الأحد، 1 ديسمبر 2024

رحيل المخرج والمونتير العراقي قيس الزبيدي

 


وفاة المخرج والمونتير العراقي قيس الزبيدي (1939 ــ 2024)، أحد أبرز الرواد في السينما الوثائقية العربية. 

وُلد قيس الزبيدي في بغداد عام 1939 ، وتخرّج من معهد الفيلم العالي في بابلسبرغ في ألمانيا. وقد حصل على دبلوم في المونتاج عام 1964 وآخر في التصوير عام 1969.  حصل على درجة الإخراج عند كتابة وتصوير ومونتاج فيلمه "في سنوات طيران النورس". أخرج مجموعة من الأفلام العربية القصيرة والطويلة في ألمانيا ودمشق ولبنان وتونس وفلسطين.

شغفه بالسينما دفعه للتركيز على الجانب الوثائقي، الذي رأى فيه وسيلة لنقل الواقع الاجتماعي والسياسي بصدق ودقة. ومنذ ستينيات القرن الماضي، بدأت أعماله تلقى اهتمامًا واسعًا بسبب أسلوبه الذي يمزج بين الإبداع الفني والالتزام بقضايا الشعوب.

من أبرز إنجازات الزبيدي كانت إسهاماته في السينما الوثائقية الفلسطينية، وقد كرّس العديد من أفلامه لتوثيق معاناة الشعب الفلسطيني. فيلمه "بعيداً عن الوطن" (1969) يعتبر نقطة تحول في مسيرته، حيث عرض معاناة اللاجئين الفلسطينيين من خلال تصوير حياة الأطفال في المخيمات. كما عمل في دمشق في مؤسسة السينما والتلفزيون السوري، حيث أنتج فيلمه الشهير "نداء الأرض" (1976).

سعى قيس الزبيدي دائمًا إلى خلق لغة سينمائية جديدة متأثرة بالتيارات الأوروبية الفنية التي تعلمها أثناء دراسته. فكان يؤمن بأن السينما ليست مجرد وسيلة للتسلية، بل أداة قوية لإيصال رسائل سياسية واجتماعية، وهو ما تجسد في أفلامه التسجيلية. على مدار مسيرته، خاض الزبيدي معارك فكرية وفنية لتطوير السينما التسجيلية العربية وتوجيهها نحو التفاعل مع القضايا الحقيقية التي تواجه المجتمعات العربية.

في أوائل السبعينيات، شارك الزبيدي في مهرجان السينما العربية البديلة في دمشق، حيث لعب دورًا رئيسيًا في تعزيز هذا التيار الذي حاول التمرد على الأساليب التقليدية للسينما العربية. كان يؤمن بأن السينما البديلة هي وسيلة لإيصال صوت المهمشين وإظهار حقائق الواقع الاجتماعي والسياسي بعيداً عن التجميل أو التزييف. رغم أن هذا التيار لم يلقَ النجاح الذي كان يأمله، إلا أن أفلام المخرج العراقي ظلت شاهدة على هذا الجهد الذي سعى لتغيير الواقع السينمائي العربي.

 فيلم "اليازرلي"  أخرجه الزبيدي (1972)، عن قصة طويلة لحنامينة بعنوان «على الأكياس»، ومدته (95 دقيقة). يكتب الناقد سعيد مراد: “إن اليارزلي ينطوي في بنائه الدرامي، على عناصر شعرية وملحمية تعتمد في بروزها على وسائل بصرية مونتاجية”، في مكان آخر يضيف: “إن على الأكياس التي هي قصة قصيرة من السيرة الذاتية، مكتوبة بأسلوب ذكريات حارة، بسيطة، تحولت في الفيلم إلى بناء معقد يحوي معاني الإضطهاد في مجتمعنا: التخلف، الجنس، القسوة، العنف، الإستغلال”.

هذه المعاني، أراد أن يجعل منها نماذج معممة تجسدها الشخصيات التي يعبر كل منها عن واحد من تلك المعاني القيمة، وطرح ذلك علينا سلفاً، مستفيداً من بناء مسرح بريخت: بث نوع من الملحمية في التخاطب مع الناس وفي بناء العمل، كما لجأ إلى مونتاج يحاول أن لا يفسح مجالاً لتأثير عاطفي بقدر ما يقطع هذا التأثير ليتوجه إلى عقل المُشاهد، كي يحرضه على أن يتركز على هذه المعاني المجسدة، ثم يكشف عن الحقيقة الواقعية للحلم، ويرتفع بالواقع، ببعض تفاصيله مستوى الحلم، يتداخل ذلك في نسيج واحد فيجعل من الماضي، الذكريات، الحلم والواقع كلاً واحداً، وذلك بوسيلة بصرية ومونتاجية

حازت أفلامه جوائز في مهرجانات عربية ودولية عديدة وصدر عنه وعن أفلامه كتاب"عاشق من فلسطين"، للناقد محسن ويفي (القاهرة: وزارة الثقافة، 1995). صدرت له الكتب التالية: "بنية المسلسل الدرامي التلفزيوني: نحو درامية جديدة" (دمشق: دار قدمس للنشر، 2001)؛ "درامية التغيير: برتولت بريشت" (دمشق: دار كنعان، 2004)؛ "المرئي والمسموع في السينما" (دمشق: المؤسسة العامة للسينما، الفن السابع (112)، 2006)؛ "فلسطين في السينما" (بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2006)؛ "الوسيط الأدبي في السينما" (أبو ظبي: مهرجان: أفلام من الإمارات، 2007)؛ "مونوغرافيات في نظرية وتاريخ صورة الفيلم" (دمشق: المؤسسة العامة للسينما، الفن السابع (177)، 2010)؛ "في الثقافة السينمائية – مونوغرافيات" (القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، آفاق سينمائية (75)، 2013)؛ "الفيلم التسجيلي: واقعية بلا ضفاف" (رام الله، فلسطين: وزارة الثقافة الفلسطينية، 2017)؛ "دراسات في بنية الوسيط السينمائي" (الشارقة: دائرة الثقافة، 2018).،  "فلسطين في السينما" الصادر عام 2006، يبرز  اندفاع جيل فلسطينى جديد إلى الأفلام التسجيلية، قصيرة فى الغالب، وشبه طويلة فى أحيان أُخرى، تتراوح بين دقائق معدودة وما يقترب من الساعة، أو يتجاوزها، وأفلام طويلة متعددة الجهود.

 وتظهر "كونية المسألة" فى أعمال مخرجين سينمائيين متعددى الجنسيات: إيطاليا، ألمانيا، لبنان، العراق، إسرائيل، فرنسا، الدانمارك، سويسرا، فلسطين، بولونيا، الولايات المتحدة، إسبانيا، النرويج…. وفلسطين المنسوبة إلى مدنها الشهيرة (نابلس، رام الله، غزة)، وكذلك "القدس بالألوان".

 جمع الزبيدي الأفلام الفلسطينية التي تحدثت عن فلسطين خلال تسعين عاماً، تبدأ مع وعد بلفور وتنتهي عام 2005، حيث ضمّ الكتاب 800 فيلم، جرى جمعها للمحافظة على الأرشيف السينمائي الفلسطيني الذي تعرض لأكثر من نكسة، خصوصاً أيام اجتياح بيروت عام 1982.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق