الجمعة، 24 أغسطس 2018

Shadi Abd El Salam فنان السينما : شادي عبد السلام



المخرج الراحل شادي عبد السلام فنان له رؤية خاصة يعبر عنها بلغة سينمائية متميزة تنتمي إلى روح الفن الأصيل، وأعماله السينمائية تمثل ريادة مهمة في السينما المتصلة عميقًا بالقضايا الملحة في الواقع العربي، والمتصلة بالواقع الإبداعي الجمالي التجديدي... وقد تسنى لي بإحدى زياراتي للإسكندرية حضور افتتاح قاعة "عالم شادي عبد السلام" بمكتبة الإسكندرية بمرور 75 عامًا على مولد هذا المخرج الكبير وتضم مجموعة كبيرة من اللوحات الخاصة بتصميمات الديكور والملابس التي قدمها المخرج الراحل في العديد من الأعمال السينمائية مثل "وا إسلاماه"، "عنترة بن شداد"، "ألماظ وعبده الحامولي"، "أمير الدهاء"، إضافة إلى مكتبته الشخصية، ويحتوي المتحف أيضًا بعض المقتنيات الخاصة بالفنان من قطع موبيليا، أوان نحاسية, ميداليات وجوائز وشهادات حصل عليها خلال حياته وبعد وفاته، وجهزت القاعة في دار سينما صغيرة "آفاق" لتعرض كل أسبوع بصفة مستمرة مجموعة الأفلام التي أخرجها أو صمم الديكور والملابس لها، إضافة إلى بعض التسجيلات الخاصة لأحاديث الفنان.
ولعل من سوء حظ هذه السينما أن فسحة الأمل التي كان يمكن أن تتعلق بها لتقديم منجز متطور ارتبطت بمخرجين لم يمهلهم الموت فرصة المضي في تكريس تجاربهم في السينما مثل "شادي عبد السلام".. الذي استطاع أن يقدم أعمالاً مفعمة بالتجديد والمغايرة مع السطحي والمبتذل السائد.
ولد"عبد السلام" يوم 15 مارس 1930 وتخرج من كلية الفنون الجميلة عام1954 ودرس فن الدراما في لندن عام 1956 واشتهر كمصمم ملابس وديكور في العديد من الأفلام التاريخية المصرية، و درس في المعهد العالي للسينما حتى 1974 ثم تولى إدارة الفيلم التجريبي عام 1968.
بدأ شادي عبد السلام حياته الفنية مصمماً للديكور وعمل مساعدًا للمهندس الفني رمسيس واصف عام 1957 م. ثم عمل مساعدًا للإخراج في عدة أفلام كان أغلبها لمخرجين أجانب.
شارك شادي في الفيلم البولندي "الفرعون" من إخراج كافليرو فيتش .. وهي نقطة البداية الحقيقية في مشواره.
وقد شارك في إعداد ديكورات الفيلم وأزيائه واكسسواراته. عمل أيضا كمساعد مخرج في فيلم "وإسلاماه" إخراج أندرو مارتون .. والفيلم الإيطالي "الحضارة" للمخرج "روبرتوروسللين" ..والفيلم الأمريكي "كليوباترا" للمخرج " جوزيف مانكوفيتش".
أخرج سبعة أفلام تعتبر من تحف السينما البصرية وهي بالترتيب: الفيلم الروائي الطويل "المومياء" 1969، و الروائي القصير"الفلاح الفصيح" 1970 إستوحى فكرته من بردية فرعونية عمرها أربعة آلاف سنة، تتناول قصة قصيرة عن موضوع العدالة، قصة فلاح يستصرخ السلطة لتسترد له حقه وتقيم ميزان العدل. التسجيلي "آفاق" 1972, والتسجيلي "جيوش الشمس" 1975, والتسجيلي "كرسي توت عنخ آمون" 1982، و التسجيلي "الأهرامات وما قبلها" 1984, والتسجيلي "رمسيس الثاني" 1986، وقد رحل شادي عبد السلام في 8-1-1986 دون أن تتاح له فرصة تحقيق حلم حياته... ألا وهو إبداع فيلمه "أخناتون".. الذي أمضى سنوات في التحضير له....
إن فيلم "المومياء" يعتبر تجربة رائدة في موضوع أصبح سمة من سمات السينما البديلة والجديدة، وهو البحث عن "الهوية" والعلاقة بالتراث والشخصية كما كان رائدًا في تقديم البطل الجديد الضائع المخدوع، الذي يكتشف فجأة أن حياته مبنية على خديعة وخيانة التراث وتدمير الذاكرة... البطل الهائم الذي لم يقدر على قبول الأمر المقضي كمواصلة ممارسة أسلافه ولا على رفضه بصفة فعلية ناجعة ومحاربته.
يتحدث الفيلم عن قبيلة حربات التي كانت مطلعة على سر إحدى المقابر الفرعونية ويتوارثها زعماؤهم جيلاً بعد جيل، ويحتفظون بأسرارها وكنوزها، ويرث الزعامة شاب جديد اسمه "ونيس" يعاني من تمزق داخلي بين آرائه الذاتية ورغباته وبين آراء عجائز القبيلة ورغباتهم ويدور صراع طويل بين المفهومين حيث يقرر في النهاية الإفضاء بسر المقبرة الفرعونية إلى رجال الآثار الذين يبحثون عنها...
والحدث الرئيسي الذي يقدمه الفيلم يتمثل في صراع عميق بين التكوين المحبوك للجماعة القبلية والفردية المستنيرة لشخصية "ونيس" الذي ينم في الحقيقة عن الصراع الحقيقي بين الجموح الغريزي وبين الروح الحضاري الذي ينتصر في النهاية، وهو يجسد ذلك الصراع بعلاقات مرئية بالغة الدفء بين  الإنسان والمكان وعندئذ تنطلق طاقته الإبداعية في تشكيل لوحات لا يخفى طابعها الملحمي ولا تفتقر إلى جوهر الدراما وذلك ناتج عن تداخل مستويات التناول فهي شخصية ثم هي تعرض لقوى أكبر وأعمق من الشخصيات.
ولا يتم التفاعل المحسوب بين تلك المستويات من خلال التتابع العام للمشاهد فحسب وإنما ينتج أيضاً من الاستخدام الخلاق للغة التشكيل فعلاقة الإنسان بالآثار الحضارية لن تتضح إلا من خلال البحث عن قيم أبعد من الواقع المحدود وفي الوقت نفسه  فإن ذلك الأمر لا يتأتى إلا بالاقتراب المباشر، ويتعين أن يكون حسيًا، من الموضوع... وبين الاقتراب والتباعد يتضح للمشاهد وجود أسلوبين متداخلين في التشكيل أحدهما يتيح لك المعايشة اللصيقة والآخر يدفعك إلى التأمل فيما وراء ما تشاهده، وهنا نستطيع القول إن شادي عبد السلام بحسّه الفني الدقيق أدرك طبيعة العلاقة بين الشكل والمضمون، فعلى حين يمتزج جوهر الدراما مع الطابع الملحمي يمتزج أيضًا الإمتاع الحسّي مع دواعي التأمل العقلي...
كما ركّز "المومياء" جمالية جديدة مبنية على الاتحاد العميق بين القيم التشكيلية والقيم الدرامية عبر سيولة وسلاسة تجعل المتفرج يغوص بكل جوارحه في أعماق التاريخ. احتل شادي عبد السلام مكانة متميزة في السينما المصرية لتمتعه بأسلوب خاص وإنجاز كادرات متميزة في أفلامه يسهل التعرف إليها بين آلاف غيرها... ويعرف عنه أنه كان يرسم كل لقطات أفلامه على لوحات تحمل أدق تفاصيل الملابس، ومناطق التصوير قبل أن يصورها لكي لا تُهمل أية تفصيلات.
في مجلة "الكواكب" عام 1970 يحكي شادي عبد السلام  قصة إخراج فيلمه "المومياء" فيقول:
«كنت قد قرأت قصة اكتشاف المومياوات في الدير البحري لأول مرة عام 1956، وهي التي أصبحت موضوع أول أفلامي. ومنذ عام 1963 وأنا في بولندا أثناء العمل في فيلم "فرعون" جعلني الحنين إلى مصر أفكر في هذا الموضوع في ليلة شتاء باردة جدا وكان التفكير هادئا وبعمق شديد.
قلت لنفسي أين هذا المناخ من مصر.. ومن هنا بدأت رحلة المومياء في عقلي، وفى عام 1965 ظهر الشكل الأول.. قصيدة شعر من 40 سطرا تقريبا كتبتها على لسان الغريب.. أنها ليست قصيدة بمعنى الكلمة لكنها نظم أقرب منها إلى الشعر، وبعدها بدأت أكتب السيناريو.
في البداية كان فيلما واقعيا تقليديا أطلقت عليه "دفنوا مرة ثانية"، ثم "ونيس"، ولكننى لم أكن متعجلا، وكنت أبحث للوصول إلى الشكل الملائم تمامًا للتعبير عن نفسي.
وفى مارس 1968 بدأت التصوير مع عبد العزيز فهمي الذي اعتبره يدي اليمنى، وأصدقائي وتلاميذي سمير عوف مساعدي الثاني وصلاح مرعي مهندس الديكور، وأنسي أبو سيف مهندس الديكور أيضا، وكلهم من خيرة الشباب في السينما المصرية.
لقد كتبت السيناريو قبل 5 يونيو 1967، وصورت الفيلم في 22 مارس 1968 وكان لهذا اليوم تأثير كبير سواء كان واضحا في الفيلم أم لا.. لقد خجلت يومها من النظر إلى المرآة، وكان من بطولة ألمع النجوم أحمد مرعي ونادية لطفي وزوزو حمدي الحكيم وشفيق نور الدين.
المومياء ليس أكثر من 24 ساعة تمثل لحظة وعي أو ضمير لم ينضج بعد عام 1881.. أي قبل عام من الزحف الاستعماري الإنجليزي على مصر عام 1882. إننى أحاول في الواقع أن أعبر عن قضية عامة جدا لكنها تأخذ القالب المصري، البيئة والحياة والتاريخ الذي أعرفه وأحس به أكثر من غيره.. وفى عام 1969 وبعد انتهاء تصوير الفيلم تردد المسئولون في عرضه على الجمهور المصري بحجة أنه يعتبر فيلما ليس جماهيريا ولن يحقق إيرادًا.

وفى عام 1974 قرر يوسف السباعي وزير الثقافة، عرض الفيلم داخل مصر باعتباره عملا فنيا متكاملا يصل بالفيلم المصري إلى المستوى العالمي، وذلك بعد أن شاهد عرضًا للفيلم بطوكيو أثناء زيارته لليابان».
محمد عبيدو








ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق