بوخاري.م
المدرسة الوطنية العليا للإعلام والصحافة .
تبدأ قصة الفيلم "النرويج"
في روسيا و بحلم بطل الفيلم في الهجرة للنرويج ليعيش حياة سعيدة بعد أن سئم
من الحياة في روسيا وكل الفشل الذي لحق به على كل المستويات، ليشكل تعرفه بامرأة نرويجية بداية الحلم وهذه الاخيرة
تؤمن بقيم الحرية والعدالة والديمقراطية، ولتقرر لاحقا القدوم لروسيا لتتعرف أكثر على
البطل "ايفيجيني" والذي يورط لا إراديا
مع نساء مهاجرات من أسيا، لتكون فكرة
"الهجرة" الهاجس العالمي الآن الموضوع الأساسي لقصة الفيلم.
حاولت المخرجة "الينا زفانيستوفا" أن تجعل من سيناريو الفيلم الذي
كتبته أيضا نقطة إضاءة على أحوال النساء المهاجرات في روسيا والقادمات بصفة كبيرة من
القارة الأسيوية وعن الظروف العامة التي تحيط بهن من استغلال من طرف جماعات المافيا
في شتى مجالات الاستغلال الممكنة على غرار الاستغلال في العمل وكذا في تجارة الدعارة
غير القانونية، وهو ما حاولت المخرجة أن تنقله في طابع كوميدي مقحمة البطل الذي وجد نفسه يدير مؤسسة تنظيف تعمل خارج
القانون وتوظف الأسيويات، كيد عاملة.
بتطور أحداث الفيلم وقدوم المرأة النرويجية رفقة ابنها لتتعرف على البطل يحاول
هذا الأخير أن يخفي ما يقوم به مع الأسيويات لكي لا تغير نظرتها نحوه وهي التي لا تتوقف
عن الحديث عن الحقوق الإنسانية والحريات وتعارض أي استغلال للمرأة بصورة خاصة، تناضل من منطلق ايمانها بالقيم الأوربية تتبناها وتحاول
أن تتأكد من توافقها مع البطل ، غير أن أحداث الفيلم تجعل البطل يهتم بالأسيويات من
باب إنساني ويساعدهن في كل تفاصيل الحياة ويدافع عنهن، وهذا هو منقلب الأحداث حين يحضر
الجانب الإنساني لدى البطل الذي يمثل الضمير الإنساني العالمي الذي يؤمن بالقيم الإنسانية
التي تحكم التعاملات الإنسانية بغض النظر عن العرق والجنس، لان الموقف الذي نقلتها
المخرجة يصور لنا " الإنسان " كما يجب أن يكون من خلال بطل الفيلم.
الفيلم يصور روسيا الحالية ويعالج مشكلة الهجرة الظاهرة التي تجتاح روسيا و
الكثير من بلدان العالم، والظروف السيئة التي يعاني منها المهاجر في أي دولة كانت،
خاصة من خلال الاستغلال الكبير لهم وهذا نظرا لعدم شرعية تواجدهم على ارض روسيا و بالضبط
في موسكو.
حاولت المخرجة أن تجعل النساء الأسيويات كخلفية في الأحداث وبتركيزها على البطل
الذي ارتبطت كل أحداثه بهن، وهو أسلوب ذكي من المخرجة "إلينا" التي جعلت
طابع الأحداث كوميدي لكن في ذات الوقت تعالج قضية إنسانية مهمة جدا ، وهي الهجرة التي يحلم بها الكثير من البشر والذهاب نحو
أفق آخر، في رحلة البحث عن أمل مفقود في حياة أفضل وهو نفس الشيء الذي يبحث عنه البطل
بذهابه إلى النرويج مع المرأة النرويجية التي تمثل له باب الديمقراطية والحرية وقبل
هذا المال والاستقرار، البحث عن مستقبل مضمون، وهو حلم الكثير من البشر إلى أن يصادفون
واقع ربما يكون اشد صعوبة من واقعهم الفعلي
الذي يعيشونه في الحقيقة.
الفيلم المنتج سنة 2015 من طرف "سيرجي دانييال" و مؤسسة "مارس
ميديا" يمنح المشاهد فرصة رؤية الحياة في روسيا ويوميات المهاجرين بالإضافة ليوميات
رجل روسي فشل في حياته الزوجية الأولى وأراد أن يجرب الحياة خارج حدود روسيا، كأمثال
كل الحالمين بحياة أجمل خارج حدودهم المعهودة، الفيلم لم يخلو من الطابع الكوميدي الذي
كسر حزن القصة والواقع المحزن الذي يحيط بالهجرة والمهاجرين، ويفتح بابا استثنائيا
للتعرف على السينما الروسية والتي تنافس انتاجات العالم غير أنها لم تجد الطريق بعد
للعالم العربي و للجزائر إلا من خلال أسبوع الفيلم الروسي في الجزائر والذي نظمته وزارة
الثقافة الجزائرية بالتنسيق مع وزارة الثقافة الروسية، والتي عرضت فيها أفلام مختلفة
ناجحة نالت عديد الجوائز العالمية والتي تراوحت بين الأفلام التاريخية والأفلام الخيالية،
كذا الكوميدية، فالسينما الروسية تجربة تستحق الدراسة والمتابعة من طرف الباحثين والمهتمين
بسينما تختلف عن السيل العارم للأفلام الأمريكية والتي تغزو الصناعات السينمائية الأخرى
للكثير من الدول خاصة العربية التي تكتفي باستهلاك مختلف الانتاجات الفيلمية الغربية
الأمريكية بالدرجة الأولى.
نقلا عن جريدة الحياة الجزائرية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق