الاثنين، 6 أبريل 2015

2 - محطات في تاريخ السينما الجزائرية

اعداد محمد عبيدو
كان فيلم " نوبة نساء جبل شنوة " 1977 الوثائقي لأسيا جبار , الذي يشكل انفرادا متميزا في العلاقة بين الروائي والسينمائي في الجزائر , كون أن أسيا جبار هي في الأساس كاتبة وجامعية خاضت هذه التجربة الوثائقية والتسجيلية انطلاقا من المعايشة الشخصية للكاتبة – المخرجة والرصيد الشعري الكامن لدى نساء الجزائر وبالخصوص في جبل شنوة { قرب ولاية تيبازة مسقط رأس المخرجة } وهنا نشأت علاقة حميمة بين نساء جبل شنوة ورؤية مخرجة تحمل في داخلها حسا نسائيا متقدما أرادت ان تكثفه في عمل قريب وواقعي . الوثائقية والتسجيلية وسيلة لسرد البعد الشاعري لهؤلاء النسوة في محيطهم الطبيعي .
ويخرج سيد علي مازيف فيلمه (( ليلى والأخريات )) 1977 عام: ليلى العاملة في مصنع ومريم تجدان نفسيهما بمواجهة الصعوبات والأحكام المسبقة المتأصلة في المجتمع العربي ، والتي تحرص على إبقاء المرأة في وضعية الخضوع وتمنعها من الحصول على حريتها ، مريم مخطوبة لرجلٍ لا تعرفه جيداً ، وهو يفرض شروطاً غير مقبولة عليها ، في النهاية تقرر رفض هذا الزواج المدبر ضد إرادتها وتتحدى الجميع .
من جهة أخرى تعاني ليلى وزميلاتها في المصنع من المعاملة السيئة لرئيس المصنع لهن ، ومن المواقف الأبوية لبعض العمال الرجال ، ويطالبن بالحصول على حقوقهن بالمعاملة الحسنة وبتحمل المسؤوليات ، فهل تستطيع النساء اليوم مواجهة كل التحديات المفروضة عليهن سواء في الشارع أو في الحياة العائلية والمهنية لتغيير واقعهن وظروفهن في الحياة
((الشيخ بوعمامة)) لبن عمر بختي الذي يقدم أول عمل طويل له .. وهو ، في عمله الروائي الأول ، يثبت جدارة حقيقية ، سواء على المستوى الفكري ، أو على صعيد اللغة السينمائية ، ففيلمه يسير وفق منطق ملحمي ، الصراع فيه جماعي ، يدور بين القبائل العربية ، الجزائرية ، من ناحية ، والقوات الفرنسية الغازية ، من ناحية أخرى ، والشيخ بوعمامة نفسه ، بجسمه الرقيق وضياء روحه الشفافة وإرادته القوية وحكمته وتواضعه ، يقدم صورة مناقضة تماماً لقواد الغرب ، بهيلمانهم ، وعظمتهم ، أمثال : بونابرت وريتشارد ونلسون .. وإذا كان الفيلم يؤكد أن ثورة (( بوعمامة )) التي حررت الكثير من الأراضي الجزائرية ، كانت حلقة في سلسلة النضال ضد الاستعمار ، فإن الفيلم أيضاً يقدم وجهة نظر في الحاضر ، فدرس الماضي يقول : إن لم تتحد القبائل العربية المتناحرة ، فإن النصر الحاسم ، لن يكتب لها .
-ويخرج عمار العسكري فيلمه(( المفيد )) عام 1978 ، وفي احداثه بعثة سينمائية تقوم بالتعرف إلى إحدى القرى التي يجري بها تطبيق الثورة الزراعية ، يصاحب البعثة ( المتقي ) وهو محارب قديم من أبناء القرية ويقوم بدور الدليل ، تلتقي البعثة رئيس مجلس البلدية ، ويصبح من الصعب عليهم إيجاد مكان مناسب للإقامة في القرية إلا عند سيد القرية القديم .
تجد البعثة نفسها بمواجهة المشكلات والصراعات التي أفرزتها التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في هذا العالم الصغير المبني على مجموعة من الأعراف والتقاليد الموروثة . ثم تشاء الظروف أن يلتقيا بالمتطوعين إلى الثورة الفلاحية التي ينظمها عدد من الفلاحين المضطهدين من قبل زعماء القرية . تتوضح الاختلافات والتناقضات في هذا المجتمع أكثر فأكثر مع مرور الزمن ، وهناك معالم مجتمع جديد تبدأ بالتوضيح
الفيلم يسعى لأن يبرز الديناميكية التي تميز المضمون الاجتماعي والسياسي للثورة

غير أن كل هذه الأفلام وكل هذه المواقف ظلت واقفة عند حدود زمن الثورة، سلباً أو إيجاباً، فما الذي حصل بعد الاستقلال؟ لقد كان ذلك بدوره، سؤال شائك أما الجواب فكان مرزاق علواش أول من جرؤ على الاتيان به، في فيلمه الرائع (عمر قتلته الرجولة).
حيث الحديث عن الواقع اليومي: الحياة الصعبة، البطالة، أزمة السكن، العلاقة بين الجنسين، قصة الفيلم عن شاب جزائري يعيش وسط عائلته التي تسكن منزلاً ضيقاً مزدحماً بأخوته أو الشارع الذي يسكن فيه، وعالمه الخاص المحصور بينهما، يفتقد عمر إلى شريط ويعاني الوحدة، يحاول أن يقيم علاقة مع فتاة سمع صوتها ذات مرة مليء بالشجن، ولكنه لا يدري كيف يتم التواصل معها. يعمل موظفاً في مكتب صغير، يقضي أوقاته في الشوارع لاهياً، يراقب النساء، أو في مشاهدة الأفلام، تعترضه عصابة وتسرق نقوده، وتترك جرحاً في وجهه، يلجأ إلى صديق مهرب لشراء مسجل يعثر على شريط كاسيت بصوت فتاة، يرتبط بها بعد معاناة، إنها ضائعة مثله، لكنه لا يستطيع التواصل معها، ويعود إلى سابق عهده.
فيلم مرزاق علواش غاص في العمق تتنبأ بأيام قادمة يعيشها هؤلاء الشباب الموضوعين على الهامش في الجزائر.
وتابع مرزاق علواش مسيرته، في أفلام لافتة تصور مختلف مراحل تطور الذهنية الاجتماعية الجزائرية.
فيقدم (مغامرات بطل) 1978 وأحداثه: في إحدى القبائل الصحراوية، ينتظرون البطل الذي سيدافع عن الفقراء، ويحقق العدالة ينتظر أحد العجائز الموقف، فيقوم بوضع علامة البطل على ابنه، كي يضمن له المستقبل السعيد، تفرح القبيلة، بمولد المخلص، ويقدمون له القرابين، تمر السنون، ويكبر الطفل، وعليه أن يصبح بالفعل بطلاً عندما يصير شاباً، يتلقى تعليمه، ويحاط بهالة من القدسية، رغم أنه ليس أكثر من بطل مزيف، يجوب البلاد ليتعرض لمجموعة مغامرات مصاغة بخيال جامح ومفعمة بروح السخرية. وعبر هذه المغامرات والمشاهد الفانتازية. يطرح المخرج تأملاته في قضايا العصر ومشاكل المجتمع الجزائري. 
ثم يقدم عواش فيلمه (رجل ونوافذ) عام 1982 ويدور حول رجل ينقل من عمله الأصلي , كأمين في المكتبة الوطنية الى ناظر في مكتبة دار السينما الجزائرية , هو انسان مثالي في عمله , ولكن هذا يولد الغيرة في قلوب الآخرين منه , يسعى الى العودة الوظيفية القديمة , ويتقدم بشكوى الى مكتب الوزير , يتم تجاهل سكوته , وبعد العدير من المحاولات يعود الى وظيفته في المكتبة الوطنية . ليهاجر علواش بعد الفيلم إلى باريس ويعمل هناك فيقدم (حب في باريس) 1987، و (باب الواد الحوم) 1994، و (الجزائر بيروت للذاكرة) 1998، و (سلاما ابن العم) 1996 الذي يتعرض لوضع الجزائريين في الجزائر وفرنسا.
أما المبدع الآخر الذي ينتمي إلى جيل علواش نفسه، أي فاروق بلومة، فقد اختار طريقاً أكثر مواربة، فهو في فيلمه الوحيد الكبير الذي حققه (نهلة) 1979 اختار أن يقول أزمة الهوية والمجتمع الجزائريين ولكن من خلال الحرب اللبنانية. وتحديداً من خلال صحافي جزائري يجد نفسه أمام أسئلته الخاصة أمام هذه الحرب التي وجد نفسه يتورط فيها.
وإخرج إبراهيم تساكي فيلمه (( أطفال الريح )) عام 1980 ويتضمن ثلاث قصص هي (( علبة في الصحراء )) حول أطفال سيدي يعقوب الذين يجمعون النفايات القصديرية لصنع آلات مجهرية ، ثم (( جمال في بلاد الصور )) حول مغامرات طفل مطرود من المدرسة يبيع ورد الرمال ، ثم (( بيض مسلوق )) حول طفل يبيع بيضاً مسلوقاً في الحانات ، ويلقي الأضواء على خيبة أمله إزاء أبيه بائع الألعاب ، ثم الممثل الذي أصبح نجمه المفضل وبطل أحلامه ، ويصدم فيه الطفل حين يقابله في حانة فيراه عربيداً ، غارقاً في طوفان الحياة . و الصورة الجميلة تتحطم حين يلتقيه في حانة بإحدى الأمسيات ويكتشف وجهه الحقيقي وما يعانيه من تمزق وتشتت. 
الفيلم نظرة قاسية لواقع الصبي بمواجهة الناس والأحداث في الحياة، وهو ينتهي بانهياره حين رؤيته لأبيه وهو يلهو بطريقة طفولية بالدمى التي لها شكل الفئرانوبعد تجربة طويلة ومميزة في التمثيل السينمائي والمسرحي يخرج محمد شويخ فيلمه الأول " الانقطاع " 1982 وفيه يلتقي رجل وامرأة, قبل ان تندلع الحرب التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي . يحس كل منهما ان وراءه ميراث وواجب وطني , وعليهما معا مواجهة المتاعب التي تقابلهما , من تقاليد قديمة بالية . وتندلع الثورة , ويحس الرجل ان وراءه مهمة ومسئولية
و أنجزت الروائية والمخرجة اسيا جبار عام 1982"زردة أو أغاني النسيان".ويتمحور الفيلم حول موضوع المرأة . والمرأة هنا تكشف عن قدرتها على التعبير عن نفسها بجرأة وعلى اجتراح ولادة جديدة.
يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق