إيمان الذياب
أجرت قاسيون حواراً مع الإعلامي والشاعر والناقد السينمائي
السوري محمد عبيدو، تحدث فيه عن تجربته في الشعر والنقد السينمائي، ومشروعه
الخاص عن «سينما الشعر»، ولخص رؤيته لفضاءات العلاقة التي تربط الفنون مع
بعضها ومع المتلقي الذي يتحول في لحظة ما، من مجرد «مستهلك» إلى منتج
للفن..
ماذا عن التفاعل بين وجوه الفن المختلفة، عن علاقة الشعر بالسينما، ومشروع «سينما الشعر» الذي تعمل عليه وكيف يمكن تطويره؟
عندما أكتب القصيدة يدخل عبرها مخزون روحي البصري، وعندما أتعامل مع السينما، أشعر بتشكل مشهد بصري جديد فيه شيء من إحساسي الذي اعتبره رابطاً بين عملي بالسينما وبين النص الشعري، لأكتشف الصورة المعبرة عن شيء ما يخصنا. العلاقة بيني وبين السينما هي علاقة حوار واكتشاف، وبحث عن الجديد في إطار الإبداع، فهناك رابط بالنسبة لي بين الشعر والعمل في النقد السينمائي، لأن أي عمل، سواء أكان سينمائياً أم شعرياً أم تشكيلياً فإن أسمى ما فيه شاعريته. وبقدر ما يبدو مفعماً بوعي وإحساس ذاتي على درجة من الانسجام مع نثرية الحياة وشعريتها، يبدو كذلك منسجماً بصورة أوضح في مسألة التعبير عن ذلك التماس سينمائياً، تعجبني تجارب شعراء اشتغلوا أفلاماً سينمائية، فنقلوا مناخات كتاباتهم إلى عوالم الصورة مثل الإيرانيين «فروغ فروخزاده» و«عباس كيارستمي», وجان كوكتو الفرنسي وبازوليني الإيطالي، وأنا مع ما يراه بازوليني بأن المصدر الأساس لمفردات هذا «الحوار» الصامت بين الذات والمحيط، هو مجموعة الصور القادمة من «عالم الذكريات والأحلام»، أو ما يدعوها بلغة «الصورة الإشارية»، وهي بالمحصلة لغة «السينما الشعرية». إن هذا النوع من الأعمال السينمائية المفتوحة يشجع المتلقي على «بذل جهد لقراءته» وبالتالي فإن المشاهد هنا, كما يقول رولان بارت, ليس «مجرد مستهلك للنص، بل هو منتج له»، بهذا المعنى تبدو الصورة في السينما الشعرية، صورة منقوصة المعنى، ومفتوحة النهايات، تحتاج جهداً ذاتياً من قبل المشاهد لإتمامها. ومن هنا، ينبغي الحديث على أن تؤكد السينما الشعرية في الوقت نفسه وحدتها التركيبية الخاصة.
في فترات سابقة، ظهرت فيها أسماء شعرية ارتبطت بقضايا هامة وطنية وسياسية واجتماعية، وقضايا ارتبطت بأسماء شعرية هامة، اليوم، يوجد قضايا يمثلها المجموع هل سيوجد شعراء أو حالة شعرية تمثل المجموع؟
نحتاج إلى خيط لا ينتهي لنخيط به هذا الجرح الهائل المفتوح على الدمار والتلاشي والنسيان. هذا الوعي الفاجع لفداحة السؤال تصبح عبره مأساتنا معادلاً موضوعياً للشقاء الإنساني، لن أعود لتقييم نقدي للأسماء الشعرية السورية, بل أعود لها لتلمس مكامن الإبداع في نصوصهم، سواء تلك التي ارتبطت بحدث عام وطني ومجتمعي، أو تلك التي عبرت عن ذواتهم القلقة المعذبة ككائنات ضالة ووحيدة، وأجد عبر الصوت الخافت لشعراء جدد في سورية، تتشكل حالة جديدة من الإبداع المنفتح على الجروح والخارج من خطابة اللغة التي سيطرت على كتاب كثر منذ الخمسينيات، ليظل نص كل شاعر هو المعبر الأخير، والمرجع الأساس لإنجازه وإسهامه في تشكيل المشهد الشعري العام.
الفضاء الشعري الحالي يزدحم بوفرة من الأسماء والدواوين المنشورة، مع ذلك يوجد ما يشبه حالة الفصام بين الفضاء الشعري والواقع، الغني والمزدحم أيضاً بأحداثه الكثيرة والمتتابعة والمتسارعة، ما السبب في رأيك؟
أنا مع أن يعبر كل شخص عما يعيشه ويحس به، سواء عبر الكتابة أو وسائل الإبداع الأخرى، حيث تحدو الجميع رغبة في تسجيل الإحساس بالعزلة والتشتت، وحلم باكتناه الحقيقة.
البحث عن نص يبرر وجودنا ككائنات صعبة، كائنات ضالة ووحيدة ومتروكة. ليس هناك مشكلة الأسماء التي تكتب، فالنص الجيد والمبدع سيفرض نفسه ويصل مباشرة إلى القلب ويبقى مع الزمن, كم من الشعراء كتبوا زمن المتنبي؟ كثر. و كم واحد بقي ووصل الينا؟
التغييرات التي طرأت على الشكل الجمالي للشعر، وتأثيرها على الذائقة العامة، كيف تتلمسها، وما هو دور وسائل الإعلام عليها؟
أذكر قولاً للناقد الروسي بيلينسكي: «الحياة عادية، ولكن الشعر يعطيها الروح..»، ولكن ليس على الشعر أن يكون خطاباً تغييرياً مباشراً. لغة الشعر تكسر منطقاً معيناً، لتنشئ بذلك نظاماً آخر. إنها تحطم منطق اللغة وتحطم كذلك منطق النظام الذي تعلموا الاستجابة له . ولدى الشاعر القدرة على الارتباك والخوف والصراخ وتحطيم التابوات. إن تعاسات البشر تزيده ثقة ويقيناً بالخلاص، وفي بناء عالم جديد أكثر عدالة. أعتقد أن فضاءات النت ضرورية لإتاحة مساحات جديدة للحرية وللتعبير بالكتابة من خلال وسائط بصرية مفتوحة عابرة للقارات، والتعبير بحرية وصدق عن هذا الواقع، وهذه الأحداث المتسارعة والمتواترة والأحلام المنكسرة.
في ديوانك الأخير « رجل مشحون بالندم» يتلمس القارئ جرعة من «التشاؤم»، ابتداء من العنوان، ما سبب ذلك؟
هناك مقولة: إذا أردت أن تكون شاعراً يجب عليك أن تزور الجحيم وتعود. ما كتبته في «رجل مشحون بالندم»، وفي مجموعاتي السابقة، هو جزء من هذا الجحيم وهو بوح يعبر عني, وعن سنوات عشتها بكل أساها وألمها ولحظات فرحها المسروقة من فم الهلاك.
أشكل نصي، وأبنيه من صلصال روحي ومتن ثقافتي ومن ذكرياتي الشخصية المنسية، تجسيداً لعصارة تجربتي, عبر العمل الشعري، أجد اللغة التي تليق بمواجد قلبي وعبر اللغة، أفجر ألمي، وأحداث عيشي النادرة والمكثفة بحدة تشربت الحياة الهاربة من بين الأصابع والجرح الناضج والقناعات المتواترة. في الاشتغال الحقيقي على اللغة والخسران التام و الانسلاب، أقول اللوعة كما تعاش في الصميم وأهز الروح وارتحل بها عبر الكل والصور إلى أقاصي الفضاءات المترعة بجمال بكر، فالعالم المترامي لا يلفنا ويحيط بنا فقط.. بل هو في أعماق ذواتنا وأرواحنا.
ودائماً أؤكد، رغم الوجد الشخصي الكثيف والمائل للأسى والألم في نصي, فالشعر لدي لا يكون عارياً، بل يكتسب أحياناً كثيرة نغمات وتشديدات اجتماعية وسياسية وروحية. وفيه بحث عن عالم خال من الحروب والقتل والظلم. ففي الكتابة، حتى في هذه اللحظة القاسية المدلهمة بالموت واليأس نرى صرخة المخيلة والسماء تغني للروح وللحب.
عملت مؤخراً في مهرجان وهران السينمائي، ماذا تقول عن هذه التجربة؟
كنت آتي وهران ضيفاً على مهرجانها السينمائي من دوراته الأولى، وإقامتي بالجزائر دعتني للتعاون معه بالتنظيم والإعلام, و تحرير مواد موقعه الإلكتروني، وإعداد منشوراته المطبوعة المرافقة. وكانت فرصة مهمة لي، للتفاعل مع السينمائيين الجزائريين وتجاربهم، وأيضاً مع التجارب العربية. وهنا تلح ذاكرتي بتجربتي الطويلة والعمل لسنوات مع مهرجان دمشق السينمائي، والتي حملت الكثير من المتعة والأمل.
إلى جانب الشعر واهتمامات أخرى، كنت من القلائل الذين عملوا في مجال النقد السينمائي، لماذا يغيب النقد، وماذا تقول عن تجربتك فيه؟ كيف يمكن أن تعبر السينما عن تحولات الواقع العربي؟
إن السينما تمثل جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة ومن فضاء الحلم والألم، وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن أن تُصاغ المشاهد السينمائية الحزينة للواقع سينمائياً؟ وكيف يمكن أن تُعبر الصورة بكاميرا مبدعين عن هذا الواقع؟ والأفلام التي قاربت الألم السوري، والآلام العربية، هي محاولة لرصد تحولات في الواقع أسرع من وقت تفكيرنا بها. وهذه المقاربة، سينمائياً، حاولت في عدد من الإنتاجات العربية أن تكون خطوة أبعد من مجرد الدعاية، والخطابات الهشة، والفجة أحياناً، عبر إبداع يحمل إرادة قوية للأسئلة وصياغة الأفكار والرؤى إبداعياً وجمالياً.
ما الذي تستطيع أن تفعله السينما؟ لا شيء، أو لا شيء تقريباً، إذا كان المقصود تغيير مجرى التاريخ, لكنها تستطيع بالمقابل أن تفعل شيئاً، وربما شيئاً كثيراً، إذا كان مطلوب منها أن تخلق «حساسية جديدة» و«أسئلة جديدة» و«تمرداً جديداً على الظلم».
عندما أكتب القصيدة يدخل عبرها مخزون روحي البصري، وعندما أتعامل مع السينما، أشعر بتشكل مشهد بصري جديد فيه شيء من إحساسي الذي اعتبره رابطاً بين عملي بالسينما وبين النص الشعري، لأكتشف الصورة المعبرة عن شيء ما يخصنا. العلاقة بيني وبين السينما هي علاقة حوار واكتشاف، وبحث عن الجديد في إطار الإبداع، فهناك رابط بالنسبة لي بين الشعر والعمل في النقد السينمائي، لأن أي عمل، سواء أكان سينمائياً أم شعرياً أم تشكيلياً فإن أسمى ما فيه شاعريته. وبقدر ما يبدو مفعماً بوعي وإحساس ذاتي على درجة من الانسجام مع نثرية الحياة وشعريتها، يبدو كذلك منسجماً بصورة أوضح في مسألة التعبير عن ذلك التماس سينمائياً، تعجبني تجارب شعراء اشتغلوا أفلاماً سينمائية، فنقلوا مناخات كتاباتهم إلى عوالم الصورة مثل الإيرانيين «فروغ فروخزاده» و«عباس كيارستمي», وجان كوكتو الفرنسي وبازوليني الإيطالي، وأنا مع ما يراه بازوليني بأن المصدر الأساس لمفردات هذا «الحوار» الصامت بين الذات والمحيط، هو مجموعة الصور القادمة من «عالم الذكريات والأحلام»، أو ما يدعوها بلغة «الصورة الإشارية»، وهي بالمحصلة لغة «السينما الشعرية». إن هذا النوع من الأعمال السينمائية المفتوحة يشجع المتلقي على «بذل جهد لقراءته» وبالتالي فإن المشاهد هنا, كما يقول رولان بارت, ليس «مجرد مستهلك للنص، بل هو منتج له»، بهذا المعنى تبدو الصورة في السينما الشعرية، صورة منقوصة المعنى، ومفتوحة النهايات، تحتاج جهداً ذاتياً من قبل المشاهد لإتمامها. ومن هنا، ينبغي الحديث على أن تؤكد السينما الشعرية في الوقت نفسه وحدتها التركيبية الخاصة.
في فترات سابقة، ظهرت فيها أسماء شعرية ارتبطت بقضايا هامة وطنية وسياسية واجتماعية، وقضايا ارتبطت بأسماء شعرية هامة، اليوم، يوجد قضايا يمثلها المجموع هل سيوجد شعراء أو حالة شعرية تمثل المجموع؟
نحتاج إلى خيط لا ينتهي لنخيط به هذا الجرح الهائل المفتوح على الدمار والتلاشي والنسيان. هذا الوعي الفاجع لفداحة السؤال تصبح عبره مأساتنا معادلاً موضوعياً للشقاء الإنساني، لن أعود لتقييم نقدي للأسماء الشعرية السورية, بل أعود لها لتلمس مكامن الإبداع في نصوصهم، سواء تلك التي ارتبطت بحدث عام وطني ومجتمعي، أو تلك التي عبرت عن ذواتهم القلقة المعذبة ككائنات ضالة ووحيدة، وأجد عبر الصوت الخافت لشعراء جدد في سورية، تتشكل حالة جديدة من الإبداع المنفتح على الجروح والخارج من خطابة اللغة التي سيطرت على كتاب كثر منذ الخمسينيات، ليظل نص كل شاعر هو المعبر الأخير، والمرجع الأساس لإنجازه وإسهامه في تشكيل المشهد الشعري العام.
الفضاء الشعري الحالي يزدحم بوفرة من الأسماء والدواوين المنشورة، مع ذلك يوجد ما يشبه حالة الفصام بين الفضاء الشعري والواقع، الغني والمزدحم أيضاً بأحداثه الكثيرة والمتتابعة والمتسارعة، ما السبب في رأيك؟
أنا مع أن يعبر كل شخص عما يعيشه ويحس به، سواء عبر الكتابة أو وسائل الإبداع الأخرى، حيث تحدو الجميع رغبة في تسجيل الإحساس بالعزلة والتشتت، وحلم باكتناه الحقيقة.
البحث عن نص يبرر وجودنا ككائنات صعبة، كائنات ضالة ووحيدة ومتروكة. ليس هناك مشكلة الأسماء التي تكتب، فالنص الجيد والمبدع سيفرض نفسه ويصل مباشرة إلى القلب ويبقى مع الزمن, كم من الشعراء كتبوا زمن المتنبي؟ كثر. و كم واحد بقي ووصل الينا؟
التغييرات التي طرأت على الشكل الجمالي للشعر، وتأثيرها على الذائقة العامة، كيف تتلمسها، وما هو دور وسائل الإعلام عليها؟
أذكر قولاً للناقد الروسي بيلينسكي: «الحياة عادية، ولكن الشعر يعطيها الروح..»، ولكن ليس على الشعر أن يكون خطاباً تغييرياً مباشراً. لغة الشعر تكسر منطقاً معيناً، لتنشئ بذلك نظاماً آخر. إنها تحطم منطق اللغة وتحطم كذلك منطق النظام الذي تعلموا الاستجابة له . ولدى الشاعر القدرة على الارتباك والخوف والصراخ وتحطيم التابوات. إن تعاسات البشر تزيده ثقة ويقيناً بالخلاص، وفي بناء عالم جديد أكثر عدالة. أعتقد أن فضاءات النت ضرورية لإتاحة مساحات جديدة للحرية وللتعبير بالكتابة من خلال وسائط بصرية مفتوحة عابرة للقارات، والتعبير بحرية وصدق عن هذا الواقع، وهذه الأحداث المتسارعة والمتواترة والأحلام المنكسرة.
في ديوانك الأخير « رجل مشحون بالندم» يتلمس القارئ جرعة من «التشاؤم»، ابتداء من العنوان، ما سبب ذلك؟
هناك مقولة: إذا أردت أن تكون شاعراً يجب عليك أن تزور الجحيم وتعود. ما كتبته في «رجل مشحون بالندم»، وفي مجموعاتي السابقة، هو جزء من هذا الجحيم وهو بوح يعبر عني, وعن سنوات عشتها بكل أساها وألمها ولحظات فرحها المسروقة من فم الهلاك.
أشكل نصي، وأبنيه من صلصال روحي ومتن ثقافتي ومن ذكرياتي الشخصية المنسية، تجسيداً لعصارة تجربتي, عبر العمل الشعري، أجد اللغة التي تليق بمواجد قلبي وعبر اللغة، أفجر ألمي، وأحداث عيشي النادرة والمكثفة بحدة تشربت الحياة الهاربة من بين الأصابع والجرح الناضج والقناعات المتواترة. في الاشتغال الحقيقي على اللغة والخسران التام و الانسلاب، أقول اللوعة كما تعاش في الصميم وأهز الروح وارتحل بها عبر الكل والصور إلى أقاصي الفضاءات المترعة بجمال بكر، فالعالم المترامي لا يلفنا ويحيط بنا فقط.. بل هو في أعماق ذواتنا وأرواحنا.
ودائماً أؤكد، رغم الوجد الشخصي الكثيف والمائل للأسى والألم في نصي, فالشعر لدي لا يكون عارياً، بل يكتسب أحياناً كثيرة نغمات وتشديدات اجتماعية وسياسية وروحية. وفيه بحث عن عالم خال من الحروب والقتل والظلم. ففي الكتابة، حتى في هذه اللحظة القاسية المدلهمة بالموت واليأس نرى صرخة المخيلة والسماء تغني للروح وللحب.
عملت مؤخراً في مهرجان وهران السينمائي، ماذا تقول عن هذه التجربة؟
كنت آتي وهران ضيفاً على مهرجانها السينمائي من دوراته الأولى، وإقامتي بالجزائر دعتني للتعاون معه بالتنظيم والإعلام, و تحرير مواد موقعه الإلكتروني، وإعداد منشوراته المطبوعة المرافقة. وكانت فرصة مهمة لي، للتفاعل مع السينمائيين الجزائريين وتجاربهم، وأيضاً مع التجارب العربية. وهنا تلح ذاكرتي بتجربتي الطويلة والعمل لسنوات مع مهرجان دمشق السينمائي، والتي حملت الكثير من المتعة والأمل.
إلى جانب الشعر واهتمامات أخرى، كنت من القلائل الذين عملوا في مجال النقد السينمائي، لماذا يغيب النقد، وماذا تقول عن تجربتك فيه؟ كيف يمكن أن تعبر السينما عن تحولات الواقع العربي؟
إن السينما تمثل جزءاً لا يتجزأ من الذاكرة ومن فضاء الحلم والألم، وهنا يبرز السؤال: كيف يمكن أن تُصاغ المشاهد السينمائية الحزينة للواقع سينمائياً؟ وكيف يمكن أن تُعبر الصورة بكاميرا مبدعين عن هذا الواقع؟ والأفلام التي قاربت الألم السوري، والآلام العربية، هي محاولة لرصد تحولات في الواقع أسرع من وقت تفكيرنا بها. وهذه المقاربة، سينمائياً، حاولت في عدد من الإنتاجات العربية أن تكون خطوة أبعد من مجرد الدعاية، والخطابات الهشة، والفجة أحياناً، عبر إبداع يحمل إرادة قوية للأسئلة وصياغة الأفكار والرؤى إبداعياً وجمالياً.
ما الذي تستطيع أن تفعله السينما؟ لا شيء، أو لا شيء تقريباً، إذا كان المقصود تغيير مجرى التاريخ, لكنها تستطيع بالمقابل أن تفعل شيئاً، وربما شيئاً كثيراً، إذا كان مطلوب منها أن تخلق «حساسية جديدة» و«أسئلة جديدة» و«تمرداً جديداً على الظلم».