محمد ديب (1920 - 2003)... شاعر وروائي جزائري بارز كتب بالفرنسية. يعد واحداً من أشهر الكتاب الفرانكفونيين في القرن العشرين، إلى جانب إيميه سيزير وسنغور. تعلم في مدينة تلمسان، من دون أن يلتحق بالكُتاب، قبل أن ينتقل إلى مدينة وجدة (المغرب) الحدودية، لمتابعة دراسته. وبعد وفاة والده في عام 1931، بدأ في حوالي عام 1934 يكتب الشعر، وكذا مارس هواية الرسم. بعد لقائه بمعلمه الفرنسي روجيه بليسان -الذي أصبح فيما بعد حماه- اندفع بتشجيع منه في طريق الآداب.
من عام 1938 إلى عام 1940، انخرط في التدريس ومن بعدها عمل محاسباً لفترة وجيزة حتى تم تجنيده في عام 1942 بالجيش الفرنسي وعمل به مترجماً للغتين الفرنسية والإنجليزية. وبعد عودته إلى تلمسان مع انتهاء الحرب العالمية الثانية، عمل كرسام ومصمم للأبسطة. وفي عام 1946، نشر أول قصائده في مجلة «الآداب»، التي تصدر في جنيف، تحت اسم مستعار «ديابي». وحين دُعي إلى لقاءات نظمتها «حركات الشباب بالتربية الشعبية»، انعقدت في سيدي مدني، قرب البليدة، التقى بآلبير كامو، جون كايرول، لوي غييو، جون سيناك، بريس باران. عمل محمد ديب في الصحيفة التقدمية «الجزائر الجمهورية» جنباً إلى جنب مع كاتب ياسين، ونشر على صفحاتها الكثير من التحقيقات والمقالات النقدية حول المسرح العربي. وفي عام 1951 تزوج وكوليت بليسان، وأنجبا أربعة أبناء. ترك بلده الأم إلى فرنسا في النصف الثاني من الخمسينيات، مصطحباً معه امرأته الفرنسية، حيث أقاما في عدد غير قليل من المدن، قبل أن يستقرا في باريس منذ 1959.
كان مولد محمد ديب الأدبي عام 1952 حين صدرت له أول رواية وهي رواية «البيت الكبير»، وقد نشرتها مطبوعات «لوسوي» الفرنسية، ونفدت طبعتها الأولى بعد شهر واحد، ثم رواية «الحريق» التي تعلن إرهاصات الثورة الجزائرية. والغريب في الأمر أنه بعد ثلاثة أشهر من نشرها انطلقت ثورة الفاتح من نوفمبر 1954 في الجزائر.
كان نتاج محمد ديب الأدبي في غاية الأهمية، ليس على مستوى صعيد الفرانكفونية فقط، فكثير من الأدباء الفرانكفونيين أثروا الكتابة الفرنسية، بل تعداه إلى الصعيد العالمي. وفي بادئ الأمر اقترب من السوريالية، وفي خضم الثورة الجزائرية كتب روايته: «صيف أفريقي» 1959: «بدأت الجبال تتحرك».
وفي نتاجه، يكشف ديب الاحتياج إلى الحقيقة الواحدة أو بالأحرى «الوحيدة»، مطالباً بالاحتراس الواعي إلى مشاكل وقضايا بلده الإنسانية والسياسية سواء بسواء، ولذا كان تفاؤلياً بالمعنى الدارج– التضامني كما معناه الإنساني، وكذلك من خلال ثبات ونوعية كتاباته التي لخصها لوي آراغون في تقديمه لمجموعته: «الظل الحارس» (1961): «إن شجاعة ديب تتمثل في مباشرة الرواية الجزائرية الوطنية، وكأن كل شيء كان مقرراً».
كانت كتاباته الأولى ذات أسلوب شعبي، ومنذ عام 1962، يتبدى تركيزه على التعمق في غياهب النفس البشرية.
وفي ديوانه: «يا للعيش» (1987)، كتب: «يا للعيش، الكلام الذي يبدع العجيبة، والعجيبة في حد ذاتها اندهاش. ماء، حياة، ووردة من نفس الاسم، المحبوبة. المرأة تصير مياهاً، والمياه تصير امرأة حية، كلام، مياه، امرأة تبدع الخلاء دولها، وتجعله أكثر خلاء حتى تدركنا بصورة مثلى، تحبنا بصورة مثلى وتروي بصورة مثلى عطشنا».
نال محمد ديب عام 1963 جائزة الدولة التقديرية للآداب، كذلك كان أول كاتب مغاربي يحصل على جائزة الفرانكفونية، وذلك في عام 1994 حيث تسلمها من الأكاديمية الفرنسية تنويهاً بأعماله السردية والشعرية وقبلها جائزة مالارميه عام 1998.
توفي الأديب محمد ديب في 2 مايو 2003 بسان كلو إحدى ضواحي باريس.
من نتاجه الروائي والقصصي: «في المقهى» (1955)، «صيف إفريقي» (1959)، «من يتذكر البحر» (1962)، «الطلسم» (1966)، «سيد الصيد» (1973). ونتاجه الشعري: «ظل حارس» (1961)، «صيغ» (1970)، «أومنيروس» (1975)، «نار، نار جميلة» (1975)
*الراقصة *
ذراعان متمايلان، هي،
تحت الشجرة ترقص.
هو، تحت الأشجار
يبكي.
الليل ينتهي.
وقت مصفر إذاً،
النوافذ مضيئة.
مضى الوقت، يقول.
لا شيء.
حكاية.
تحت الأشجار
لن يبدأ.
يقول الطفل:
لا، انتهى.
*القناع *
لم يفعل شيئاً إلا خلعه.
سقط القناع.
دمعة من كل عين.
تخلى الطفل عنه، وضع
أصبعاً على فمه
ولا دموع أخرى، لا شيء.
القناع احتفظ بسره.
يفضل.
ذهب الطفل
نحو أمور أخرى.
*المياه *
هو، بقي.
رحلت المياه.
بقيت الشجرة.
رحلت المياه.
ولكن كل شيء بقي،
رحلت المياه.
أحد ما في البعيد
يعرف أننا ننتظره.
من تحرقه
ما دامت موجودة؟
أنا، يقول الطفل.
*نعم *
العينان إلى السماء، يقول نعم.
يخفض رأسه.
يقول لا.
أياً كانت المحاورة.
وجد الطفل نفسه وحيداً.
يرحل ركضاً.
يختار مكاناً آخر.
يرفع العينين.
يقول نعم.
ويرحل ركضاً.
*المرأة *
لا أحد يعرف هذا.
يختفي خلف الشجرة.
تتنزه المرأة في الحديقة.
لا شيء سوى الظل.
ثم لا شيء سوى الشمس.
لا توجد أي أشجار.
لا يوجد مكان يختبئ فيه.
في وسط الحديقة، ظل
الطفل
ساكناً
في الوسط.
يغلق ثم يفتح العينين.
لا أحد في حديقة الصيف.
يغلقهما.
لا أحد، يقول.
*السلم *
وضع القدم الأولى
على الدرجة الأولى.
وضع القدم الثانية
على الدرجة الثانية.
وصلت.
يقول.
يصعد ثانية.
الشمس قريبة نوعاً ما.
يواصل الصعود.
قدماه تضطربان
يصعد في بطء.
لم يخف.
الصعود إلى الأعلى، يقول.
*فتح *
أهناك أحد
يستطيع أن يفتح لي؟
شيء ما هنا.
غير بعيد، في الجانب.
من يريد أن يفتح لي
هذا الباب؟
من يريد؟
*الحفل *
إذا لم يكن مضاء؟
يعرفه وكيف.
ولكنه لم يذهب.
ثريات تلمع
هناك حفل
هنا، ليل وصمت
هنا، لا شيء إلا الزفرات
المخنوقة خلف الأبواب.
يسمع الصبي.
هذا البيت الملتصق
ببيت آخر
يقام الحفل فيه.
لا ضجة حتى ضجة الخطوات
ولكن من هنا نسمع
الحفل يمضي بصورة طيبة
واقفاً في النافذة
يتطلع إلى نجوم
تحيا في حوضها.
*المزاد *
الموت الكبير.
ضغائنه اللامعة
الشجرة التي تنمو
ثمارها تنضج.
شعلة تلتهب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق