محمد عبيدو:
المخرج سعيد ميرزا «ولد في 30 يونيو 1943» تخرج من معهد التدريب السينمائي والتلفزيوني بالهند عام 1975،
أخرج عدداً من الأفلام الوثائقية والروائية وبرز له ببداية عمله
السينمائي فيلمان وثائقيان أحدهما حول مسالة الإسكان المدني لتطور بومباي
المدني والصناعي، والثاني حول الطرد من الأحياء الفقيرة المزدحمة، وهو فيلم
لتلفزيون بومباي، وقد حظر عرضه، ومازال حتى اليوم.
قبل أن يعرض سعيد ميرزا فيلمه الأول «حكاية أرفيد ديساي» كان قد
أصبح من المخرجين المهمين، وقد اختير الفيلم للعرض في «كان» و»برلين» عام
1979. عن حالة الإحباط التي أصابت الشباب المثاليين الذين وقعوا في فخ
ثقافة المال الإقطاعية.
عام 1980 قدم ميرزا فيلمه «ما الذي جعل ألبير بينتو غاضباً» 160
دقيقة. وهو فيلم باعث على التحريض كعنوانه، يخلق فيه سعيد ميرزا الوسط
المتميز للكاثوليكيين الرومان في «غوا» الذين استقروا الآن في جيوب بومباي
السكنية والذين على وعي بوضعهم الأقلوي في مجتمع متعدد اللغات.
بطل ميرزا هو «ألبير بينتو»، ميكانيكي زاهي المظهر وساذج القناعة
بتفوقه على الميكانيكيين الآخرين، لكون زبائنه مالكي سيارات الليموزين
الفخمة يعاملونه كصديق. فهو يقود سياراتهم ويستمد في المقابل متعة من أسلوب
الحياة التي يعيشونها، غضبه موجه بشكل أساس نحو صديقته ستيلا السكرتيرة
النموذجية للمدينة لكونها ترتدي الـ «تنورات» وتتلاطف الحديث مع
الميكانيكيين الآخرين، ولكنها تعقد عملها لأنها ترد بجفاء عروض صاحب العمل
المفرطة بودها. وأخوه الأصغر دومينيك الذي يداعب أوتار الغيتار، يقوم
بسرقات صغيرة ويزج في السجن ويتحول هو أيضاً إلى هدف آخر من الأهداف
المثيرة للغضب البرجوازي لألبير.
ووالده عامل نسيج ماهر ينضم إلى النقابة ويشجع على نحو فعال إضراب
العمال لرفع أجورهم. الأم ربة منزل تلوذ بالصلوات وتشوشات الذهن. أخته
العرجاء تعمل بائعة وعليها أن تطرد الذين يحاولون إغواءها. هناك علاقة خاصة
ما بين الأب والابنة، فهي تفهم وتشجع بصمت انضمامه لإضراب حاسم في المعمل،
وتحمل قليلاً من الاحترام لأخوتها مشوباً بالشفقة عليهم.
رئيس عمل ستيلا يقدم لها عروضاً تثير الامتعاض. عند ألبير وستيلا
بالذات شخصية ذرائعية حصينة عن تأثير والدها السكير وأحلام أخيها بالهجرة
إلى كندا، وجلافة ألبير التي لا تعرف الصفح تثير سخطها وتحدث صدعاً وقتياً
بينهما حتى يعود ألبير النادم طلباً للمغفرة.
لا يصل ألبير إلى إدراك الصراع الطبقي الذي له حق الأولوية إلا
عندما يقع والده تحت الضرب والإهانات التي يوجهها الناس الأغنياء – الذين
يعتبرهم أصدقاءه – إلى شخصه تحثه على التعلم. ويعثر على ألبير – بحثاً عن
هويته الشخصية والطبقية – على الكثير الذي يشعل غضبه. ويبدأ حتى بالتعاطف
مع معارضة والده لهؤلاء الذين يستغلون الطبقة العاملة.
جاء الهجاء السياسي الثاني عبر إطلالته السينمائية على الطبقة
المتوسطة في المناطق الحضرية، و النظام القضائي الهندي، في فيلمه «استدعاء
موهان غوشي للمثول أمام القضاء» «1984»، وهو عن زوجين عجوزين يكافحان عبر
سنوات في قضية قانونية تمتد لسنوات في ظل نظام قضائي فاسد، في صراع مع صاحب
العقار الذي يسكناه. أرخ فيلمه تعيين واقع «الطبقة المتوسطة» في المناطق
الحضرية، كفاحهم والبحث عن الهوية في المشهد سريع التغير، والظروف
الاقتصادية. ثم أتى إلى الأفلام التي تلامس القلق الذي يعاني منه «كيف مات
سليم لانغدي» «1989»، بطولة باوان مالهوترا، وهو شاب مسلم وقع في دائرة
الجريمة وتبادل الاتهامات، وسط تنامي الطائفية، وعقلية الغيتو، والبحث فيه
للحصول على الهوية العرقية التي لا تتعارض مع الهوية الوطنية.
وفي غضون ذلك توجه لإنتاج مسلسلات شعبية للتلفزيون «شارع الزاوية»
«1986» و»انتظر» «1988»، تم تعيين أول مرة في الطبقة المتوسطة والدنيا من
مختلف الطوائف، والتي تلتقي في زاوية شارع في ضاحية مومباي، وتقاسم نضالهم
البقاء على قيد الحياة كل يوم في عالم قاس.
بعد ذلك يحاضر على نطاق واسع عن السينما الهندية في جامعات في
الولايات المتحدة والهند. كما يساهم بانتظام في الصحف والمجلات الهندية في
المناقشات السياسية الحالية.
وأخرج فيلمه «نسيم» عام 1995 وهو عن انهيار البنية العلماني مع هدم
آخر مسجد بابري. بعد ذلك، على حد تعبيره: «وكان هدم مسجد بابري القشة
الأخيرة. نسيم كان تقريباً مثل الرثاء، وبعد هذا الفيلم، لم يكن لدي ما
أقول، لذلك كنت بحاجة لاستعادة ثقتي والاحتفاظ بسلامة عقلي. قررت السفر في
جميع أنحاء الهند، وتوثيق ذلك على كاميرا فيديو».
وبعد ذلك كرس وقته للسفر والكتابة وصنع أفلاماً وثائقية. بدأ في
وقت لاحق على العمل على سيرته الذاتية، وصدرت في عام 2008، روايته الأولى:
«رسالة من أم الديمقراطية» وهي عبارة عن ذكريات والدته التي توفيت في عام
1990، وسلسلة من المقالات القصيرة التي تضم خرافات الصوفية، ذكريات
الطفولة.
يؤمن سعيد ميرزا بأن السينما التجارية قائمة بسبب الدولة لا رغماً
عن الدولة، وبأن مساعدة الدولة للمخرجين الجدد هو عبارة عن صمام أمان في
نواياها. ويقول: «هناك من حيث الأساس نوعان من الأفلام: فيلم الوضع القائم
وفيلم الصراع. الأفلام الضخمة تدعم الأوضاع القائمة. إن كان المخرج متصلباً
بأيديولوجيا، عليه عندئذ الصراع: في اللغة، في الموسيقى، في السينما ليس
هناك من جواب محدد للشكل الذي يجب أن تتخذه. أنا أحاول – على سبيل المثال –
التجريب بواسطة السرد. يجب على الشكل أن يغدو ثورياً، ولكن ليس بطريقة
لاتاريخية، ليس على الشيء دعم الواقع القائم، بل على المرء زعزعة استقراره،
حيثما أحصل على فرصة لزعزعته أفعل ذلك».