السبت، 16 يونيو 2018

مخرجات من السودان: محاولة لترميم مشهد مبعثر


محمد عبيدو
في عام 1976، عرف السودان أول فيلم من إخراج امرأة، "الزار" لـ حورية حاكم. بعدها، جاءت سارة جاد الله جبارة التي قدمت، في "أيام قرطاج السينمائية"، ضمن الاحتفالية الخمسينية، فيلماً عن والدها جاد الله جبارة، وهو أحد رواد السينما السودانية، وكان له دور في نشأة السينما الأفريقية. بدأت علاقتها مع السينما منذ الطفولة مع والدها، ودرست الإخراج في مصر، ثم عادت إلى بلدها لتكمل مسيرة والدها الذي شاركته في إنتاج فيلم "البؤساء" بلمسة سودانية، لتصير واحدة من السينمائيات السودانيات المميزات، ضمن فضاء يبسط فيه الرجال سيطرتهم رغم قلة الإنتاج. أنجزت جبارة العديد من الأفلام الوثائقية القصيرة حول وضع المرأة في السودان. وساهمت كذلك في توثيق تاريخ السودان سينمائياً، بإنجاز أفلام عن مدن سودانية.
وهناك تغريد السنهوري، المديرة الفنية لمشروع برنامج "الشفاء الثقافي". تتضمن أعمالها السينمائية فيلم "كل شيء عن دارفور" (2005) و"أم مجهولة" (2009)، والأخير هو شريط تسجيلي صوّرته في السودان عن معاناة النساء اللواتي يُنجبن من دون زواج. إلى جانب "أيتام مايغوما"، وهو وثائقي قصير من إنتاج قناة الجزيرة. وفيلمها التسجيلي "سودانّا الحبيب" (2011) الذي يوثق المصير السياسي للسودان، منذ الاستقلال عام 1956، حتى انفصال الجنوب مطلع عام 2011.
ونشير أيضاً إلى رزان هاشم التي تعمل طبيبة صيدلانية، وبدأت مشوارها مع الفن منذ أن كانت في الجامعة، مع إخراج فيلم قصير عن الآثار الضارة للمخدرات عام 2012. بعد ذلك أنجزت "شارع المدرسة" عام 2016. ويليه فيلم "صوت أخضر" (2017).
نتعرّف أيضاً على نهلة محكر، وهي شاعرة وكاتبة وصحافية. فيلمها الوثائقي الأول هو "تنوّع"، الذي شارك في ورشة صناعة الأفلام الوثائقية بمعهد غوته عام 2010، كما قامت بعمل أفلام لمنظمات حقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل داخل وخارج السودان. كذلك ريم جعفر، كاتبة وصانعة أفلام وثائقية. يستعرض فيلمها "سواكن"، من إنتاج عام 2017، ذكريات وتجليات مدينة سواكن التاريخية والثقافية على مر السنين. ونذكر أيضا إيمان مرغني، صانعة أفلام مستقلة. بعد تخرّجها من قسم الإعلام في جامعة نوتينتهام، بدأت العمل كمساعدة مخرج في مؤسسة الدوحة للأفلام. "هذا كل شيء" فيلمها القصير الأول.
في مصر، تقيم مروة زين. تخرّجت من معهد السينما في القاهرة عام 2009، تعدّ من المخرجين المميّزين من بين أبناء جيلها والذين يعملون في المجال السينمائي. أول فيلم لها كان في لبنان بعنوان "سلمى" (روائي قصير). أما الثاني؛ فكان في مصر (وثائقي عن المصورة الفلسطينية المصرية رندا شعث)، ثم فيلم "لعبة" وهو روائي قصير عن قصة قصيرة "لنلعب لعبة" للكاتب الإيطالي ألبرتو مورافيا. أنجزت كذلك فيلمًا بعنوان "أسبوع ويومين" من إنتاج 2016، ترصد فيه، عبر قصة إبراهيم وزوجته ليلى، تقلبات المشاعر في الحياة الزوجية، خلال تسعة أيام من حياتهما. ويقف الفيلم على معاناة الزوجين ومحاسن ومساوئ الحمل.
تحدثت مروة زين إلى "العربي الجديد" عن عملها ضمن الصعوبات التي تعاني منها السينما السودانية، وكيف يمكن للسينمائيات أن يصنعن أفلامهن: "بالعمل الشاق، بالمعاناة، بالحياة البسيطة جدا جدا جدا، بالصبر، بالقوة، وهذا لا يعني أن هناك صناعة سينما في السودان، لأن الصناعة تعني احترافا وإنتاجا ودور عرض وتوزيعا.. إلخ. هنالك مجموعة من العنيدين العاشقين للسينما في تجارب فردية وبظروف صعبة للإنتاج.. لكن ليس هنالك سينما بالمعنى المعروف في العالم".
وعن وجود جهات تمول صناعة الأفلام في السودان وتساهم في العملية الإنتاجية تقول: "لا توجد جهات تدعم الصناعة. الدولة قررت إنهاء السينما منذ بداية الحكم؛ أي ما يقرب من 29 عاماً، لذلك لا نجد سينمات مفتوحة للجمهور، إما تم إغلاقها أو إزالتها. هنالك تجارب سينمائية لشباب سودانيين بدأت منذ ما يقارب عشر سنوات، بمبادرة من معهد غوته الألماني وسودان فيلم فاكتوري، ومبادرات أخرى فردية للتعلم والتدريب وإنتاج أفلام قصيرة وتسجيلية، لكن الدولة لا تدعم السينما في السودان، فلا دور عرض موجودة، وما من منتجين يملكون أموالا كبيرة لإنتاج أفلام". حول ظروف مهرجانهم السينمائي وتفاعل الوسط الثقافي السوداني والجمهور معه: "عملت لمدة أربع سنوات كمبرمجة أفلام في مهرجان السودان للسينما. المهرجان جيد لكني لست بمحل تقييمه، التظاهرة تصل إلى الشباب والعاملين بالفنون والصفوة، لكنها ليست مهرجانًا جماهيريًا بعد".
ولا ترى مروة حضورًا للدولة ودعمًا للإنتاج السينمائي: "السودان لا يزال في حروب أهلية ونزاعات قبلية، وليس هنالك أي مجال لدعم الفنون عامة والسينما خصوصاً". تضيف: "بالمناسبة، هناك فتاة سودانية تم تزويجها بالقوة وتم اغتصابها من قبل "زوجها"، وعندما تمادى معها مرات عديدة طعنته! منذ أيام، حكم القضاء السوداني عليها بالإعدام شنقاً! لذلك هنالك حملة الآن للاستئناف، لكن الوضع العام النساء في السودان يعانين في بلد قانونه وتقاليده يقفان ضدها للأسف".
 بعد عملها في مصر، ثم فرنسا، هناك عودة للسودان عبر مشروع تقول عنه: "عملي في فرنسا هو لاشتغالي بالفيلم السوداني الذي بدأته في نهاية عام 2014، وحتى الآن أعمل للانتهاء منه. كان السودان وسيظل قطعة من العالم في روحي، وهنالك دائماً مشاريع، لكني الآن في مرحلة ما بعد الإنتاج من فيلمي التسجيلي الطويل الأول".
نقلا عن جريدة " العربي الجديد " 18 مايو 2018


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق