقبل كل واحدة منهن أول رجل تصادفه، فيعرفن من اسمه أسم رجلها في المستقبل. بدا هذا البوح النادر عند صنع الله، في ليلة الميلاد الروسي، أشبه بخلط الحزن بالدم، فقد كانت عيوننا تجوس كل همسة تزفرها هذه الذكريات.


وفجأة وبشكل لا يشبه إلا الرعد الروسي دخل صديقنا الألماني “كورت” مخموراً؛ وأزرار قميصه المنفلتة؛ تكشف عن صدر تتهدل على صفحته ربطة عنقه في هذه الأيام كان كورت بعد أن عاد من ألمانيا إلى المعهد ليتابع دراسته السينمائية… يعيش في ضيافتنا. كان كورت يكن لفيرا مشاعر خاصة ويحس بالسعادة حين يلتقيها. لكنه حين دخل إلينا على هذا النحو ورآها شعر بالخجل. جلس معنا، ودعا فيرا لتقترب منه فصدم واستغرب انغماسها بما لا تفهمه ولما طالت الحكاية، ولم يعد “كورت” يستطيع تحمل منفاه بيننا. نهض وهو يردد بشكل سينمائي:


أحس يا أصدقائي بأني أشبه بمكنسة في هذه الغرفة… إني وحيدا وحيدا


ساد الغرفة وجوم بعث شحنات من المشاعر المتناقضة. وأخذت كلمات كورت تتصادي وتنداح، ثم تعود نحونا مغمسة بالوحدة تارة، وبالعزلة تارة أخرى. لم يكن يعذبنا في تلك اللحظة، شيء أكثر من انقطاع الحديث بين حدي القتل والأسيد. وكانت مشاعر “كورت” تتسرب بين هذين الحدين. جمع كورت أغراضه كلها، رمى مفتاح الغرفة على الأرض، وصفق الباب وراءه وكأنه يغادرنا بلا عودة. تاه كل منا في عالم من السكينة والصمت. وبعد فترة نهض صنع الله ومضى إلى غرفته لينام.


-2-

قادني حديثه عن السجن إلى الحوار عن “السيناريو” الذي نعد معاً لكتابته من أجل “فيلم التخرج”. اتفقنا ألا يهدف هذا السيناريو إلى التعبير عن القسوة أو صعوبة أو القمع السائد في السجون العربية


وأن علينا البحث للإمساك بالفكرة التي تجعل من الفيلم أكثر راهنية على أرضية من التجربة التي كان المثقفون المصريون قد عاشوها في أوائل الستينيات إذا كانت هزيمة حزيران ٦٧ “الانكسار” الذي لا يغادرنا أبداً. فقد كان لدينا نحن الاثنان، ما يكفي من التقدير لعبد الناصر، ما يحول بيننا والوقوع في مصيدة الهجمة اللاوطنية السائدة الآن ضده. وكنا نغلب إبرة التسديد باتجاه إطلاق نار على “النظام”. في بوحنا المرسل لمست بقوة، كم تستهوي صنع أخبار السياسية في حياة المعتقلين المصريين….


فكثيراً ما كان يتذكر ذاك الهوس بتهريب الصحف المصرية، الذي يتدبره المعتقلون داخل السجن، والحالة والوجدانية لتلقف هذه الصحف. في استعراض صنع الله للصور والنماذج والأفراد، أدركت أن هذه الحمى لدى النظام في القضاء على هؤلاء، استهدفت خيرة المثقفين والمبدعين الفعالين في حياة المجتمع المصري. وجعلتني أتوهم أن كل المثقفين المصريين شيوعيون، وأن أتساءل عما إذا كانت تلك الحمى كانت تستهدف “الثقافة” أكثر مما تستهدف الحزب الشيوعي؟


ال حنين العميق عند صنع الله لشخصية كانت محببة جداً لدى السجناء، يطلقون عليها “شيخ العرب”. كما أن حنينه للدور الذي كان يقوم به هو نفسه، داخل السجن كـ قارئ الأخبار…. وحال تلك البلاد الذي تأخذ بمثقفيها إلى السجن وبجيشها إلى الحرب. لعب دوراً كبيراً في تثبيت عناصر البناء الدرامي المشروع السيناريو المقترح.


قررنا بعدها، أن ينصرف صنع الله لكتابة “مفكرة” عن السجن، تسبق كتابة


خلال انصراف صنع الله لكتابة السيناريو، كان يشغلني بإلحاح الإحساس بأن ثمة “شيء” نفتقده في العناصر التي توصلنا إليها. وفي فضاء هذا الشعور عثرت على “فكرة” أخذت أهتف بها كشعار:


السينكرون ! أي التزامن!


فقضية التزامن بين الصوت والصورة في السينما واختلاف سرعة وصول الصوت إلى الأذن واختلاف سرعة وصول الضوء إلى العين، كما في التزامن المتفاوت بين وصول البرق ووصول الرعد…. هما اللذان أوحيا لي بالفكرة.

فإذا كان جو السجن المشبع باللهفة إلى تلقف الخبر السياسي، هو الفضاء الدرامي للسيناريو، وأحداث الفيلم تحدث زمن حرب يونيو ٦٧ أدركت بأنه لا بد من اللاتزامن درامياً بين اللهفة والحدث… أي أن تصل أخبار انتصارات حرب يونيو للسجناء من خلال الصحف، في الوقت الذي تكون فيه هذه الحرب قد انتهت إلى هزيمة… فيعيش السجناء حالة النصر بينما البلاد في حالة الهزيمة.  أن يكون “السجناء” ضحايا “اللاتزامن”، كما كنا نحن خارج السجن ضحايا النفاق. أصبحت هذه الفكرة عصب “السيناريو” ويجب أن تكون “روح” الفيلم القادم…. روح فيلم تجري أحداثه في عالم سجن، لا نغادر جدرانه.


-3-

الجو بارد، السماء ممطرة.


خرجنا معاً كعجوزين يحتاجان إلى هواء الصباح لاستعادة طاقتهما من جديد في الشارع كانت الأوراق المتساقطة من أشجار “البتولا” قد التصقت على أرض الرصيف وعلى الإسفلت وغطته، وكان الطوب الأحمر الذي يستر الأبنية أكثر قتامة ونقاء، ونقاط المطر على أطراف المظلة السوداء التي تغطينا معاً، تقطر كالدموع.


اتجهنا نحو محل بيع الصحف فوجدناه مغلقاً. ذهبنا للبريد فلم نجد أية رسالة لنا.


فاشترينا اللبن والخبز والخمر من الأنواع الأكثر رخصاً. ثم قرأنا لوحة الأفلام التي تعرض في موسكو، واخترنا فيلماً بولونياً بعنوان “تشريح الحب”، وعرفنا أيام وساعات ومكان عرضه ثم اتجهنا عائدين إلى البيت.

في مدخل البيت كانت هناك مناوشات عاصفة بين الطلاب ومديرة البيت. فقد كان الطلاب يحتجون بعنف على ظهور الجرذان في طابقهم، وكان وجه المديرة يمتعض ويشمئز تارة من آثار “فودكا” الأمس، وأخرى من تخيلها لزحف الجرذان.

كانت قامات الطلاب المحتجين توحي بأنهم مصورون، إذن هم قاطنو الطابق الثاني، شعرنا بالاطمئنان من أن الجرذان ستحتاج إلى المزيد من الأيام لتجتاح طابقنا الرابع.

أثناء الفطور ورشف الشاي الأحمر، وتدخين السجائر… دخلنا عالم الكلام فتحدثنا عن الكتابة الروائية وعن عبد الناصر، وعن الضرورة بعمل فيلم


عنه …


قال صنع الله: “أحس بأن كل ما أفعله هو تمهيد لهذا النص المؤجل ….


تستهويني عذابات عبد الناصر الداخلية والوجدانية، والسلطة عنده وحب التعلق، لقد كان سعيداً بزعامته” الذات. لقد صاغ بجهود كبيرة، وصنع عملية اهتمام الناس به، ليعيش لذة هذا التعلق، لقد كان سعيدا بزعامته”


-4-

الشتاء القاسي، والأمزجة في حقبة “الالتهابات” المختلفة، قد نجحا في إسقاطنا في الكأبة. فصار المساء للصمت، والصباح للبوح. كان هذا البوح يبدأ ما أن يتقلب كل منا في سريره باتجاه الآخر…. ثم نتابعه مع المؤثرات الصوتية لقضم القطع اليومية الأربع للخبز المحمص، و”شرق” البيضة ورشف الشاي الأحمر.


كان يجب أن يستمع لـ “باخ”، وكنت أحب “تشايكوفسكي”.


وكنا نجلس دائماً وسط الغرفة، فتبدو أشبه بتكوين مسرحي على منصة، جدارها الرابع هو الغابة التي تبدو وكأنها المتفرج الوحيد لعروضنا اليومية هذه.


" مذاق البلح – غلاف كتاب محمد ملص "


بوحنا وحواراتنا يتخللها دائماً دوس باسوس، وجراهام جرين فرويد، دوستويفسكي، السجن القنيطرة، الحب، المرأة، والختام دائماً منام الليلة الفائتة. وعلى مائدة الغداء اليومي، كانت تظهر على المنصة، شخصيات من مجلس قيادة الثورة، من ناصر إلى عامر، إلى السادات إلى علي صبري إلى خالد محي الدين. فكانوا أشبه بالعسس الذين يتلصصون على العرض. حين تنتهي الموسيقى، يبدأ عمود الرافعة المعمارية وراء النافذة بالتحرك حاملاً قطع الطوب الأحمر ليرصفها جنبا إلى جنب في مشروع المشفى المجاور. وحينها يعود صنع الله إلى صمته. يتناول الصحيفة القديمة ليتأملها، ثم يقصها ليرصف القصاصة مع غيرها من القصاصات جنباً إلى جنب.


وفي المساء كثيراً ما يغدو حديثنا المتباعد، أشبه بمونولوج يتناهى من باطن الأرض إلى فضاء مقبرة شرقية. مونولوج تتداخل جمله المتناثرة مع صوت القلم الذي أكتب به روايتي، وبصوت قرقعة الصحيفة بين يدي صنع الله وهو يفتحها، أو يغلقها، أو يرمي بها على الأرض، ثم يئز صرير مقصه في لحم الجريدة مختلطاً بتنهداته.


في آخر الليل، كان صنع الله يسحب الكرسي من تحته ثم يقف. يتجه إلى النافذة ويفتح “الكوة” العلوية الصغيرة، يجول في الغرفة قليلاً، يتناول علبة سجائره الكيلوباترا ويستل سيجارة واحدة، ثم يطق صوت عود الكبريت المشتعل. يقرفص فجأة فتتناهى طقطقة مفاصله وهو يجمع بنزق بقايا الصحف المقصوصة التي رمى بها فيحملها ويخرج إلى الممر مجرجراً أقدامه في الخطوات الأربع أو الخمس وهي تبتعد، ثم تعود فتتناهى إلى من الممر مختلطة تارة بكعب نسائي، وأخرى بصرخات معربده، أو بصوت سفح البطاطا في الزيت المغلي آتية من المطبخ العمومي، أو صوت “السيفون” في المرحاض العمومي أيضا. دائماً تنتهي سيمفونية النهار وصنع الله يربط الساعة المنبه ويشحن طاقتها على الرنين.


بعدها العتمة التي تبث في قضاء الغرفة تكتكة الزمن.  استيقظ صنع الله مبكراً أكثر مما اعتاد عليه. لا يجلس جلسته الصباحية التأملية في السرير. ولم يدفن رأسه مطولاً بين كفيه. لم يضع نظارته كي يغرق في تأمل الخلايا الخشبية التي توصف الغرفة، لم يقم بقفزاته الرياضية المضحكة لم يتناول شفرة الحلاقة أو “قنينة” ماء تمر حضه. لقد نهض على عجل، وابتسم للشمس، واستل سكيناً غزها في الورق الملصق على الخط الفاصل بين درفتي النافذة، ثم سحب السكين ممزقا الورق كله، وشد المزلاج فانفتحت النافذة ودخل الهواء الطازج. تناول قطعة من القماش، وبللها بالماء، وأخذ ينظف بلا هوادة أثار لصاق الأوراق على النافذة. فازداد الهواء نقاء والشمس بهاء.


جلس وراء طاولته، وتناول صحيفة من عام 1970، تأملها مطولاً، ثم أمسك بالمقص وقص جزاً صغيراً منها. لعله خبر سياسي أو نعي أو زواج أو انتحار أو جنون الصق الخبر على ورقة بيضاء، وكتب تحته كلمتين أو ثلاث، ثم عاد وفعل الشيء نفسه، مع صحيفة أخرى من يوم آخر أو عام آخر…. فعل هذه الأشياء من جديد مرة بعد مرة، وكأن الصحف لا نهاية لها، بينما كانت أوراقه تتراكم أمامه كما الأيام.

الأربعاء، 13 أغسطس 2025

 



الجزائر - أعلنت اللجنة الجزائرية لانتقاء الأعمال المشاركة في جائزة الأوسكار والمكلفة من طرف "أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة" عن دعوة لترشيح أعمال سينمائية من أجل انتقاء الفيلم الروائي الطويل الذي سيمثل الجزائر في الطبعة الـ 98 لجوائز الأوسكار في فئة "أفضل فيلم روائي دولي", حسب ما أفاد به بيان للجنة.

وجاء في البيان أن عملية ترشيح الأفلام واختيار واحد منها لتمثيل الجزائر في جوائز الأوسكار المقبلة بالولايات المتحدة الأمريكية هي برعاية من وزارة الثقافة والفنون وبالشراكة مع المركز الجزائري لتطوير السينما, حيث يترأس هذه اللجنة المخرج بلقاسم حجاج.

ولهذا الغرض, يضيف البيان, تم فتح منصة موجهة للمنتجين الراغبين في الترشح وهذا عبر الرابط www.algerian-sc.com, حيث تتضمن هذه المنصة أعضاء اللجنة بالإضافة إلى شروط المشاركة واللوائح التنظيمية واستمارة الترشح القابلة للتحميل وكافة التفاصيل المتعلقة بالمشاركة.

وقد تم تحديد الموعد النهائي لتقديم المنتجين للترشيحات بيوم الخميس 4 سبتمبر المقبل

الثلاثاء، 12 أغسطس 2025

مادونا توجه نداء انسنيا للبابا ل يارة غزة

 


وجّهت أيقونة البوب مادونا نداءً إنسانيّاً إلى البابا لاوون الرابع عشر، حثّته فيه على زيارة قطاع غزة، ودعته إلى "إحضار نورك للأطفال قبل أن يفوت الأوان"، في ظل حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة على القطاع. وكتبت المغنية الأميركية عبر منصة إكس، أمس الاثنين: "أيّها الأب الأقدس، من فضلك اذهب إلى غزة وأحضر نورك للأطفال قبل أن يفوت الأوان. كأم، لا أستطيع تحمّل رؤية معاناتهم. أطفال العالم ينتمون إلى الجميع".


وأضافت: "أنت الشخص الوحيد بيننا الذي لا يمكن منعه من الدخول. نحن بحاجة إلى فتح البوابات الإنسانية بالكامل لإنقاذ هؤلاء الأطفال الأبرياء. لم يعد هناك وقت. من فضلك قل إنك ستذهب. مع المحبة، مادونا". وتابعت قائلة: "السياسة لا يمكنها إحداث التغيير، الوعي وحده قادر على ذلك، ولهذا أتوجّه إلى رجل من رجال الله". وبمناسبة عيد ميلاد ابنها روكو، أوضحت مادونا قائلة: "أشعر أن أفضل هدية يمكن أن أقدّمها له كأم هي أن أطلب من الجميع أن يفعلوا ما بوسعهم لإنقاذ الأطفال الأبرياء العالقين وسط تبادل النيران في غزة. أنا لا أوجّه أصابع الاتهام، ولا أُلقي باللوم، ولا أنحاز لأي طرف. الجميع يعانون".


وأضافت: "إنني أحاول فقط أن أفعل ما أستطيع لمنع موت هؤلاء الأطفال جوعاً"، داعية متابعيها إلى التبرع لعدد من المنظمات الإنسانية. تأتي هذه الرسالة في وقت تواجه فيه إسرائيل إدانات دولية متزايدة بسبب حرب الإبادة على غزة، والتي أسفرت منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 عن استشهاد نحو 61.500 شخص، في حملة عسكرية دموية دمّرت البنية التحتية للقطاع ودفعته إلى حافة المجاعة. 


من جانبه، كان البابا لاوون الرابع عشر قد عبّر منذ تنصيبه عن مواقفه الصريحة تجاه إبادة غزة، داعياً إلى إنهاء "بربرية الحرب"، وقال في يوليو/ تموز الماضي: "أناشد المجتمع الدولي الالتزام بالقانون الإنساني واحترام واجب حماية المدنيين، إضافة إلى حظر العقاب الجماعي، والاستخدام العشوائي للقوة، والتهجير القسري للسكان".

الاثنين، 11 أغسطس 2025

أفلام السيرة الذاتية الحياة السرية للعملاء المزدوجين: رجل إنجليزي في الخارج (1983) ومسألة الإسناد (1991) من تأليف آلان بينيت وجون شليزنجر

 



نيكول كلواريك

تذكر معظم مؤرخي ونقاد السينما المهتمين بالأفلام السيرية، وهم عدد قليل نسبيًا، الازدراء النقدي طويل الأمد لنوع الأفلام السيرية. قد تكون الأفلام السيرية قابلة للاستمرار تجاريًا، وربما لأن بعضها يحقق نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر، فإنها غالبًا ما تُعتبر منتجات منخفضة الجودة.  وهذا أمر محير للغاية نظرًا لأن هذا النوع قد أثار عددًا من وجهات النظر الجديدة المحفزة منذ مقال جورج ف. كوستن الرائد عن شكله الكلاسيكي في هوليوود.  وبينما تحاول معظم الدراسات تقديم بعض التصنيفات - من خلال التقسيم الزمني التاريخي، أو المحتوى الدلالي لمختلف المهن والحرف، أو من خلال النوع الاجتماعي - تتفق معظم التحليلات على تسليط الضوء على السيولة الملحوظة لهذا النوع. بالنسبة لخبيرة الأنواع السينمائية رافاييل موين، يتميز الفيلم السيري بميله إلى التهجين: "يرتبط تنوع الأفلام السيرية بقدرة النوع على التهجين، كما هو الحال مع جميع الأنواع التي تستمد خصوصيتها من خصائصها الدلالية".

وبالمثل، تُعرّف مارتا مينير ومادالينا بيناتشيا السيرة الذاتية بأنها "نوع أدبي صيغي ولكنه مرن" في المقدمة المثمرة لكتاب التكيف والوسائط المتعددة والسيرة الذاتية البريطانية للمشاهير .4 ويتعامل علماء الإعلام بتحدٍ مع السيرة الذاتية كشكل من أشكال التكيف ومثال على الوساطة المتعددة، مما يعزز النظر المتجدد في الأسئلة القديمة حول الإخلاص لما يسمى "النصوص الأصلية".5 ويزعم مينير وبيناتشيا أنه يجب الاحتفاء بالسيرة الذاتية لعدم نقائها، ويقدمان إطارًا نقديًا لتجاوز الجدل التقليدي بين الخيال والحقيقة: "قد يبدو تقديم السيرة الذاتية على أنها مقتبسة بمثابة اقتراح غير تقليدي إلى حد ما في البداية (وبالكاد يكون نهجًا معتمدًا في دراسات السيرة الذاتية حتى الآن)، ولكن عند الفحص الدقيق، يبدو أن السيرة الذاتية كشكل هي التكيف بامتياز " . ويبدو هذا النهج مناسبًا عندما تكون حياة الشخصيات الرئيسية مراوغة ومحاطة بالسرية بشكل سيئ السمعة.

لأن حياتهم محاطة بالغموض، لطالما كان الجواسيس شخصيات مثيرة للفتنة والتكهنات، وبالتالي، فلا عجب أنهم أنتجوا بعضًا من أكثر سلاسل الأفلام ربحًا في السينما على مر الزمن. ومع ذلك، وبصرف النظر عن بعض الاستثناءات القليلة، فإن 7 أفلام سيرة ذاتية عن عملاء سريين حقيقيين نادرة وهزيلة. معظم أفلام الخيال التجسسي، حتى عندما تستند إلى عملاء حقيقيين، لا تشير إلا بشكل فضفاض إلى الحقائق المستخدمة لإبراز عناصر الإثارة أو المغامرة أو الرومانسية. في حين أن الأفلام السيرية، أكثر من أي نوع آخر، تطمس التمييز بين الحقائق والخيال، فإن حقيقة أن أحداث حياة العميل السري الفعلية لم يكن من المفترض أبدًا الكشف عنها غالبًا ما تؤدي إلى تكهنات ومراجعات لفترة طويلة بعد وقوع الأحداث. علاوة على ذلك، فإن تحويل حياة العميل السري إلى سيرة ذاتية موثقة جيدًا يعني بطريقة ما أن الجاسوس قد تم الكشف عنه وأنه فشل في وظيفته. ورغم كل هذا البهرجة، فإن شخصية الخائن لا تثبت دائماً أنها جذابة مثل شخصية جيمس بوند، كما يتضح من المراجعات المخففة والفشل النسبي في شباك التذاكر لفيلم " الصقر ورجل الثلج" (1985) للمخرج جون شليزنجر، والذي يستند إلى حياة كريستوفر جون بويس وأندرو داولتون لي اللذين ألقي القبض عليهما لبيعهما وثائق سرية للاتحاد السوفييتي في سبعينيات القرن العشرين .(...)

كيف إذن يمكن تصور فيلم سيرة ذاتية عن عملاء سريين، يخترق السرية ذاتها التي تحدد حياتهم؟ تولى كاتب السيناريو آلان بينيت والمخرج جون شليزنجر هذا التحدي في فيلمين شكلا ثنائيًا حول اثنين من أشهر الجواسيس في التاريخ البريطاني، جاي بيرجيس في فيلم "إنجليزي في الخارج" (1983) وأنتوني بلانت في فيلم "مسألة الإسناد" (1991). تمشيا مع "النوع الذي يغذي خيالات الهوية الوطنية" 9 ومثل معظم الأفلام السيرية البريطانية على وجه الخصوص، يعرض الفيلمان اهتمامًا مستدامًا بـ "السيرة الذاتية الوطنية". 10 ومع ذلك، فإنهما يثبتان أمثلة مبكرة على الأفلام السيرية التي تم تصورها على أنها استعارات انعكاسية ذاتية ووسيطة. 11 بدلاً من الادعاء بالكشف عن "الذات" الحقيقية لسيرهم الذاتية، فإن الأفلام تتفاعل بشكل خيالي مع التشابك المتعمد بين الحياة والخيال مع إبراز استراتيجياتها الدرامية للتمثيلات. بينما يظن الجاسوسان السابقان في كلا السرديتين أنهما يتحكمان بالمظاهر عمومًا، وبمظهرهما الشخصي خصوصًا، يستكشف الفيلمان التوترات المتناقضة الناجمة عن التطفل على حياةٍ كُرِّست للسرية، مما يؤدي إلى تأملاتٍ مرحة حول المظاهر، وكيفية تشفيرها وإمكانية فك شفرتها. ولإضفاء طابعٍ درامي على هاتين العمليتين، يكشف الفيلمان عن علاقاتٍ وسيطة بين حياة الشخصيات الرئيسية وسرديات الأمثال المبنية على استعاراتٍ من المسرح (فنون الأداء والأزياء) وتاريخ الفن (مسألة التأليف والأصالة). وباستخدام أسلوبٍ سرديٍّ أكثر تقليدية، يركزان أيضًا على الرحلة الاستقصائية لشاهدٍ مُتميزٍ يمكن للمشاهدين التماهي معه في سعيهم لكشف بعض الحقائق عن الجاسوسين السابقين. 12

على الرغم من أن الفيلمين نشأا في وسيلتين مختلفتين ( تم تصور فيلم An Englishman Abroad في البداية للتلفزيون قبل أن يصبح مسرحية، بينما تم اقتباس فيلم A Question of Attribution من المسرح)، إلا أن كلاهما نتاج نفس الفريق المكون من كاتب السيناريو آلان بينيت والمخرج جون شليزنجر والمنتج إينيس لويد. وقد شهد هذا المشروع عودة المخرج جون شليزنجر إلى بريطانيا العظمى وهيئة الإذاعة البريطانية (حيث بدأ حياته المهنية في نهاية الخمسينيات)، مما سمح له باستئناف الشراكة التي تمتع بها مع التلفزيون البريطاني بعد الفشل النقدي والتجاري لفيلمه الهوليوودي Honky Tonk Freeway (1981). ولكن كما هو معتاد في التلفزيون، فإن الفيلمين هما في المقام الأول من بنات أفكار كاتب السيناريو الخاص بهما: آلان بينيت، الذي يُعتبر الآن "أحد أشهر كتاب الدراما البريطانيين المعاصرين"، ويُعتبر "أهم كاتب مسرحي تلفزيوني بريطاني مبتكر منذ دينيس بوتر" .

بصرف النظر عن كتاب كارا ماكيتشني، تركز معظم الدراسات النقدية على إنتاجاته المسرحية

تنتمي مسرحيتا "إنجليزي في الخارج" و "مسألة نسب" إلى الفترة الثانية من إنتاج بينيت التلفزيوني، حيث برز جواسيس سيئو السمعة وكتاب مشهورون. يعتبر معظم النقاد (وولف 1999، أوميلي 2001، ماكيتشني 2007) 15 مسرحيات الجواسيس والكتاب مجموعة أدبية واحدة، لأنها تركز على شخصيات تاريخية معروفة، وتتناول مفهوم الهوية الخفية، الذات السرية. وهكذا، يُعرض التجسس، بدوافعه وأساليبه، بالتوازي مع نشاط كتابة السيرة الذاتية، مما يُضفي بُعدًا تأمليًا على سعي كاتب السيرة الذاتية إلى استخدام حياة الآخرين كمادة خام. ويُعلق الباحث الأدبي جوزيف هـ. أوميلي قائلاً:

الجواسيس والكتاب متشاركون سريون بالمعنى الحرفي للكلمة؛ فهم يراقبون حيث لا ينبغي لهم ذلك، وينقلون ما رأوه، مما يُسبب غالبًا معاناةً لمن راقبوهم. يعملون على أفضل وجه في العزلة والانفراد. في عالم بينيت، غالبًا ما يكون ولاءهم لأنفسهم فقط، لا لأي أيديولوجية .

ليس من المفارقات البسيطة أيضًا أن يركز بينيت في كلا الفيلمين على لحظة في حياة الجواسيس عندما توقفوا منذ فترة طويلة عن العمل كعملاء سريين. تجنب إما سيناريو كلاسيكي من المهد إلى اللحد أو حتى سردًا تاريخيًا لتورطهم في التجسس، 17 تتميز الأفلام بقليل جدًا من الحركة. بعيدًا عن إضفاء بريق على حياة العملاء السريين كما هو الحال في أفلام جيمس بوند، تدور أحداث الفيلمين في فترات تلت أو تسبق ظهور الجواسيس المشهورين في دائرة الضوء: بعد سبع سنوات من اختفاء جاي بيرجس لمرافقة ماكلين في هروبه إلى موسكو؛ 18 قبل بضع سنوات وبضع ساعات من تعرض السير أنتوني بلانت أخيرًا لوسائل الإعلام في عام 1979. 19 يتمحور الفيلمان حول لقاء يبدو أنه قصصي، ولكنه بالغ الأهمية، مما يبرز الشخصية الغامضة للأبطال الرئيسيين. استنادًا إلى حدث حقيقي في فيلم "إنجليزي في الخارج"، وهو أمرٌ لا يُصدق إلا في فيلم "مسألة نسب" ، صُمم هذا الحدث كوسيلةٍ لفهم حياة الجواسيس ككل. مع ذلك، لا تدّعي الأفلام كشف "الحقيقة الخفية" للشخصيات.

تتساءل الأفلام السيرية عن الدوافع التي دفعت هؤلاء الرجال إلى خيانة وطنهم وكذلك طبقتهم، والتي يتم تناولها بشكل غير مباشر فقط من خلال شبكة مجازية تضفي طابعًا دراميًا على مفاهيم السرية والخيانة والتزوير، مما يؤدي إلى التفكير في جوانب الهوية الإنجليزية والقيم الإنجليزية والنظام الطبقي. ومن الأهمية بمكان أن يلتقي الجاسوس السابق في كلا الفيلمين بامرأة تُعرف أيضًا بأدائها، إما من خلال المهنة (كممثلة) أو المكانة (كصاحبة الجلالة الملكة). بالنسبة للجاسوسين اللذين خانا جميع الصفات التي تميزهما، لا يمكن أن تكون الهوية سوى مسألة أداء وقناع. وفي هذا الصدد، يعبر كلا الفيلمين عن رؤية للفيلم السيري على أنه "رمزي عادةً"، 21 حيث يخضع مفهوم الهوية نفسه للاستعارات، تمامًا كما تم تعريف نوع السيرة الذاتية مجازيًا على أنه تشريح جثة وصورة شخصية. يسلط فيلما "إنجليزي في الخارج" و "سؤال الإسناد" الضوء على الطبيعة المراوغة للهويات السرية من خلال التناغمات والتأثيرات المتطابقة بين الحياة والفن، باستخدام فنون الأداء والرموز الأنيقة في الفيلم الأول وتحقيق مفصل في تاريخ الفن في الفيلم الثاني.

بعد شارة البداية مباشرة، يحذر عنوان المشاهدين من الجوانب الخيالية للفيلم: "على الرغم من أن بعض الأحداث خيالية، إلا أنها قصة حقيقية. لقد حدثت لكورال براون في عام 1958". ومن المثير للاهتمام أن حقيقة أن كورال براون تلعب دورها، على الرغم من أنها لم تعد في سن دورها، تضيف إلى مصداقية الفيلم الوثائقي.  كما يوضح آلان بينيت في مقدمة الفيلم، فقد استوحى فيلم "رجل إنجليزي في الخارج" من حكاية طريفة أخبرته بها الممثلة الأسترالية. في عام 1958، كانت تقوم بجولة مع شركة شكسبير التذكارية (التي أعيدت تسميتها إلى شركة شكسبير الملكية في عام 1961) في موسكو عندما التقت بالفعل بجاي بيرجيس الذي دعاها لتناول الغداء، وطلب منها إحضار شريط قياس حتى تتمكن من أخذ قياساته وطلب بدلة جديدة له.

منذ البداية، يُرسي الفيلم سلسلة من التناقضات البصرية والسمعية التي تكشف عن خداع المظاهر، مُتلاعبًا بسخرية بالتناقضات بين الثقافتين البريطانية والسوفييتية. تُظهر شارة البداية عنوان الفيلم بأحرف بيضاء على خلفية حمراء زاهية، مُستحضرًا بقوة العلم الأحمر، ومُهيئًا لتأثير التكبير على صورة ستالين التي تظهر بعد ذلك. طوال المشهد، تُعزف الموسيقى التصويرية أغنية جاك بوكانان "من سرق قلبي"، وهي الأسطوانة الوحيدة التي لا يزال جاي بيرجس يمتلكها في شقته بموسكو، والتي يُعيد تشغيلها مرارًا وتكرارًا. بدلًا من التطفل على الدوافع السياسية للجاسوس سيئ السمعة، يسخر الفيلم من أي خطاب أيديولوجي، إما لمزج جاذبية الشيوعية الحنينية مع الجاذبية العاطفية للموسيقى الشعبية، أو لتسليط الضوء على تناقض لا يُختزل بين السياسة السوفيتية الصارمة وخفة الظل الغربية. مع انحراف الكاميرا نحو اليمين، تظهر صورٌ مُصممة لماركس وإنجلز ولينين، ولكن مع انحراف الكاميرا نحو منظور أوسع، تتبين الصور أنها لافتات خارج مسرح. وبالمثل، بمجرد دخول المبنى، وبينما تُركز الكاميرا على الجمهور، مُظهرةً الوجوه المربعة العابسة لأعضاء الحزب الشيوعي الروسي، يتضح أن اللغة التي نسمعها أولًا هي الإنجليزية. فالمظاهر ليست خادعة فحسب، بل تُختزل مسائل الأيديولوجية إلى مجرد أداء مسرحي ومسرحية.

 

بينما تتوقف الكاميرا بين الجمهور، يظهر جاي بيرجيس (آلان بيتس) وهو ينام ويشخر. يسمع المتفرجون سطورًا من هاملت حيث يرحب كلوديوس بروسنكرانتس وجيلدنستيرن، ويخبرهما عن "تحول هاملت" 25 ويطلب منهما التجسس عليه! تضيف المسرحية السردية سخرية ميتافيزيقية إلى الفيلم باستخدام المسرح كمرآة للسرد مع لعب بيرجيس المجنون دور الأحمق. أولاً، يعيد تفسير الفكاهة البصرية من فيلم إرنست لوبيتش " أن تكون أو لا تكون" (1942)، عندما يهرع للخارج في منتصف المشهد، مما يزعج الجمهور وكذلك الممثلين، ثم يتظاهر بالمرض ويسرق صابون كورال وسجائرها وزجاجة سكوتش وحتى علبة مسحوقها، التي يستخدمها قبل الخروج من غرفة الملابس، كما لو كان يستعد لعرض. تظن كورال نفسها أنها في "مهزلة فرنسية" عندما يقتحم بيرجس الغرفة ويتقيأ في حوض غرفة ملابسها. وبتجسيدها للملكة جيرترود، تتأمل في اللقاء المفاجئ، وتصرخ: "يا سيدي، ماذا رأيت الليلة! "

 

وكما هو الحال في هاملت، يستمر الجميع في التجسس على بعضهم البعض. لا يقتصر الأمر على أن ظلًا يتبع بورغيس باستمرار، ولكن يتم التنصت على الممثلين في غرفهم بالفندق؛ تثير كورال براون الشكوك بمجرد أن تسأل عن الاتجاهات، غير مدركة أن رجالًا ذوي مظهر شرير يتبعونها في سيارة سوداء. حتى في السفارة البريطانية حيث لا تجد كورال سوى القليل من المساعدة من الروس، يتجسس الموظفان (روزنكرانتس وجيلدنستيرن في العصر الحديث اللذان يعملان في الخدمة الخارجية) على سكرتيرتهما التي تحاول مساعدة كورال. تزيد عمليات التكبير والتصغير المتكررة من الانطباع بوجود مراقبة شاملة، بينما تبدو شوارع موسكو القاتمة والمغطاة بالثلوج ومبانيها الصارمة وكأنها سجن من خلال لقطات متكررة من القضبان والسور وخطوط النوافذ. تتكون المساحات الداخلية من ممرات طويلة وسلالم رائعة تم تصويرها في لقطات عالية أو منخفضة الزاوية، مما يسحق الأفراد.

ومع ذلك، فإن بورجيس هو أولاً وقبل كل شيء سجين للصور المرآة. ظهوره الأول، بعد اقتحام غرفة ملابس كورال هو انعكاس في المرآة. لا يمكنه إلا أن ينظر إلى نفسه في المرآة قبل مغادرة غرفة الملابس، أو غرفة الرجال، والأهم من ذلك، أنه يحلق ذقنه أمام المرآة عندما تصل كورال إلى شقته، وهي تتلو أسطرًا من قصيدة سيدة شالوت لتينيسون ، وهي سجينة أخرى محكوم عليها بلعنة غامضة تمنعها من مواجهة العالم. بدلاً من ذلك، لا يمكنها إلا أن تنظر في مرآة حيث تكون الصور المنعكسة "ظلال العالم"، لتنتهي "نصف مريضة من الظلال". كما نسمع لأول مرة أسطر "تيرا ليرا" من نهاية الجزء الثالث، 28 تم تصوير الدرج الفارغ في لقطة رأسية عالية الزاوية، مما يسلط الضوء على دوامته اللامتناهية وفراغه المركزي، وينقل صورة بصرية للسجن. ومرة أخرى، أمام المرآة يحاول جاي بيرجس شرح سلوكه، عندما تعرب كورال عن شكوكها بشأن المكافآت التي يمكن أن يحصل عليها في حالة خيانته لبلاده. 29 وعندما تقارنه بأوسكار وايلد، وهو مثلي جنسي مشهور آخر ومنفي بسبب جرائمه ضد المجتمع الذي دللته، يجيب بيرجس: "لا، لا. على الرغم من أنه كان ممثلًا. وكنت ممثلًا. كلاهما مغرور. لكنني لم أتظاهر أبدًا. إذا ارتديت قناعًا، فيجب أن يكون بالضبط ما أبدو عليه". وبصرف النظر عن النصل "في ذلك الوقت اعتقدت أنه يبدو الشيء الصحيح الذي يجب فعله"، يعرّف بيرجس بينيت نفسه بأنه مجرد ممثل لذاته، ودوافعه ملتصقة بقناع حل محل أي وجه "حقيقي" خلف التنكر.

في هذا الصدد، يُختزل بورغيس إلى التشبث بملابسه كتعبير أسمى عن شخصيته، ويحتاج بشكل متناقض إلى "الشعور بأنه إنجليزي" ليوجد، ولو فقط ليتمكن من خيانة وطنه. يظهر بورغيس وهو يستمتع بجميع دلالات الهوية الإنجليزية، ويضاعف عدد الإشارات والاقتباسات - ويخبر القائم على الرعاية ذي المظهر الصارم عن "شبهها الواضح بالمرحوم إرنست بيفين"، ويغني ترنيمة إسحاق واتس "إلهنا، عوننا في العصور الماضية" في ملابس الرجال، ويقتبس من شعر تينيسون أو تريسترام شاندي ، 30 ويغني في دويتو مع صديقه الروسي "خذ زوجًا من العيون المتلألئة" من رواية الجندول لجيلبرت وسوليفان ، وهي قصة أخرى عن الهويات الخاطئة والأمير المختبئ. الزي الذي طلب من كورال أن تطلبه (إلى جانب عناصر ذات مغزى أخرى من ماضيه، مثل ربطة عنق إيتونية وقبعة بولر وبيجامة) يُثبت كشف التناقض الداخلي الذي لم يشرحه بورغيس بالكامل، إلا عندما يعترف بافتقاده لإنجلترا، البلد الذي خانه بإفشاء أسرار عسكرية رفيعة المستوى للعدو. أو عندما يتذكر المسرح الرمزي المثالي حيث اعتاد أن يؤدي بشكل فاضح، متبعًا قاعدة الطبقة العليا القائلة بأنه إذا ذهبت إلى الخياط المناسب، فلن تبدو مشبوهًا، أو كما قال هو نفسه: "إذا كنت لا ترغب في التوافق في شيء واحد، فعليك التوافق في جميع الأشياء الأخرى". وكما لخص جوزيف هـ. أوميلي ببراعة: "بطريقة ما، فإن أداء بورغيس لإنجليزيته هو لغزه وانتصاره الرئيسي". يبدأ المشهد الأخير من الفيلم بلقطة مقربة لربطة عنق إيتونية جديدة تمامًا، يعيد بورغيس ربطها أمام المرآة، وهو يُدندن بأغنية "يبقى إنجليزيًا" من فيلم "إتش إم إس بينافور" لجيلبرت وسوليفان. تُظهره اللقطة التالية وهو يمشي بخفة عبر جسر مُغطى بالثلج مرتديًا بدلته ومعطفه الجديدين الرائعين، وهو المارة الوحيدون الذين يحملون مظلة في موسكو.

 

بينما تتابع الكاميرا المشهد، مستعيدةً اللقطة الأولى ومنظوراتها المتغيرة، يتصاعد اللحن إلى جوقة، مسلطًا الضوء على السخرية المرّة والحلوة في صورة الجاسوس المنفي الوحيد الذي يبرز من بين الحشود بفضل العلامات الخارجية لما رفضه سابقًا. أغنية جيلبرت وسوليفان المتناقضة للغاية، والتي تتميز بكلمات ساخرة للغاية تسخر من التعصب القومي غير النقدي، تُضيف إلى الفكاهة النقدية التي يُظهرها الفيلم تجاه بطله الرئيسي.

 

التظاهر

بينما تم التقاط صورة جاي بورجيس من خلال انشغاله بالأزياء، تم تصوير أنتوني بلانت (جيمس فوكس) على أنه ذو ذوق جمالي، مهتم فقط بعالم الفن الرفيع. لكنه يخضع لنفس نوع التحقيق الذي تخضع له اللوحات المشكوك فيها. بينما يرسم فيلم "إنجليزي في الخارج" مقارنة صريحة بين التجسس والأداء، يبحث فيلم "مسألة الإسناد" في قضية السرية والخيانة من خلال التزوير. يوضح آلان بينيت أن القياس بدا واضحًا بدرجة كافية بالنسبة له بعد قراءة مقال عن لوحة حقيقية في المجموعة الملكية، والتي كانت تُنسب سابقًا إلى تيتيان وكانت تسمى في الأصل تيتيان وأندريا دي فرانشيسكي قبل إعادة تسميتها باللوحة الثلاثية. كشف التنظيف بالفعل عن شخصية ثالثة، ثم مسح الأشعة السينية لشخصية رابعة، وأخيرًا عندما تم قلب اللوحة، تم اكتشاف ملامح شخصية خامسة.

يدور الفيلم بأكمله حول المشهد الأخير الذي يشير إلى التعرض العلني، في عام 1979، للسير أنتوني بلانت آنذاك باعتباره الرجل الرابع بين جواسيس كامبريدج. منذ البداية، يُقدم بلانت كرجل في حالة هدوء: يتم تقديمه عندما يكون على وشك الخضوع لفحص بالأشعة السينية في إحدى العمليات الجراحية. إحدى اللقطات الأولى، التي تختتم شارة البداية، هي صورة أشعة سينية زرقاء تملأ الشاشة. نفهم لاحقًا أن بلانت قد تعافى تمامًا من سرطان الأمعاء، لكن الجراح يضيف: "الآن بالطبع، علينا أن نراقب الأمور". من المؤكد أن العد التنازلي المشؤوم والمنتظم سيحدث، حتى التعرض النهائي عندما يتعرض وجه بلانت للومضات المبهرة للصحفيين، قبل تجميده في إطار التعرض الزائد، تمامًا مثل مسح الأشعة السينية.

 

ومن المفارقات أن حكم الطبيب المتفائل، الذي أخبر بلانت أن "المراقبة تسترخي، كما ترى"، يتناقض مع خط آخر من التحقيق، بقيادة MI5 (قسم الاستخبارات العسكرية 5) 34 حول ماضي الرجل كعميل سري. في مشهد مبكر، يشعر دونليفي (جيفري بالمر)، رئيس جهاز الاستخبارات السرية، بعدم الصبر بسبب عدم إحراز تقدم في قضية بلانت ويعين محققًا جديدًا يُدعى تشوب (ديفيد كالدر). عند هذه النقطة، يتداخل الخط الثاني من التحقيق مع خط ثالث يتضمن اكتشاف بلانت لشخصية ثالثة، ثم رابعة وحتى خامسة مخفية في اللوحة التي كانت تُنسب سابقًا إلى تيتيان. كل هذه الحبكات المتشابكة تعلق على بعضها البعض بشكل ساخر، لا سيما عندما يتظاهر تشوب بالاهتمام بتاريخ الفن وينتهي به الأمر بمناقشة رمزية الحكمة لتيتيان بالإضافة إلى الصورة الثلاثية، وفي الوقت نفسه يستجوب بلانت حول أكوام من الصور والشرائح التي تُظهر الأشخاص الذين من المتوقع أن يذكرهم بلانت.

من ناحية أخرى، تُشكّل مفاهيم التزوير والتزييف جوهر اللقاء الصدفي بين بلانت والملكة (برونيلا سكيلز) في قصر باكنغهام، وهو مشهدٌ زاخرٌ بالألفاظ المزدوجة والمعاني الغامضة، ووُصف بأنه "لعبة قط وفأر لغوية"، 35 ويزداد الأمر وضوحًا مع بروز الملكة ببراعتها في تبني نفس النظرة الشعبوية والتبسيطية للفن التي تبناها تشاب. 36 وعندما علمت الملكة بتحقيق بلانت حول لوحتها المنسوبة خطأً إلى تيتيان، تساءلت عن عدد المزورين الذين قد تمتلكهم. لا شك أن سؤالها يشير إلى مجموعتها الفنية، إلا أنه أصبح مُشبعًا بغموض أكبر بكثير عندما أضافت:

أعتقد أيضًا أن سياق اللوحة مهم. تاريخها ومصدرها (هل هذه هي الكلمة المناسبة؟) يضفيان عليها احترامًا معينًا. لا يمكن أن تكون هذه مزورة، فهي موجودة في مجموعة كذا وكذا، وخلفيتها ونسبها لا تشوبهما شائبة... أليس هذا هو المنطق؟ لذا، إذا عثر أحدهم على لوحة ذات خلفية ونسب صحيحين، يا سيدي أنتوني، فسيكون من الصعب، بل من غير المعقول، على ما أعتقد، الاعتقاد بأنها ليست ما تدعيه. وحتى لو افترضنا أن شخصًا ما في مثل هذه الظروف ساورته شكوك، لكان حذرًا في التعبير عنها. من السهل ترك الأمور كما هي. التزم بالنسب الرسمي بدلًا من كشف الحقيقة والقول: "لدينا هنا لوحة مزيفة".

في هذه الأثناء، تقترب الكاميرا أكثر فأكثر من وجه بلانت، كاشفةً عن حيرتها وقلقها الطفيف من أنها قد تتحدث عن نوع مختلف تمامًا من التزوير ذي النسب. أما تعليق الملكة الوداعي، "انتبه كيف تصعد السلم يا سيدي أنتوني، فقد تتعرّض لسقوطٍ مروع"، فهو مليءٌ بالسخرية الدرامية. يعترف بلانت بحيرته لكولين، الخادم الشاب الذي سأله عن محتوى محادثتهما المرتجلة: "كنت أتحدث عن الفن. لست متأكدًا من أنها كانت كذلك".

ومن الجدير بالذكر أن مصطلح "المنسوبة" يظهر مرة أخرى عندما يحذر تشوب السير أنتوني من الكشف الوشيك عن هويته:

لقد وصلتَ إلى نهاية الطريق، كما تعلم. تُطرح عليك أسئلةٌ أكثر فأكثر. ستكون العواقب مُحرجةً، ليس لكَ فحسب، بل لنا أيضًا. ستكون مؤلمة. ستكون موضعَ تدقيق. سيُطلب منك توضيحات، وسيُدقق في تاريخك. سيُسمّى ويُنسب إليك.

في الواقع، ليس الجدل حول الإسناد سوى جزء من القصة؛ ومسألة التفسير المُلحّة لا تقلّ إلحاحًا. فبينما يُنتقد تشاب طريقة تعامل الرسامين السابقين مع المنظور، يُوضّح بلانت أن "الفن ليس له هدف، فهو يتطور ولكنه لا يتقدم بالضرورة"، ويجب الحكم على هؤلاء الرسامين "وفقًا لشروطهم الخاصة"، أي في سياقهم التاريخي المُحدّد. ويُعلّق تشاب قائلاً: "هذه هي الحجة نفسها التي استخدمتها لتفسير ما فعلته في الثلاثينيات: "بدا الأمرُ صائبًا في ذلك الوقت". لم يكن لدى هؤلاء الرسامين فهمٌ للمنظور، وكذلك أنت. والفرق، بالطبع، هو أن الفنّ لا قيمة له". يُعيد تبرير بلانت لسلوكه السابق صدى الكلمات ذاتها التي استخدمها بيرجس لتبرير نفسه. يجب النظر إلى كليهما، مُخففًا من وطأة أفعالهما السابقة، كما يجب الحكم على الفنانين في سياقهم الخاص، وفقًا لشروطهم الخاصة، مُحوّلين بذلك كنوزهم إلى مجالات فنية، بعيدًا عن أي مضمون سياسي أو دلالات أخلاقية. والأمر المثير للسخرية هو أن بلانت يعترف بأنه لا يستطيع الرؤية بشكل صحيح، ويقول للمرمم عندما يزور ورشته لأول مرة:

 

يجب أن أحذرك. ليس لديّ عين. كان ك. كلارك يقول قبل أيام [...] إن من ينظرون إلى أعمال الفنانين القدامى ينقسمون إلى ثلاث فئات: من يرونها دون أن يُقال لهم؛ ومن يرونها عندما تُقال لهم؛ ومن لا يستطيعون رؤيتها مهما فعلت. أنا أشبه بالفئة الثانية. بالنسبة لمؤرخ الفن، إنه أمر مُهين نوعًا ما.

من المفارقات أنه ما إن أنهى بلانت خطابه حتى تلقى اتصالاً من تشاب المُعيّن حديثًا يرغب في مقابلته، وعندما أجاب "أرى"، لم يظهر سوى انعكاسه في المرآة. في المشهد التالي، الذي دار خلال حفل استقبال في المعرض الوطني، يظهر السير أنتوني أمام امرأة شابة معصوبة العينين في لوحة " إعدام الليدي جين غراي" لبول ديلاروش ، مما يُنذر بلا شك بقدرة بلانت على رؤية ما هو آتٍ.

في الواقع، تُركّز محاضرة بلانت عن الأساتذة القدامى في معهد كورتولد على المعاناة والاستشهاد والخيانة. وفي تعليقه الساخر على تصوير بروغل لدرس القمح "الذي نقوم به الآن آليًا"، ومشهد أسطوري يتضمن "الجنس، الذي نقوم به آليًا أيضًا" والصلب "الذي لا نقوم به - أو نقوم به بشكل مختلف"، يُسهب السير أنتوني في الحديث عن شخصيات القديسين والشهداء الخاضعين للاستجواب، وهو دور قد يتماهى معه، مع أن شخصية يهوذا تُمثّل أهميةً مماثلة.

والأكثر إثارة للاهتمام هو أن تعليقاته على تركيبات اللوحات، التي تدمج فترات زمنية مختلفة في مساحة واحدة، حيث يمكن رؤية المستقبل مع الحاضر والماضي، تُلقي الضوء على الإطار الزمني للفيلم. التسلسل الزمني غامض ومضلل عمدًا، إذ يختصر أحداثًا وقعت بالفعل على مدى عقد من الزمان في ما يبدو أنه بضعة أشهر فقط. ما يسود مجددًا من خلال هذا التسلسل الزمني العشوائي هو الشعور الوشيك بعار بلانت نتيجةً لخاتمة منطقية. والنتيجة هي سيرة ذاتية مُصممة كصورة مركبة تبدو وكأنها أحجية ذات منظور منحرف وعناصر متباينة، تمامًا مثل الرجال الثلاثة في لوحة "الصورة الثلاثية" الذين يبدون كما لو أنهم لا ينتمون إلى نفس اللوحة، والتي يُرجح أنها رُسمت في فترات زمنية مختلفة ورسامين مختلفين.

لكن من هم جميعًا؟ لا أعلم إن كان هذا مهمًا. خلفهم تكمن كيانات أخرى، أيادٍ أخرى. معرضٌ كاملٌ من الاحتمالات. تيتيان الحقيقي رمزٌ للحكمة. أما الزائف فهو رمزٌ للافتراض. الأمر لا ينتهي أبدًا.

تظل صورة بلانت لغزًا، "صورة مُحير" كما يُطلق عليها مؤرخ الفن " رمزية الحكمة" لتيتيان.  ومع ذلك، تُوافق الملكة نفسها بلانت طواعيةً عندما يُصرّح بأن أيًا من صورها لا تُجسّدها تمامًا: "آمل ألا يكون الأمر كذلك. لا أعتقد أن المرء يرغب في أن يُؤخذ في الأُسر، أليس كذلك؟ ليس تمامًا، على أي حال." ويبدو أن الفيلم يُؤيّد فكرة أن أي صورة ستكون غير كافية وغير مكتملة، إذ يُظهر هذا الجزء من المحادثة أقدامهما فقط، مُصوّرة من منظور فيليب، والطالب الذي يُساعد بلانت الذي يختبئ تحت أريكة بعد أن طُلب منه أن يُخفي نفسه، في حال ظهور أي فرد من العائلة المالكة.

الخيار الأخير المتبقي للسير أنتوني، مع ذلك، يكمن في مواجهة الموسيقى لرغبته في حفظ ماء الوجه، وارتداء وجه جيد. مع ما لا يقل عن السخرية، بينما يستعد بلانت لمغادرة معهد كورتولد، فإن وداعه يستحضر نهاية فيلم Sunset Boulevard (1950) لبيلي وايلدر . وبالتالي يتم تقديم مواجهته مع مجموعة كبيرة من المراسلين الذين على وشك قصفه بمصابيح كاميراتهم من خلال لقطة عمودية عالية الزاوية على الدرج الرائع، مصحوبة في الموسيقى التصويرية بحركة مسيرة مهيبة تشبه هاندل. إن الإشارة إلى الأداء الأخير لنورما ديزموند (جلوريا سوانسون) تحت الأضواء هي إشارة ساخرة مضاعفة: ليس فقط شهرة بلانت، بعد سنوات من كونها "الشيء الحقيقي"، قصة زائفة، ولكن بالنسبة لرجل قضى حياته معتقدًا أنه كان خاليًا من التدقيق العام، فقد أصبح التعرض الآن كاملاً.

 

تشريح مغالطة الطبقة العليا

في روايتي "إنجليزي في الخارج" و "مسألة نسب" ، لا يُبرر آلان بينيت الشخصيتين الرئيسيتين ولا يُدينهما تمامًا لمشاركتهما في أسوأ شبكة تجسس في التاريخ البريطاني. ومثل كورال في "إنجليزي في الخارج" ، يُغرى بينيت بمحنة هذين الرجلين اللذين بنوا حياتهما بعناية فائقة على خداعٍ وادعاءاتٍ زائفة. لكن هذا لا يعني أنه يحاول تبرير خيانتهما، أو الكشف عن "ذاتٍ سرية" تُفسر أفعالهما.

ومع ذلك، فإن ما يظهر في كلتا الحالتين هو تصوير لاذع لمغالطة الطبقة العليا. تصور السيرتان كلاً من بورغيس وبلانت كشخصين يتجنبان أي مسؤولية أخلاقية بالتركيز على الاعتبارات الجمالية - سواء أكانت متعلقة بالأزياء أم بالتصوير. والأكثر من ذلك، يُقدم كلاهما على أنهما نتاج مثالي لتربيتهما، مما يوحي بأن التجسس كان بطريقة ما نتيجة غطرسة مطلقة، وليس قناعة سياسية حقيقية. يُصور السير أنتوني على وجه الخصوص على أنه متكبر لا يُطاق، راضٍ عن نفسه ومغرور، يُصحح نطق تشاب لكلية مارلبورو، ويستخدم الضمير غير الشخصي "واحد" تمامًا مثل الملكة، غير قادر على إخفاء ازدرائه التام "لعامة الناس"، كما حدث عندما أغلق غرفة في المعرض الوطني لأن "الجمهور جعلها لا تُطاق". يقدم جيمس فوكس تفسيرًا رائعًا للهجة وسلوكيات الطبقة العليا للشخصية، حيث يبدو خارج عمقه تمامًا عندما يزور تشابس لأول مرة في بورلي، الحي الذي يسكنه المحقق من الطبقة المتوسطة، حيث كان دائمًا يضغط على أنفه ويبدو بلا مبالاة متعالية.

لذا، تبدو خيارات الجاسوسين الحياتية نتيجة منطقية لخلفيتهما ونشأتهما، في عالمٍ تُحكم فيه السرية بمجالات الطبقة العليا، وينحصر الاهتمام الرئيسي في الحفاظ على المظاهر. ويظهر شعار "الأم هي الكلمة" كفكرة رئيسية في الفيلمين، حيث يُكرر الخياط شعار شركته ("الأم هي الكلمة دائمًا هنا، سيدتي، موسكو أو ميدنهيد، الأم هي الكلمة دائمًا")، ويُعلق تشاب على قسم الخدم الملكيين بالتكتم ("الحفاظ على السرية جزء من العمل")، أو حتى الطالب الشاب الذي يتساءل عن معنى العمل في قصر باكنغهام، قبل أن يُدرك أن الموظفين "لا يفتحون أفواههم". كما يوحي ارتباط الخياط المدهش بين العاصمة السوفيتية ومدينة إنجليزية محترمة على نهر التايمز، يبدو أن الطبقة العليا الإنجليزية والمؤسسة الحاكمة تتبنى قواعد سرية مُربكة، تبدو أشبه بمجتمع مغلق، مُعفى من التدقيق العام والرقابة الأخلاقية. ومن اللافت للنظر، عندما تُري كورال رسالة زميلها الممثل بورغيس التي يطلب فيها بيجامات لإكمال مظهره ليعود "كرجل نبيل"، يُخطئ الممثل في فهم كلمة "رجل نبيل" على أنها "عميل"، مُستخدمًا تلاعبًا لفظيًا على التشابه المُقلق بين عالمي الجاسوس والرجل الإنجليزي النبيل. وبصفتها ممثلة أسترالية، تُوجه كورال براون انتقادًا لاذعًا لنفاق المؤسسة الحاكمة عندما يرفض بائع في متجر تلبية طلب بورغيس:

 

كنتَ سعيدًا جدًا بإرضاء هذا العميل عندما كان من أشهر اللصوص في لندن، وسكيرًا أيضًا. حينها فقط كان في وزارة الخارجية. "شريط أحمر على الأكمام يا سيد بورغيس - ولكن بالطبع" "أحرف مميزة على الجيب يا سيد بورغيس؟ بالتأكيد. ولكن ليس بعد الآن. أقول لك - إن أمثالك من يجعلونني أفهم سبب ذهابه. الحمد لله أنني لست إنجليزيًا!"

 

كان الخطاب كله كالتالي: "اسمعي يا عزيزتي، أنا مجرد ممثلة. لستُ راقصة (...)"

 على سبيل المثال، يكتب ريتشارد جوت، في مراجعة لسيرة أنتوني بلانت التي كتبها ميراندا كارتر، فيقول :

33ومع ذلك، خفّ غضب كورال عندما أجاب مدير المتجر بأن الشركة ليست إنجليزية أيضًا، بل مجرية، مما فتح منظورًا آخر للسياق التاريخي. علاوة على ذلك، وبينما تتظاهر بأنها "مجرد ممثلة، وليست سيدة ذكية" وأنها "لم تُبدِ اهتمامًا كبيرًا بالسياسة" ولا تُحب الشيوعية "لأنها مملة"، فإنها تُثبت انتقادها الشديد لأحد أفراد المؤسسة الذي خان طبقته ووطنه، لكنه كان مترددًا في التخلي عن جميع الامتيازات التي كفلتها له مكانته السابقة. وكما لخّصت كورال الأمر ببلاغة: "لقد تبولتَ في الحساء، وشربناه".  قد تدّعي كورال أنها دخيلة على المجتمع البريطاني، إلا أن حكمها يبدو مع ذلك أنه يعكس الانطباع السائد لدى البريطانيين عن جواسيس كامبريدج. يتردد صدى هذا في بداية "مسألة الإسناد" عندما يُعرب دونليفي عن استيائه من عدم رغبة بلانت في التعاون: "ما أجده مُزعجًا هو مشهد شخصٍ يُسيطر على كل شيءٍ بوضوح. لو كان يُعاني في سجن وورموود سكرابس، لما اهتم أحد، لكنني أراه كل يوم في الأثينيوم". لكن دونليفي، الذي يُصوَّر مرارًا وتكرارًا وهو يحضر اجتماعاتٍ سرية مع بلانت، يظهر في التراكب كـ"الرجل الخامس"، ويبدو أنه يتبنى موقف "احصل على كل شيءٍ واحصل عليه أيضًا" الذي استنكره.

 

خاتمة

 عن التناقضات الداخلية في قلب المجتمع البريطاني من خلال صور الجاسوسين سيئي السمعة، وربما يُعبّر عن أفكاره المتناقضة تجاه بلدٍ يُقدّر ثقافته ويُقدّرها مع ذلك، بينما يُدين النفاق الصارخ لمؤسساته ونظامه الطبقي. وكما في الصورة المقلوبة - أو صورة الأشعة السينية - يُجسّد الجاسوسان جوهر القيم التي رفضاها أولًا ثم خاناها. ومن المفارقات، أنه على الرغم من خيانة بلدهما، يُصبحان موضوعين مثاليين لأفلام السيرة الذاتية التي تُثبت أنها أداة مثالية للتعبير عن الشعور بالانتماء الوطني والتشكيك فيه.

مثل كورال، الذي وجد أن بورغيس لديه "حقائب من السحر" ولا يسعه إلا أن يحبه "على الرغم من حقيقة أنه كان مريضًا في حوضها"، يتردد بينيت في تشويه شخصياته بينما ينتقد النظام الذي أنتجهم وغذّاهم، مما يجعل سلوكهم المشين ممكنًا. كما يلاحظ عن بورغيس: "هناك شعور بأن الموقف الساخر تجاه المرء والشك في تراثه هما جزء من هذا التراث. وبالتالي، فإن قرار خيانته هو جزء من هذا التراث. إنه مدفوع بالسخرية." 48 على الرغم من كل شخصياتهم الحقيرة، وتظاهرهم المتغطرس المثير للشفقة، فإن ما يجعل كراهية جواسيس بينيت أمرًا مستحيلًا هو شعورهم الملحوظ - والبريطاني جدًا - بالسخرية. لكن السخرية المطلقة تكمن في كشف الواجهة التي يتمسك بها الجاسوسان. بما أن الفيلمين يعتمدان على استراتيجيات تمثيلية وسيطة انعكاسية تُبرز تأثيرات المرآة وأصداءها بين الحياة والفنون التمثيلية، فإنهما يُظهران وعيًا ذاتيًا بشخصياتهما كممثلين و"شخصيات وهمية". وبصفتهما مُزورين رئيسيين لحياتهما الخاصة، تجد الشخصيتان نفسيهما في نهاية المطاف حبيستين في ألعابهما الخاصة؛ فمثل "سيدة شالوت"، يُرى بورغيس أسيرة صور المرآة، بينما يُكشف عن قناع بلانت ويُصوَّر بالأشعة السينية باستخدام نفس التقنيات التي يستخدمها في بحثه الفني.

//

 

نيكول كلواريك مُحاضِرة في اللغة الإنجليزية بجامعة رين 1. ألّفت أطروحة عن بيتر غريناواي، ونشرت العديد من المقالات حول السينما الناطقة باللغة الإنجليزية، وحرّرت عملين جماعيين حول الرسائل والكتابة في السينما، وشاركت مؤخرًا في تحرير كتاب "الطبقة الاجتماعية على الشاشات البريطانية والأمريكية: مقالات عن السينما والتلفزيون" (مكفارلاند، 2016). يُركّز عملها الأخير تحديدًا على المسائل المتعلقة بالأفلام الوثائقية، والتكيّف، والوسائط المتعددة.

 

نيكول كلواريك ، «الحياة السرية للعملاء السريين: كتابا آلان بينيت وجون شليزنجر «إنجليزي في الخارج » (١٩٨٣) و «مسألة نسب» (١٩٩١)» ،  مجلة ليزا/ليزا الإلكترونية [على الإنترنت]، المجلد الرابع عشر، العدد الثاني | ٢٠١٦،