الأربعاء، 1 يونيو 2016

"كين لوتش " نال سعفة "كان " الذهبية وجدد دعمه لفلسطين

محمد عبيدو
قطف المخرج البريطاني اليساري المخضرم كين لوتش جائزة السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي في دورته الـ 69 عن فيلمه "أنا دانيال بليك " ,‏ الذي ينتقد روتين وقسوة نظام المساعدات وبرامج الإعاشة البريطاني‏ . وجاءت هذه الجائزة بمثابة هدية عيد ميلاد للمخرج القدير في سنته الثمانين التي سيبلغها في منتصف الشهر المقبل، وتتويجا لنهج واقعي نقدي رسخه لوتش عبر أكثر من نصف قرن من حياته المهنية الثرة.
وقد أعلن فوز لوتش بالجائزة الممثل ميل غيبسون في حفل ختام المهرجان. وفي كلمته عند تسلمه الجائزة شكر لوتش الفريق الذي عمل معه وفي المقدمة منهم السينارست بول لافيرتي والمنتجة ربيكا اوبراين، واصفا أعضاء فريقه بأنهم نفس العصبة التي عملت معه في عام 2006.
وقال لوتش عن موضوعة فيلمه "عندما يكون ثمة يأس، يستفيد من ذلك أهل اليمين المتطرف، يجب أن نقول أن وجود عالم آخر أمر ممكن وضروري". و قال:“ما يميز مهرجان كان هو أن الفيلم يصبح فيه هام جدا، رأيتم ذلك خلال العرض النهائي، الناس متحمسون جدا ليس فقط للأفلام ولكن للأفلام التي تحمل رسالة معينة.”
وهذه هي المرة الثانية التي يقطف بها لوتش جائزة السعفة الذهبية في كان، إذ سبق ان حصل عليها في عام 2006 عن فيلمه "الريح تهز الشعير".
يقدم لوتش في "انا دانيال بليك" أحد أجمل أفلامه وأكثرها تأثيرا، ويصل فيه إلى ذروة دربته في جعل مشاهديه يتماهون مع أزمة بطله، ونموذجه الإنساني، الذي يمثل الانسان العادي البسيط الذي يسحق وسط اختلالات النظام الاقتصادي المهيمن وما ينتجه من اغتراب وأزمات اجتماعية .
ويحاول لوتش في هذا الفيلم كما في أفلامه كلها الانتصار للذين يعيشون على هامش المجتمع وعرض صورة المظلومين اجتماعيا والمنسيين في المجتمع البريطاني. النجار دانيال بلايك، وهو يقارب التاسعة والستين من عمره ، هو مثال النجّار الصادق البسيط الذي يحب العمل ومساعدة الآخرين. وعاش غالبية حياته في نيوكاسل، يضطر إلى الانقطاع عن العمل بعد أزمة قلبية فيسعى بشدة للحصول على إعانة من الدولة للمرة الأولى في حياته ، فنتبعه في مواجهة متاهات نظام عبثي مبهم من وكالات العمل إلى هيئات الخدمات الاجتماعية، وسط مساءلات تشبه التحقيق الأمني حول صحته وورشات إعادة الإدماج المهني. ، ليعرف الإذلال أمام منظومة إقتصادية تحتقرّ أساليبه التقليدية وترمي به في خانة المهمّشين وهذه الإجراءات تقسو على الرجل المنهك فهي إجبارية والتخلف عنها يهدد بقطع المنح التي يقتات منها. وفي رحلته عبر ماكينة الإدارة الجهنمية، يلقى بطل الفيلم بعض السند عند إحدى جاراته السود، وهي امرأة تربي طفليها بمفردها، وكلاهما ضحيتان لنفس النوع من الظلم. تحاول هي اﻷخرى الحصول على سكن ملائم بعيدًا عن الغرفة الضيقة التي تعيش فيها مع أبنائها في لندن.
فيلم أنا دنيال بلايك، فيلم قوي وملتزم يدافع عن الضعفاء ويناهض سياسات التقشف، فيلم يتناول الواقع الحالي أظهر أنّ مجال السينما بالخصوص في كان ليس أمرا خاصا بالنجوم والإحتفال . 
قد ندد لوتش الذي يحتفل الشهر المقبل بعيد ميلاده الثمانين بالاقكار "النيوليبرالية التي قد تقودنا الى الكارثة".وأضاف "العالم الذي نعيش فيه، في وضع خطر. نحن على مشارف مشروع تقشف تقوده أفكار نسميها نيوليبرالية قد تقودنا الى الكارثة".ومضى يقول "هذه الممارسات النيوليبرالية أوقعت في البؤس ملايين الأشخاص من اليونان إلى البرتغال مع اقلية صغيرة تحقق الثروات بطريقة مشينة".
وعلى عكس معاصريه، فإن لوك البالغ من العمر 80 عاما ، لم تسحره هوليوود، تطرّق إلى القضايا الاجتماعية بكثير من الواقعية، وتطرّق في عدة مرات إلى الدور البريطاني في إيرلندا، لا يحاول هذا السينمائي الإنكليزي العجوز، صناعة المعقّد، السينما عنده ليست صورة متحركة فقط، ولا فناً مجرداً، يرفض اعتبار الفيلم حركةً سياسية أو حزباً.. إنّها بالنسبة إليه أداة كغيرها من أدوات التغيير، «قد تسهم في رفع صوت الإحتجاج العام»، السينما عند لوتش إذاً أداة، وصرخة أيضاً، تنطلق من عدسة الكاميرا، لتنضم إلى الحشود في تظاهرة أو إحتجاج. . الأهمية التي كرسها لوك، للأقدار الشخصية التي انعكست في أفلامه، قصص واقعية تناولتها أفلام لوك، لاقت أصداء واسعة من حول العالم.
ولد كين لوتش، في مدينة نونيتون الإنجليزية عام 1936 ودرس القانون في جامعة أوكسفورد، قبل أن يمتهن الإخراج على مدى أكثر من 40 عاما، أخرج خلالها عشرات الأفلام الاجتماعية التي تناولت مواضيع مثل التشرد في فيلم (كاثي, عودي الى البيت) الذي حقق نجاحا ساحقا عام 1966، وقضية النزاع في إيرلندا الشمالية من خلال فيلم (الأجندة الخفية) 1990، وقضية الحرب الأهلية الإسبانية.
في عام 1993، جاء فيلم من أفلام المخرج المهمة وهو "الأحجار الممطرة" وتقع أحداثه في لندن وليس إيرلندا مثل الفيلم السابق ولكن الموضوع متقارب، فنحن إزاء رجل فقير لا يجد عملا ويصمم في نفس الوقت على شراء فستان الزفاف لإبنته الوحيدة وبمساعدة صديقه ريكي، يمضي رب العائلة بوب نحو السرقة لتدبير أي مبلغ مالي وبأية طريقة، وما يميز الفيلم ليس قصته فقط والتي تتشابه مع موضوعات تشارلي شابلن، ولكن أيضا الحوار والشخصيات وخصوصا أن استخدام لغة شبه خاصة بالطبقة العاملة جعل من الأجواء العامة للفيلم ذات جاذبية خاصة.
وانجز فيلم (الأرض و الحرية) 1995، ويتطرّق إلى الحرب الأهلية الإسبانية، والتي دارت بين أنصار اليمين فرانكو والكنيسة وأصحاب الأرض، وبين الجبهات اليسارية والتي فازت في الإنتخابات، وكان لابد لليمين من مقاتلتهم لإحباط نتائج الإنتخابات، كانت هذه الحرب تمهيدا للحرب العالمية الثانية، وقد وجد فرانكو ومن معه مساعدة كبيرة من هتلر وموسليني واستطاع بهذه المساعدة وغيرها تحقيق النصر، بينما رفضت الجماعات اليسارية تلقي الدعم والمساعدة، كما أنها لم تكن موحدة.
ثم قدم فيلم (الملاحون) 2001، الذي يدور حول خصخصة السكك الحديدية. وحاز "سعفة كان" عن فيلمه (الريح التي تهز الشعير) 2006، وقد أتى على مستوى فني كبير يخطف الأبصار ويستولي على العقول ويلقي كين لوتش وهو سينمائي راسخ، يدرس عادة مواضيع أفلامه بدقة، ويختارها أيضا بعناية لكي تعبر عن موقفه الفكري، كما أنه من أكثر المخرجين البريطانيين احتراما ونشاطا في المجالين الإجتماعي والإنساني من خلال فيلمه الدرامي "نظرة عميقة على نضال الجمهوريين الإيرلنديين ضد بريطانيا".. 
يعود لوتش في هذا الفيلم، إلى إيرلندا في بداية العشرينيات من القرن الماضي، فيتعمق في تحليل موضوع الصراع وبدايات التمرد والمقاومة المسلحة المنظمة في إيرلندا ثم يصل إلى نهايات مختلفة تماما، وتركز قصة الفيلم على شقيقين يدعى أحدهما تيدي (بادريك ديلاني) وهو متحمس للحزب الجمهوري الذي يقود الانتفاضة، بينما يخطط شقيقه الطبيب الشاب داميان (سيليان مورفي) للسفر إلى لندن والعمل فيها، ويقتنع داميان نتيجة سلسلة من الأحداث العنيفة، بضرورة البقاء في ايرلندا والانضمام إلى الثورة.
ويروي لنا المخرج الجريء بواقعية شديدة، تتخللها مشاهد قاسية من العنف والكثير من المشاعر الإنسانية والوصف الدقيق للأفكار السياسية المطروحة، قصة دراما تاريخية شهيرة يشرح فيها صعوبات الالتزام بالمبادئ والمثل العليا وذلك من خلال عرض أولى عمليات القمع الوحشي للثورة والمعروفة باسم عملية (بلاك أند تانس)، والصراعات الدموية التي نشبت بين الإيرلنديين أنفسهم بعد حصولهم على الاستقلال.
وفي فيلمه "إنه علم حر" 2007، تعرضت أنجي (كيرستون ويرينج)، الأم العزباء لفتى صغير، إلى الاستغلال وخيبات الأمل في مختلف الوظائف التي مارستها، وحين تم طردها من إحدى الوظائف تقرر الاتجاه للعمل الحر، وتؤسس مكتباً لتوظيف المهاجرين غير الشرعيين في لندن بالتعاون مع صديقتها الخجولة روز. هكذا عملت في عالم خفي، تتوفر فيه عمالة رخيصة ويتم فيه تجاهل القوانين، عالم يهدد حياتها وحياة إبنها. وتدور قصة فيلم الطريق الايرلندي 2010 عن شخص يعمل في مجال الأمن يرفض التفسير الرسمي لمقتل صديق له في العراق ويقرر إنه يبحث بنفسه عن الحقيقة.
وفي فيلم حصة الملائكة (2012) نرى الشاب "روبي" الذي تلد صديقته مولودهما حديثا، وبمجرد رؤيته يتعهد بعدم معاناة ابنه كما حدث له بحياته، ثم يلتقي بصديقيه ويتعثروا في الحصول على وظيفة بسبب سوء صحيفتهم الجنائية، بالسجن في وقت سابق. يتجه الثلاثة معا إلى تقطير الويسكي وإنتاج نوع جديد من الخمور يساعدهم في كسب الوفير من المال.
اما فيلمه قاعة جيمي (2014) بعد عشر سنوات من العيش في (الولايات المتحدة الأمريكية) ، يعود الناشط السياسي الأيرلندي (جيمي جرلتون) إلى أرض الوطن من أجل مساعدة والدته في إدارة مزرعة العائلة ، ولكن بعد انتهاء الحرب الأهلية هناك تتولى حكومة جديدة زمام الأمور ، فيقرر (جيمي) أن يعيد افتتاح إحدى القاعات القديمة ، حيث يستطيع الجميع تبادل النقاشات ، وممارسة النشاطات الترويحية ، لكن تنامي نفوذ (جيمي) وأفكاره الثورية لن يكون أمرا مرضيا للجميع .
ويرفض كين لوتش اعتبار الفيلم حركةً سياسية أو حزباً... إنّها بالنسبة إليه أداة كغيرها من أدوات التغيير، «قد تسهم في رفع صوت الاحتجاج العام». والسينما عنده صرخة أيضاً، تنطلق من عدسة الكاميرا، لتنضم إلى الحشود في تظاهرة أو احتجاج.
كرر كين لوتش ، دعوته لمقاطعة إسرائيل وذلك في افتتاح الدورة الثانية من مهرجان السينما الفلسطينية في باريس. التي حضرها ، مباشرة بعد عودته من مهرجان كان . واعتبر كين لوتش انه في غياب فعالية الهيئة الدولية التي «لا تمارس اية سلطة ولا تبحث عن اعادة الحقوق للشعب الفلسطيني، نحن كمدنيين، نفعل ما بوسعنا لأجل ذلك، وأقصد مقاطعة اسرائيل».وتمنى كين لوتش حظا سعيدا لمهرجان السينما الفلسطينية وألمح مازحا بعد فوزه بالسعفة: «هذا الأسبوع تعلمت أهمية المهرجانات، مهرجان السينما الفلسطينية مهم جدا. حظا موفقا».
وكان كين لوتش وقع في شباط فبراير من العام الماضي، على دعوة واسعة شملت 600 شخصية من المثقفين والفنانين واساتذة الجامعات في بريطانيا دعت لمقاطعة اسرائيل.




نقلا عن ملحق سينما بجريدة " الحياة "الجزائرية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق