محمد عبيدو
توج الفيلم الروائي الطويل “ماتريا” للمخرج الإسباني ألفارو جاجو بالجائزة الكبرى “الغزالة الذهبية” لمهرجان عنابة للفيلم المتوسطي في طبعته الرابعة التي اختتمت سهرة الثلاثاء إلى الأربعاء في قاعة المسرح الجهوي عز الدين مجوبي.
يتناول هذا الفيلم الذي أنتج سنة 2023 حالات انسانية من خلال امرأة في قرية صيد في غاليسيا تعيش ظروفا اجتماعية صعبة للغاية وتقاوم تكافح من أجل تدبر أمرها من خلال العمل الجاد و القاسي هنا وهناك من أجل لقمة العيش وضمان مستقبل أفضل لابنتها. مع استعداد ابنتها البالغة من العمر 18 عامًا للوقوف على قدميها، تبدأ رامونا في التشكيك في حياتها حتى هذه اللحظة.
يعكس الفيلم صورة قوية للمرأة الصامدة في وجه الظروف الصعبة وهو الدور الذي أدته الممثلة ماريا فاسكيز التي توجت في فيلم “ماتريا” بجائزة “أحسن ممثلة” في مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي في طبعته الرابعة .
وجاءت جائزة الغزال الذهبي لأفضل مخرج للكرواتي أندريه كوروفليف عن “فندق بولا”. بالنسبة لمسابقة الفيلم القصير، قررت لجنة تحكيمها أن تمنح تنويهين، الأول للفيلم الإسباني “السينما شيء رائع” للمخرج دافيد فرنانديز: السينما مليئة بالقواعد السخيفة. يذكر أحدهم أن بطل الرواية يجد دائمًا مكانًا لوقوف السيارات في المرة الأولى. سوف يمر الأب وأبناؤه برحلة ملحمية من أجل الوصول إلى شركة ابن أخيهم في الوقت المحدد. والثاني للفيلم الكرواتي “الواقع الحقيقي للقتال” للمخرج أندريا سلافيتشيك: بين مشاكل المدرسة، ودراما الفتيات اللئيمة، والكلمات الجذابة، والسيارة الزرقاء الغامضة، تحكي لنا المراهقة لينا، التي تكون أحيانًا مشتتة الانتباه أو متقطعة، القصة الحقيقية وراء القتال الكبير.
وفاز بجائزة لجنة التحكيم الفيلم القبرصي “ليلة أعمال شغب” للمخرج أندريا شيتانيس : خلال أعمال شغب في شوارع قبرص، يحاول رجل من أصل عربي العثور على مأوى داخل منزل عائلة قبرصية. ومع ذلك، سرعان ما يدرك أن حياته ربما تكون أكثر عرضة للخطر داخل المنزل، وليس في الخارج في الشوارع مع مثيري الشغب. يستكشف الفيلم الصعوبات التي يتعين على اللاجئ التغلب عليها، والحزن الذي يمكن أن يفرق الأسرة، ولكن قبل كل شيء، يركز الفيلم على قوة حب الأم، وتوج الفيلم الفلسطيني “سوكرانية 59” للمخرج عبد الله الخظيب بالجائزة الكبرى في ألمانيا، تجد عائشة وزوجها جمال وابنهما سمير، وهم لاجئون سوريون، أنفسهم مقيمين في مساكن توفرها المؤسسات العامة. في أحد الأيام، تصل ماريا وصوفيا، أم وابنتها اللتان فرتا من الحرب في أوكرانيا. تضطر العائلتان إلى العيش معًا على الرغم من اختلاف أسلوب حياتهما والتجارب التي مروا بها في المنفى.. فيما نال جائزة لجنة التحكيم الفيلم القصير “ليلة من أعمال الشغب”
ونال جائزة “أحسن دور رجالي” الممثل الفلسطيني صالح بكري عن دوره في الفيلم الفلسطيني “الأستاذ” للمخرجة فرح النابلسي، و يتناول الفيلم الذي تم تصوير في الضفة الغربية بفلسطين، ويرصده قصصاً إنسانية من واقع مأساوي فلسطيني على مدار ساعة و55 دقيقة، قصة “باسم” (صالح بكري) أستاذ فلسطينيّ يكافح للتوفيق بين التزامه بالمقاومة السياسية التي تهدد حياته، يكافح للتّعامل مع تجربة شخصيّة مؤلمة بعد حادث مأساويّ اودى بحياة بابنه وانفصاله عن زوجته . تأخذ حياته منعطفًا غير متوقّع عندما يشكّل ارتباطًا عميقًا مع آدم، أحد طلّابه، حيث ينقله للإقامة عنده و يسكنه غرفة ابنه الذي استشهد عندما أسره الاحتلال ويزوده بالكتب ، إثر هدم بيته، المجاور لبيته، وقتل مستوطنون حاولوا إحراق أشجار زيتون، أخاه الأكبر، يعقوب ، في حين ينمّي أيضًا علاقة رومانسية جديدة غير متوقّعة مع إحدى المتطوعات في المدرسة العاملة الاجتماعيّة البريطانيّة “ليزا” (إيموجين بوتس). في الوقت نفسه، يسعى محامٍ أمريكيّ وزوجته إلى عودة ابنهما، وهو جنديّ إسرائيليّ محتجز لدى مجموعة مقاومة فلسطينيّة يُحضره رفاقُ الأستاذ، لإخفائه في بيته، يكتشف أمره آدم، فينقذ الأستاذَ في تفتيشٍ أوّل لجيش الاحتلال، حث يبادر من نفسه إلى أخذ الأسير وإخفائه في مكان قريب ثم تنقذه زميلته، التي تغدو شاهدة على ما يجري، في تفتيش ثانٍ للمخابرات.. يثير مطلب المجموعة لتبادل الأسرى توتّرات مع السّلطات، ممّا يزيد من حدّة البحث عن الجنديّ، ويوقع حيّ “باسم” و”آدم” في حالة من الاضطراب. تنسج المخرجة، فرح النّابلسي، هذه القصص المتباينة والمترابطة في آنٍ، في دراما مشوّقة تتميّز بالتّعاطف والأحداث غير المتوقّعة والاستفزازات المتواصلة، الّتي ترتكز على أداء صالح بكري القويّ..
وعادت جائزة “أحسن سيناريو” في فئة الأفلام الروائية الطويلة للفيلم التركي “روزينانت”، للمخرج باران غوندوزالب ويشارك في بطولته إيلي إردونميز، فاتح سونميز، فيما نال جائزة لجنة التحكيم لهذه الطبعة فيلم “فرانز فانون” للمخرج الجزائري عبد النور زحزاح : في عام 1953، تولى الدكتور فرانز فانون من المارتينيك منصبه كرئيس الأطباء في عيادة الطب النفسي في البليدة، الجزائر. يهيمن الطب النفسي الاستعماري العنصري على الحياة اليومية في العيادة. يتم إيواء الفرنسيين بشكل منفصل عن المسلمين، والظروف في الوحدة الإسلامية صادمة: يتم تقييد المرضى وتهدئتهم رغماً عنهم. يقدم فانون نهجًا جديدًا يتضمن مناقشات جماعية ومسؤوليات أكبر لطاقم التمريض. أنشأ صحيفة للمريضى، ومقهى، وموقعًا لملعب كرة قدم، وساعد في ترميم المسجد. وهو يدعم بشكل متزايد حركة المقاومة الجزائرية السرية.
في فئة الأفلام الوثائقية، نال جائزة “أحسن فيلم وثائقي” الفيلم الإيطالي “سارورة” للمخرج نيكولا زمبيلي: على أبواب صحراء النقب، يحارب شباب فلسطينيون الاحتلال العسكري الإسرائيلي محاولين استعادة الأراضي المسروقة من عائلاتهم.. وذهبت جائزة لجنة التحكيم للفيلم الفلسطيني “باي باي طبريا” للمخرجة لينا سويلم، تصور حياة والدتها (الممثلة الفلسطينية هيام عباس) وجذورها في فلسطين. الفيلم الوثائقي “يفتح آلام الماضي” ليعكس الخيارات الحياتية الصعبة التي تواجهها هيام عباس ونساء من عائلتها، متخذا نقطة البداية من النكبة الفلسطينية عام 1948 وما رافقها من تهجير ونفي وقيام دولة الاحتلال الإسرائيلي. وقامت لجنة التحكيم بمنح تنويه خاص للفيلم التونسي “عقرب مجنونة” للمخرج أكرم منصر يتابع الفيلم قصص مجموعة من النساء في مدينة وذرف بالجنوب التونسي و نضالهن للحفاظ على صنعة الأجداد المتمثلة في السجاد التقليدي (المرقوم)..
وتم إدراج في الطبعة الرابعة لمهرجان عنابة للفيلم المتوسطي جائزة الجمهور تحمل اسم المخرج الراحل “عمار العسكري” الخاصة بتصويت الطلبة على أفلام جزائرية تم عرضها بالمدرسة العليا للتسيير بعنابة أنتجت في إطار ستينية عيد الاستقلال و التي نالها الفيلم الجزائري “الطيارة الصفراء” للمخرجة هاجر سباطة. الفيلم يروي قصة جميلة الفتاة الجزائرية التي فقدت أخاها في الفترة ما بين 1956 و1957، أي خلال حرب الجزائر، وتسعى للانتقام من مقتله . وتعلم جميلة بخبر وفاة شقيقها من قبل نقيب فرنسي وتسعى للانتقام لكنها تقع في حيرة من أمرها هل تنتقم لشقيقها الذي قتل من طرف الفرنسيين أم تنتقم لوطنها المحتل. كما تم الكشف عن الفائزين بمنحة الصناعة السينماتوغرافية، التي خصصت للمشاريع الإبداعية، وعادت في قسم مشروع الكتابة للمخرجة سيرين عشير عن مشروعها “أصوات”، بينما عادت جائزة أحسن مشروع للمخرج أسامة بلحسين عن عمله “7 كيلومتر”.
ورغم الخيارات الفنية الجيدة وعناوين العروض السينمائية اللافتة التي عاشتها مدينة عنابة على مدار ستة أيام (24-30 أفريل) في الطبعة الرابعة للمهرجان، وضمت 70 فيلما أنتجوا بين سنتي 2022 و2024 بمشاركة 18 بلدا متوسطيا، من بينها عروض خاصة بالسينما الفلسطينية، و أخرى بالمرأة والسينما المتوسطية، ومع الرغبة بالتجاوز والخروج من الاداء الضعيف الي ميز الطبعتين الثانية والثالثة، إلا ان لغطا كثيرا دار حول المهرجان في وسائل الاعلام وبصفحات التواصل الاجتماعي ربما بسبب غياب نقاد وإعلاميين متخصصين، وانعكاس ذلك على التغطية الاعلامية للصحفيين اللذين تمت دعوتهم لحضور المهرجان ولم تصل منهم مقالات نقدية للأفلام او الندوات او حوارات مع اعضاء لجان التحكيم التي ضمت اسما بارزا في السينما العالمية وهو المخرج التركي نوري بليج جيلان، بل كانوا منشغلين على ما يبدو بأخبار مؤثري تيك توك استضافهم المهرجان كضيوف شرف او بالتقاط صور سيلفي.
وظهرت ايضا تساؤلات حول غياب اسماء سينمائية كبيرة تم الاعلان عنها رسميا ولكن لم تحضر، وأيضا غياب السينمائيين الفلسطينيين في وقت القضية الفلسطينية هي الحدث الاهم الي يشغل ويحرك وجدان العالم.
كما يحسب ايجابا للنقاشات التي اثارها انعقاد المهرجان، دعوة الجهات المعنية كوزارة الثقافة والبلديات لترميم صالات السينما المغلقة او انشاء صالات جديدة في مدينة ليس بها سوى صالة واحدة ناشطة هي صالة “السينماتيك”، مما اضطر المهرجان لعرض افلامه في مسرح عنابة الجهوي . ويبقى موضوع الصالات السينمائية جزء اساسيا من الانشغالات والحوارات حول قضايا وإشكالات الواقع السينماتوغرافي بالجزائر ودعوات النهوض به .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق