محمد عبيدو
يجرى الحديث إبداعيا وسينمائيا عن فترة الحرب الطويلة والمؤلمة بآثارها في سوريا، وكأنهم يتكلمون عن أيام طفولة مقتولة وأحلام تحاول جاهدة التنفس خارج الانكسار .. السينما السورية بعد الحرب تحديق في جروح مفتوحة فتحت عيون السوريين والعالم على عمق الفاجعة، وعنف “المسكوت” عنه في طبقات الوعي، لا أحد كان في مأمن من العنف وخصوصا المرأة السورية مع محنتها في زمن الحرب، وهو ما يسرده سينمائيا، في 88 دقيقة، فيلم “تحت سماء دمشق” ” Under the Sky of Damascus” (2023) الذي عرض بمسابقة الافلام الوثائقية الطويلة بمهرجان وهران، واشترك في إخراجه ثلاثة مخرجين هم طلال ديركي وهبة خالد وعلي وجيه.
استمر العمل على الفيلم وتصويره حوالي 3 سنوات، متطرقا إلى نماذج من النساء السوريات انهكتهن الحرب، وعانين خلال السنوات العشر الماضية من حالات التحرش والانتهاكات الجنسية والجسدية والعنف .
من خلال مونولوجات وحوارات في العمل على عرض مسرحي عن العنف الممارس ضد المرأة والاستغلال الجنسي تقدمه خمس فتيات، وهن الممثلات فرح الدبيات، غريس الأحمر، سهير صالح، إنانا راشد وإليانا سعد، يتحدثن فيه عن قصصهن المؤلمة، كل واحدة منهن ضحية نوع ما من الانتهاكات، مما يتطلب منهن إجراء تحقيقات عن النساء العاملات، وما يتعرضن له من عنف ليصبح المحور جزءا من فيلم يهدف إلى التعريف بما تتعرض له المرأة في دمشق بعد الحرب. وبجرأة لافتة تمتزج معاناتهن مع القصص الشخصية التي روتها للكاميرا عدد من النساء في دمشق، مع التوتر العصبي والانهيار النفسي والحزن والالم.
صوت (هبة خالد) يمضي راويا داخل الكادر وخارجه بالفيلم الوثائقي، لتكون جزءا من بنائه وتشكيل سرده .. من بين صور أبنية مهدّمة ودمار المدينة في شوارع دمشق، وعنف معلق في الهواء، نمضي إلى بيت دمشقي عتيق مهجور اختارته بطلات الفيلم، ليكون ملاذاً لهن في بوحهن ولاشتغالهن على مسرحيتهن وعرضها .
يفتتح الفيلم مع الممثلة السورية صباح السالم، وقد بدت واضحة على وجهها آثار السنين المتعبة والألم، وهي تروي مأساتها الخاصة مع فترة السجن الذي دخلته 15 عاما، لأنها رفضت – كما تقول- الانصياع لطلبات أحد المتنفذين، فلفق لها تهمة، رغم كونها نجمة السينما والتلفزيون السوري في ذلك الوقت، لتجد نفسها، بعد خروجها، مهمشة باحثة عن اللقمة والمأوى، وينتهي الفيلم معها، جالسةً أمام المرآة كأنّها تواجه نفسها وماضيها .
قصص كثيرة وعديدة ومتشابكة في السرد السينمائي، حكاية امرأة تعمل في الفرز في مكب نفايات، وقصة امرأة مع العنف المنزلي، وكيف هربت من مدينة لمدينة لتحمي بناتها، بعد مشهد كان كفيلاً باتخاذها هذه الخطوة: “حط البوط العسكري على راس بناته”، وأخرى أرسلها زوجها من أوروبا إلى سوريا على أن يلتحق بها مع الاولاد ثم يبلغها بالانفصال. وتتم مقابلة الضحايا الآخرين في مصنع النسيج أو في مستشفى الأمراض النفسية.
كما مضت الكاميرا إلى مؤسسة الصم والبكم، لتنقل أصعب القصص في الفيلم، لسيدة صماء اغتصبها 3 شباب من الوحوش البشرية، يعلمون أنها تعجز عن الحديث ورواية ما حدث لها، وعند افتضاح أمرهم أمرت المحكمة بتزويجها لأول مغتصب لها حفاظًا على شرف أسرتها.
ويمضي تطور الفيلم مع أحداث مفاجئة متلاحقة، فأحد المنتجين الفنيين في الفيلم يقوم بمحاولتين متتاليتين بالتحرش باثنتين من فتيات الفرقة المسرحية من بطلات الفيلم، وفتيات أخريات أيضا، رغم أن الفيلم مبني أساسا على موضوع مناقشة التحرش، مما يؤدي لتوقف التصوير لفترة ونشوب الخلافات بين أعضاء الفرقة المسرحية، ثم عودة التصوير، مع إصرار الفتاتين على التحدث عن حالات التحرش أمام شاشة الكاميرا.
نقلا عن موقع مهرجان وهران للفيلم العربي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق